الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب استحباب الحداء للسرعة في السير وتنشيط النفوس وترويجها وتسهيل السير عليها
ــ
هنا كان الحمد مختصًا بالله تعالى إذ من حمد زيدًا على أوصافه الجميلة كإحسانه عاد حمده للباري إذ هو الذي منحه تلك الأفعال وأهله لذلك المنال.
باب استحباب الحداء للسرعة في السير وتنشيط النفوس وترويجها وتسهيل السير عليها
قال الأذفوي في الامتناع في أحكام السماع الحداء بضم الحاء المهملة وكسرها لغتان مشهورتان -قلت الضم في الصحاح والمحكم- ويقال له الحدو- قلت: قال الفيومي في المصباح المنير حدوت بالإبل أحدو حدوًا حثثتها على السير بالحداء مثل غراب اهـ. وهذا يبين أنه ممدود مع ضم العين قال الماوردي في كتابه الحاوي الحداء تحسين الرجز المباح بالصوت الشجي لتخفيف كلال السفر وجذب نشاط النفس وغير الماوردي لم يقصره على الرجز قلت: قال الحافظ لكنه الأكثر ولا أعلم خلافًا في جواز الحداء وقد صرح بنفي الخلاف جماعة منهم الحافظ ابن عبد البر وأبو العباس القرطبي وغيرهما وفي كلام نجم الدين بن حمد أن الحنبلي في الرعاية الكبرى ما يقتضي خلافًا فيه فإنه بعد أن ساق الخلاف في الغناء وإباحته وكراهته وتحريمه قال وقيل الحداء نشد الإعراب كالغناء في ذلك كله وقيل يباح سماعهما ولم أره لغيره فإن ذهب أحد إلى التحريم فيقطع بعدم الاعتداد به فقد ثبت سماع النبي صلى الله عليه وسلم الحداء وكان له حداة وحديث الحبشة ثابت في الصحيحين ولو قيل باستحبابه لكان أقرب فإن فيه تخفيف كلال السفر ونشاط النفس وتقطع الإبل المفاوز وتحمل الأثقال به وقد أشار القرطبي إلى ذلك فقال: ربما يندب إليه وأول من اتخذ الحداء قريش قاله أبو هلال العسكري في كتابه المسمى تأويل الأعمال ومقدمات الأسماء والأفعال وساق سنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينا هو سائر إلى تبوك سمع حداء فأسرع فقال ممن أنتم فقالوا: من مضر قال: وأنا من مضر فاحدوا قالوا: إنا أول من حدا فمنا جبار ومنا يسير قال لبعض أصحابه ألا تنزل فتسوق قال: نحن على ظهورها وما ندري ما نقول فكيف إذا قلنا عند أستاهها فضربه بعصا فصاح
فيه أحاديث كثيرة مشهورة.
ــ
يا يدي يا يدي فسارت الإبل فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وساق قريبًا من ذلك ابن سعد في كتاب الطبقات من حديث طاوس والشافعي في الأم والله أعلم اهـ. قال الحافظ وذكر أبو هلال في الأوائل أن أول من حدا مضر بن نزار وذكر لذلك قصة منقطعة السند وقد وقعت لنا من طريق موصولة وساقها إلى ابن عباس، وفيها أنه قال: أنا أول من حدا قال: وكيف ذلك فذكروا قصة الذي ضرب بذراعيه لما تفرقت الإبل فتبعها وهو يقول: وايداه وايداه فصارت الإبل تجتمع له الحديث قال الحافظ وذكر أبو شجاع الديلمي في كتاب الفردوس عن علي رفعه أن أول من تغنى وزمر وحدا إبليس قال الحافظ: ولم أقف له على أصل ولا ذكر له ولده أبو منصور في مسنده سندًا وأخرج البزار حديث ابن عباس وقال في روايته: كان لنا غلام ومعه إبل فنام فتفرقت الحديث قال البزار تفرد به زمعة وفيه ضعف وكذا في شيخه وقد رواه عمرو بن دينار أحد الأثبات عن عكرمة فأرسله ولم يذكر ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير إلى الشام فسمع حاديًا فقال: أسرعوا بنا إلى هذا الحادي فأدركوه وذكر الحديث وفيه أنا أول من حدا الإبل في الجاهلية أغار رجل على إبل فاستاقها وقال لغلامه اجمعها فتفرقت منه فذكره وفي آخره
فضحك صلى الله عليه وسلم قال الحافظ: تبين من هنا أن قول العسكري: أنا أول من حدا مضر أراد به القبيلة ويجمع بينه وبين نقل الديلمي إن ثبت بأن هذه أولية لأنس اهـ. وفي أوائل السيوطي أن أول من حدا غلام من مضر ثم أورد حديث البزار عن ابن عباس وحديث ابن أبي شيبة عن مجاهد مرسلًا. قوله: (فيه أحاديث كثيرة مشهورة) أي فمن أحاديثه حديث أنس قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة في عمرة القضية وعبد الله بن رواحة يمشي بين يديه يقول:
خلوا بني الكفار عن سبيله
…
نحن ضربناكم على تنزيله
ضربا يزيل الهام عن مقيله
…
ويذهل الخليل عن خليله
فقال له عمر: يابن رواحة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حرم الله
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تقول الشعر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: خل عنه يا عمر فلهي أسرع فيهم من نضح النبل قال الحافظ حديث صحيح أخرجه الترمذي والنسائي وابن خزيمة والبزار وأبو يعلى كلهم من طريق عبد الرزاق عن جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس ووقع في رواية البزار بدل قوله نحن ضربناكم الخ:
قد أنزل الرحمن في تنزيله
…
بأن خير القتل في سبيله
وهذا الحديث قدمنا ذكره وذكر طرقه في باب استحباب الرجز في الحرب إلا أنا هنا نذكر فائدة نفيسة ذكرها الحافظ فقال: قال الترمذي بعد تخريجه حديث حسن غريب وفي روي عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة في عمرة القضاء وكعب بن مالك بين يديه فذكر الحديث قال: وهذا أصح عند بعض أهل الحديث لأن عبد الله بن رواحة قتل بمؤتة وإنما كانت عمرة القضاء بعد ذلك قال الحافظ كذا قال وليس بجيد لأن عمرة القضاء كانت في ذي القعدة سنة سبع بلا خلاف وعبد الله بن رواحة كان ثالث الأمراء في غزوة مؤتة فاستشهد فيها، وكان ذلك في جمادى سنة ثمان وسبب الوهم أنه وقع في بعض الطرق غزوة الفتح بدل القضاء وهذا هو الذي يصح فيه ذكر كعب بن مالك لا ابن رواحة لأن الفتح كان في رمضان منها وفي وصل طريق عبد الرزاق عن معمر البزار والدارقطني في الإفراد والطبراني والبيهقي وغيرهم فمنهم من ذكر كعب بن مالك ومنهم من ذكر ابن رواحة كرواية عبد الرزاق عن جعفر.
فائدة
عبد الله بن رواحة أحد شعرائه صلى الله عليه وسلم، وهم حسان بن ثابت وكعب بن مالك وابن رواحة، ولما نزل قوله تعالى:{وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله نزلت هذه الآية فأنزل الله: {إلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} الآية فقال صلى الله عليه وسلم: أنتم هم قال ابن عبد البر: فيه دليل على أن الشعر لا يضر المؤمنين كذا في الإمتاع.
ومنها حديث عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن رواحة لو حركت بنا الركاب فقال: لو نزلت تولى فقال له عمر: اسمع وأطع فقال عبد الله بن رواحة: اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا
صلينا، فأنزلن سكينة علينا، وثبت
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الأقدام إن لاقينا، فقال صلى الله عليه وسلم: ارحمه فقال عمر: وجبت قال الحافظ حديث صحيح أخرجه النسائي من طريقين كلاهما عن قيس بن أبي حازم لكن في إحداهما عن عمر الخ وفي الأخرى عن قيس عن ابن رواحة قال المزي في الأطراف الأول أشبه قال الحافظ يعني لأن قيسًا سمع من عمر ولم يلق ابن رواحة فإنه استشهد في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيس لم يهاجر إلا بعد النبي صلى الله عليه وسلم والجمع بين إنكار عمر وأمره حمل الإنكار على أنه سابق فلما بين له النبي صلى الله عليه وسلم الحكم أمر به لاحقًا وكان ذلك بعد رجوعهم وقد تقدم هذا الرجز من قول عامر بن الأكوع بزيادة فيه في حديث سلمة بن الأكوع وفيه كان عمي رجلًا شاعرا فنزل يحدو الحديث وتقدمت طرقه في باب قول الرجل حال القتال أنا فلان.
ومنها حديث أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدًا بعد المغرب ومعه أصحابه رضي الله عنهم إذ مرت به رفقة يسيرون وسائقهم يقرأ وقائدهم يحدو فقام صلى الله عليه وسلم مسرعًا حتى أدركهم فقال أين تريدون قالوا نريد اليمن قال: فما يسيركم هذه الساعة فذكر الحديث في كراهة السير فيها وذكر وصايا للمسافر إن قال: وأما أنت يا سائق القوم فعليك ببعض كلام العرب من رجزها فإذا كنت راكبًا فاقرأ قال الحافظ بعد أن أخرجه من طريق الطبراني في الأوسط قال الطبراني تفرد به سليم قلت وهو مولى الشعبي وقد ضعفوه لكن قال ابن عدي: لم أر له حديثًا منكرًا لكنه لا يتقن الإسناد قال الحافظ وفي خولف في شيخ الشعبي في بعض هذا الحديث ومخالفه ضعيف أيضًا ومنها عن أنس كان البراء بن مالك يعني أخاه رضي الله عنه يحدو بالرجال وكان أنجشة يحدو بالنساء وكان حسن الصوت وكان إذا حدا أعنقت الإبل فقال صلى الله عليه وسلم: "رويدك يا أنشجة سوقك بالقوارير" قال الحافظ حديث صحيح أخرجه أحمد وأخرجه الشيخان وسياقهما أتم لكن لم يدرك البراء وفيهما من طريق قتادة عن أنس كان للنبي صلى الله عليه وسلم حاد يقال له: أنجشة وفيه قال قتادة القوارير ضعفة النساء وأخرجه الحافظ عن أنس كان يسوق بأمهات المؤمنين رجل يقال له: أنجشة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رويدك ارفق بالقوارير قال الحافظ أخرجه أحمد اهـ ملخصًا.