الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَدِينَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ، فَلَبِثَ سَنتَيْنِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، وَنَكَحَ عَائِشَةَ وَهْيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، ثُمَّ بَنَى بِهَا وَهْيَ بِنْتُ تِسْعِ سنِينَ.
الثالث:
استُشكل من حيث إنَّ خديجة ماتت قبل الهجرة بثلاث سنين؛ فإذا نكَحها بعد ذلك بثلاثٍ كان نكاحها حالَ الهجرة، أو بعدها، وهو خلافُ ما اتفقوا عليه، فلا يصحُّ، إلا إنْ قيل: تُوفيت قبل الهجرة بخمس سنين، ولهذا قال: أو قَريبًا من ذلك.
ولا يخفَى أن الحديث مُرسَلٌ.
قال الدِّمْيَاطِي: ماتت خديجة في رمضان سنة عشر، وتزوَّج سودة بعدها في رمضان المذكور، ثم تزوَّج عائشة في شوال سنة عشر.
* * *
45 - بابُ هِجْرَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ"، وَقَالَ أَبُو مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ، فَذَهَبَ وَهَلِي إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ، فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ".
(باب هِجْرة النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة)
قوله: (وقال عبد الله بن زيد) موصولٌ في (غزوة حنين).
(وأبو هريرة) موصولٌ في (فضائل الأنصار).
(وقال أبو موسى) موصولٌ في (غزوة خيبر).
(وَهَلي) بفتحتين، أو بسكون الثاني، أي: وَهْمي، يقال: وهلي: إذا أراد شيئًا فذهبَ وهمه إلى غيره، ووهِمَ: غَلِطَ، وأَوهمَ: أسقَط، قاله السُّهَيْلي.
(اليمامة) مدينةٌ باليمَن على مرحلتين من الطائف.
(أو الهجر) وفي أكثرها بدون ألفٍ ولامٍ.
(يثرب) اسم مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، غير منصرفٍ، وسماها بذلك خِطابًا لهم بما يعقلُونه، أو قبْل مجيء النَّهي عن تسميتها بذلك.
* * *
3897 -
حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ يَقُولُ: عُدْناَ خَبَّابًا، فَقَالَ: هَاجَرْناَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نُرِيدُ وَجْهَ اللهِ، فَوَقَعَ أَجْرُناَ عَلَى اللهِ، فَمِنَّا مَنْ مَضَى لَمْ يَأْخُذْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا، مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ نَمِرَةً، فَكُنَّا إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ بَدَتْ رِجْلَاهُ، وَإِذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيهِ بَدَا رَأْسُهُ فَأَمَرَناَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نُغَطِّيَ رَأْسَهُ وَنَجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ شَيْئًا مِنْ إِذْخِرٍ، وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهْوَ يَهْدِبُهَا.
الحديث الأول:
سبق في (الجنائز) في (باب: الكفَن).
والمراد من الأجْر أعمُّ من خير الآخرة؛ إذ مُصْعَب لم يأخُذ من الدُّنيا شيئًا، وأما الآخرة، فمعدَّةٌ له رضي الله عنه.
* * *
3898 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، هُوَ ابْنُ زيدٍ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم".
الثاني:
سبَق أوَّلَ "الجامع".
* * *
3899 -
حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَمْرٍو الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ عَبْدَةَ بْنِ أَبِي لُبَابَةَ، عَنْ مُجَاهِدِ بْنِ جَبْرٍ الْمَكِّيِّ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما كَانَ يَقُولُ: لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ.
3900 -
وَحَدَّثَنِي الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ عَطَاء بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: زُرْتُ عَائِشَةَ مَعَ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيِّ، فَسَأَلْنَاهَا عَنِ الْهِجْرَةِ، فَقَالَتْ: لَا هِجْرَةَ الْيَوْمَ، كَانَ الْمُؤْمِنُونَ يَفِرُّ أَحَدُهُمْ بِدِيِنِهِ إِلَى اللهِ تَعَالَى وَإِلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم مَخَافَةَ أَنْ يُفْتَنَ عَلَيْهِ، فَأَمَّا الْيَوْمَ فَقَدْ أَظْهَرَ اللهُ الإِسْلَامَ، وَالْيَوْمَ يَعْبُدُ رَبَّهُ حَيْثُ شَاءَ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ.
الثالث، والرابع:
(ونية)؛ أي: ثواب النيَّة في الهجرة، أو في الجهاد.
وسبق بيانه أول (الجهاد).
* * *
3901 -
حَدَّثَنِي زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، قَالَ هِشَامٌ: فَأَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ سَعْدًا قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أُجَاهِدَهُمْ فِيكَ مِنْ قَوْمٍ كَذَّبُوا رَسُولَكَ صلى الله عليه وسلم وَأَخْرَجُوهُ، اللَّهُمَّ فَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّكَ قَدْ وَضَعْتَ الْحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ.
وَقَالَ أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، أَخْبَرتْنِي عَائِشَةُ: مِنْ قَوْمٍ كَذَّبُوا نَبِيَّكَ، وَأَخْرَجُوهُ مِنْ قُرَيْشٍ.
الخامس:
(كذبوا رسولك) قال الدَّاوُدي: يعني قُرَيظة، وليس كما قال، بل قُريش؛ لأنهم الذين أخرجوه من مكة.
(وقال أبان)؛ أي: أبدل لفظ: (الرَّسول) بـ (النبي)، وزاد:(من قُريش).
* * *
3902 -
حَدَّثَنَا مَطَرُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: بُعِثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لأَرْبَعِينَ سَنَةً، فَمَكُثَ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً يُوحَى إِلَيْهِ، ثُمَّ أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ فَهَاجَرَ عَشْرَ سِنِينَ، وَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ.
3903 -
حَدَّثَنِي مَطَرُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَكَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَتُوُفِّي وَهْوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ.
السابع، والثامن:
معناهما ظاهرٌ.
* * *
3904 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ عُبَيْدٍ -يَعْنِي ابْنَ حُنَيْنٍ-، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: "إِنَّ عَبْدًا خَيَّرَهُ اللهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا مَا شَاءَ، وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ،
فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ"، فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا، فَعَجِبْنَا لَهُ، وَقَالَ النَّاسُ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الشَّيْخِ، يُخْبِرُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ عَبْدٍ خَيَّرَهُ اللهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ وَهْوَ يَقُولُ: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا. فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ الْمُخَيَّرَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ هُوَ أَعْلَمَنَا بِهِ.
وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبَا بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِنْ أُمَّتِي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، إِلَّا خُلَّةَ الإِسْلَامِ، لَا يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجدِ خَوْخَةٌ إِلَّا خَوْخَةُ أَبِي بَكْرٍ".
التاسع:
(انظروا) تعجَّبوا من تَفديته؛ إذ لم يفهموا المناسبةَ بين الكلامين.
(المُخَيَّر) بفتح الياء: خيَّرهُ الله تعالى بين بقائه في الدُّنيا ورحلته إلى الآخرة.
(إلا خلة) استثناءٌ منقطعٌ؛ [أي]: لكن خَلَّة الإسلام أفضل، وقال الدَّاوُدي: المَحفُوظ: أُخوَّة الإسلام، وأنكر القَزَّاز ذلك من جهة العربية.
وقيل: نفَى الخلة المختصة بالإنسان، وأوجَب العامة، وهي الإسلام.
(خَوخة) بفتح المعجمة: الباب الصَّغير.
وسبق الحديث في (باب: الخوخة في المسجد).
* * *
3905 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلَّا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم طَرَفَيِ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً، فَلَمَّا ابْتُلِيَ الْمُسْلِمُونُ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا نَحْوَ أَرْضِ الْحَبَشَةِ، حَتَّى بَلَغَ بَرْكَ الْغِمَادِ لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ وَهْوَ سَيِّدُ الْقَارَةِ، فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَخْرَجَنِي قَوْمِي، فَأُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِي الأَرْضِ وَأَعْبُدَ رَبِّي، قَالَ ابْنُ الدَّغِنَةِ: فَإِنَّ مِثْلَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ لَا يَخْرُجُ وَلَا يُخْرَجُ، إِنَّكَ تَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، فَأَناَ لَكَ جَارٌ، ارْجِعْ وَاعْبُدْ رَبَّكَ بِبَلَدِكَ، فَرَجَعَ وَارْتَحَلَ مَعَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ، فَطَافَ ابْنُ الدَّغِنَةِ عَشِيَّةً فِي أَشْرَافِ قُرَيْشٍ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَا يَخْرُجُ مِثْلُهُ وَلَا يُخْرَجُ، أَتُخْرِجُونَ رَجُلًا يَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَحْمِلُ الْكَلَّ، وَيَقْرِي الضَّيْفَ، وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، فَلَمْ تُكَذِّبْ قُرَيْشٌ بِجِوَارِ ابْنِ الدَّغِنَةِ: وَقَالُوا لاِبْنِ الدَّغِنَةِ: مُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، فَلْيُصَلِّ فِيهَا وَلْيَقْرَأْ مَا شَاءَ، وَلَا يُؤْذِينَا بِذَلِكَ، وَلَا يَسْتَعْلِنْ بِهِ، فَإِنَّا نَخْشَى أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَناَ وَأَبْنَاءَناَ. فَقَالَ ذَلِكَ ابْنُ الدَّغِنَةِ لأَبِي بَكْرٍ،
فَلَبِثَ أَبُو بَكْرٍ بِذَلِكَ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي دَارِهِ وَلَا يَسْتَعْلِنُ بِصَلَاتِهِ، وَلَا يَقْرَأُ فِي غَيْرِ دارِهِ ثُمَّ بَدَا لأَبِي بَكْرٍ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دارِهِ وَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَيَنْقَذِفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكينَ وَأَبْنَاؤُهُم وَهُمْ يَعْجَبُونَ مِنْهُ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا بَكَّاءً، لَا يَمْلِكُ عَيْنَيْهِ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ، وَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ الْمُشْرِكينَ، فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ الدَّغِنَةِ، فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا: إِنَّا كُنَّا أَجَرْناَ أَبَا بَكْرٍ بِجِوَارِكَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دارِهِ، فَقَدْ جَاوَزَ ذَلِكَ، فَابْتَنَى مَسْجدًا بِفِنَاءِ دارِهِ، فَأَعْلَنَ بِالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ فِيهِ، وَإِنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَناَ وَأَبْنَاءَناَ فَانْهَهُ، فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دارِهِ فَعَلَ، وَإِنْ أَبَى إِلَّا أَنْ يُعْلِنَ بِذَلِكَ فَسَلْهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْكَ ذِمَّتَكَ، فَإِنَّا قَدْ كَرِهْنَا أَنْ نُخْفِرَكَ، وَلَسْنَا مُقِرِّينَ لأَبِي بَكْرٍ الاِسْتِعْلَانَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَتَى ابْنُ الدَّغِنَةِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي عَاقَدْتُ لَكَ عَلَيْهِ، فَإِمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ، وإِمَّا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيَّ ذِمَّتِي، فَإِنِّي لَا أُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ الْعَرَبُ أَنِّي أُخْفِرْتُ فِي رَجُلٍ عَقَدْت لَهُ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَإِنِّي أَرُدُّ إِلَيْكَ جِوَارَكَ وَأَرْضَى بِجوَارِ اللهِ عز وجل. وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلْمُسْلِمِينَ:"إِنِّي أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لَابَتَيْنِ"، وَهُمَا الْحَرَّتَانِ، فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ، وَرَجَعَ عَامَّةُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ قِبَلَ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"عَلَى رِسْلِكَ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي"، فَقَالَ أَبُو
بَكْرٍ: وَهَلْ تَرْجُو ذَلِكَ بِأَبِي أَنْتَ؟ قَالَ: "نَعَمْ"، فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِيَصْحَبَهُ، وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ وَهْوَ الْخَبَطُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: فَبَيْنَمَا نَحْنُ يَوْمًا جُلُوسٌ فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ قَالَ قَائِلٌ لأَبِي بَكْرٍ: هَذَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُتَقَنِّعًا فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِدَاءٌ لَهُ أَبِي وَأُمِّي، وَاللهِ مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلَّا أَمْرٌ. قَالَتْ: فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَأْذَنَ، فَأُذِنَ لَهُ فَدَخَلَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لأَبِي بَكْرٍ:"أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ"، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ:"فَإِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ"، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: الصَّحَابَةُ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"نَعَمْ"، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَخُذْ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ إِحْدَى رَاحِلَتَيَّ هَاتَيْنِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"بِالثَّمَنِ"، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَجَهَّزناَهُمَا أَحَثَّ الْجَهَازِ، وَصَنَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً فِي جِرَابٍ، فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ قِطْعَةً مَنْ نِطَاقِهَا فَرَبَطَتْ بِهِ عَلَى فَمِ الْجِرَابِ، فَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقِ، قَالَتْ: ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ فَكَمَنَا فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ، يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَهْوَ غُلَامٌ شَابٌّ ثَقِفٌ لَقِنٌ، فَيُدْلِجُ مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ، فَيُصْبحُ مَعَ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ، فَلَا يَسْمَعُ أَمْرًا يُكْتَادَانِ بِهِ إِلَّا وَعَاهُ، حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلَامُ،
وَيَرْعَى عَلَيْهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ مِنْحَةً مِنْ غَنَمٍ، فَيُرِيحُهَا عَلَيْهِمَا حِينَ يَذْهَبُ سَاعَةٌ مِنَ الْعِشَاءِ، فَيَبِيتَانِ فِي رِسْلٍ، وَهْوَ لَبَنُ مِنْحَتِهِمَا وَرَضِيفِهِمَا، حَتَّى يَنْعِقَ بِهَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ، يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلَاثِ، وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ، وَهْوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيٍّ هَادِيًا خِرِّيتًا -وَالْخِرِّيتُ الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ- قَدْ غَمَسَ حِلْفًا فِي آلِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ، وَهْوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ فَأَمِنَاهُ، فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا، وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلَاثِ لَيَالٍ بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلَاثٍ، وَانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَالدَّلِيلُ فَأَخَذَ بِهِمْ طَرِيقَ السَّوَاحِلِ.
3906 -
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَالِكٍ الْمُدْلِجيُّ -وَهْوَ ابْنُ أَخِي سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ- أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ سُرَاقَةَ بْنَ جُعْشُمٍ يَقُولُ: جَاءَناَ رُسُلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ يَجْعَلُونَ فِي رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ دِيَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، مَنْ قَتَلَهُ أَوْ أَسَرَهُ، فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ قَوْمِي بَنِي مُدْلِجٍ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّى قَامَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ جُلُوسٌ، فَقَالَ: يَا سُرَاقَةُ! إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ آنِفًا أَسْوِدَةً بِالسَّاحِلِ أُرَاهَا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ، قَالَ سُرَاقَةُ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُمْ هُمْ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِهِمْ، وَلَكِنَّكَ رَأَيْتَ فُلَانًا وَفُلَانًا انْطَلَقُوا بِأَعْيُنِنَا، ثُمَّ لَبِثْتُ فِي الْمَجْلِسِ سَاعَةً، ثُمَّ قُمْتُ فَدَخَلْتُ فَأَمَرْتُ جَارِيَتِي أَنْ تَخْرُجَ بِفَرَسِي وَهْيَ مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ فَتَحْبِسَهَا عَلَيَّ،
وَأَخَذْتُ رُمْحِي فَخَرَجْتُ بِهِ مِنْ ظَهْرِ الْبَيْتِ، فَحَطَطْتُ بِزُجِّهِ الأَرْضَ، وَخَفَضْتُ عَالِيَهُ حَتَّى أَتَيْتُ فَرَسِي فَرَكِبْتُهَا، فَرَفَعْتُهَا تُقَرَّبُ بِي حَتَّى دَنَوْتُ مِنْهُمْ، فَعَثَرَتْ بِي فَرَسِي، فَخَرَرْتُ عَنْهَا فَقُمْتُ، فَأَهْوَيْتُ يَدِي إِلَى كِنَانَتِي فَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهَا الأَزْلَامَ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا أَضُرُّهُمْ أَمْ لَا، فَخَرَجَ الَّذِي أكرَهُ، فَرَكِبْتُ فَرَسِي وَعَصَيْتُ الأَزْلَامَ، تُقَرِّبُ بِي حَتَّى إِذَا سَمِعْتُ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ لَا يَلْتَفِتُ، وَأَبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ الاِلْتِفَاتَ، سَاخَتْ يَدَا فَرَسِي فِي الأَرْضِ حَتَّى بَلَغَتَا الرُّكْبَتَيْنِ، فَخَرَرْتُ عَنْهَا ثُمَّ زَجَرْتُهَا فَنَهَضَتْ، فَلَمْ تَكَدْ تُخْرِجُ يَدَيْهَا، فَلَمَّا اسْتَوَتْ قَائِمَةً إِذَا لأَثَرِ يَدَيْهَا عُثَانٌ سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ مِثْلُ الدُّخَانِ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِالأَزْلَامِ، فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ، فَنَادَيْتُهُمْ بِالأَمَانِ فَوَقَفُوا، فَرَكِبْتُ فَرَسِي حَتَّى جِئْتُهُمْ، وَوَقَعَ فِي نَفْسِي حِينَ لَقِيتُ مَا لَقِيتُ مِنَ الْحَبْسِ عَنْهُمْ أَنْ سَيَظْهَرُ أَمْرُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ جَعَلُوا فِيكَ الدِّيَةَ، وَأَخْبَرْتُهُمْ أَخْبَارَ مَا يُرِيدُ النَّاسُ بِهِمْ، وَعَرَضْتُ عَلَيْهِمِ الزَّادَ وَالْمَتَاعَ، فَلَمْ يَرْزَآنِي وَلَمْ يَسْأَلَانِي إِلَّا أَنْ قَالَ: أَخْفِ عَنَّا، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَكْتُبَ لِي كِتَابَ أَمْنٍ، فَأَمَرَ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ، فَكَتَبَ فِي رُقْعَةٍ مِنْ أَدِيم، ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَقِيَ الزُّبَيْرَ فِي رَكْبٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا تِجَارًا قَافِلِينَ مِنَ الشَّأْمِ، فَكَسَا الزُّبَيْرُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ ثِيَابَ بَيَاضٍ، وَسَمِعَ الْمُسْلِمُونَ بِالْمَدِينَةِ
مَخْرَجَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَكَّةَ، فَكَانُوا يَغْدُونَ كُلَّ غَدَاةٍ إِلَى الْحَرَّةِ فَيَنْتَظِرُونَهُ، حَتَّى يَرُدَّهُمْ حَرُّ الظَّهِيرَةِ، فَانْقَلَبُوا يَوْمًا بَعْدَ مَا أَطَالُوا انْتِظَارَهُمْ، فَلَمَّا أَوَوْا إِلَى بُيُوتِهِمْ أَوْفَى رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِهِمْ لأَمْرٍ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَبَصُرَ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ مُبَيَّضِينَ يَزُولُ بِهِمُ السَّرَابُ، فَلَمْ يَمْلِكِ الْيَهُودِيُّ أَنْ قَالَ بِأَعْلَى صَوْتهِ: يَا مَعَاشِرَ الْعَرَبِ! هَذَا جَدُّكُمُ الَّذِي تَنْتَظِرُونَ، فَثَارَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى السِّلَاحِ، فَتَلَقَّوْا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِظَهْرِ الْحَرَّةِ، فَعَدَلَ بِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ حَتَّى نَزَلَ بِهِمْ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَذَلِكَ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّاسِ، وَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَامِتًا، فَطَفِقَ مَنْ جَاءَ مِنَ الأَنْصَارِ مِمَّنْ لَمْ يَرَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُحَيِّي أَبَا بَكْرٍ، حَتَّى أَصَابَتِ الشَّمْسُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى ظَلَّلَ عَلَيْهِ بِرِداَئِهِ، فَعَرَفَ النَّاسُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ، فَلَبِثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، وَأُسِّسَ الْمَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، وَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَسَارَ يَمْشِي مَعَهُ النَّاسُ حَتَّى بَرَكَتْ عِنْدَ مَسْجِدِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ، وَهْوَ يُصَلِّي فِيهِ يَوْمَئِذٍ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ مِرْبَدًا لِلتَّمْرِ لِسُهَيْلٍ وَسَهْلٍ غُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي حَجْرِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ:"هَذَا إِنْ شَاءَ اللهُ الْمَنْزِلُ"، ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْغُلَامَيْنِ، فَسَاوَمَهُمَا بِالْمِرْبَدِ لِيَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا، فَقَالَا: لَا بَلْ نَهَبُهُ لَكَ
يَا رَسُولَ اللهِ، ثُمَّ بَنَاهُ مَسْجِدًا، وَطَفِقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَنْقُلُ مَعَهُمُ اللَّبِنَ فِي بُنْيَانِهِ، وَيَقُولُ وَهُوَ يَنْقُلُ اللَّبِنَ:"هَذَا الْحِمَالُ لَا حِمَالَ خَيْبَرْ، هَذَا أَبَرُّ رَبَّنَا وَأَطْهَرْ"، وَيَقُولُ:"اللَّهُمَّ إِنَّ الأَجْرَ أَجْرُ الآخِرَهْ، فَارْحَمِ الأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ"، فَتَمَثَّلَ بِشِعْرِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُسَمَّ لِي، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَلَمْ يَبْلُغْنَا فِي الأَحَادِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَمَثَّلَ بِبَيْتِ شِعْرٍ تَامٍّ غَيْرِ هَذَا الْبَيْتِ.
العاشر:
(الدِّين): الإسلام.
(ابتلي المسلمون)؛ أي: بإيذاء الكفار لهم.
(برْك) بكسر الموحَّدة وفتحها، وسكون الراء.
(الغِماد) بكسر المعجمة، وقد تضمُّ، وبدالٍ مهملةٍ: اسم موضعٍ، بينه وبين مكة خمس ليالٍ، مما يَلي ساحل البحر.
وقال (ش): وادٍ في أقاصي هجَر.
وقال الجَوْهَري: البِرْك كمثل القِرْد: موضعٌ بناحية اليمَن.
(ابن الدَغنة) بفتح المهملة وكسر المعجمة وبنونٍ خفيفةٍ، وبضم الغين وتشديد النون، وبفتح الدال وسكون الغين، اسمه: رَبيْعة بن رُفَيع، والدَّغِنَّة أُمه، كذا [قال] ابن إسحاق.
وقال السُّهَيْلي: اسمه: مالك، وهو أحد الأحابِيْش.
(القارة) بالقاف، وتخفيف الراء: قَبيلةٌ.
(وتكسب المعدوم) فيه ما سبَق في (بدء الوحي) في قول خديجة ذلك للنبيِّ صلى الله عليه وسلم.
(الكل) ما يَثقُل حملُه من القِيام بالعِيال ونحوه ممن لا يَقوم بأمرِ نفْسه.
(جار)؛ أي: ناصِر، حامِي، مُدافِع.
(فلم تكذب)؛ أي: لم تَردَّ، وكلُّ من كذَّب بشيءٍ فقد ردَّه، فأَطلق التكذيبَ وأراد لازمَه.
(نُخفرك) بضم النون، من أَخفَره: نقَضَ عهْدَه.
(بجواز) بضم الجيم، وكسرها.
(يتقصف) بقافٍ، وصادٍ مهملةٍ، ثم فاءٍ، أي: يزدحم عليه حتى يسقُط بعضُهم على بعضٍ ويتكسَّر.
قال (خ): هذا المَحفُوظ، وأما (يتقذَّف)؛ فلا وجْهَ له هنا إلا أن يُجعل من القَذْف، أي: يتدافعُون، فيَقذفُ بعضُهم بعضًا، فيتساقطون عليه.
(أجرنا) بقصر الهمزة.
(ذمتك)؛ أي: العهد.
(نخفرك)؛ أي: ننقُض ذِمَّتَك، يقال: خفرتُ الرجل: أجَرتُه، وحفظتُه، وأَخفرتُه: نقَضتُ عهدَه.
(لابتين)؛ أي: حَرَّتين، والحَرَّة: شِبْه الجبَل من حِجارةٍ سُودٍ، يريد: المدينة، وهي بين حَرَّتَين.
(قِبَل) بكسر القاف.
(رِسلك)؛ أي: هِيْنَتك، أي: لا تَعجَل.
(السمُر) بضم الميم: شجر الطَّلْح.
(الخبط) بفتح المعجمة، والموحَّدة، أي: الورَق المضروب بالعصا، الساقط من الشجر.
(بحر الظهيرة)؛ أي: أول وقْت الحرارة، وهو الهاجِرة.
(متقنعا)؛ أي: مغطِّيًا رأْسَه.
(الصحابة) بالنصب، أي: أُريد المصاحبَة، وأطلبُها، ويجوز الرفع خبرَ مبتدأ مضمرٍ.
(أحث)؛ أي: أُسرِع.
(الجَهاز) بفتح الجيم وكسرها: ما يُحتاج إليه في السَّفَر، ونحوه.
(ثوب) بمثلَّثةٍ.
(فكمنا) من الكُمون، ضِدُّ البُروز، وفي بعضها:(مكَثْنا) من المَكْث.
(عبد الله) في بعضها: (عبد الرَّحمن)، والصَّحيح المشهور الأول.
(ثَقِف) بفتح المثلَّثة، وكسر القاف، وقيل بفتْحها: الحاذِق الفَطِن.
(لَقِن)؛ أي: حسَن التلَقِّي لمَا يَسمعُه، وقيل: سريع الفَهْم.
(فيدلجُ)؛ أي: يخرج في ذلك الوقْت منصرِفًا إلى مكة، يُقال:
أَدلج رباعيًّا، سارَ أوَّل اللَّيل، وقيل: في كله، ادّلج، بتشديد الدال: سارَ في آخرَه.
(كبائت)؛ أي: كمَن باتَ فظهَر ذلك للكفَّار.
(يكادان) مِن قولهم: كِدْتُ الرَّجلَ: إذا طلبتَ له الغَوائل، ومكَرتَ به، وفي بعضها:(يَكتَادان) من باب الافتعال.
(ويرعى)؛ أي: يحفظ.
(فُهَيْرة) بضم الفاء، وفتح الهاء، وسكون الياء، وبراءٍ.
(مِنحة) بكسر الميم، ويُروى: مَنِيْحة، بفتح الميم، وزيادة ياء: هي الشَّاة التي يجعل الرجلُ لبنَها لغيره، ثم يقَع على كل شاةٍ، ونحو ذلك في الناقة، وغيرها.
(رِسل) بكسر الراء: اللبن.
(ورضيفها) بالضاد المعجمة: اللبن يُعلى بالرَّضفة، وهي الحِجارة المُحمَّاة، وقيل: تُحْمى الحجارة فتُلقَى في اللَّبَن الحليب، فتُذهبُ وخامتَه وثقلَه، وقيل: الرَّضِيْف: الناقة المَحلوب، فهو بالجرِّ، وعلى الأول بالرفع.
(ينعق)؛ أي: يَصيح بهما، ويزجُرهما، والنَّعيق: صوت الرَّاعي.
(بها)؛ أي: بالمنْحة، أو بالغنَم، وفي بعضها:(بهما) بالتَّثنية.
(رجلًا) هو عبد الله بن أُرَيقِط، بضم الهمزة، وفتح الراء، وكسر القاف.
(الدِّيْل) بكسر المهملة، وسكون الياء.
(عَدِي) بفتح المهملَة، وكسر الثَّانية، وتشديد الياء.
(خِرّيتًا) بكسر المعجمة، وتشديد الراء.
(حِلْفًا) بكسر المهملة، وسُكون اللام، وبفاءٍ: العَهْد، أي: كان حَليفًا لهم؛ وأخَذَ بنصيبه من عقْدهم، وكانوا إذا تحالفُوا غمَسوا أيمانهَم في دمٍ، أو في خَلُوقٍ، أو نحوهما من شيءٍ فيه تلويثٌ، فيكون ذلك تأْكيدًا للحِلْف، أما:(الحَلِف)، بفتح الحاء، فمصدر: حَلَفَ.
(وائل) بهمزٍ بعد الألف.
(السَّهْمي) بفتح المهملة، وسكون الهاء.
(فأمناه) بقصر الهمزة، وأمَّنْتُه على كذا، وائتَمنتُه بمعنًى.
(سُرَاقة) بضم السين، وتخفيف الراء، وبالقاف.
(ابن جعشم) كذا في بعضها، وهو موافقٌ لكونه ابن أَخيه؛ لكنَّ المشهور كما في بعضها وقالَه ابن عبد البَرِّ: أنَّه سُرَاقَة بن مالِك بن جُعْشُم.
(آنفًا)؛ أي: الساعةَ.
(أسودة)؛ أي: أشخاصًا.
(انطلقوا) بلفْظ الماضي.
(بأعيننا)؛ أي: في نظَرنا مُعاينةً.
(أكمة) بالتحريك: هي الرَّابية المرتفِعة عن الأرض.
(فحططت) بحاءٍ مهملةٍ للأَصِيْلِي، أي: أمكنْت أسفلَه، وحفظْتُ أعلاه؛ لئلَّا يظهَر بَريقُه لمن بَعُدَ منه فيُنذِر به، ويَنكشِف أمرُه.
وبمعجمة للجُمهور، أي: خفَض أعلاه، فأمسكَه بيده، وجر (زُجَّه) ونصبه.
(بِزُجّه) بضم الزاي، وتشديد الجيم: الحديد الذي في أَسفَل الرمح.
(فرفعتها)؛ أي: أسرعتُ بها السَّير.
(تقرب) من التقريب، وهو سَيرٌ دون العَدْو وفوق العادة، وقال الأَصمعي: أن ترفَع الفرَس يدَيها وتضعَهما معًا.
(فأهويت يدي)؛ أي: بسطتُها إليها للأَخْذ.
(كنانتي) هي الخَريطة المُستطيلة من جُلودٍ، وتُجعل فيه السِّهام، وهي الجُعْبَة.
(الأزلام) القِدَاح، وهي السِّهام التي لا رِيشَ لها ولا نَصْلَ، وكانت لهم في الجاهلية هذه الأزلام مكتوبٌ عليها: لا، أو نعم؛ فإذا اتفق لهم أمرٌ من غير قصدٍ كانوا يُخرجونها، فإذا خرَج ما عليه (نعم)، مضى على عزْمه، وإن خرج (لا) انصرَف عنه، والاستِقسام: طلَب معرفة النَّفْع والضُرِّ بالأزْلام، أي: التَّفاؤُل بها.
(ساخت) بمهملةٍ، ثم معجمةٍ: تَسِيخُ، وتَسُوخُ: دخلت، وغابتْ، وغاصتْ.
(إذا) للمفاجأَة.
(لأثر) خبرٌ مقدَّمٌ.
(غبار) مبتدأٌ مؤخرٌ، وفي بعضها:(عُثان) بمهملةٍ مضمومةٍ، ومثلَّثةٍ، ونونٍ: وهو الدُّخْان، وجمعه: عَواثِن، على غير قياس، والأول أصح.
(ساطع)؛ أي: مرتفعٌ، منتشرٌ، ظاهرٌ.
(سيظهر) بالرفع.
(ما يريد الناس)؛ أي: الكفارُ مِن قتْلهم، وأَسْرهم، وجعل الدِّيَة لمَنْ تصدَّى لذلك.
(فلم يرزآني)؛ أي: لم يأْخُذا مني شيئًا، ولم ينقُصا من مالي.
(قال ابن شهاب: فأخبرني عروة) إلى آخره، قال الدِّمْيَاطِي: لم يذكر الزُّبَير بن بكَّار، ولا أهل السِّيَر: أن الزُّبَير لقِيَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في طريق الهجرة قادِمًا من الشام، وكساهم، وإنما هو طلْحة بن عُبيد الله.
قال ابن سعد: لما ارتحل النبي صلى الله عليه وسلم من الحجاز في هجرته إلى المدينة لَقِيَ طلحة بن عُبيد الله من الغَد جائيًا من الشام في عِيْرٍ؛ فكسا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكرٍ من ثياب الشام، وأخبر النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن مَن بالمدينة من المسلمين قد استَبطؤُوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعجل لهم صلى الله عليه وسلم.
(أوفى)؛ أي: أشرَف.
(أُطُم) بضمتين: بناءٌ معمولٌ بالحجارة، كالقَصْر.
(مبيضين)؛ أي: لابِسين الثِّياب البِيض التي كساهم إياها الزُّبَير أو طلْحة، ويحتمل أن يُريد مُستعجلين، قال ابن فارس: يقال: بائض: مُستعجِل، ويدلُّ له قوله:(يزول بهم السراب)، أي: يزول السَّراب عن النظَر بسبب عُروضهم.
قال في "جامع الأصول": أي: ظهرت حركتُهم فيه للعين، والسَّراب: أن ترى شيئًا في شدَّة الحر كالماء؛ فإذا جئتَه لم تلْقَ شيئًا.
(جَدكم) بفتح الجيم، أي: صاحب جَدِّكم، وسُلْطانكم، أو يريد: هذا سَعْدكم، ودولتُكم.
(يُحيّي)؛ أي: يُسلِّم عليه، ويُرحِّبه، وفي بعضها:(يجيء) بالجيم.
(الذي أُسس على التقوى)؛ أي: مسجد قُباء.
(مِرْبدًا)(1) بكسر الميم، وفتح الموحَّدة: البَيْدر الذي يُوضَع فيه التمر.
(لِسُهيل وسَهْل)؛ أي: ابني رافِع النجَّاري.
(زُرَارة) بضم الزاي، وخفَّة الراء الأُولى، الأنْصاري، الخَزْرجي، والمشهور أنهما كانا في حَجْر أخي سَعْد، واسمه أسعَد، أبو أُمامة.
قال في "الاستيعاب": إنه أسعد، لا سعد.
(الحِمال) بالمهملة المكسورة: هو الحِمْل، أي: هذا المَحمول من اللَّبِن.
(1)"مربدًا" ليس في الأصل.
(أبَرُّ)؛ أي: عند الله، أي: أبقى ذُخْرًا، وأكثر ثوابًا، وأدوَم منفعةً، وأطهر من حِمال خيبر من التمر والزبيب.
وفي بعضها: (الجِمال) بالجيم، وهي رواية المُستَمْلي.
(ربنا) منادى مضاف، وفي بعضها مكانه:(دينًا).
واعلم أنَّ هذا كلَّه مرسلٌ؛ لأن عُروة تابعيٌّ.
(بشِعر رجل) يحتمل شِعره هذا، أو شِعرًا غيره، والأول هو المعتمد، والمراد بالرجل: هو عبد الله بن رَواحة.
وهذا بناءً على أن الرَّجَز شِعرٌ، على أنه ليس بموزونٍ؛ فيُشكل من وجهين.
* * *
3907 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ وَفَاطِمَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ رضي الله عنها: صَنَعْتُ سُفرَةً لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ حِينَ أَرَادَا الْمَدِينَةَ، فَقُلْتُ لأَبِي: مَا أَجِدُ شَيْئًا أَرْبُطُهُ إِلَّا نِطَاقِي، قَالَ: فَشُقِّيهِ، فَفَعَلْتُ، فَسُمِّيتُ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ.
الحادي عشر:
سبق شرحه في (كتاب الجهاد)، في (باب: حمل الزاد).
* * *
3908 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا أَقْبَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى
الْمَدِينَةِ تَبِعَهُ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، فَدَعَا عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَسَاخَتْ بِهِ فَرَسُهُ، قَالَ: ادْعُ اللهَ لِي وَلَا أَضُرُّكَ، فَدَعَا لَهُ، قَالَ: فَعَطِشَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَمَرَّ بِرَاعٍ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَأَخَذْتُ قَدَحًا فَحَلَبْتُ فِيهِ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ، فَأَتَيْتُهُ فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ.
الثاني عشر:
(كُثبة) بضم الكاف: قَدْر حَلْبة، وقيل: مِلْءُ القدَح.
* * *
3909 -
حَدَّثَنِي زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَبِي أسُامَةَ، عَنْ هِشَامِ ابْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ رضي الله عنها أَنَّهَا حَمَلَتْ بِعَبْدِ اللهِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَتْ: فَخَرَجْتُ وَأَنَا مُتِمٌّ، فَأَتَيْتُ الْمَدِينَةَ، فَنَزَلْتُ بِقُبَاءٍ، فَوَلَدْتُهُ بِقُبَاءٍ، ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَوَضَعْتُهُ فِي حَجْرِهِ، ثُمَّ دَعَا بِتَمْرَةٍ، فَمَضَغَهَا ثُمَّ تَفَلَ فِي فِيهِ، فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ دَخَلَ جَوْفَهُ رِيقُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ حَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ، ثُمَّ دَعَا لَهُ وَبَرَّكَ عَلَيْهِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الإِسْلَامِ.
تَابَعَهُ خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ رضي الله عنها: أَنَّهَا هَاجَرَتْ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهْيَ حُبْلَى.
الثالث عشر:
(متمّ)؛ أي: لمدَّة الحمْل بإتمام الشهر التاسِع.
(حجره) بفتح الحاء، وكسرها.
(تفل) بمثلَّثةٍ، وفاءٍ، أي: بزَق.
(حَنّكه) التحنيك: أن يُمضَغ تمرٌ، أو شيءٌ غيره ويُدلَك بحنَك الصغير.
(وبرّك)؛ أي: دعا بالبركة عليه.
(تابعه خالد) وصلَه مسلم.
* * *
3910 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: أَوَّلُ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الإِسْلَامِ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَتَوْا بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَأَخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم تَمْرَةً فَلَاكَهَا ثُمَّ أَدْخَلَهَا فِي فِيهِ، فَأَوَّلُ مَا دَخَلَ بَطْنَهُ رِيقُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
الرابع عشر:
(أول مولود ولد في الإسلام)؛ أي: بالمدينة من المهاجرين.
(فلاكها)؛ أي: مضَغَها.
قال السَّفَاقُسي: ظاهره أنَّ اللَّوك قبل أن يُدخلَها في فِيْهِ، ولكنْ في اللغة: أن اللَّوك في الفم، وكأنَّه توهَّم أن الضَّمير لواحدٍ، ولكن الضَّمير في:(لاكَها) للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، أي: علَكَها، وفي:(فيهِ) لابن الزُّبَير.
* * *
3911 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: أَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ وَهْوَ مُرْدِفٌ أَبَا بَكْرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ شَيْخٌ يُعْرَفُ، وَنَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَابٌّ لَا يُعْرَفُ، قَالَ: فَيَلْقَى الرَّجُلُ أَبَا بَكْرٍ، فَيَقُولُ: يَا أَبَا بَكْرٍ! مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْكَ؟ فَيَقُولُ: هَذَا الرَّجُلُ يَهْدِينِي السَّبِيلَ. قَالَ: فَيَحْسِبُ الْحَاسِبُ أَنَّهُ إِنَّمَا يَعْنِي الطَّرِيقَ، وَإِنَّمَا يَعْنِي سَبِيلَ الْخَيْرِ، فَالْتَفَتَ أَبُو بَكْرٍ، فَإِذَا هُوَ بِفَارِسٍ قَدْ لَحِقَهُمْ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! هَذَا فَارِسٌ قَدْ لَحِقَ بِنَا، فَالْتَفَتَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"اللَّهُمَّ اصْرَعْهُ"، فَصَرَعَهُ الْفَرَسُ، ثُمَّ قَامَتْ تُحَمْحِمُ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ! مُرْنِي بِمَ شِئْتَ، قَالَ:"فَقِفْ مَكَانَكَ، لَا تَتْرُكَنَّ أَحَدًا يَلْحَقُ بِنَا"، قَالَ: فَكَانَ أَوَّلَ النَّهَارِ جَاهِدًا عَلَى نَبِيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ آخِرَ النَّهَارِ مَسْلَحَةً لَهُ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَانِبَ الْحَرَّةِ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَى الأَنْصَارِ، فَجَاؤُا إِلَى نَبِيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمُوا عَلَيْهِمَا، وَقَالُوا: ارْكَبَا آمِنَيْنِ مُطَاعَيْنِ، فَرَكِبَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ، وَحَفُّوا دُونَهُمَا بِالسِّلَاحِ، فَقِيلَ فِي الْمَدِينَةِ: جَاءَ نَبِيُّ اللهِ، جَاءَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَأَشْرَفُوا يَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ: جَاءَ نَبِيُّ اللهِ، جَاءَ نَبِيُّ اللهِ. فَأَقْبَلَ يَسِيرُ حَتَّى نزَلَ جَانِبَ دَارِ أَبِي أَيُّوبَ، فَإِنَّهُ لَيُحَدِّثُ أَهْلَهُ، إِذْ سَمِعَ بِهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ وَهْوَ فِي نَخْلٍ لأَهْلِهِ يَخْتَرِفُ لَهُمْ، فَعَجِلَ أَنْ يَضَعَ الَّذِي يَخْتَرِفُ لَهُمْ فِيهَا، فَجَاءَ وَهْيَ مَعَهُ، فَسَمِعَ مِنْ نَبِيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ، فَقَالَ
نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَيُّ بُيُوتِ أَهْلِنَا أَقْرَبُ؟ ". فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ: أَنَا يَا نَبِيَّ اللهِ، هَذِهِ دَارِي، وَهَذَا بَابِي، قَالَ:"فَانْطَلِقْ فَهَيِّئْ لَنَا مَقِيلًا"، قَالَ: قُومَا عَلَى بَرَكَةِ اللهِ. فَلَمَّا جَاءَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَاءَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، وَأَنَّكَ جِئْتَ بِحَقٍّ، وَقَدْ عَلِمَتْ يَهُودُ أَنِّي سَيِّدُهُمْ وَابْنُ سَيِّدِهِمْ، وَأَعْلَمُهُمْ وَابْنُ أَعْلَمِهِمْ، فَادْعُهُمْ فَاسْأَلْهُمْ عَنِّي قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ، فَإِنَّهُمْ إِنْ يَعْلَمُوا أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ قَالُوا فِيَّ مَا لَيْسَ فِيَّ. فَأَرْسَلَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَقْبَلُوا فَدَخَلُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ! وَيْلَكُمُ اتَّقُوا اللهَ، فَوَاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ حَقًّا، وَأَنِّي جِئْتُكُمْ بِحَقٍّ، فَأَسْلِمُوا"، قَالُوا: مَا نَعْلَمُهُ، قَالُوا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَهَا ثَلَاثَ مِرَارٍ، قَالَ:"فَأَيُّ رَجُلٍ فِيكُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ"، قَالُوا: ذَاكَ سَيِّدُناَ وَابْنُ سَيِّدِناَ، وَأَعْلَمُنَا وَابْنُ أَعْلَمِنَا، قَالَ:"أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ؟ "، قَالُوا: حَاشَى لِلَّهِ، مَا كَانَ لِيُسْلِمَ، قَالَ:"أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ؟ "، قَالُوا: حَاشَى لِلَّهِ، مَا كَانَ لِيُسْلِمَ، قَالَ:"أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ؟ "، قَالُوا: حَاشَى لِلَّهِ، مَا كَانَ ليُسْلِمَ، قَالَ:"يَا ابْنَ سَلَامٍ، اخْرُجْ عَلَيْهِمْ"، فَخَرَجَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، اتَّقُوا اللهَ، فَوَاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ، وَأَنَّهُ جَاءَ بِحَقٍّ، فَقَالُوا: كَذَبْتَ، فَأَخْرَجَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
الخامس عشر:
(وهو مردف أبا بكر) قال الدَّاوُدي: يحتمِل أنهما على بَعيرين،
أحدهما يَتلُو الآخر.
قال السَّفَاقُسي: والأول أرجَح؛ لأنَّ المُردَف يكون خَلْف، ولا يصحُّ أن يكون أبو بكر يمشي بين يدَي النبي صلى الله عليه وسلم.
(وأبو بكر شيخٌ)؛ أي: في الصُّورة لدُخول الشَّيْب في لِحْيته دون النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وإلا فالنبيُّ صلى الله عليه وسلم أسَنُّ منه.
قال البيهقي: لأنَّ أبا بكرٍ أسرَعَ إليه الشَّيْب، ولمَّا ماتَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم لم يكُن في لحيته ورأْسه عشرُون شعرةً بيضاء، ومات أبو بكر بعد النبيِّ صلى الله عليه وسلم بسنتين، وثلاثة أشهر، وعشرين يومًا، وعمرهما واحدٌ.
(يعرف)؛ أي: لأنه كان يتردَّد إليهم في التِّجارة.
(فيلقى الرجل أبا بكر) كان ذلك في انتِقالهم من بني عَمْرو بن عَوْف.
والحديث نصٌّ في أنَّه كان في مَسيرهم من مكة إلى المدينة.
(فيحسب)؛ أي: يظنُّ.
(يُحَمْحِم) من الحَمْحَمَة، بمهملتين: صَوت الفرَس.
(لا تتركن) هو مثل: لا تَدْنُ من الأَسَد تَهلِكُ، والكسائي يُجوِّزه.
(مَسْلحة) بفتح الميم: صاحب السِّلاح.
(وحفوا)؛ أي: أَحدَقوا، قال تعالى:{حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} [الزمر: 75].
(يَخْترف) بالمعجمة، أي: يجني الثِّمار.
(وهو)؛ أي: الذي اجتَناه، وفي بعضها:(وهي)؛ أي: الثَّمرة.
(مَقيلًا)؛ أي: مكانًا نَقيلُ فيه، وهو النَّوم نصفَ النهار.
وسبقت حكاية أسئلة ابن سلام في أول (كتاب الأنبياء).
* * *
3912 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، يَعْنِي: عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ فَرَضَ لِلْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ أَرْبَعَةَ آلَافٍ فِي أَرْبَعَةٍ، وَفَرَضَ لاِبْنِ عُمَرَ ثَلَاثَةَ آلَافٍ وَخَمْسَمِائَةٍ، فَقِيلَ لَهُ: هُوَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، فَلِمَ نَقَصْتَهُ مِنْ أَرْبَعَةِ آلَافٍ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا هَاجَرَ بِهِ أَبَوَاهُ. يَقُولُ: لَيْسَ هُوَ كَمَنْ هَاجَرَ بِنَفْسِهِ.
3913 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ خَبَّابٍ، قَالَ: هَاجَرْناَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
السادس عشر:
(نافع عن عُمر) فيه انقطاعٌ؛ لأن نافعًا لم يُدرك عُمر، وفي بعضها:(عن ابن عُمر)، وهو واضحٌ.
(فرض)؛ أي: عيَّن من بيت المال.
(الأولين)؛ أي: الذين صلَّوا القِبْلتين، وقيل: الذين شَهِدوا بدْرًا.
(أربعة ألاف) وفي بعضها زيادة: (في أربعة)، قال (ش): قيل: في أربعة أعوام، وقال (ك): لعلَّ فائدة ذكرها التوزيعُ، وبيانُ أنَّ لكل
مهاجريٍّ أربعةُ ألافٍ، أو المراد في أربعة فُصول.
* * *
3914 -
وَحَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ: سَمِعْتُ شَقِيقَ بْنَ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَبَّابٌ، قَالَ: هَاجَرْناَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَبْتَغِي وَجْهَ اللهِ، وَوَجَبَ أَجْرُناَ عَلَى اللهِ، فَمِنَّا مَنْ مَضَى لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِه شَيْئًا، مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ فَلَمْ نَجدْ شَيْئًا نُكَفِّنُهُ فِيهِ إِلَّا نَمِرَةً كُنَّا إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلَاهُ، فَإِذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ خَرَجَ رَأْسُهُ، فَأَمَرَناَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نُغْطِيَ رَأْسَهُ بِهَا، وَنَجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ مِنْ إِذْخِرٍ، وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرتُهُ فَهْوَ يَهْدِبُهَا.
السابع عشر:
(ووجب)؛ أي: ثبَت، أو شُبِّه بالواجب.
(نَمِرة)؛ أي: كساءً، ولا يُنافي ذلك الرواية السابقة في (الجنائز):(بُرْدةً)؛ لأنَّ البُردة كساءٌ أسوَد مربَّعٌ، وقيل: النَّمِرة بُرْدةٌ من صُوفٍ تلبَسها الأعراب.
(أينعت) بياءٍ، ثم نونٍ: نضَجت.
(يَهْدبها) بكسر المهملة، وضمها.
* * *
3915 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيُّ، قَالَ: قَالَ لِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: هَلْ تَدْرِي مَا قَالَ أَبِي لأَبِيكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَإِنَّ أَبِي قَالَ لأَبِيكَ: يَا أَبَا مُوسَى! هَلْ يَسُرُّكَ إِسْلَامُنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَهِجْرَتُنَا مَعَهُ، وَجِهَادُناَ مَعَهُ، وَعَمَلُنَا كُلُّهُ مَعَهُ، بَرَدَ لَنَا، وَأَنَّ كُلَّ عَمَلٍ عَمِلْنَاهُ بَعْدَهُ نَجَوْنَا مِنْهُ كَفَافًا رَأْسًا بِرَأْسٍ، فَقَالَ أَبِي: لَا وَاللهِ، قَدْ جَاهَدْناَ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَصَلَّيْنَا، وَصُمْنَا، وَعَمِلْنَا خَيْرًا كَثِيرًا، وَأَسْلَمَ عَلَى أَيْدِينَا بَشَرٌ كَثِيرٌ، وَإِنَّا لنرْجُو ذَلِكَ، فَقَالَ أَبِي: لَكِنِّي أَنَا وَالَّذِي نَفْسُ عُمَرَ بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ ذَلِكَ بَرَدَ لنا، وَأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ عَمِلْنَاهُ بَعْدُ نَجَوْناَ مِنْهُ كَفَافًا رَأْسًا بِرَأْسٍ، فَقُلْتُ: إِنَّ أَبَاكَ وَاللهِ خَيْرٌ مِنْ أَبِي.
الثامن عشر:
(بَرَد) بفتحتين، أي: ثبَت، وسلِمَ لنا، يقال: بَرَد على الغريم حقٌّ، أي: ثبَتَ.
(كفافًا)؛ أي: لا لي، ولا عليَّ، وعُمر رضي الله عنه قال ذلك هضْمًا منه لنفسه، أو لمَا رأَى أنَّ الإنسان لا يخلو عن تقصيرٍ في كلِّ خيرٍ يعملُه، أو أراد أن يقَع التَّقاصُّ بينهما، ويبقَى هو سالمًا لما في الدِّين.
* * *
3916 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَبَّاحٍ، أَوْ بَلَغَنِي عَنْهُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، قَال: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما إِذَا قِيلَ لَهُ هَاجَرَ قَبْلَ أَبِيهِ يَغْضَبُ، قَالَ: وَقَدِمْتُ أَنَا وَعُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدْناَهُ قَائِلًا، فَرَجَعْنَا إِلَى الْمَنْزِلِ، فَأَرْسَلَنِي عُمَرُ وَقَالَ: اذْهَبْ فَانْظُرْ هَلِ اسْتَيْقَظَ، فَأَتَيْتُهُ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَبَايَعْتُهُ، ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى عُمَرَ فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّهُ قَدِ اسْتَيْقَظَ، فَانْطَلَقْنَا إِلَيْهِ نُهَرْوِلُ هَرْوَلَةً حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ فَبَايَعَهُ، ثُمَّ بَايَعْتُهُ.
التاسع عشر:
(أو بلغني) هو نوعٌ من الرواية عن المجهول.
(يغضب)؛ أي: يتكلَّم كلامَ الغَضْبان.
(قائلًا) من القَيلُولة.
(نهرول) الهرولة: ضربٌ من السَّير، بين المَشْي والعَدْو.
وغرضه أنه لما كانت بيعتُه متقدِّمةً على بيعة أبيه ظنَّ الناس أنَّ هجرته كانت متقدِّمةً.
* * *
3917 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يُحَدِّثُ، قَالَ: ابْتَاعَ أَبُو بَكْرٍ مِنْ عَازِبٍ رَحْلًا، فَحَمَلْتُهُ مَعَهُ،
قَالَ: فَسَألهُ عَازِبٌ عَنْ مَسِيرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: أُخِذَ عَلَيْنَا بِالرَّصَدِ، فَخَرَجْنَا لَيْلًا، فَأَحْثَثْنَا لَيْلَتَنَا وَيَوْمَنَا حَتَّى قَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ، ثُمَّ رُفِعَتْ لَنَا صَخْرَةٌ، فَأَتَيْنَاهَا وَلَهَا شَيْءٌ مِنْ ظِلٍّ، قَالَ: فَفَرَشْتُ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَرْوَةً مَعِي، ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَانْطَلَقْتُ أَنْفُضُ مَا حَوْلَهُ، فَإِذَا أَنَا بِرَاعٍ قَدْ أَقْبَلَ فِي غُنَيْمَةٍ يُرِيدُ مِنَ الصَّخْرَةِ مِثْلَ الَّذِي أَرَدْناَ، فَسَأَلْتُهُ: لِمَنْ أَنْتَ يَا غُلَامُ؟ فَقَالَ: أَنَا لِفُلَانٍ، فَقُلْتُ لَهُ: هَلْ فِي غَنَمِكَ مِنْ لَبَنٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ لَهُ: هَلْ أَنْتَ حَالِبٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَخَذَ شَاةً مِنْ غَنَمِهِ، فَقُلْتُ لَهُ: انْفُضِ الضَّرْعَ. قَالَ: فَحَلَبَ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ، وَمَعِي إِدَاوَةٌ مِنْ مَاءٍ عَلَيْهَا خِرْقَةٌ قَدْ رَوَّأْتُهَا لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَصَبَبْتُ عَلَى اللَّبَنِ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ، ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللهِ، فَشَرِبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى رَضِيتُ، ثُمَّ ارْتَحَلْنَا وَالطَّلَبُ فِي إِثْرِناَ.
3918 -
قَالَ الْبَرَاءُ: فَدَخَلْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ عَلَى أَهْلِهِ، فَإِذَا عَائِشَةُ ابْنَتُهُ مُضْطَجِعَةٌ قَدْ أَصَابَتْهَا حُمَّى، فَرَأَيْتُ أَبَاهَا فَقَبَّلَ خَدَّهَا، وَقَالَ: كَيْفَ أَنْتِ يَا بُنَيَّةُ؟.
العشرون:
(بالرصد) مصدرٌ، أي: الترقُّب، أو جمع: راصِد.
(فخرجنا)؛ أي: من الغَار.
(فأحيينا)؛ أي: من الإحياء ضِدُّ النَّوم، ويُروى:(فاحتثنا) بمثناةٍ، ثم مثلثةٍ.
(رفعت)؛ أي: ظهَرتْ.
(انفض) بفاءٍ، ومعجمةٍ، أي: أَدفَعُ.
(كثفة) قال (خ): صوابه بالباء، لا بالفاء.
(روّأتها) بتشديد الواو، أي: جعلتُ فيها الماء لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال (ش): يُقال: روَّأْتُ في الأمر تَرويةً: إذا نظرتَ فيه ولم تعجَل.
(والطلب) جمع: طالِب.
(إثرنا) بفتحتين، وبكسر الهمزة، وإسكان المثلَّثة.
ومرَّ الحديثُ مِرارًا، سِوى ما نُبِّه عليه هنا.
(فرأيت) من الرُّؤية، وفي بعضها بالموحَّدة، من قولهم: رابَنِي فُلانٌ: إذا رأيتَ منه ما تكرهُه.
* * *
3919 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حِمْيَرَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي عَبْلَةَ، أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ وَسَّاجٍ حَدَّثَهُ عَنْ أَنَسٍ خَادِمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَلَيْسَ فِي أَصْحَابِهِ أَشْمَطُ غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ، فَغَلَفَهَا بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ.
3920 -
وَقَالَ دُحَيْمٌ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي
أَبُو عُبَيْدٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ وَسَّاجٍ، حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، فَكَانَ أَسَنَّ أَصْحَابِهِ أَبُو بَكْرٍ، فَغَلَفَهَا بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ حَتَّى قَنَأَ لَوْنُهَا.
الحادي والعشرون:
(أشمط) هو الذي يُخالط شعرَه سوادٌ وبياضٌ.
(فغلفها) بمعجمةٍ، ولامٍ مخفَّفةٍ، والضمير عائدٌ على اللِّحية، وإنْ لم يَسبِق ذكرٌ لها، لكن يدلُّ عليها:(أشمط)، أي: لطخَها، وسَترَها.
(والكتم) بفتح التاء المثنَّاة: هو الوَسِمَة، وقيل: نبتٌ يُخلَط بالوَسِمَة، ويُختضب به.
(وقال دحيم) وصلَه الإِسْماعيلي.
(قَنَاء) بفتح القاف والنون، وبهمزةٍ، أي: اشتدَّ حُمرتها، ويجوز ترْك الهمز في لغةٍ، مِن القاني: وهو شديد الحُمرة.
* * *
3921 -
حَدَّثَنَا أَصْبَغُ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ كَلْبٍ يُقَالُ لَهَا: أُمُّ بَكْرٍ، فَلَمَّا هَاجَرَ أَبُو بَكْرٍ طَلَّقَهَا، فَتَزَوَّجَهَا ابْنُ عَمِّهَا، هَذَا الشَّاعِرُ الَّذِي قَالَ هَذِهِ الْقَصِيدَةَ، رَثَى كُفَّارَ قُرَيْشٍ:
وَمَاذَا بِالْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ
…
مِنَ الشِّيزَى تُزَيَّنُ بِالسَّنَامِ
وَمَاذَا بِالْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ
…
مِنَ الْقَيْنَاتِ وَالشَّرْبِ الْكِرَامِ
تُحَيِّي بِالسَّلَامَةِ أُمُّ بَكْرٍ
…
وَهَلْ لِي بَعْدَ قَوْمِي مِنْ سَلَامِ
يُحَدِّثُنَا الرَّسُولُ بِأَنْ سَنَحْيَا
…
وَكَيْفَ حَيَاةُ أَصْدَاءٍ وَهَامِ
الثاني والعشرون:
(بالقليب) هو البِئْر قبل أن تُطوَى.
والمراد: التي ألقَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فيها جِيَف الكفَّار صناديد قُريش في غزوة بدرٍ، فرثاهم الشاعر بذلك.
(الشِّيْزَى) بكسر المعجمة، وسكون الياء، وفتح الزاي، والقصر: شجرٌ تُتخذ منه الجِفان، وأراد نفس الجِفان على تقدير مضافٍ، أي: أصحاب الجِفان، وأصحاب القَينات، وفسَّره الدَّاوُدي بالجِمال، قال: ومعنى: (تزين بالسنام)؛ أي: بالأسنِمة من الإبل، إذا سَمنت تعظُم أسنمتها، ويعظم جمالها، وغُلِّط في ذلك، وإنما أراد المُطعِمين في الجِفان كما سبق، وكانوا يُسمون الرجل الكريم جَفْنة؛ لأنه يُطعم الأضياف فيها.
(القينات) جمع: قَيْنة، وهي المُغنِّية، وفي بعضها:(الفَتيات) جمع: فتاة.
(والشَرْب) بفتح المعجمة، وسُكون الراء: جمع شارِب، عند الأخفَش، كصاحب وصَحْب.
(سنحيا) بالبناء للمفعول، أو للفاعل.
(أصداء) جمع صُداء: وهو ما كانت الجاهلية يزعمونَه من أنَّ رُوح الإنسان تصير طائرًا، يُقال له: الصُّداء، أي: وإذا صار طائرًا، فكيف يصير مرةً أُخرى إنسانًا؟، وكلُّ ذلك من تُرَّهاتهم الباطلة، وقيل: الصَّدى: الذَّكَر من الهام، أو ذكَر البُوم، وذلك من أباطيلهم، وإنكارهم البَعْث.
(وهام) هو الصُّداء، فالعطف تفسيريُّ، وقيل: الصُّداء: هو الطائر الذي يظهر باللَّيل، وقيل: الهام: جُمجُمة الرأس، والصُّداء يخرُج منها.
* * *
3922 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه، قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْغَارِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا أَنَا بِأَقْدَامِ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ! لَوْ أَنَّ بَعْضَهُمْ طَأْطَأَ بَصَرَهُ رَآناَ، قَالَ:"اسْكُتْ يَا أَبَا بَكْرٍ، اثْنَانِ اللهُ ثَالِثُهُمَا".
الثالث والعشرون:
(طاطأ)؛ أي: طامَنَهُ، وأمالَه إلى تحت.
(اثنان) خبر مبتدأ محذوفٍ، أي: نحن اثنان.
(ثالثهما)؛ أي: في معاونتَهما، وتحصيلِ مُرادهما، كما في:{إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40]، وإلا فالله تعالى ثالثُ كلِّ اثنين بعلْمه وقُدْرته.
* * *
3923 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ رضي الله عنه، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ عَنِ الْهِجْرَةِ، فَقَالَ:"وَيْحَكَ إِنَّ الْهِجْرَةَ شَأْنُهَا شَدِيدٌ، فَهَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟ ". قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:"فَتُعْطِي صَدَقَتَهَا؟ "، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:"فَهَلْ تَمْنَحُ مِنْهَا؟ "، قَالَ نَعَمْ، قَالَ:"فَتَحْلُبُهَا يَوْمَ وُرُودِهَا؟ "، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:"فَاعْمَلْ مِنْ وَرَاءَ الْبِحَارِ، فَإِنَّ اللهَ لَنْ يَتِرَكَ مِنْ عَمَلِكَ شَيْئًا".
الرابع والعشرون:
(يمنح منها)؛ أي: تُعطيها لغيرك يحلِبُ منها.
(وردها) بكسر الواو، أي: وُرودها على الماء، وشُربها، وإنما قيَّد بذلك؛ لأنه أرفَق بالإبل وبالمساكين.
(لن يترك) من الوَتْر، وهو النَّقص، أي: لن ينقُصك إذا أدَّيت الحُقوق، ولا عليكَ في إقامتك في وطَنك.
وسبق الحديث في (باب: زكاة الإبل).
* * *