الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الدعاء والتضرع والتكبير عندالقتال واستنجاز الله تعالى ما وعد من نصر المؤمنين
قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45)} {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ
ــ
أيضًا والمذموم عكسهما قال الأزهري إنما كره صلى الله عليه وسلم السجع لمشاكلته كلام الكهنة اهـ.
تتمة
آخر الخبر فقالوا مجيبين له:
نحن الذين بايعوا محمدًا
…
على الجهاد ما بقينا أبدا
أي فلا نضجر مما نحن فيه لأن الوفاء بالعهود لأعظم ما يرام.
باب الدعاء والتضرع والتكبير عند القتال واستنجاز الله ما وعد من نصر المؤمنين
قوله: (فِئة) بكسر الفاء بعدها همزة قال الراغب في مفرداته الفئة الجماعة المتظاهرة التي يرجع بعضهم إلى بعض في التعاضد وحذف الوصف من الآية أي كافرة اكتفاء بقرينة الحال لأن المؤمنين ما كانوا يلقون إلا الكفار واللقاء اسم للقتال غالبًا وأمرهم الله تعالى بالثبات وهو مقيد بآية الضعف وفي البخاري لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية وإذا لقيتموهم فأثبتوا وأمرهم الله تعالى بذكره كثيرًا في هذا الموطن العظيم من مصابرة العدو والتلاحم بالرماح والسيوف وهي حالة يقع فيها الذهول عن كل شيء فأمروا فيها بذكر الله تعالى وهو تعالى الذي يفزع إليه عند الشدائد ففيه تنبيه على أنه ينبغي للعبد ألا يشغله عن ذكر الله تعالى شيء وأنه يلتجئ إليه عند الشدائد يقبل عليه بشراشره فارغ البال واثقًا بأن لطفه تعالى لا ينفك عنه في حال من الأحوال. قوله: (فتفشلوا) قال أبو حيان في النهر الظاهر أنه جواب النهي فيكون منصوبًا ولذلك عطف عليه وتذهب المنصوب لأنه يتسبب عن التنازع الفشل وهو الحذر والجبن عن لقاء العدو ويجوز أن يكون فتفشلوا مجزومًا عطفًا على (وَلَا تَنَازَعُوا) وذلك على قراءة عبسي بالياء وسكون البناء اهـ. قوله: (وتذهب ريحكم)
وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)} {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47)} [الأنفال: 45 - 47] قال بعض العلماء: هذه الآية الكريمة أجمع شيء جاء في آداب القتال.
وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو في قُبَّته: "اللهُمَّ إني أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ، اللهم إنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدَ بَعْدَ اليَوْم" فأخذ
ــ
أي قوتكم ونصركم يقال الريح لفلان إذا كان غالبًا في الأمر قال قتادة وابن زيد لم يكن نصر قط إلا بريح تهب وتضرب وجوه الكفار، قوله:(واصبروا) أي فإن الصبر محمود في كل المواطن خصوصًا مواطن الحرب كما قال تعالى في أول الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا} و. قوله: {بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ} انتصبا على المفعول من أجله وقيل بل هما على الحال أي بطرين مرائين صادين وهذه الآية ولا تكونوا الخ نزلت في أبي جهل وأصحابه لما خرجوا لنصرة العير وكان ما كان من غزوة بدر والبطر في اللغة التقوى بنعم الله تعالى وما أشبه ذلك من العافية على المعاصي. قوله: (ويصدون) أي يمنعون النّاس بإضلالهم. قوله: (قال بعض العلماء الخ) قال المصنف في شرح مسلم قد جمع الله آداب القتال في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} الآية اهـ.
قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم الخ) وأخرج النسائي والطبراني من غير ذكر القبة في بعض الطرق وفي بعضها في قبة بغير ضمير وفي رواية في قبة له ولم يذكر فبهما يوم بدر قال الحافظ وقد أشار الشيخ يعني المصنف إلى بعض هذا الاختلاف. قوله: (أنشُدك) هو بضم الشين
المعجمة أي اسألك الوفاء بما عهدت ووعدت من الغلبة على الكفار والنصر لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإظهار الدين المحمدي قال تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ} الآية وهذا هو العهد وقال تعالى: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ} فهذا هو الوعد. قوله: (إن شئت لم تعبد بعد هذا اليوم) أي إن شئت لا تعبد بعد هذا اليوم أي بأن يسلطوا على
أبو بكر رضي الله عنه بيده فقال: حسبك يا رسول الله فقد ألححت على ربك، فخرج وهو يقول: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ
ــ
المؤمنين قال الكرماني روي أنه صلى الله عليه وسلم نظر إلى الكفار وهم ألف وإلى أصحابه وهم ثلثمائة وبضعة عبر فاستقبل القبلة وقال: اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض فما زال كذلك حتى سقط رداؤه وأخذه أبو بكر رضي الله عنه فألقاه على منكبيه فقال: يا نبي الله كفاك مناشدة ربك فإنه سينجز لك ما وعدك وهذا اللفظ الذي عبر عنه الكرماني بقوله: يروى الخ هو لفظ صحيح مسلم. فالتعبير بهذا اللفظ المؤذن بالتمريض فيه غير قويم قال المصنف قال العلماء هذه المناشدة إنما فعلها النبي صلى الله عليه وسلم ليراه أصحابه بتلك الحالة فتتقوى قلوبهم بدعائه وتضرعه مع أن الدعاء عبادة وقد كان تعالى وعده إحدى الطائفتين إما العير وإما الجيش وكانت العير قد ذهبت وماتت فكان على ثقة من حصول الأخرى ولكن سأل تعجيل ذلك وتنجيزه من غير أذى يلحق المسلمين اهـ وقد بسط الخطابي فقال: قد يشكل معنى هذا الحديث على كثير وذلك إذا رأوا نبي الله صلى الله عليه وسلم يناشد ربه في استنجاز الوعد وأبو بكر يستلزمه يتوهمون أن حال أبي بكر بالثقة إلى ربه والطمأنينة بوعده أرفع من حاله صلى الله عليه وسلم وهذا لا يجوز قطعًا فالمعنى في مناشدته صلى الله عليه وسلم وإلحاحه في الدعاء الشفقة على قلوب أصحابه وتقويهم إذ كان ذلك أول مشهد شهدوه في لقاء العدو وكانوا في قلة من العدد والعدد فابتهل بالدعاء وألح ليسكن ذلك ما في نفوسهم إذ كانوا يعلمون أن وسيلته مقبولة ودعوته مستجابة فلما قال له أبو بكر مقالته: كف عن الدعاء وعلم أنه قد استجيب دعاؤه بما وجد أبو بكر في نفسه من القوة والطمأنينة حتى قال له ذلك القول ويدل عليه تمثله صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: ({سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} وكان صلى الله عليه وسلم في تلك الحالة في مقام الخوف وهو أكمل حالات الصلاة قال القسطلاني في المواهب اللدنية وجاز عنده صلى الله عليه وسلم أن لا يقع النصر يومئذٍ لأن وعده النصر لم يكن معينًا لتلك الواقعة بل كان مجملًا هذا هو الذي يظهر اهـ. وأجاب السهيلي بقوله كان الصديق في تلك الساعة في مقام الرجاء والنبي صلى الله عليه وسلم في مقام الخوف لأن الله يفعل ما يشاء فخاف أن لا يعبد الله في الأرض فخوفه ذلك
أَدْهَى وَأَمَرُّ} [القمر: 46 - 46]، وفي رواية "كان ذلك يوم بدر" هذا لفظ رواية البخاري.
وأما لفظ مسلم فقال: استقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة ثم مدَّ يديه فجعل يهتف بربه عز وجل يقول: "اللهُم أنْجِزْ لي ما وَعدْتَنِي، اللهُم آتِ ما وَعَدْتَنِي، اللهم إنْ تَهْلِكْ هَذِهِ العِصَابَةَ مِنْ أهْلِ الإسْلامِ لا تُعْبَدُ في الأرْضِ" فما زال يهتف بربه
ــ
عبادة اهـ. والأول أولى لأنه إنما كان دعا شفقة على أصحابه قلت ثم رأيت القرطبي أشار في المفهم إليه واقتصر عليه فلله الحمد مع ما ينضم إليه من أداء حق مقام العبودية من التذلل والسؤال الذي هو وظيفة العبد وإن كان المسؤول معلوم الحصول وفيه تنبيه الأمة على دوام الالتجاء والافتقار إلى الله في كل حال من الرخاء والشدة وقد سبق في قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} ما له تعلق بذلك ولعل هذا من أحسن الوجوه والله أعلم. قوله: (وفي رواية) أي للبخاري وسبقت الإشارة إلى ذلك في أول الكلام. قوله: (ببدر) قال المصنف بدر هو الموضع الذي كانت فيه الغزوة العظمى المشهورة وهو ماء معروف على نحو أربع مراحل من المدينة
بينها وبين مكة قال ابن قتيبة بدر بئر كانت لرجل يسمى بدرًا فسميت باسمه قال أبو اليقظان كانت لرجل من غفار. قوله: (وأما رواية مسلم الخ) قال الحافظ ظاهر صنيعه أنه عند مسلم من مسند ابن عباس وليس كذلك إنما هو من مسند عمر من رواية ابن عباس رضي الله عنهم. قوله: (واستقبل القبلة) أي لما رأى كثرة عدد الكفار وقلة عدد المسلمين كما تقدمت الإشارة إليه. قوله: (آت ما وعدتني) كذا في نسخة من الأذكار وفي نسخ مسلم أنجز لي ما وعدتني وكذلك شرح عليه المصنف وأورده الحافظ في إملائه وهو هكذا في نسخة مصححة من الأذكار أي ما وعدتني من النصر والظفر. قوله: (تهلك هذه العصابة) ضبط تهلك بفتح التاء وضمها فعلى الأول الأفصح في السلام الكسر وتفتح في لغة كما في تحفة القاري وعليهما هو برفع العصابة على أنها فاعل وعلى الثاني بنصبها على أنها مفعول والعصابة الجماعة
مادًّا يديه حتى سقط رداؤه.
قلت: يهتف بفتح أوله وكسر ثالثه، ومعناه: يرفع صوته بالدعاء.
وروينا في "صحيحيهما" عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم -في بعض أيامه التي لقي فيها العدو- انتظر حتى مالت الشمس، ثم قام في النّاس قال: "أيها الناسُ لا تَتَمَنَّوْا لِقاءَ العَدُوِّ واسألوا اللهَ العافِيَةَ،
ــ
قال في المواهب وإنما قال صلى الله عليه وسلم: هذا الكلام لأنه علم أنه خاتم النبيين فلو هلك صلى الله عليه وسلم ومن معه حينئذٍ لا يبعث أحد ممن يدعو إلى الإيمان اهـ. لكن استشكل بأنه لا يلزم من هلاك من معه ببدر ألا يعبد سبحانه وتعالى لوجود جملة من المسلمين بالمدينة ومكة وغيرهما من البلاد قال القرطبي: وأجيب باحتمال أنه قال ذلك عن وحي أوحي إليه فمن الجائز أن يكون هلاك تلك العصابة في ذلك الوقت سببًا لفتنة غيرهم فلا يبقى مؤمن على الأرض يعبد الله فنقطع العبادة اهـ أو يقال ليس المراد من العصابة الحاضرين ببدر فقط بل هم وغيرهم من أهل الإيمان وسمي الجميع عصابة لقلتهم بالنسبة إلى كثرة عدوهم وكأنه صلى الله عليه وسلم لما علم أن لا نبي بعده وقدر في نفسه الهلاك عليه وعلى كل من آمن به ونظر إلى سنة الله في العبادات أن لا تتلقى إلا من جهة الأنبياء لزم من ذلك نفي العبادة جزمًا قال القرطبي وهذا أحسن الوجوه قلت والظاهر أنه مراد القسطلاني لكن في كلامه إجمال والله أعلم بحقيقة الحال.
قوله: (يهتف بفتح أوله الخ) قال المصنف في شرح مسلم أي يصيح ويستغيث بالدعاء وفي الحديث استحباب الاستقبال في الدعاء ورفع اليدين فيه وأنه لا بأس برفع الصوت في الدعاء.
قوله: (وروينا في صحيحهما الخ) وكذا رواه أحمد قال الحافظ وأبو داود كما في السلاح. قوله: (لا تتمنوا لقاء العدو) قال الحافظ في الفتح قال ابن بطال حكمة النهي أن المرء لا يعلم ما يؤول إليه الأمر وهو نظير سؤال العافية من الفتن وقد قال الصديق لأن أعافى وأشكر أحب إلي من أن أبتلى وأصبر وقال غيره إنما نهى عن تمني لقاء العدو لما فيه من صورة الإعجاب والاتكال
فَإذَا لَقِيتُمُوهُم فاصْبِرُوا،
ــ
على القوي والوثوق بالقوة وقلة الاهتمام بالعدو وكل ذلك مباين للاحتياط والأخذ بالحزم زاد المصنف
وهو نوع بغي وقد وعد الله من بغى عليه أن ينصره اهـ. وقيل يحتمل النهي على ما وقع الشك فيه في المصلحة أو حصول الضرر وإلا فهو فضيلة ويؤيد الأول تعقيب النهي بقوله واسألا الله العافية اهـ. قال المصنف وقد كثرت الأحاديث في الأمر بسؤال العافية وهي من الألفاظ العامة المتناولة لدفع جميع الآفات في البدن في الباطن والظاهر في الدنيا والآخرة اللهم إني أسألك العافية لي ولأحبابي ولجميع المسلمين وقال ابن دقيق العيد لما كان لقاء الموت من أشق الأشياء على النفس وكانت الأمور الغائبة ليست كالأمور المحققة لم يؤمن أن لا يكون عند الوقوع كما ينبغي فكره التمني لذلك ولما فيه إن وقع من احتمال أن يخالف الإنسان ما وعد من نفسه ثم أمر بالصبر عند وقوع الحقيقة اهـ قال في المفهم أو وجه النهي ما يخاف من إدالة العدو على المسلمين من ظفره بهم وقد ذكر في هذا الحديث وإنهم ينصرون كما تنصرون وقيل لما يؤدى إليه من إذهاب حياة النفوس التي يزيد بها المؤمن خيرًا ويرجى للكافر فيها أن يرجع لا يقال لقاء العدو وقتاله طاعة يحصل منه إما الظفر بالعدو وإما الشهادة فكيف نهى عن تمنيه وقد حض الشارع على طلب الشهادة لأنا نقول لقاء العدو وإن كان جهادًا وطاعة ومحصلًا لأحد الأمرين فلم ينه عن تمنيه لأحد ذينك الأمرين إنما نهى عن تمنيه لأحد الأوجه السابقة ثم هو ابتلاء وامتحان لا يعرف عماذا تسفر عاقبته وقد تحصل غنيمة ولا شهادة بل ضد ذلك وتحرير ذلك أن تمني لقاء العدو المنهي عنه غير تمني الشهادة المرغب فيه لأنه قد يحصل اللقاء ولا تحصل الشهادة ولا الغنيمة فانفصلا اهـ. وأخذ منه الحسن البصري منع طلب المبارزة وكان علي رضي الله عنه يقول: لا تدع إلى المبارزة فإن دعيت إليها فأجب تنصر لأن الداعي باغ لكن قال ابن المنذر: اجمع العلماء على جواز المبارزة والدعوة إليها. قوله: (لقيتموهم) أي العدو وهو يطلق على المفرد والجمع (فاصبروا) على قتالهم ولا تجنبوا عن حربهم فإنه تعالى
واعْلَمُوا أنَّ الجنَّةَ تَحْتَ ظِلالِ السُّيوف"، ثم قال: "اللهُم مُنْزِلَ الكِتابِ، ومُجْرِي السَّحاب، وهازِمَ الأحْزابِ، اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنا عَلَيْهِمْ" وفي رواية: "اللهم مُنْزِل الكِتاب، سَرِيع الحِساب،
ــ
مع الصابرين بالمعونة ففيه الحث على الصبر في القتال وهو أحد أركانه وقد سبقت الآية الجامعة لآدابه أول الباب. قوله: (واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف) في المفهم هذا من الكلام النفيس البديع الجامع لضروب البلاغة من جزالة اللفظ وعذوبته وحسب استعارته وشمول المعاني الكثيرة مع الألفاظ اليسيرة الوجيزة بحيث تعجز الفصحاء اللسن البلغاء عن إبداء مثله وأن يأتوابنظيره وشكله فإنه استفيد منه مع وجازته الحض على الجهاد والإخبار بالثواب عليه والحض على مقاربة العدو واستعمال السيوف والاعتماد عليها واجتماع المقاتلين حين الزحف بعضهم لبعض حتى تكون سيوفهم بعضها يقع على العدو وبعضها يرتفع عليهم حتى كأن السيوف أظلت الضاربين بها ويعني أن الضارب بالسيف في سبيل الله تعالى يدخل الجنة بذلك كما جاء في الحديث الآخر الجنة تحت اقدام الأمهات أي من أبر بأمه وقام بحقها دخل الجنة اهـ. قوله: (منزل الكتاب) بالتخفيف وبجوز تشديده والكتاب يجوز أن يراد به القرآن ويجوز أن يراد به الجنس فيشمل سائر الكتب الإلهية المنزلة إلى الدنيا. قوله: (الأحزاب) جمع حزب وهم الجمع والقطعة من النّاس وسبق في أذكار السعي أن المراد بهم الكفار الذين تحزبوا عليه صلى الله عليه وسلم فحفر من أجلهم الخندق ونصر عليهم بالصبا وأنزل الله جنود لم يرها المؤمنون وكفى الله المؤمنين القتال وسيأتي له مزيد إن شاء الله تعالى في باب تكبير المسافر إذا صعد الثنايا وتسبيحه إذا هبط الأودية. قوله: (اهزمهم) بكسر الزاي أي اغلبهم والضمير للأعداء الموجودين حينئذٍ. قوله:
(وفي رواية) أي في الصحيحين عن عبد الله ابن أبي أوفى المذكور في الرواية قبله وهي كذلك عند أحمد كما قاله الحافظ. قوله: (سريع الحساب) قال القرطبي في المفهم وصف بذلك لأنه يعلم الأعداد المتناهية وغيرها في آن واحد فلا يحتاج في ذلك إلى فكر ولا
اهْزِم الأحْزَابَ، اللهم اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ".
وروينا في "صحيحيهما" عن أنس رضي الله عنه قال: صبح النبي صلى الله عليه وسلم خيبر، فلما رأوه قالوا:
ــ
عقد كما يفعله الحساب منا اهـ. ونقل هذا القول تلميذه في التفسير الكبير ثم قال: قال الحسين: حسابه أسرع من لمح البصر وفي الخبر أن الله تعالى يحاسب في قدر حلب شاة وقيل: المعنى لا يشغله شأن عن شأن فيحاسبهم في حالة واحدة كما قال تعالى {مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إلا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} وقيل لعلي رضي الله عنه: كيف يحاسب الله الخلق يوم القيامة قال كما يرزقهم في يوم ومعنى الحساب تعريف الله عباده مقادير الجزاء على أعمالهم وتذكيرهم إياها بما قد نسوه قال تعالى: {أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ} اهـ. ملخصًا. قوله: (اللهم اهزم الأحزاب الخ) أي زلزل أقدامهم وثبت أقدامنا وقيل: أزعجهم وحركهم بالشدائد وفي النهاية الزلزلة في الأصل الحركة العظيمة والإزعاج الشديد ومنه زلزلت الأرض وهو كناية عن التخويف والتحذير أي اجعل أمرهم مضطربًا متقلقلًا غير ثابت وفي الحديث استعمال السجع في الدعاء قال المصنف هو وغيره دليل لما قاله العلماء إن السجع المذموم في الدعاء هو المتكلف فإنه يذهب الخشوع والخضوع والإخلاص ويلهي عن الضراعة والافتقار وفراغ القلب أما ما حصل بلا كلفة ولا إعمال فكر لكمال الفصاحة ونحو ذلك أو كان محفوظًا فلا بأس به بل هو حسن اهـ. وقال الغزالي المكروه من السجع هو المتكلف لأنه لا يلائم الضراعة والذلة وإلا ففي الأدعية المأثورة كلمات متوازنة لكنها غير متكلفة وكذا قال الحافظ في الفتح فيما رواه البخاري من قول ابن عباس لعكرمة وانظر السجع من الدعاء واجتنبه فإني عهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا يفعلون إلا ذلك قال: فقوله فاجتنبه أي لا تقصد إليه ولا تشغل فكرك به لما فيه من التكلف المانع للخشوع المطلوب في الدعاء وقال ابن التين المراد بالنهي المستكره منه وقال الداودي الاستكثار منه وقال في قوله لا يفعلون إلا ذلك أي ترك السجع وفي رواية لا يفعلون ذلك بإسقاط إلا وهو واضح وكذا أخرجه البزار ولا يرد على ذلك ما وقع في الأحاديث الصحيحة لأنه كان يصدر عن غير قصد إليه ولأجل ذلك يجيء في دعائه الانسجام اهـ.
قوله: (وروينا في صحيحيهما الخ) وأخرجه الترمذي
محمدٌ والخميسُ، فلجؤوا إلى الحصن، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه فقال:"اللهُ أكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إنَّا إذا نَزَلْنَا بِساحَةِ قَوْم فَسَاءَ صَباحُ المُنْذَرينَ".
وروينا بالإسناد الصحيح في سنن أبي داود عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثِنْتانِ لا تُرَدَّانِ -أو قَلَّما تُردَّانِ- الدُّعاءُ عِنْدَ النَّداءِ، وَعِنْدَ البأسِ حِينَ يُلْجِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضا".
قلت: في بعض النسخ المعتمدة "يلحم" بالحاء، وفي بعضها بالجيم، وكلاهما ظاهر.
ــ
وابن ماجه كما في الحصن ومالك وأحمد مطولًا كما قاله الحافظ. قوله: (محمد والخميس) هو الجيش كما وقع في نسخة من الأذكار وقد فسره به في البخاري قال سمي خميسًا لأنه خمسة أقسام ميمنة وميسرة ومقدمة ومؤخرة وقلب قال القاضي رويناه برفع الخميس عطفًا على قوله محمد وبنصبه على أنه مفعول معه اهـ. قوله: (الله أكبر) فيه استحباب التكبير عند لقاء العدو. قوله: (خربت خيبر) بكسر الراء جملة خبرية مبني دعائية
معنى قال القاضي: تفاءل صلى الله عليه وسلم بخرابها لما رآه في أيديهم من آلة الخرب من الفؤوس والمساحي وغيرها وقيل أخذه من اسمها والأصح أنه أعلمه الله بذلك كذا قاله المصنف في شرح مسلم. قوله: (بساحة قوم) أي بفنائهم والعرب تكني بذكر الساحة عن القوم. قوله: (فساء صباح المنذرين) أي فبئس صباح من أنذر بالعذاب فلم يؤمن ومنه إباحة القتل في الدنيا والصباح مستعار من صباح الجيش المبيت لوقت نزول العذاب ولما كثر فيهم الهجوم والغارة في الصباح سموا الغارة صباحًا وإن وقعت في وقت آخر قال المصنف ففيه جواز الاستشهاد في مثل هذا السياق بالقرآن في الأمور المحققة وقد جاء لهذا نظائر كثيرة ومنه ما جاء في فتح مكة جعل صلى الله عليه وسلم يطعن الأصنام يقول جاء الحق وزهق الباطل وما يبدي الباطل وما يعيد قال العلماء ويكره من ذلك ما كان على ضرب الأمثال في المحاورات والمزاح ولغو الحديث فيكره ذلك تعظيمًا للقرآن.
قوله: (وروينا بالإسناد الصحيح في سنن أبي داود الخ) تقدم
وروينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي عن أنس رضي الله عنه قال: كان - رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا قال: "اللهُم أنْتَ عَضُدِي وَنَصِيري، بِكَ أحُولُ، وَبِكَ أصُولُ، وبِكَ أُقاتِلُ". قال الترمذي: حديث حسن.
قلت: معنى عَضُدِي: عوني. قال الخطابي: معنى أحُول: أحتال. قال: وفيه وجه آخر، وهو أن يكون معناه: المنع والدفع، من قولك: حال بين الشيئين: إذا منع أحدهما من الآخر،
ــ
الكلام على ما يتعلق به سندًا ومتنًا في باب الدعاء عند الأذان. قوله: (وروينا في سنن أبي داود الخ) قال في الجامع الصغير ورواه ابن ماجه وأحمد وابن حبان والضياء كلهم عن أنس زاد الحافظ وأخرجه الطبراني في الدعاء وقال قوله بك أجول وبك أصول لم يقع في رواية غير أبي داود ممن ذكر وقد أخرجه عنه أبو عوانة بالزيادة ووقع بمعنى هذه الزيادة في حديث صهيب عند النسائي بلفظ أحاول وأصاول وفي حديث ابن عباس بلفظها عند الطبراني وفي آخره ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ووجدت في مسند الحارث من طريق أبي مجلز عن أنس مثل هذا الحديث بدون هذه الزيادة اهـ. قوله: (عضدي) بفتح فضم أي قوتي أو ناصري ومعيني وفي القاموس العضد بالفتح وبالضم وبالكسر وككتف ويدين وعنق ما بين المرفق إلى الكتف والعضد الناحية والناصر والمعين وهم عضدي وأعضادي (ونصيري) أي ناصري كما في رواية فهو عطف تفسير على التفسير الثاني لعضدي. قوله: (بك أحول) أي بقوتك وقدرتك أحول. قوله: (وأصول) من الصولة وهي السطوة ومنه الجمل الصائل. قوله: (معنى أحول الخ) وقيل معناه أتحرك وأتصرف وأجول ومعنى أحاول الواقع في رواية النسائي أعالج الأعداء وأدافعهم
وهو للمبالغة. قوله: (قال الترمذي حديث حسن) لفظه حديث حسن غريب وقال الحافظ بعد تخريجه إنه حديث صحيح أخرجه أبو داود
فمعناه: لا أمنع ولا أدفع إلا بك.
وروينا بالإسناد الصحيح في سنن أبي داود والنسائي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خاف قومًا قال: "اللهُم إنَّا نَجْعَلُكَ في نُحُورِهِمْ، وَنَعُوذُ بِك مِنْ شُرُورِهِمْ".
وروينا في كتاب الترمذي عن عُمارة بن زَعْكَرَةَ رضي الله عنه قال:
ــ
والترمذي وابن حبان الخ.
قوله: (وروينا بالإسناد الصحيح الخ) سبق الكلام على ما يتعلق به متنًا وإسنادًا في باب ما يقول إذا خاف قومًا. قوله: (وروينا في كتاب الترمذي الخ) قال الحافظ وأخرجه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة بإسناد الترمذي. قوله: (عن عمارة بن زعكرة) ضبط الشيخ زعكرة قال الحافظ وهو أزدي وقيل: مازني وقيل: كندي ولا يعرف له إلا هذا الحديث قال ابن عبد البر وعمارة يكنى أبا عدي سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى: (إِنَّ عِبَادِي) الخ روى عنه عبد الرحمن بن عائذ اليحصبي. قوله: (إن الله تعالى يقول) فيه دليل لعدم كراهة استعمال ذلك ونقل عن بعض السلف كراهة ذلك وإنما يقال قال الله ورد بقوله تعالى: (وَاللهُ يَقُولُ الحَق) وهذا الحديث من الأحاديث القدسية وهي التي جاءت عن الله تعالى وهي أكثر من مائة حديث وقد جمعها بعضهم في جزء كبير والفرق بينه وبين الوحي المتلو أي القرآن أن القرآن أشرف الكلام المضاف إليه تعالى ليميزه عن غيره بإعجازه من أوجه مذكورة في الشفاء وغيره وكونه معجزة باقية على ممر الدهور محفوظة من التغيير والتبديل وتحريم مسه للمحدث وتلاوته لنحو الجنب وروايته بالمعنى وتعينه في الصلاة وبتسميته قرآنًا وبأن كل حرف منه بعشرة ثوابًا وبامتناع بيعه في رواية عن أحمد وكراهيته عندنا وبتسمية الجملة منه آية وسورة وغيره من باقي الكتب المضافة إليه تعالى والأحاديث القدسية لا يثبت لها شيء من ذلك فيجوز مسه وتلاوته لمن ذكر وروايته بالمعنى ولا يجزئ في الصلاة بل يبطلها ولا يسمى قرآنًا ولا يعطي قارئه بكل حرف عشرًا ولا يمنع ولا يكره بيعه اتفاقًا ولا يسمى بعضه آية ولا سورة أيضًا ثم الحديث القدسي وهو ما نقل إلينا آحادا عنه صلى الله عليه وسلم -
سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن اللهَ تَعالى يَقُولُ: إنّ عَبْدِي كُلَّ عَبْدِي، الذِي يَذْكُرُني وَهُوَ مُلاقٍ قِرْنَهُ" يعني عند القتال. قال الترمذي: ليس إسناده بالقوي.
قلت: زعكرة بفتح الزاي والكاف وإسكان العين
ــ
مع إسنادها لها عن ربه من كلامه تعالى فيضاف إليه تعالى وهو الأغلب ونسبته إليه حينئذٍ نسبة إنشاء لأنه المتكلم به أولًا وقد يضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأنه المخبر به عن الله تعالى بخلاف القرآن فلا يضاف إلا إليه تعالى فيقال فيه قال الله تعالى ويقال في الحديث القدسي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه وهي عبارة السلف وهي أولى وقال تعالى فيما روى عنه نبيه صلى الله عليه وسلم والمعنى واحد وهذا مما ينجغي أن يحفظ لنفاسته وعموم الحاجة إليه والله أعلم.
قوله: (إن عبدي كل إن عبدي) أي الحائز من وصف العبودية الكمال فهو نظير قولهم أنت الرجل علمًا أي الجامع لأوصاف الكمال المتفرقة في الرجال قال الشاعر:
وليس على الله بمستنكر
…
أن يجمع العالم واحد
قوله: (قرنه) بكسر القاف أي كفوه كما في الصحاح وإنما كان كذلك لأن ذكره الله تعالى في ذلك الحال لا يكون إلا عن قوة المعرفة ونفاذ البصيرة وتقدم قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} قال قتادة افترض الله عز وجل ذكره على عباده أشغل ما يكونون عند الضراب بالسيوف وحكم هذا الذكر أن يكون خفيا لأن رفع الصوت في مواطن القتال روي مكروه إذا كان العائط واحدًا أما إذا كان عن الجمع عند الحملة فحسن لأنه يفت في أعضاد العدو كذا في تفسير القرطبي. قوله: (قال الترمذي ليس إسناده بالقوي) قال الحافظ فيه إنه حديث حسن غريب قال: يريد بقوله ليس إسناده الخ ضعف عفير لكن وجدت له شاهدًا قويًّا مع إرساله أخرجه البغوي
المهملة بينهما.
وروينا في كتاب ابن السني عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حُنين: "لا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ العَدُوِّ، فإنَّكُمْ لا تَدْرُونَ ما تُبْتَلَوْن بهِ مِنْهُمْ، فإذا لَقِيتُمُوهُمْ فَقُولُوا: اللهُم أنْتَ ربُّنا وَرَبُّهُمْ، وَقُلُوبُنا وَقُلُوبُهُمْ بِيَدِكَ، وإنَّمَا يَغْلِبُهُمْ أنْت".
وروينا في الحديث الذي قدمناه عن كتاب ابن السني عن أنس رضي الله عنه قال: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة، فلقي العدوّ، فسمعته يقول: "يا مالِكَ يَوْمِ الدِّينِ،
ــ
من طريق جبير بن نفير قال: قال الله تعالى فذكره فلذلك قلت: حسن وقوله غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه غرابته من جهة تفرد عفير بوصله وإلا فقد وجد من وجه آخر وعفير بعين مهملة ففاء فتحية فراء مصغرًا واسمه عثمان بن عبيد والله أعلم.
قوله: (وروينا في كتاب ابن السني الخ) ولفظ الحديث عن جابر لما كان يوم خيبر بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا يخبره فجاء محمد بن مسلمة فقال: يا رسول الله ما رأيت كاليوم قط قتل أخي فقال صلى الله عليه وسلم: "لا تتمنوا لقاء العدو فإنكم لا تدرون ما تبتلون به منهم فإذا لقيتموهم فقولوا أنت ربنا وربهم ونواصينا ونواصيهم بيدك وإنما تغلبهم أنت" ثم ذكر بقية الحديث هكذا أسنده الحافظ عن الطبراني وقال أخرجه ابن السني ووقع في النسخة يوم حنين بالمهملة المضمومة والنون وهو تصحيف قديم لأن أخا محمد بن مسلمة واسمه محمود إنما قتل بخيبر اتفاقًا وعند أحمد والطبراني من حديث أبي هريرة: لا تتمنوا لقاء العدو فإنكم لا تدرون ما يكون من ذلك وهذا شاهد لحديث أنس المذكور اهـ وسبق ما يتعلق بمعنى الحديث في أول الباب. قوله: (وإنما تغلبهم أنت) أي ليس الغلب بالكثرة ولا بالقوة قال تعالى: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} وقال الله تعالى: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ} وقال: {وَمَا النَّصْرُ إلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} .
قوله: (وروينا في الحديث الذي قدمناه) أي في باب ما يقول إذا نظر إلى عدوه. قوله: (عن أنس) سبق عن الحافظ أن فيه وهمًا وهو أنه من رواية أنس عن أبي طلحة عند ابن السني وكان أذكر أبي طلحة سقط عند المصنف. قوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} أي يوم القيامة
إياكَ نَعْبُدُ وإيَّاك نَسْتعِينُ، فلقد رأيت الرجال تصرع تضربها الملائكة من بين أيديها ومن خلفها.
وروى الإِمام الشافعي رحمه الله في "الأم" بإسناد مرسل عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: اطْلُبُوا اسْتِجَابَة الدُّعاءِ عِنْدَ الْتِقاءِ الجُيُوشِ، وَإقَامَةِ الصلاةِ، وَنُزُولِ الغَيثِ".
قلت: ويسحبُّ استحبابًا متأكدًا أن يقرأ ما تيسر له من القرآن، وأن يقول دعاء الكرب الذي قدَّمنا ذِكْره.
وأنه في "الصحيحين""لا إله إلا اللهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لا إله إلَّا اللهُ رَب العَرْشِ العَظِيمِ، لا إلهَ إلَّا الله ربُّ السموَاتِ وَرَبُّ الأرْضِ وَرَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ".
ويقول ما قدمناه هناك في الحديث الآخَر: "لا إلهَ إلَّا اللهُ الحَلِيمُ الكَرِيمُ، سُبْحانَ الله رب السموَات السَّبْعِ وَرَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لا إلهَ إلَّا أنْتَ، عَزَّ جارُكَ وَجَل ثنَاؤْكَ".
ويقول ما قدمناه في
ــ
وخص بالذكر مع أنه تعالى مالك كل زمان للتنبيه على عظم ذلك اليوم لما يقع فيه. قول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} ) أي لا غير أي أفردك بالعبادة ولا أقصد بها سواك {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} أي أسأل منك وحدك العون فأنت نعم
المعين. قوله: (فلقد رأيت الرجال تضربها الملائكة الخ) سبق في الباب السابق عن بعضهم أن الملائكة لم تقاتل معه صلى الله عليه وسلم إلا في بدر وحنين وباقي المغازي تشهدها ولا تقاتل فيها لكن في صحيح مسلم عن سعد بن أبي وقاص ما يقتضي أنها قاتلت في يوم أحد أيضًا والله أعلم ثم قوله تضر بها الملائكة يحتمل أن يكون المراد منه القتل على سبيل الاستعارة التبعية ويحتمل أن يكون المراد تثبيط العدو وإبطال شأنه كما نزل في قوله تعالى في وقعة الأحزاب {وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} فأزعجت الأحزاب ورجعوا فارين {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَال وَكَانَ اللَّهُ قَويًّا عَزِيزًا} والله أعلم بحقيقة الحال وقوله (تصرع) يؤيد الأول. قوله: (وروى الشافعي في الأم الخ) تقدم ما يتعلق به سندًا ومتنًا في آخر باب صلاة الاستسقاء. قوله: (ويستحب استحبابًا مؤكدا الخ) أي لأنه أفضل الذكر المأمور بالإكثار منه لقوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} . قوله: (وأن يقول دعاء الكرب) تقدم
الحديث الآخر: "حَسْبُنا اللهُ ونعْمَ الوَكِيلُ".
ويقول: "لا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلَّا بالله العَلي العظِيمِ، ما شاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إلَّا بالله، اعْتَصَمْنا بالله، اسْتَعَنَّا بالله، تَوَكَّلْنا على الله". ويقول: "حَصَّنْتَنا كُلَّنا أجمَعينَ بالحَي القَيُّوم الَّذِي لا يَمُوتُ أبَدًا، وَدَفَعْت عَنا السَّوءَ بلا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ العَلي العَظِيم".
ويقول: "يا قديمَ الإحْسانِ،
ــ
الكلام عليه إسنادًا ومتنًا في باب دعاء الكرب. قوله: (ويقول لا حول ولا قوة إلا بالله الخ) يعني به ما قدمناه في حديث سعد بن أبي وقاص السابق في باب فصل الذكر قال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله علمني كلامًا أقوله قال: قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له الله أكبر كبيرًا والحمد الله كثيرًا وسبحان الله رب العالمين ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم أخرجه أحمد ومسلم وغيرهما كما سبق مع ما يتعلق به في الباب المذكور وسبق في باب ما يقول إذا وقع في ورطة حديث على مرفوعًا إذا وقعت في ورطة فقل بسم الله لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم رواه الطبراني وابن السني بسند ضعيف. قوله: (ما شاء الله ولا قوة إلا بالله) سبق الكلام على ما يتعلق بمتنه في باب ما يقال لدفع الآفات وعلى سنده في باب ما يقول إذا انقض الكوكب قال الحافظ في الكلام على هذا الذكر إلى آخر ما في الباب قلت: أكثرها مقطوعة وتقدم من المرفوع أشياء في دعاء الكرب وغيره. قوله: (اعتصمنا بالله) أي استمسكنا به واعتمدنا عليه. قوله: (توكلنا على الله)
أي اكتفينا بتدبيره عن كل التدبير واعتمدنا عليه في النقير والقطمير. قوله: (حصنتنا كلنا) بضم التاء من حصنت ولم يتحد الفاعل والمفعول إذا الفاعل هو المتكلم والمفعول هو وغيره فلا يقال هذا مخالف لما استقر أن من خواص أفعال القلوب جواز اتحاد فاعلها ومفعولها نحو رأيتني وكلنا بالنصب تأكيد ضمير المفعول. قوله: (بالحي القيوم) أي القائم بأمر السموات والأرض وما بينهما أي ومن كان كذلك فحصنه منيع وأمنه رفيع.
قوله: (يا قديم الإحسان) أي لا أولية لصفاته كما لا آخر لها لأن الأولية والآخرية من أوصاف الحادث وهو ما عدا الصانع وأوصافه هذا إن أريد بالإحسان إرادته وإن أريد منه الفعل أو الأثر أي المنعم به فمعنى قدمه مجيئه كذلك على الدوام فيما مضى من الليالي والأيام فما من لحظة إلا وله ألوف من النعم وصنوف
يا مَنْ إحْسانُهُ فَوْقَ كُل إحْسانٍ، يا مالِكَ الدُّنيا والآخِرَةِ، يا حَيُّ يا قَيُّومُ، يا ذَا الجَلالِ والإكْرَام، يا مَنْ لا يُعْجِزُهُ شَيْء وَلا يَتَعَاظَمُهُ شيء، انْصُرْنا على أعْدَائنا هَؤلاءِ وغَيْرِهِمْ، وأظْهِرْنا عَلَيْهِمْ في عافِيَةٍ وسَلامَةٍ عامَّةٍ عاجلًا" فكل هذه
ــ
من الإحسان. قوله: (يا من إحسانه فوق كل إحسان) أي لأن إحسانه تعالى لا ينقطع ابدًا ولا يفنى مددًا أو إحسانه تعالى بمحض الفضل لا لعلة والمخلوق ليس كذلك قال تعالى: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا} . قوله: (يا حي يا قيوم) اختار المصنف أنه اسم الله الأعظم ووافقه عليه جمع محققون وعن أنس كان صلى الله عليه وسلم إذا كربه أمر قال: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أخرجه الترمذي وعن أنس قال: كنت جالسًا معه في الحلقة ورجل قائم يصلي فلما ركع وسجد وتشهد قال: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم فقال للصحابة: أتدرون بما دعا قالوا الله ورسوله أعلم قال: والذي نفسي بيده لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطي حديث صحيح أخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد ورجاله ثقات مخرج لهم في الصحيح. قوله: (يا ذا الجلال والإكرام) الجلال العظمة المستلزمة للاتصاف بكل وصف من أوصاف الكمال ومنها التنزه عن كل سمة من سمات النقص والإكرام التفضل على عباده وتقدم فيه تحقيق عن ابن أبي شريف في الفرق بين أوصاف الجلال والجمال في أوائل الكتاب وفي باب الأسماء الحسنى وعن ربيعة بن عامر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ألظوا بياذا الجلال والإكرام أخرجه أحمد والنسائي في الكبرى والحاكم من طريق آخر وقال فيه صحيح الإسناد وقد أورده المصنف في باب جامع الدعوات آخر الكتاب ومعنى ألظوا لازموا وجاء عن عمر موقوفًا عليه ألحوا بالحاء المهملة محل الظاء قال الحافظ وهو قريب من الرواية الأولى. قوله: (ولا يتعاظمه) الضمير المستكن يعود إلى الله تعالى والضمير البارز يعود إلى شيء أي أن الله تعالى لا يتعاظم شيئًا بل الكل