الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثاني:
(أخي)؛ أي: عبد الحميد.
(خذوا)؛ أي: لأجل أن يُعرج به إلى السماء، قيل: وكان مع النبي صلى الله عليه وسلم حينئذٍ، حمزة، وجعفر.
(فكانت)؛ أي: القِصَّة.
(تلك)؛ أي: الحكاية لم يقَع شيءٌ آخر، فإن قيل: ثبت أنه في اليقظة في الروايات الأخرى.
قال (ع): في حديث شَرِيك أوهامٌ أنكروها عليه، منها: قبل أن يُوحى إليه، وهو غلَطٌ لم يوافَق عليه، وشريك ليس بالحافظ، وهو منفردٌ به عن أنس، وسائر الحفاظ لم يَروُوه أيضًا، إن صحَّت، فلم يأتِه عَقِب تلك الليلة، بل بعدها بسنين؛ لأنه إنما أُسري به قبل الهجرة بثلاث سنين، وقيل: بسنتين، وقيل: بسنة.
* * *
25 - بابُ عَلَامَاتِ النُّبُوَّة فِي الإِسْلَامِ
(باب علامات النُّبوَّة)
3571 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا سَلْمُ بْنُ زَرِيرٍ، سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ: أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي
مَسِيرٍ، فَأَدْلَجُوا لَيْلَتَهُمْ حَتَّى إِذَا كَانَ وَجْهُ الصُّبْحِ عَرَّسُوا، فَغَلَبَتْهُمْ أَعْيُنُهُمْ حَتَّى ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ مِنْ مَنَامِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَكَانَ لَا يُوقَظُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَنَامِهِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، فَاسْتَيْقَظَ عُمَرُ فَقَعَدَ أَبُو بَكْرٍ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَجَعَلَ يُكَبِّرُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ، حَتَّى اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَنَزَلَ وَصَلَّى بِنَا الْغَدَاةَ، فَاعْتَزَلَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ لَمْ يُصَلِّ مَعَنَا، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ:"يَا فُلَانُ! مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَنَا؟ ". قَالَ: أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ. فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ بِالصَّعِيدِ، ثُمَّ صَلَّى، وَجَعَلَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَكُوبٍ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقَدْ عَطِشْنَا عَطَشًا شَدِيدًا فَبَيْنَمَا نَحْنُ نَسِيرُ إِذَا نَحْنُ بِامْرَأَةٍ سَادِلَةٍ رِجْلَيْهَا بَيْنَ مَزَادتَيْنِ، فَقُلْنَا لَهَا: أَيْنَ الْمَاءُ؟، فَقَالَتْ: إِنَّهُ لَا مَاءَ، فَقُلْنَا: كَمْ بَيْنَ أَهْلِكِ وَبَيْنَ الْمَاءِ؟ قَالَتْ: يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، فَقُلْنَا: انْطَلِقِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَتْ: وَمَا رَسُولُ اللهِ؟ فَلَمْ نُمَلِّكْهَا مِنْ أَمْرِهَا حَتَّى اسْتَقْبَلْنَا بِهَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَحَدَّثَتْهُ بِمِثْلِ الَّذِي حَدَّثَتْنَا غَيْرَ أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا مُؤْتِمَةٌ، فَأَمَرَ بِمَزَادَتَيْهَا فَمَسَحَ فِي الْعَزْلَاوَيْنِ، فَشَرِبْنَا عِطَاشًا أَرْبَعِينَ رَجُلًا حَتَّى رَوِينَا، فَمَلاناَ كُلَّ قِرْبَةٍ مَعَنَا وَإِدَاوَةٍ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ نَسْقِ بَعِيرًا وَهْيَ تَكَادُ تَنِضُّ مِنَ الْمِلْءِ، ثُمَّ قَالَ:"هَاتُوا مَا عِنْدَكُمْ"، فَجُمِعَ لَهَا مِنَ الْكِسَرِ وَالتَّمْرِ، حَتَّى أَتَتْ أَهْلَهَا، قَالَتْ: لَقِيتُ أَسْحَرَ النَّاسِ، أَوْ هُوَ نبَيٌّ كَمَا زَعَمُوا، فَهَدَى اللهُ ذَاكَ الصِّرْمَ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ فَأَسْلَمَتْ وَأَسْلَمُوا.
الحديث الأول:
(فأدلجوا) الإدلاج بالتخفيف: سيرُ أوَّل الليل، وبالتشديد: آخره.
(عرسوا) هو النُّزول آخر الليل، يقعون فيه وقْعة الاستراحة.
(فجعل يكبر)؛ أي: أبو بكر، نعم، سبق في (التيمم)، وهي رواية مسلم أيضًا: أن عُمر هو الذي كبَّر ورفَع صوتَه حتى استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم، ولا منافاة، فكلاهما فعَلَ ذلك.
(وجعلني) كذا وقَع، وصوابه: عجَّلَني، أي: أمرني بالتعجيل، وكذا رواه مسلم:"ثم عَجَّلَني في ركْبٍ بين يديه يطلُب الماءَ".
(رُكُوب) هو بالضم، جمع راكِب، كشاهد وشهود، وبالفتح: ما يُركَب، فَعولٌ بمعنى مفعول، وقيل: صوابه الأول.
(سادلة)؛ أي: مرسَلة، وسدَل ثوبَه: إذا أرخاه.
(مزادتين) المزادَةُ، بفتح الميم، وتخفيف الزاي: الرَّاوية، وسميت بها؛ لأنه يُزاد فيها جِلْدٌ آخر من غيرها، ولهذا قيل: إنَّها أكبر من القِرْبة.
(إنه) إنَّ وضمير الشأن، وفي بعضها:(أَيْهات) على وزْن (هَيْهات) ومعناه، وفي بعضها:(أَيْها)، قال الجَوْهَري: ومن العرب من يقول: أَيْها، بفتح الهمزة، بمعنى: هيهات.
قال (ن): ومنهم من يقول: أَيْها، بلا تنوين، وبحذف التاء، من أَيْهاتْ.
(مؤتِمة)؛ أي: ذات أيتامٍ، وأيتَمت المرأة: صار أولادُها أيتامًا، وفي بعضها:(مؤتَمة) بفتح المثناة.
(بالعزلاوين) تثنية عَزْلاء، بفتح المهملة، وإسكان الزاي: فَمُ المزادة الأسفل.
(روينا) بكسر الواو، كرَضِيْنا.
(عطاشًا) حالٌ.
(أربعين) بيانٌ له.
(لم نسق بعيرًا) أي: لأن الإبل تصبر.
(تبض) فيها نحو العشر روايات:
الأولى: بمثنَّاةٍ، فنون مكسورة، فضاد معجمة: من نَضَّ الماء من العين، أي: نبعَ، أو سالَ كما قال في"المُحكَم".
ثانيهما: بمثناةٍ، فموحَّدةٍ مكسورةٍ، فضادٍ معجمة، أي: قطَر، وسالَ قليلًا.
ثالثها: بمثناةٍ، فموحدة، ثم صادٍ مهملةٍ: من البَصيص، وهو البريق واللَّمعان: خُروج الماء القَليل.
رابعها: بمثنَّاةٍ، فنون، فضاد معجمة مفتوحة مشدَّدة، وراء مهملة.
خامسها: كذلك، وهو ما في أصْل ابن عساكر، إلا أن المشدَّد الراء: من الضُرِّ.
سادسها: كذلك، إلا أن الصاد مهملة، من قولك: صَرَرتُه فانصرَّ.
سابعها: بمثناةٍ، ثم نون، ثم صاد مهملة مفتوحة، ثم موحدة مشددة، ونُسبت لأبي الهيثم.
ثامنها: للأَصِيْلي: (تَقْطر) بمثناة، وقاف، وطاء، وراء مهملتين.
قيل: وهذه الرِّوايات لا تخلو من نظَر، والصَّواب: تنضَرج، أي: تنشقُّ، من الانضِراج، وكذا رواه مسلم، فكأنه سقَط هنا حرف الجيم، وقد وقع في البخاري هنا تغييراتٌ يُعرف صوابها من كتاب مسلم.
(الصرم) بكسر المهملة: نزولٌ على الماء.
ومرَّ في (التيمم) مطوَّلًا.
قال (خ): فيه أن آنية أهل الشرك طاهرةٌ، وأن الضرورة تُبيح الماء المملوك لغيره بعِوَض، وفيه بركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم.
* * *
3572 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ
سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِإِناَءٍ وَهْوَ بِالزَّوْرَاءِ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الإِناَءِ، فَجَعَلَ الْمَاءُ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، فَتَوَضَّأَ الْقَوْمُ، قَالَ قَتَادَةُ: قُلْتُ لأَنَسٍ: كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: ثَلَاثَمِائَةٍ، أَوْ زُهَاءَ ثَلَاثِمِائَةٍ.
الثاني:
(بالزوراء) بفتح الزاي، وسُكون الواو، وبالراء، ممدودٌ: موضعٌ بسُوق المدينة.
(ينبع) مثلث الموحدة: إما أنه يخرُج من نفْس الأصابع، أو تكثير الماء، فيفُور ببركته من بين أصابعه، وهو أعظم في الإعجاز من نبْعه من الحجَر.
(زهاء) بضم الزاي، والمدِّ، أي: قدْر.
* * *
3573 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ ابْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَحَانَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ، فَالْتُمِسَ الْوَضُوءُ فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَأُتِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِوَضُوءٍ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ فِي ذَلِكَ الإِناَءِ، فَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَتَوَضَّؤُا مِنْهُ، فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ تَحْتِ أَصَابِعِهِ، فتوَضَّأَ النَّاسُ حَتَّى تَوَضَّؤُا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ.
الثالث:
(من عند)؛ أي: إلى (1)، والكوفيون يُجوِّزون إقامة حرْفٍ مكان حرفٍ.
* * *
3574 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُبَارَكٍ، حَدَّثَنَا حَزْمٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ مَخَارِجِهِ وَمَعَهُ ناَسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَانْطَلَقُوا يَسِيرُونَ، فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلَمْ يَجدُوا مَاءً يَتَوَضَّؤُنَ، فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَجَاءَ بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ يَسِيرٍ، فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فتوَضَّأَ، ثُمَّ مَدَّ أَصَابِعَهُ الأَرْبَعَ عَلَى الْقَدَحِ، ثُمَّ قَالَ:"قُومُوا فتوَضَّؤُا"، فتوَضَّأَ، الْقَوْمُ حَتَّى بَلَغُوا فِيمَا يُرِيدُونَ مِنَ الْوَضُوءِ، وَكَانُوا سَبْعِينَ أَوْ نَحْوَهُ.
3575 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُنِيرٍ، سَمعَ يَزِيدَ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنسٍ رضي الله عنه، قَالَ: حَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَقَامَ مَنْ كَانَ قَرِيبَ الدَّارِ مِنَ الْمَسْجدِ يَتَوَضَّأُ، وَبَقِيَ قَوْمٌ، فَأُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمِخْضَبٍ مِنْ حِجَارَةٍ فِيهِ مَاءٌ، فَوَضَعَ كَفَّهُ فَصَغُرَ الْمِخْضَبُ أَنْ يَبْسُطَ فِيهِ كَفَّهُ، فَضَمَّ أَصَابِعَهُ فَوَضَعَهَا فِي الْمِخْضَبِ، فتوَضَّأَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ جَمِيعًا، قُلْتُ: كَمْ كَانُوا؟ قَالَ: ثَمَانُونَ رَجُلًا.
(1)"إلى" ليس في الأصل.
الرابع، والخامس:
(بِمِخْضب) بكسر الميم، وسكون المعجمة، هو المِرْكَن، ومرَّ في (باب الوضوء في المِخْضَب): أنَّه الماء، يبلُغ الخِضاب إذا أدخَل اليد فيه، ويُقال: المُغمَر؛ لأنه يغمُر اليد.
* * *
3576 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ سَالِمٍ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما، قَالَ: عَطِشَ النَّاسُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ يَدَيْهِ ركْوَةٌ، فتَوَضَّأَ فَجَهَشَ النَّاسُ نَحْوَهُ، فَقَالَ:"مَا لَكُمْ"، قَالُوا: لَيْسَ عِنْدَنَا مَاءٌ نتَوَضَّأُ وَلَا نشرَبُ إلا مَا بَيْنَ يَدَيْكَ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الرَّكْوَةِ، فَجَعَلَ الْمَاءُ يَثُورُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ كَأَمْثَالِ الْعُيُونِ، فَشَرِبْنَا وَتَوَضَّأْنَا، قُلْتُ: كَمْ كُنْتُمْ؟، قَالَ: لَوْ كُنَّا مِائَةَ ألفٍ لَكَفَانَا، كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً.
السادس:
(فجهش) بفتح الجيم والهاء: هو أن يَفزَع الإنسان إلى غيره، ويُريد البكاء، كالصبي يفزع إلى أُمِّه، وقد تهيَّأَ للبكاء.
(يثور) بمثلثة، وفي بعضها بالفاء.
(خمس عشرة) ذُكر هذا لابن المسيَّب رحمه الله فقال: وهمٌ،
حدَّثني أنهم كانوا أربع عشرة مائةً، وعلى هذا مالكٌ وأكثر الرواة.
وقيل: كانوا ثلاث عشرة مائةً، وكان عام الحديبية عام ستٍّ.
* * *
3577 -
حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه، قَالَ: كُنَّا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً، وَالْحُدَيْبِيَةُ بِئْرٌ، فَنَزَحْنَاهَا حَتَّى لَمْ نَتْرُكْ فِيهَا قَطْرَةً، فَجَلَسَ النَبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى شَفِيرِ الْبِئْرِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَمَضْمَضَ وَمَجَّ فِي الْبِئْرِ، فَمَكَثْنَا غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ اسْتَقَيْنَا حَتَّى رَوِينَا وَرَوَتْ -أَوْ صَدَرَتْ- ركَائِبُنَا.
السابع:
(صدرت)؛ أي: رجعت.
(ركابنا): الإبل الّتي تحمل القوم.
* * *
3578 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، أَنَّهُ سَمعَ أَنس بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ أَبُو طَلْحَةَ لأُمِّ سُلَيْمٍ: لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ضَعِيفًا أَعْرِفُ فِيهِ الْجُوعَ، فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَتْ: نعمْ، فَأَخرَجَتْ أَقْرَاصًا مِنْ شَعِيرٍ، ثُمَّ أَخْرَجَتْ خِمَارًا لَهَا فَلَفَّتِ الْخُبْزَ بِبَعْضِهِ، ثُمَّ دَسَّتْهُ تَحْتَ يَدِي وَلَاثَتْنِي بِبَعْضِهِ، ثُمَّ أَرْسَلَتْنِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: فَذَهَبْتُ
بِهِ، فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجدِ وَمَعَهُ النَّاسُ، فَقُمْتُ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ لِي رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"آرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ؟ "، فَقُلْتُ: نعمْ، قَالَ: بِطَعَامٍ؟. فَقُلْتُ: نعمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِمَنْ مَعَهُ:"قُومُوا"، فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ حَتَّى جِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا أُمَّ سُلَيْم! قَدْ جَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالنَّاسِ، وَلَيْسَ عِنْدَنَا مَا نُطْعِمُهُمْ؟ فَقَالَتِ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَانْطَلَقَ أَبُو طَلْحَةَ حَتَّى لَقِيَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو طَلْحَةَ مَعَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"هَلُمِّي يَا أُمَّ سُلَيْمِ مَا عِنْدَكِ"، فَأَتَتْ بِذَلِكَ الْخُبْزِ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَفُتَّ، وَعَصَرَتْ أُمُّ سُلَيْم عُكَّةً فَأَدَمَتْهُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ، ثُمَّ قَالَ:"ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ"، فَأَذِنَ لَهُمْ، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ:"ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ"، فَأَذِنَ لَهُمْ، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ:"ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ"، فَأَذِنَ لَهُمْ، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ:"ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ"، فَأَكَلَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ وَشَبِعُوا، وَالْقَوْمُ سَبْعُونَ أَوْ ثَمَانُونَ رَجُلًا.
الثّامن:
(دسته) يقال: دسَسْتُ الشيء: أخفيتُه.
(ولاثتني) من لاثَ العمامة على رأْسه، أي: عصَبها، والالتِياث: الالتِفاف، واللَّوث: اللَّفُّ، ومنه: لاث به النَّاس: إذا استداروا حولَه.
(آرسلك) بهمزة ممدودة على الاستفهام.
(هلم) هو على لغة الحجاز أنَّ (هلُمَّ) لا يؤنَّث، ولا يثنى، ولا يُجمَع، ومنه:{وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إلينا} [الأحزاب: 18]، ومعناه: هات ما عندك.
(عُكَّة) بضم المهملة، وتشديد الكاف: آنية السَّمْن.
(فآدمته)؛ أي: جعلته إدامًا، ومضارعه: يَأْدِم، بالكسر، وقال (خ): آدمتُه: أصلحتُه بالإدام.
(ائذن)؛ أي: بالدُّخول.
(لعشرة)؛ لأن عشرةً عشرةً أرفَقُ بهم.
* * *
3579 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كنَّا نعدُّ الآيَاتِ بَرَكَةً وَأَنتمْ تَعُدُّونَهَا تَخْوِيفًا، كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، فَقَلَّ الْمَاءُ، فَقَالَ:"اطْلُبُوا فَضْلَة مِنْ مَاءٍ"، فَجَاؤُا بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ قَلِيلٌ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ، ثُمَّ قَالَ:"حَيَّ عَلَى الطَّهُورِ الْمُبَارَكِ، وَالْبَرَكَةُ مِنَ اللهِ"، فَلَقَدْ رَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابعِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَقَدْ كُنَّا نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ وَهْوَ يُؤْكَلُ.
التّاسع:
(الآيات)؛ أي: الأُمور الخارقة للعادة.
(تخويفًا)؛ أي: من قول الله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إلا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59].
والحقُّ أن بعضها بركةٌ؛ لشِبَع الخلْق الكثير من الطَّعام القليل، وبعضها تخويفٌ، كالخَسْف في الأرض ونحوه.
(حيّ)؛ أي: هلُمَّ، وأقبِلْ، فهو اسم فعل للأمر.
(الطَّهور) بالفتح: الماء.
(المبارك)؛ أي: الّذي أيده الله تعالى ببركة نبيه صلى الله عليه وسلم.
(والبركة من الله) مبتدأ وخبر.
* * *
3580 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَامِرٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَابِرٌ رضي الله عنه، أَنَّ أَبَاهُ تُوُفِي وَعَلَيْهِ دينٌ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: إِنَّ أَبِي تَرَكَ عَلَيهِ دَيْنًا، وَلَيسَ عِنْدِي إلا مَا يُخْرِجُ نَخْلُهُ، وَلَا يَبْلُغُ مَا يُخْرِجُ سِنِينَ مَا عَلَيْهِ، فَانْطَلِقْ مَعِي لِكَيْ لَا يُفْحِشَ عَلَيَّ الْغُرَمَاءُ، فَمَشَى حَوْلَ بَيْدَرٍ مِنْ بَيَادِرِ التَّمْرِ، فَدَعَا، ثَمَّ آخَرَ، ثُمَّ جَلَسَ عَلَيْهِ فَقَالَ:"انْزِعُوه"، فَأَوْفَاهُمُ الَّذِي لَهُمْ، وَبَقِيَ مِثْلُ مَا أَعْطَاهُمْ.
العاشر:
(سنتين) بالتثنية، وفي بعضها بالجمع.
وسبق الحديث مرارًا.
* * *
3581 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما، أَنَّ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ كَانُوا أُنَاسًا فُقَرَاءَ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ مَرَّةً:"مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ فَلْيَذْهَبْ بِثَالِثٍ، وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ أَرْبَعَةٍ فَلْيَذْهَبْ بِخَامِسٍ أَوْ سَادِسٍ"، أَوْ كَمَا قَالَ، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ جَاءَ بِثَلَاثَةٍ، وَانْطَلَقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِعَشَرَةٍ، وَأَبُو بَكْرٍ ثَلَاثَةً، قَالَ: فَهْوَ أَنَا وَأَبِي وَأُمِّي -وَلَا أَدْرِي هَلْ قَالَ: امْرَأَتِي وَخَادِمِي بَيْنَ بَيْتِنَا وَبَيْنَ بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ- وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ تَعَشَّى عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ لَبِثَ حَتَّى صَلَّى الْعِشَاءَ، ثُمَّ رَجَعَ فَلَبِثَ حَتَّى تَعَشَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَ بَعْدَ مَا مَضَى مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللهُ، قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: مَا حَبَسَكَ عَنْ أَضْيَافِكَ، أَوْ ضَيْفِكَ؟. قَالَ: أَوَ عَشَّيْتِهِمْ؟ قَالَتْ: أَبَوْا حَتَّى تَجِيءَ، قَدْ عَرَضُوا عَلَيْهِمْ فَغَلَبُوهُمْ، فَذَهَبْتُ فَأَخْتَبَأْتُ، فَقَالَ: يَا غُنْثَرُ! فَجَدَّع وَسَبَّ، وَقَالَ: كُلُوا، وَقَالَ: لَا أَطْعَمُهُ أَبَدًا، قَالَ: وَايْمُ اللهِ مَا كُنَّا نَأَخُذُ مِنَ اللُّقْمَةِ إلا رَبَا مِنْ أَسْفَلِهَا أَكْثَرُ مِنْهَا حَتَّى شَبِعُوا، وَصَارَتْ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَتْ قَبْلُ، فَنَظَرَ أَبُو بَكْرٍ فَإِذَا شَيْء أَوْ أَكْثَرُ، قَالَ لاِمْرَأَتِهِ: يَا أُخْتَ بَنِي فِرَاسٍ! قَالَتْ: لَا وَقُرَّةِ عَيْني! لَهْيَ الآنَ أَكثَرُ مِمَّا قَبْلُ بِثَلَاثِ مَرَّاتٍ! فَأَكَلَ مِنْهَا أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ: إِنَّمَا كَانَ الشَّيْطَانُ، يَعْنِي يَمِينَهُ، ثُمَّ أَكَلَ مِنْهَا لُقْمَةً، ثُمَّ حَمَلَهَا
إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأَصْبَحَتْ عِنْدَهُ، وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ، فَمَضَى الأَجَلُ، فتفَرَّقْنَا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا مَعَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ أُنَاسٌ، اللهُ أَعْلَمُ كَمْ مَعَ كُلِّ رَجُلٍ، غَيْرَ أَنَّهُ بَعَثَ مَعَهُمْ، قَالَ: أَكَلُوا مِنْهَا أَجْمَعُونَ، أَوْ كَمَا قَالَ.
الحادي عشر:
(وإن أبا بكر جاء بثلاثة)؛ أي: إن أبا بكر كان من المُكثِرين، ممّن عنده طعامُ أربعةٍ وأكثر، وقوله بعد ذلك:(وأبو بكر ثلاثة) ليس تكرارًا للأول، لأن الثّاني لسَوق الكلام على التّرتيب.
(فهو)؛ أي: فالشأن.
(أنا وأبي وأُمي) في الدَّار، والغرض من هؤلاء: أنه لا بُدَّ أن يكون عنده طعام أربعةٍ وأكثر.
(تعشى عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم) هذا يُشْعر بأن ذلك بعد الرجوع إليه؛ لكن ما تقدَّم يُشْعر بأنه مثله، فإما أن يكون ذلك بيان حال أبي بكر في عدم احتياجه إلى الطّعام عند أهله، والثّاني سوق القصة على التّرتيب، أو الأوّل: تعشَّى الصديق رضي الله عنه، والثّاني: تعشَّى الرسول صلى الله عليه وسلم، أو الأوّل من العِشاء، بكسر المهملة، والثّاني بفتحها.
(يا غُنْثَر) بضم المعجمة، وسكون النون، وفتح المثلثة، وبالراء: الجاهل، أو الذباب.
(فجدّع)؛ أي: دعا بقطع الأنف.
(فإذا شيء)؛ أي: فإذا هو شيءٌ كما كان، وفي بعضها:(فإذا هي)؛ أي: البقية، أو الأطعمة.
(فِراس) بكسر الفاء، وتخفيف الراء، وبمهملة، أي: واحدة منهم، وهي أُمُّ رومان.
(فتعرفنا) يقال: تعرَّفتُ ما عند فلان، أي: تطلَّبْتُ حتّى عرفت،
وتعرَّفت القوم، أي: صِرْتُ عريفَهم، وقمت بقضاء حوائجهم، وتعرف أحوالهم.
(اثنا عشر)؛ أي: هم اثنا عشر رجلًا.
(بعث)؛ أي: النبيُّ صلى الله عليه وسلم معهم نصيبَ أصحابهم إليهم.
واعلم أن هذا وإن كان كرامةً للصديق؛ لكنه أدخلَه في علامات النبوة؛ لأن المعجزة تظهر على يد الغير، أو الإعجاز في الأخير في قوله:(أكَلوا منها أجمعون).
وسبق الحديث آخر (مواقيت الصّلاة).
* * *
3582 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّاد، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنسٍ، وَعَنْ يُونس، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنسٍ رضي الله عنه قَالَ: أَصَابَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ قَحْطٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَبَيْنَا هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ جُمُعَةٍ، إِذْ قَامَ رَجُل فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَلَكَتِ الْكُرَاعُ، هَلَكَتِ الشَّاءُ، فَادْعُ اللهَ يَسْقِينَا، فَمَدَّ يَدَيْهِ وَدَعَا. قَالَ أَنسٌ: وَإِنَّ السَّمَاءَ لَمِثْلُ الزُّجَاجَةِ،
فَهَاجَتْ رِيحٌ أَنْشَأَتْ سَحَابًا، ثُمَّ اجْتَمَعَ، ثُمَّ أَرْسَلَتِ السَّمَاءُ عَزَالِيَهَا، فَخَرَجْنَا نخُوضُ الْمَاءَ حَتَّى أتيْنَا مَنَازِلَنَا، فَلَمْ نزَلْ نُمْطَرُ إِلَى الْجُمُعَةِ الأُخْرَى، فَقَامَ إِلَيْهِ ذَلِكَ الرَّجُلُ -أَوْ غَيْرُهُ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! تَهَدَّمَتِ الْبُيُوتُ، فَادْعُ اللهَ يَحْبِسْهُ، فَتَبسَّمَ ثُمَّ قَالَ:"حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا"، فَنَظَرْتُ إِلَى السَّحَابِ تَصَدَّع حَوْلَ الْمَدِينَةِ كَأَنَّهُ إِكْلِيلٌ.
الثّاني عشر:
(الكراع): الخيل.
(كمثل الزجاجة)؛ أي: في الصفاء عن الكدورات.
(عزاليها) بكسر اللام، أو فتحها: جمع عَزْلاء، بمهملةٍ، وزاي، كصحراء وصحاري.
(إكليل) هو التاج والعصابة.
ومرَّ في (الاستسقاء).
* * *
3583 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ أَبُو غَسَّانَ، حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ، وَاسْمُهُ عُمَرُ بْنُ الْعَلَاءِ أَخُو أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ، قَالَ: سَمِعْتُ نَافِعًا عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ، فَلَمَّا اتَّخَذَ الْمِنْبَرَ تَحَوَّلَ إِلَيْهِ، فَحَنَّ الْجذْع، فَأَتاهُ فَمَسَحَ يَدَهُ عَلَيْهِ.
3583 / -م - وَقَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ، أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ الْعَلَاءِ، عَنْ نَافِعٍ بِهَذَا. وَرَوَاهُ أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
الثّالث عشر:
(اسمه عُمر بن العلاء) سيأتي بعد ذلك أنه معاذ بن العلاء، وصوّبه صاحب "الكاشف".
* * *
3584 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَى شَجَرَةٍ أَوْ نَخْلَةٍ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ -أَوْ رَجُلٌ-: يَا رَسُولَ اللهِ! أَلَا نَجْعَلُ لَكَ مِنْبَرًا؟ قَالَ: "إِنْ شِئتُمْ"، فَجَعَلُوا لَهُ مِنْبَرًا، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ دُفِعَ إِلَى الْمِنْبَرِ، فَصَاحَتِ النَّخْلَةُ صِيَاحَ الصَّبِيِّ، ثُمَّ نزَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَضَمَّهُ إِلَيْهِ تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِيِّ الَّذِي يُسَكَّنُ، قَالَ:"كَانَتْ تَبْكِي عَلَى مَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنَ الذِّكْرِ عِنْدَهَا".
الرّابع عشر:
(يوم الجمعة)؛ أي: وقت الخطبة.
* * *
3585 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَني حَفْصُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَنس بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ سَمعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: كَانَ الْمَسْجدُ مَسْقُوفًا عَلَى جُذُوعٍ مِنْ نَخْلٍ، فَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا خَطَبَ يَقُومُ إِلَى جِذْع مِنْهَا، فَلَمَّا صُنِعَ لَهُ الْمِنْبَرُ، وَكَانَ عَلَيْهِ، فَسَمِعْنَا لِذَلِكَ الْجذْع صَوْتًا كَصَوْتِ الْعِشَارِ، حَتَّى جَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا فَسَكَنَتْ.
الخامس عشر:
(العِشار) بكسر العين، جمع عُشَراء: وهي الناقة الّتي أتتْ عليها من يوم أُرسل فيها الفَحْل عشرة أشهر.
وسبق الحديث.
* * *
3586 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ. حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّد، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ يُحَدِّثُ عَنْ حُذَيْفَةَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: أَيُّكُمْ يَحْفَظُ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْفِتْنَةِ؟، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَنَا أَحْفَظُ كَمَا قَالَ، قَالَ: هَاتِ إِنَّكَ لَجَرِيءٌ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَجَارِه تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصَّدَقَةُ وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ"، قَالَ: لَيْسَتْ هَذِهِ، وَلَكِنِ الَّتى تَمُوجُ كَمَوْج
الْبَحْرِ، قَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! لَا بَأْسَ عَلَيْكَ مِنْهَا، إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا، قَالَ: يُفْتَحُ الْبَابُ أَوْ يُكْسَرُ؟ قَالَ: لَا بَلْ يُكْسَرُ، قَالَ: ذَاكَ أَحْرَى أَنْ لَا يُغْلَقَ. قُلْنَا: عَلِمَ الْبَابَ؟ قَالَ: نعمْ، كَمَا أَنَّ دُونَ غَدٍ اللَّيْلَةَ، إِنِّي حَدَّثْتُهُ حَدِيثًا لَيْسَ بِالأَغَالِيطِ. فَهِبْنَا أَنْ نسْأَلَهُ، وَأَمَرْنَا مَسْرُوقًا، فَسَأَلَهُ فَقَالَ: مَنِ الْبَابُ؟ قَالَ: عُمَرُ.
السّادس عشر:
(علم)؛ أي: عُمر.
(الباب)؛ أي: عَلِمَ أنه يُستشهَد، وبعد ذلك لا تسكن الفتنة، واستشكل كون الباب عُمر، فإن الفتن إنّما كانت بعد عُثمان؛ لأن قتْله هو السبب المفرِّق للناس، فكأن الأَولى أنه الباب، وجوابه: أن قتْل عثمان نفْسه من جُملة الفتن بعد عُمر، وإن كان ظهور الفتنة بعده، فيصدق أن الفتن بعد عُمر.
وسبق الحديث أول (المواقيت).
* * *
3587 -
حَدَّثَنَا أبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ، وَحَتَّى تُقَاتِلُوا التُّرْكَ، صِغَارَ الأَعْيُنِ، حُمْرَ الْوُجُوه، ذُلْفَ الأُنُوفِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ".
3588 -
"وَتَجدُونَ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ أَشَدَّهُمْ كَرَاهِيَةً لِهَذَا الأَمْرِ، حَتَّى يَقَعَ فِيهِ، وَالنَّاسُ مَعَادِنُ، خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلَامِ".
3589 -
"وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَى أَحَدِكُمْ زَمَانٌ لأَنْ يَرَانِي أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلُ أَهْلِهِ وَمَالِهِ".
السابع عشر:
(ذلف) جمع أذْلَف، بالمعجمة، وروي بالمهملة: صغير الأنف، مستوي الأرنَبَة.
(المجانّ) جمع مِجَنٍّ، وهو التُّرْس.
(المطرقة)؛ أي: طبقةٌ فوق طبقةٍ، كالنعل المَخصُوفة.
وسبق في (باب: قتال الترك).
(لهذا الأمر)؛ أي: الإمارة والحكومة.
* * *
3590 -
حَدَّثَنِي يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا خُوزًا وَكَرْمَانَ مِنَ الأَعَاجِمِ، حُمْرَ الْوُجُوه، فُطْسَ الأُنُوفِ، صِغَارَ الأَعْيُنِ، وُجُوهُهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ، نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ".
تَابَعَهُ غَيْرُهُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَاقِ.
الثّامن عشر:
(يحيى) إمّا الخُتِّي، أو البِيْكَنْدي.
(خُوزًا)، بضم المعجمة، وبزاي، هو بلاد الأهواز وتُسْتَر.
قال أحمد: أخطأ عبد الرزّاق في قوله: (جُوزًا)، بالجيم.
(كرْمَان) بكسر الكاف، وفتحها، والأول هو المستعمل عن أهلها، ما بين خراسان وبحر الهند، وبين عراق العجم وسجستان.
(فطس) جمع أفْطَس، والفُطوسة: تطامُن قصبة الأنف وانتشارها.
قال (ك): وأهل هذين الإقليمين ليسوا على هذه الصفات؛ فإما أنَّ بعضَهم كانوا بهذه الصفات في ذلك الوقت، أو سيصيرون كذلك فيما بعد، وإما أنهم بالنسبة للعرب كانوا كالتَّوابع للترك.
وقيل: إن بلادهم فيها موضعٌ اسمه كرْمان، وقيل: إنهم يتوجَّهون بين هاتين الجهتين.
وقال الطِّيْبي: لعلَّ المراد أنهما صِنْفان من التُّرك، كان أحد أصول أحدهما من خُوز، وأحد أصول الآخر من كرْمان.
(تابعه غيره) وصله أحمد، وإسحاق في "مسنديهما".
* * *
3591 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: قَالَ إِسْمَاعِيلُ: أَخْبَرَنِي قَيْسٌ، قَالَ: أتيْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، فَقَالَ: صَحِبْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَ سِنِينَ لَمْ أكُنْ فِي سِنِيَّ أَحْرَصَ عَلَى أَنْ أَعِيَ
الْحَدِيثَ مِنِّي فِيهِنَّ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ، وَقَالَ هَكَذَا بِيَدِهِ:"بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ، وَهُوَ هَذَا الْبَارِزُ"، وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: وَهُمْ أَهْلُ الْبَازَرِ.
التّاسع عشر:
(في سني) بإضافة سنين -جمع سنة- إلى ياء المتكلِّم على لغة الإعراب بالحروف، أي: لم أكُنْ في مدة عمُري في هذه السنين الثلاث، والمفضَّل والمفضَّل عليه كلاهما أبو هريرة، مفضَّلٌ باعتبار الثّلاثة، مفضلٌ عليه باقي سني عمُره.
(البارز) بتقديم الراء على الزاي، كذا قيَّده الأَصِيْلِي، مع الفتْح في الموضعين في الحديث، ووافقه ابن السَّكَن وغيره، إلا أنهم ضبَطوه بكسر الراء.
قال القَابِسِي: يعني البارِزين لقتال أهل الإسلام، أي: الظاهرين في بَرازٍ من الأرض.
قيل: المراد به أرض فارس، وقيل: هم أهل البارِز، وهم الأَكْرَادُ، يسكنون في البارِز، أي: الصحراء.
وقيل: المراد الجبَل؛ لأنه بارزٌ عن وجه الأرض، وقيل: الديالَة.
وأمّا أبو ذَرٍّ فقال في الموضع الآخر: إنّه بتقديم الزاي على الراء وفتحها، قومٌ بكرْمان، ويعني: القوم الذين أشار إليهم أنهم يقاتلُون، تقول العرب: هذا البازِر: إذا أشارتْ إلى شيءٍ.
وقال ابن كثير: قول سفيان: إنهم من أهل البارِز، فالمشهور في الرِّواية تقديم الراء، ولعلّه تصحيفٌ اشتبه على القائل من البازِر، وهو السَّوقُ بلغتهم.
* * *
3592 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا يَنْتَعِلُونَ الشَّعَرَ، وَتُقَاتِلُونَ قَوْمًا كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ".
العشرون:
(المطرقة) اسم مفعول، من الإطراق، والتطريق.
* * *
3593 -
حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "تُقَاتِلُكُمُ الْيَهُودُ فَتُسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ يَقُولُ الْحَجَرُ: يَا مُسْلِمُ، هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ".
الحادي والعشرون:
(ورائي)؛ أي اختبأ خلفي، هذا في زمن عيسى عليه السلام.
* * *
3594 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَغْزُونَ، فَيُقَالُ: فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم؟ فَيقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ يَغْزُونَ، فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ مَنْ صَحِبَ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم؟ فَيَقُولُونَ: نعمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ".
الثّاني والعشرون:
سبق أن أفضل القُرون قرنُه، ثمّ الذين يلونهم، ثمّ الذين يلونهم.
* * *
3595 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَم، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ، أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، أَخْبَرَنَا سَعْدٌ الطَّائِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحِلُّ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: بَيْنَا أَنا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَشَكَا إِلَيْهِ الْفَاقَةَ، ثُمَّ أتاهُ آخَرُ فَشَكَا قَطْعَ السَّبِيلِ، فَقَالَ:"يَا عَدِيُّ! هَلْ رَأَيْتَ الْحِيرَةَ؟ "، قُلْتُ: لَمْ أَرَهَا، وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا، قَالَ:"فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لترَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ، لَا تَخَافُ أَحَدًا إلا اللهَ"، قُلْتُ فِيمَا بَيْني وَبَيْنَ نَفْسِي: فَأَيْنَ دُعَّارُ طَيِّئٍ الَّذِينَ قَدْ سَعَّرُوا الْبِلَادَ؟! "وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لتفْتَحَنَّ كُنُوزُ كِسْرَى"، قُلْتُ: كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ؟ قَالَ: "كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ، لَتَرَيَنَّ الرَّجُلَ يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، يَطْلُبُ مَنْ يَقْبَلُهُ مِنْهُ، فَلَا
يَجدُ أَحَدًا يَقْبَلُهُ مِنْهُ، وَلَيَلْقَيَنَّ اللهَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ يَلْقَاهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ يُتَرْجِمُ لَهُ، فَيَقُولَنَّ: أَلَمْ أَبْعَثْ إِلَيْكَ رَسُولًا فَيُبَلِّغَكَ، فَيَقُولُ: بَلَى، فَيَقُولُ: أَلَمْ أُعْطِكَ مَالًا وَأُفْضِلْ عَلَيْكَ؟ فَيَقُولُ: بَلَى، فَيَنْظُرُ عَنْ يَمِينهِ فَلَا يَرَى إلا جَهَنَّمَ، وَيَنْظُرُ عَنْ يَسَارِهِ فَلَا يَرَى إلا جَهَنَّمَ"، قَالَ عَدِيٌّ: "سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقَّةِ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجدْ شِقَّةَ تَمْرَةٍ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ"، قَالَ عَدِيٌّ: فَرَأَيْتُ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ إلا اللهَ، وَكنْتُ فِيمَنِ افْتَتَحَ كُنُوزَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكُمْ حَيَاةٌ لَتَرَوُنَّ مَا قَالَ النَّبِيُّ أَبُو الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم:"يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ".
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، أَخْبَرَنَا سَعْدَانُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُجَاهِدٍ، حَدَّثَنَا مُحِلُّ بْنُ خَلِيفَةَ، سَمِعْتُ عَدِيًّا: كنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
الثّالث والعشرون:
(الفاقة): الفقر والحاجة.
(الظعينة) الهودج والمرأةُ فيه.
(الحِيْرة) بكسر المهملة، وسكون الياء، وبالراء: مدينةٌ معروفةٌ عند الكوفة، وهي مدينة النُّعمان بن المُنذِر.
(الدعار) بمهملتين، جمع داعِر، وهو المفسِد، يُريد قطَّاع الطريق، من قولهم: عُودٌ داعرٌ: إذا كان كثير الدُّخان.
قال الجوالِيْقي: والعامة تقوله بالذال المعجمة، وإنّما هو بالمهملة، نعم، إنْ ذهب به إلى معنى الفزَع؛ جاز أن يقال بالمعجمة.
(سعروا)؛ أي: ملَؤُوها شرًّا وفسادًا وفتنًا، وهو مستعارٌ من استِعار النّار، وهو تَوقُّدُهَا والتهابها.
(كسرى) بفتح الكاف، وكسرها.
(وأفضل) من الإفضال.
وسبق الحديث في (الزَّكاة).
* * *
3596 -
حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ شُرَحْبِيلَ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ:"إِنِّي فَرَطُكُمْ، وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ، إِنِّي وَاللهِ لأَنْظُرُ إِلَى حَوْضِي الآنَ، وَإِنِّي قَدْ أُعْطِيتُ خَزَائِنَ مَفَاتِيح الأَرْضِ، وَإِنِّي وَاللهِ مَا أَخَافُ بَعْدِي أَنْ تُشْرِكُوا، وَلَكِنْ أَخَافُ أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا".
الرّابع والعشرون:
(مفاتيح خزائن الأرض) في بعضها: (خزائن مفاتيح الأرض)، والأول أظهر.
سبق في (الجنائز)، في (الصّلاة على الشهيد).
* * *
3597 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أُسَامَةَ رضي الله عنه، قَالَ: أَشْرَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى أُطُمٍ مِنَ الآطَامِ، فَقَالَ:"هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى، إِنِّي أَرَى الْفِتَنَ تَقَعُ خِلَالَ بُيُوتكُمْ مَوَاقِعَ الْقَطْرِ".
الخامس والعشرون:
(أُطم) بضم الهمزة، والمهملة: جمع آطام: حُصون أهل المدينة.
(مواقع القطر) وجه التشبيه: الكثرة والعموم، وهو إشارةٌ إلى الحروب الواقعة فيها وقعة الحَرَّة وغيرها.
* * *
3598 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ ابْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ زينَبَ ابْنَةَ أَبِي سَلَمَةَ حَدَّثَتهُ، أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ حَدَّثتهَا، عَنْ زينَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ:"لَا إِلَهَ إلا اللهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذَا"، وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ وَبِالَّتِي تَلِيهَا، فَقَالَتْ زَيْنَبُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: "نَعَمْ، إِذَا كثُرَ الْخَبَثُ".
3599 -
وَعَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثتنِي هِنْدُ بِنْتُ الْحَارِثِ، أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قَالَتِ: اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "سُبْحَانَ اللهِ، مَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الْخَزَائِنِ،
وَمَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الْفِتَنِ".
السّادس والعشرون:
السند فيه سُباعيٌّ.
(بأُصْبُعِهِ)؛ أي: إبهامه، كما صرح به في (كتاب الأنبياء)، في (باب:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ} [الكهف: 83]).
وفي "مسلم" رواية الحديث عن زينب، عن حبيبة، عن أُمِّها، عن زينب، فاجتمع فيه أربع صحابيات.
(الصالحون)؛ أي: يقع العذاب بقومٍ فيهم من لا يستحقُّ ذلك.
(الخبث) قيل: الزِّنا، وقيل: أولاد الزِّنا.
* * *
3600 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْم، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ الْمَاجِشُونِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ لِي: إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الْغَنَمَ وَتتَّخِذُهَا، فَأَصْلِحْهَا وَأَصْلِحْ رُعَامَهَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَان تَكُونُ الْغَنَمُ فِيهِ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِم، يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ -أَوْ سَعَفَ الْجبَالِ- فِي مَوَاقِعِ الْقَطْرِ، يَفِرُّ بِدِينهِ مِنَ الْفِتَنِ".
السابع والعشرون:
(أبي سلمة بن الماجشون) صوابه إسقاط (ابن)، نعم، يقع في نون الماجِشُون الضم صفةً لعبد العزيز، والجرُّ صفةً لأبي سلمة.
(رُغامها) بضم الراء، وبمعجمة: ما يسيل من أنوفها، يقال: شاة رَغُومٌ، بها داءٌ يُسيل من أنفها الرُّغام، وقال (ك): هو بضم الراء، وخفة المهملة، وفي بعضها:(رعاتها) جمع راعٍ، كقاضٍ وقُضاة.
(شعف) جمع شعَفةٍ، وهي رأْس الجبَل.
(أو سعف) الشك فيه إمّا في حركة العين وسكونها، وإما في إعجام الشين وإهمالها، وهي غُصن النَّخلة، وقرحٌ يخرج في رأْس الصبي، أي: قطعةٌ من رأس الجبل.
سبق في (الإيمان).
* * *
3601 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ الأُوَيْسِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "سَتكُونُ فِتَنٌ، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِم، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، وَمَنْ يُشْرِفْ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ، وَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأَ أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ".
التّاسع والعشرون:
(تشرف) فعل ماض من التفعيل، أو مضارع من الإفعال، وهو الانتصاب للشيء، والتطلع إليه، والتعرض له.
(تستشرفه)؛ أي: تغلبه وتصرعُه، وقيل: من الإشراف على الهلاك، أي: تستهلكُه، وقيل: يريد مَنْ طلَع لها بشخْصه، طالعتْه بسُوئها.
(ملجأ)؛ أي: موضعًا يلتجئ إليه.
(فليعذ)؛ أي: فليعتزل فيه.
وفيه الحث على تجنب الفتن، والهرب منها، وأن شرها يكون بحسب التعلُّق بها.
* * *
3602 -
وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُطِيعِ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ نَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا، إلا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ يَزِيدُ:"مِنَ الصَّلَاةِ صَلَاةٌ مَنْ فَاتَتْهُ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ".
(من الصّلاة)؛ أي: صلاة العصر، يفسره ما مرَّ في (باب: إثم من فاتته صلاة العصر).
(كأنما وتر أهله وماله)؛ بنصبِ (أهل)، أي: نقص، أو رَفْعِه كما سبق.
* * *
3603 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ،
عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"سَتَكُونُ أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! فَمَا تَأَمُرُنَا؟ قَالَ: "تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ، وَتَسْأَلُونَ اللهَ الَّذِي لَكُمْ".
الثلاثون:
(أَثَرة) بمفتوحتين، وبضم الهمزة، وسكون المثلثة، استبدادٌ واختصاصٌ بالأموال فيما حقُّه الاشتراك.
* * *
3604 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيم، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ إِسْمَاعِيلُ ابْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَة، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يُهْلِكُ النَّاسَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ قُرَيْشٍ"، قَالُوا: فَمَا تَأَمُرُنَا؟ قَالَ: "لَوْ أَنَّ النَّاسَ اعْتَزَلُوهُمْ".
قَالَ مَحْمُودٌ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ.
الحادي والثلاثون:
(إلياس)(1) بالنصب.
(1)"إلياس" ليس في الأصل.
(هذا الحي) بالرفع، أي: بسبب الفِتَن والحُروب بينهم تتخبط أحوال النَّاس.
(لو) جوابها محذوف، أو للتمني.
(وقال محمود) قال أبو نُعيم: إن البخاريّ قال: قال لنا محمود.
* * *
3605 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَكِّيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى ابْنِ سَعِيدٍ الأُمَوِيُّ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ مَرْوَانَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فَسَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ الصَّادِقَ الْمَصْدُوقَ يَقُولُ: "هَلَاكُ أُمَّتِي عَلَى يَدَيْ غِلْمَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ". فَقَالَ مَرْوَانُ: غِلْمَةٌ؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إِنْ شِئْتَ أَنْ أُسَمِّيَهُمْ بَنِي فُلَانٍ وَبَنِي فُلَانٍ.
الثّاني والثلاثون:
(المصدوق)؛ أي: من عند الله، أو المصدوق من عند النَّاس.
(غِلْمَة) جمع غُلام، وهو من جموع القلة، واستعجب مروان من لفظ غِلْمَة، والمراد تلبُّسهم بالأمور الّتي وقعت بعد قتل عُثمان من بني أُمية وغيرهم.
* * *
3606 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ جَابِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي بُسْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ الْحَضْرَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو
إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ، أَنَّهُ سَمعَ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَقُولُ: كَانَ النَّاسُ يَسْألونَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلَهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللهُ بِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ:"نَعَمْ"، قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: "نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ"، قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: "قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ"، قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: "نَعَمْ دُعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا"، قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ! صِفْهُمْ لَنَا: فَقَالَ: "هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا" قُلْتُ: فَمَا تَأَمُرُني إِنْ أَدْركنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: "تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وإمَامَهُمْ"، قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ؟ قَالَ: "فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ؟.
الثّالث والثلاثون:
(يحيى)؛ أي: الخُتِّي.
(دَخَن) بفتح المهملة، والمعجمة، جمع دُخان، أي: ليس خيرًا خَالِصًا، ولكن معه شَوبٌ وكدورةٌ، بمنْزلة الدخان في النّار.
(هَدى) بفتح الهاء: السيرة، والطريقة.
(من جلدتنا)؛ أي: من العرب، وقال (خ): من أنفسنا وقومنا، والجلد غشاء البدن، واللون إنّما يظهر فيه.
وقال (ن): المراد من الدَّخَن أن لا تصفوَ القلوب بعضها لبعضٍ، ولا ترجع إلى ما كانت عليه من الصفاء.
وقال (ع): المراد بالخير بعد الشر أيّام عُمر بن عبد العزيز، والذين تعرِف منهم وتُنكر الأُمراءُ بعدهم، ومنهم من يدعو إلى بدعةٍ وضلالٍ، كالخوارج ونحوهم.
(ولو أن تَغَضَّ) بفتح العين، وتضم في لغة، أي: ولو كان الاعتزال بأن تعضَّ.
وفيه لزوم جماعة المسلمين، ومطاوعة إمامهم، وإن فسَق في غير المعاصي، وفيه معجزاتٌ.
* * *
3607 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي قَيْسٌ، عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: تَعَلَّمَ أَصْحَابِي الْخَيْرَ وَتَعَلَّمْتُ الشَّرَّ.
الرّابع والثلاثون:
معناه ظاهر.
* * *
3608 -
حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
"لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَقْتَتِلَ فِتْيَانٌ دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ".
الخامس والثلاثون:
(دعواهما واحدة): أي: يدعي كلٌّ منهما أنه على الحق، وخصمه مبطلٌ، ولا بدَّ أن يكون أحدهما مصيبًا، والآخر مبطِلًا، كما كان عليٌّ ومعاوية، وكان عليٌّ هو المصيب، ومخالفه مخطئٌ معذورٌ في الخطأ؛ لأنه باجتهادٍ، فلا إثم عليه، بل له أجرٌ، وللمصيب أجران.
* * *
3609 -
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَقْتَتِلَ فِتْيَانٌ، فَيَكُونَ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ، دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ".
3609 / -م - وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثِينَ، كلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ".
السّادس والثلاثون:
(حتّى يبعث)؛ أي: يخرج ويظهر، ويُسمى الدجال؛ لتمويهه، من: الدجل، وهو التمويه والتغطية، يقال: دَجَل الحقَّ، أي: غطاه بالباطل.
وقد وجد كثيرٌ أهلكهم الله، وقطع آثارهم، وكذلك يفعل بمن بقي منهم، والدجال الأعظم خارجٌ عن هذا العدد، وهو يدعي الإلهية، نعوذ بالله من فتنة المسيح الدجال.
* * *
3610 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ يَقْسِمُ قَسْمًا أتاهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ -وَهْوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ اعْدِلْ، فَقَالَ:"وَيْلَكَ، وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ، قَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ كُنْ أَعْدِلُ"، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ! ائْذَنْ لِي فِيهِ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَقَالَ:"دَعْهُ فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، يَقْرَؤُنَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يُنْظَرُ إِلَى نصلِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى رِصَافِهِ فَمَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمِّ يُنْظَرُ إِلَى نَضِيِّهِ -وَهْوَ قِدْحُهُ- فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى قُذذِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءُ، قَدْ سَبَقَ الْفَرْثَ وَالدَّمَ، آيَتُهُمْ رَجُلٌ أَسْوَدُ إِحْدَى عَضُدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ، أَوْ مِثْلُ الْبَضْعَةِ تَدَرْدَرُ، وَيَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ"، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَأَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَاتَلَهُمْ وَأَنَا مَعَهُ، فَأَمَرَ بِذَلِكَ الرَّجُلِ، فَالْتُمِسَ
فَأُتِيَ بِهِ حَتَّى نَظَرْتُ إِلَيْهِ عَلَى نَعْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الَّذِي نَعَتَهُ.
السابع والثلاثون:
(ذو الخُويصِرة) بضم المعجمة، وفتح الواو، وسكون الياء، وبمهملة مكسورة، وراء، سبق وصفه في قوله تعالى:{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} [الأعراف: 65]: أنه غائر العينين، محلوقٌ، كَثُّ اللِّحية.
(خَبت) بلفظ التكلم والخطاب، أي: خبت أنت لكونك تابعًا ومقتديًا بمن لا يعدل، والفتح أشهر.
(عُمر) سبق هناك أن خالدًا قال ذلك، ولا منافاة؛ لجواز أن كُلًّا منهما استأذن في قتله.
(فأضرب) بالنصب، وقيل: صوابه: أضرب، بحذف الفاء والجزم.
(فإن له أصحابًا) هذا ليس تعليلًا لمنع قتله مع وجود ما يوجب قتلَه، بل الفاء لتعقيب الإخبار، أي: قال: دَعْهُ، ثمّ عقَّب مقالته بذلك، وغايته أن حكمه حكم المنافق، وكان صلى الله عليه وسلم لا يقتلهم؛ لئلا يقال: إن محمدًا صلى الله عليه وسلم يقتل أصحابه.
(لا يجاوز)؛ أي: لا تفقهه قلوبهم، ولا ينتفعون بما تَلوْه منه، أو لا تصعد تلاوتهم في جُملة الكَلِم الطيب إلى الله تعالى.
(تَرَاقِيهم) جمع ترقوة، وهي عظام أعلى الصدر.
(يَمْرقُون) يخرجون، وبه سميت هذه الفرقة: المارقة.
(من الدين)؛ أي: الإسلام، وبه يتمسك من كفَّر الخوارج.
وقال (خ): الدِّين الطّاعة للإمام.
(الرمية): فعيلةٌ، من الرمي، بمعنى مفعولةٍ.
(نصله) هو حَديد السَّهم.
(رِصافه) بكسر الراء، وبالمهملة، جمع رِصْفة، بالتحريك، وهي العصَب الّذي يلوى فوق مدخل النَّصل في السهم، وحكى القابِسِي ضم الراء.
(نضيّه) بفتح النون، وكسر المعجمة، بوزن فَعِيل، وحكى السَّفَاقُسِي ضم النون؛ سُمي بذلك لكثرة البَرْي والنَّحْت، فكأنه جعل نِضْوًا، أي: هزيلًا.
(قدحه) بكسر القاف، أي: العُود أول ما يكون قبل أن يعمل، وقيل: هو ما بين الريش والنصل.
(قُذَذه) بضم القاف، وفتح المعجمة الأولى، جمع قُذَّة، وهي ريش السهم.
(الفرث)؛ أي: السِّرجين، ما دام في الكَرِش، أي: مرَّ سريعًا في الرميَّة، وخرج منها لم يعلَق به شيءٌ منهما، ولم يظهر أثرهما فيه.
وقال (ع): يعني نفذ السهم الصَّيد، وخرَج من جهة أُخرى، ولم يتعلَّق شيءٌ منه به.
(آيتهم)؛ أي: علامتهم.
(البضعة) بفتح الموحدة: القطعة من اللّحم.
(تدردر) أصله تتَدَرْدَرُ، فحذفت إحدى التاءين، وهو بمهملتين، وتكرار الراء، تضطَرِب: تجيء وتذهب.
(حين فرقة)؛ أي: افتراق الأُمة، وفي بعضها:(خير فِرْقة) بكسر الفاء، أي: أفضل طائفةٍ.
قال (ع)(1): هم عليٌّ وأصحابه، أو خير القرون، وهو الصدر الأول.
وفيه معجزاتٌ؛ إذ الأُمة افترقوا فرقتين، ووقع القتال، وكان فيهم الرَّجل الموصوف ونحوه.
* * *
3611 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ سُويدِ بْنِ غَفَلَةَ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَلأَنْ أَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكْذِبَ عَلَيْهِ، وَإِذَا حَدَّثْتُكُمْ فِيمَا بَيْني وَبَيْنَكُمْ، فَإِنَّ الْحَرْبَ خَدْعَةٌ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ الأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الأَحْلَامِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيرِ قَؤلِ الْبَرِيَّةِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قتلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
(1)"ع" ليس في الأصل.
الثّامن والثلاثون:
قال الدَّارَقُطْني: ليس لسُويد بن غَفَلة عن علي حديثٌ صحيحٌ غيره.
(خدعة) مثلث المعجمة، والظاهر أن حقيقة الكذب جائزةٌ في الحرب؛ لكن الاقتصار على التعريض أفضل.
(حدثَاء)؛ أي: صغار.
(الأسنان)؛ الأعمار.
(سفهاء)؛ أي: ضعفاء.
(الأحلام): العقول.
(من قول)؛ أي: من سنة محمّد صلى الله عليه وسلم، وفي بعضها:(من خَيْر قَول البريَّة)؛ أي: من القرآن، ويحتمل أن الإضافة من باب ما يكون المضاف داخلًا في المضاف إليه، وحينئذٍ تُراد السنَّة لا القرآن، وهو كما قال الخوارج: لا حُكمَ إلا لله، وهو حقٌّ؛ لكن أرادوا به باطلًا.
(أجرًا)، في بعضها:(أَجْرٌ)، فيقدر ضمير الشأن.
وفيه إيجاب قتال الخوارج على الأئمة.
* * *
(باب)
كذا في بعض النسخ، وجرى عليه (ك).
3612 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا قَيْسٌ، عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ، قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ: أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا، أَلَا تَدْعُو اللهَ لَنَا؟ قَالَ:"كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ، فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينهِ، ويُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينهِ، وَاللهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إلا اللهَ أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجلُونَ".
الحديث الأوّل:
(المنشار) بالنون: آلة قطع الخشب، ويقال: مِئْشار، بالهمزة، من أشَرتُ الخشَبة: قطعتُها.
(وما دون لحمه)؛ أي: تحت لحمه، أو عند لحمه.
(هذا الأمر)؛ أي: الإسلام.
(صَنْعَاء) بفتح المهملة، وسكون النون، والمد: قاعدة اليمن، ومدينته العظمى.
(حَضْرَمَوت) بفتح المهملة، وسكون المعجمة، وفتح الراء والميم: بلدة باليمن أيضًا، وجاز في مثله بناء الاسمين، وبناء الأوّل وإعراب الثّاني، فإن قيل: لا مبالغة فيه؛ لأنهما بلدتان متقاربتان؟
قيل: الغرض بيان انتفاء الخوف من الكفار عن المسلمين، ويحتمل أن المراد صنعاء الروم، أو صنعاء دمشق، قرية في جانبها الغربي في ناحية الربوة، وقال الجَوْهَري: إن حضرموت اسم قبيلة أيضًا.
(والذئب) عطف على المفعول، أو على المستثنى منه المقدر، ولكن المعنيان متعاكسان.
* * *
3613 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا أَزْهَرُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَنْبَأَنِي مُوسَى بْنُ أَنسٍ، عَنْ أَنسٍ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم افْتَقَدَ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَنا أَعْلَمُ لَكَ عِلْمَهُ. فَأتاهُ فَوَجَدَهُ جَالِسًا فِي بَيْتِهِ مُنَكِّسًا رَأْسَهُ، فَقَالَ: مَا شَاْنُكَ؟ فَقَالَ: شَرٌّ، كَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ، وَهْوَ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ. فَأَتَى الرَّجُلُ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ مُوسَى بْنُ أَنسٍ: فَرَجَعَ الْمَرَّةَ الآخِرَةَ بِبِشَارَةٍ عَظِيمَةٍ، فَقَالَ:"اذْهَبْ إِلَيْهِ، فَقُلْ لَهُ: إِنَّكَ لَسْتَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَلَكِنْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ".
الثّاني:
(ألا) للتنبيه، والهمزة للاستفهام، وفي بعضها:(أنا أعلم لكَ)، أي: لأجلك.
(حبط)؛ أي: بطل، قال تعالى:{لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات: 2].
(بِبِشَارة) بكسر الموحدة، وحكى السفاقُسي الضم.
(من أهل الجنَّة) المبشرون بالجنة كثير؛ لكن العشرة بشروا دفعةً، أو بلفظ البشارة، وإلا فمن يُقطع بأنه من أهل الجنَّة: الحسن، والحسين، وأُمُّهما، وجدهما، وأزواج النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وابن سلام وغيرهم.
* * *
3614 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رضي الله عنهما: قَرَأَ رَجُلٌ الْكَهْفَ وَفِي الدَّارِ الدَّابَّةُ فَجَعَلَتْ تنفِرُ فَسَلَّمَ، فَإِذَا ضَبَابَةٌ -أَوْ سَحَابَةٌ- غَشِيَتْهُ، فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"اقْرَأْ فُلَانُ، فَإِنَّهَا السَّكِينَةُ نزَلَتْ لِلْقُرْآنِ، أَوْ تنزَّلَتْ لِلْقُرْآنِ".
الثّالث:
(رجل) هو أُسيد بن حُضير.
(فسلم)؛ أي: دعا بالسلامة كما يقال: اللهُمَّ سلم، أو فوض الأمر إلى الله، ورضي بحكمه، أو قال: سلام عليك.
(ضبابة) سحابة تغشى الأرض كالدخان.
(السكينة) المختار في تفسيرها أنها شيء من مخلوقات الله
تعالى، فيها طمأنينةٌ ورحمة، ومعه الملائكة يستمعون القرآن، وقيل: ريح هفافة ولها وجه، وقيل: يريد الملائكة وعليهم السكينة.
(أقرأ فُلان)؛ أي: يا فُلان، ومعناه: كان ينبغي أن تستمر على القراءة، وتغتنم ما حصل لك من حصول الرّحمة، وتستكثر من القراءة.
* * *
3615 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ أَبُو الْحَسَنِ الْحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ: جَاءَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه إِلَى أَبِي فِي مَنْزِلِهِ، فَاشْتَرَى مِنْهُ رَحْلًا فَقَالَ لِعَازِبٍ: ابْعَثِ ابْنَكَ يَحْمِلْهُ مَعِي، قَالَ: فَحَمَلْتُهُ مَعَهُ، وَخَرَجَ أَبِي يَنْتَقِدُ ثَمَنَهُ، فَقَالَ لَهُ أَبِي: يَا أَبَا بَكْرٍ! حَدِّثْنِي كيْفَ صَنَعْتُمَا حِينَ سَرَيْتَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: نَعَمْ، أَسْرَينَا لَيْلَتَنَا، وَمِنَ الْغَدِ حَتَّى قَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ، وَخَلَا الطَّرِيقُ لَا يَمُرُّ فِيهِ أَحَدٌ، فَرُفِعَتْ لَنَا صَخْرَةٌ طَوِيلَةٌ لَهَا ظِلٌّ لَمْ تَأَتِ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، فَنَزَلْنَا عِنْدَهُ، وَسَوَّيتُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَكَانًا بِيَدِي يَنَامُ عَلَيْهِ، وَبَسَطْتُ فِيهِ فَرْوَةً، وَقُلْتُ: نَمْ يَا رَسُولَ اللهِ، وَأَنَا أَنْفُضُ لَكَ مَا حَوْلَكَ، فَنَامَ وَخَرَجْتُ أَنْفُضُ مَا حَوْلَهُ، فَإِذَا أَنا بِرَاعٍ مُقْبِلٍ بِغَنَمِهِ إِلَى الصَّخْرَةِ يُرِيدُ مِنْهَا مِثْلَ الَّذِي أَرَدْنَا، فَقُلْتُ: لِمَنْ أَنْتَ يَا غُلَامُ؟، فَقَالَ لِرَجُلٍ: مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، أَوْ مَكَّةَ. قُلْتُ: أَفِي غَنَمِكَ لَبَنٌ؟ قَالَ: نَعَمُ، قُلْتُ: أَفَتَحْلُبُ؟ قَالَ: نعَمْ، فَأَخَذَ شَاةً، فَقُلْتُ: انْفُضِ الضَّرْعَ مِنَ التُّرَابِ
وَالشَّعَرِ وَالْقَذَى -قَالَ: فَرَأَيْتُ الْبَرَاءَ يَضْرِبُ إِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الأُخْرَى يَنْفُضُ- فَحَلَبَ فِي قَعْبٍ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ، وَمَعِي إِدَاوَةٌ حَمَلْتُهَا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَرْتَوِي مِنْهَا، يَشْرَبُ وَيَتَوَضَّاُ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُ، فَوَافَقْتُهُ حِينَ اسْتَيْقَظَ، فَصَبَبْتُ مِنَ الْمَاءِ عَلَى اللَّبَنِ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ، فَقُلْتُ: اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: فَشَرِبَ، حَتَّى رَضِيتُ، ثُمَّ قَالَ:"أَلَمْ يَأْنِ لِلرَّحِيلِ؟ "، قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: فَارْتَحَلْنَا بَعْدَ مَا مَالَتِ الشَّمْشُ، وَاتَّبَعَنَا سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ، فَقُلْتُ: أُتِينَا يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ:"لَا تَحْزَنْ، إِنَّ اللهَ مَعَنَا"، فَدَعَا عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَارْتَطَمَتْ بِهِ فَرَسُهُ إِلَى بَطْنِهَا -أُرَى فِي جَلَدٍ مِنَ الأَرْضِ، شَكَّ زُهَيْرٌ- فَقَالَ: إِنِّي أُرَاكُمَا قَدْ دَعَوْتُمَا عَلَيَّ فَادْعُوَا لِي، فَاللهُ لَكُمَا أَنْ أَرُدَّ عَنْكُمَا الطَّلَبَ، فَدَعَا لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَنَجَا، فَجَعَلَ لَا يَلْقَى أَحَدًا إلا قَالَ: كَفَيْتُكُمْ مَا هُنَا، فَلَا يَلْقَى أَحَدًا إلا رَدَّهُ، قَالَ: وَوَفَى لَنَا.
الرابع:
(رحلًا) هو أصغر من القتب، اشتراه بثلاثة عشر درهمًا.
(ينتقد)؛ أي: يستوفي.
(سريت) يقال أيضًا: أسريت، لغتان اجتمعتا في الحديث، هذا وقول الصديق: أسرينا.
(ومن الغد)؛ أي: بعد الغد، وهو من باب:
علفتُها تِبنًا وماءً باردًا
إذ الإسراءِ إنّما يكون باللّيل.
(قائم الظهيرة) نصف النهار، وهو استواء حال الشّمس، وسمي قائمًا؛ لأن الظل لا يظهر حينئذ، فكأنه قائم واقف.
(رفعت)؛ أي: ظهرت لأبصارنا.
(فروة) قيل: الجلد المعروف، وقيل: قطعة حشيش مجتمعة.
(أنفض)؛ أي: أحرسك وأنظر هل أرى عدوًا، ونفضت المكان واستنفضته: نظرت جميع ما فيه، والنفضة: قوم يبعثون في الأرض، ينظرون هل بها عدو أو خوف.
(المدينة)؛ أي: مكّة، بدليل قوله:(أو مكّة) فإنّه شك في أي اللفظتين قال، مع أن المراد واحد، وإن كان في رواية أُخرى الجزم بالمدينة.
وفي "مسند أحمد": (فسماه فعرفته) وهي زيادة حسنة توضح أنه صديق أو قرابة له، وستأتي هذه الزيادة أيضًا في (مناقب المهاجرين)، فلهذا أقدما على شرب لبنها.
وسبق فيه أقوال أُخرى في (باب البيع).
وأيضًا فتسمية يثرب بالمدينة إنّما كان بعد الهجرة إليها، ويحتمل أنه أراد بالمدينة يثرب، ولكن حكاية ذلك بعد أن صار اسمها المدينة.
(لَبَن) بفتح اللام والموحدة، ويروى بضم اللام، وبسكون الموحدة، أي: شياه ذوات لبن.
(القذا) أصلهُ ما يقع في العين، وفي نسخة:(القذر).
(قعب) هو قدح من خشب ضخم.
(كُثْبةً) بضم الكاف، وسكون المثلثة: قدر حلبة، وقيل: ملء القدح.
(إداوة) بكسر الهمزة: وعاء من جلد.
(يرتوي)؛ أي: يشرب.
(حين استيقظ)؛ أي: وقت إتياني وقت استيقاظه، وفي بعضها:
(حتّى)، أي: تأنَّيت به حتّى استيقظ.
(برد) بفتح الراء، وقال الجَوْهَري: بضمها، وشربهما إمّا لأن عادة العرب الإذن لرعاتهم إذا مرَّ بهم ضيف أن يسقوه، أو كان ذلك لصديق، أو قريب، كما سبق من زيادة أحمد:(أنه سماه فعرفه)، أو أنه مال حربي لا أمان له، أو لعلّهم كانوا مضطرين.
(ألم يأن)؛ أي: ألم يأت وقت الارتحال.
(سُرَاقة) أسلم بالجِعْرَانة حين انصرف النّبيّ صلى الله عليه وسلم من حنين والطائف، وقال له:(كيف بك إذا ألبست سوار كسرى)، ولما أُتِيَ عُمر بسواريه ألبسَهُ، وقال: ارفع يديك فقل: الله أكبر، الحمد لله الّذي سلبهما كسرى، وألبسهما سُرَاقة.
(أُتينا) مبني للمفعول.
(ارتطمت) بالمهملة، أي: غاصت قوائمها في تلك الأرض
الصلبة، ويقال: ارتطم في الوحل، أي: دخل فيه واحتبس.
(أرى)؛ أي: أظن.
(جَلَد) بفتح الجيم واللام: الصلب.
(فالله لكما) مبتدأ وخبر، أي: ناصر لكما.
(أن أرد)؛ أي: أدعو الآن، فهو علة الدُّعاء، وفي بعضها بالنصب والجر، أي: أقسم بالله لأن أرد عنكما، أي: لأجلكما، واللام المقدرة على تقدير الرفع بالكسر، وفي الأُخرى بالفتح، وقيل: التقدير: فادعوا لي على أن أرد طلبكما، أو فالله أشهد لأجلكما أن أرد، وفي "شرح السنة": أقسم بالله لكُما على الردِّ.
(الطلب) جمع طالب.
وفيه معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وفضيلة أبي بكر رضي الله عنه، وخدمة التابع للمتبوع، واستصحاب الركوة في السَّفر، وفضل التوكل على الله، وأن الرَّجل الجليل إذا نام يُدافع عنه ويُحْرس.
وقال (خ): استدل به بعض شيوخ السوء من المحدثين على الأخذ على الحديث؛ لأن عازبًا لم يحمل الرَّجل حتّى يحدثه أبو بكر بالقصة، وليس الاستدلال صحيحًا بأن هؤلاء اتخذوا الحديث بضاعةً يبيعونها ويأخذون عليها أجرًا، وأمّا ما التمسه أبو بكر من تحمل الرَّجل، فهو من باب المعروف، والعادة المقررة أن تلامذة التجار يحملون الأثقال إلى بيت المشتري، ولو لم يكن ذلك لكان لا يمنعه أبو بكر إفادة القصة، والقدوة في قوله تعالى: {اتَّبِعُوا مَنْ
لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا} [يس: 21].
* * *
3616 -
حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُخْتَارٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَى أَعْرَابِيٍّ يَعُودُهُ، قَالَ: وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ عَلَى مَرِيضٍ يَعُودُهُ قَالَ: لَا بَأْسَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللهُ، فَقَالَ لَهُ:"لَا بَأْسَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللهُ"، قَالَ: قُلْتَ طَهُورٌ، كَلَّا بَلْ هِيَ حُمَّى تَفُورُ -أَوْ تَثُورُ- عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ، تُزِيرُهُ الْقُبُورَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"فَنَعَمْ إِذًا".
الخامس:
وجه دخوله في التّرجمة بالمعجزات: أنه مات على وفق ما أخبر صلى الله عليه وسلم لقوله: (فنعم).
* * *
3617 -
حَدَّثَنَا أبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنسٍ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمَ وَقَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ، فَكَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَعَادَ نَصْرَانِيًّا، فَكَانَ يَقُولُ: مَا يَدْرِي مُحَمَّدٌ إلا مَا كتَبْتُ لَهُ، فَأَمَاتَهُ اللهُ فَدَفَنُوهُ، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ، فَقَالُوا هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا، فَأَلْقُوهُ فَحَفَرُوا لَهُ فَأَعْمَقُوا، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ،
فَقَالُوا: هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ، فَأَلْقَوْهُ فَحَفَرُوا لَهُ وَأَعْمَقُوا لَهُ فِي الأَرْضِ مَا اسْتَطَاعُوا، فَأَصْبَحَ قَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ، فَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ فَأَلْقَوْهُ.
السادس:
(نصراني) في "مسلم": (كان منا رجل من بني النجار قد قرأ البقرة وآل عمران، وكان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم)، فذكر نحوه في (كتاب المنافقين).
(لفظته) بكسر الفاء، أي: طرحته ورمته، وقيل: بفتحها، وإنما فعل به ذلك، لتقوم الحجة على من رآهُ.
* * *
3618 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتُنْفِقُنَّ كنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللهِ".
3619 -
حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَفَعَهُ قَالَ:"إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ" وَذَكَرَ وَقَالَ: "لَتُنْفَقَنَّ كنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللهِ".
السابع، والثامن:
(رفعه)؛ أي: إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم، سبق بيان ما فيهما في (باب قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: أُحلت لي الغنائم).
* * *
3620 -
حَدَّثَنَا أبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَدِمَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَعَلَ يَقُولُ: إِنْ جَعَلَ لِي مُحَمَّدٌ الأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ تَبِعْتُهُ، وَقَدِمَهَا فِي بَشَرٍ كَثِيرٍ مِنْ قَوْمِهِ، فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، وَفِي يَدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قِطْعَةُ جَرِيدٍ، حَتَّى وَقَفَ عَلَى مُسَيْلِمَةَ فِي أَصْحَابِهِ، فَقَالَ:"لَوْ سَأَلْتَنِي هَذِهِ الْقِطْعَةَ مَا أَعْطَيْتُكَهَا، وَلَنْ تَعْدُوَ أَمْرَ اللهِ فِيكَ، وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ لَيَعْقِرَنَّكَ اللهُ، وَإِنِّي لأَرَاكَ الَّذِي أُرِيتُ فِيكَ مَا رَأَيْتُ".
3621 -
فَأَخْبَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ فِي يَدَيَّ سِوَارينِ مِنْ ذَهَبٍ، فَأَهَمَّنِي شَأْنُهُمَا، فَأُوحِيَ إِلَيَّ فِي الْمَنَامِ أَنِ انْفُخْهُمَا، فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا، فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ بَعْدِي"، فَكَانَ أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيَّ، وَالآخَرُ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ صَاحِبَ الْيَمَامَةِ.
التّاسع:
(ولن تعدوَ)؛ أي: أن له مدةً يبلغها.
(أمرَ اللهِ)؛ أي: خيبتك فيما أملته من النبوة، وهلاكك دون ذلك، وفيما سبق من قضاء الله بشقاوتك، وفي بعضها:(لن تعد)، بحذف الواو والجزم بـ (لن) لغة حكاها الكسائي، قالوا: وإنما جاءه النّبيّ صلى الله عليه وسلم تألفًا له ولقومه رجاء إسلامهم، وليبلغه ما أنزل إليه، وقال (ع): يحتمل أن مسيلمة قصده من بلده للقائه فجاءه مكافأةً. قال: وكان مسيلمة يومئذ يظهر الإسلام، وإنّما ظهر كفره بعد ذلك.
(أدبرت) عن طاعتي.
(ليعقرنك) ليقتلنك الله، وليُهلكنك، وأصله: من عقر الإبل، وهو أن يضرب قوائمها بالسيف، وكان كذلك، قتله الله يوم اليمامة.
(لأراك)؛ أي: أظنك الشخص الّذي أريت في المنام في حقه ما رأيت.
(سِوارين) بكسر المهملة وضمها.
(أنفخهما) بالمعجمة، فيه دليل على اضمحلال أمرهما، وكان كذلك.
(يخرجان)؛ أي: يظهران شوكتهما ودعواهما النبوة، وإلا فقد كانا في زمنه، والمراد بعد دعوى النبوة، أو بعد نبوتي.
(العَنْسِي) بفتح المهملة، وسكون النون، ومهملة، اسمه: الأسود الصنعاني، ادعى النبوة، وقيل: اسمه: عَبْهلة، بفتح المهملة، وسكون الموحدة، ابن كعب، وكان يقال له: ذو حمار؛ لأنه زعم أن الّذي يأتيه
ذو حمار؛ قتله فيروز الديلمي الصحابي بصنعاء، دخل عليه فحطم عنقَهُ، وهذا كان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الّذي توفي فيه على الأصح المشهور، وبشر النّبيّ صلى الله عليه وسلم الصّحابة بذلك، ثمّ بعده حمل رأسه إليه، وقيل: كان ذلك في زمان الصديق صلى الله عليه وسلم.
(اليَمَامة) بفتح الياء، وتخفيف الميم: مدينة باليمن على أربع مراحل من مكّة.
* * *
3622 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى -أُرَاهُ- عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ، فَذَهَبَ وَهَلِي إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ، فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ، وَرَأَيْتُ فِي رُؤْيَايَ هَذِهِ أَنِّي هَزَزْتُ سَيْفًا فَانْقَطَعَ صَدْرُهُ، فَإذَا هُوَ مَا أُصِيبَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، ثُمَّ هَزَزْتُهُ بِأُخْرَى فَعَادَ أَحْسَنَ مَا كَانَ، فَإِذَا هُوَ مَا جَاءَ اللهُ بِهِ مِنَ الْفَتْح وَاجْتِمَاعِ الْمُؤْمِنِينَ، وَرَأَيْتُ فِيهَا بَقَرًا وَاللهُ خَيْرٌ، فَإِذَا هُمُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَإذَا الْخَيْرُ مَا جَاءَ اللهُ مِنَ الْخَيْرِ وَثَوَابِ الصِّدْقِ الَّذِي آتَانَا اللهُ بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ؟.
العاشر:
(وَهلي) بفتح الهاء، وسكونها، وقيل: بالسكون فقط، أي:
وهمي واعتقادي؛ وأمّا بالفتح معناه: جبُن، وأيضًا: قلق.
(هجر) وربما قيل: الهجر -بالألف واللام-: مدينة معروفة، وهي قاعدة البحرين، وهو منصرف، بينها وبين البحرين عشر مراحل.
(يثرب) تسميتها بذلك إمّا قبل النّهي عن ذلك، أو النّهي للتنْزيه، أو خوطب به من لا يعرفها إلا به، ولهذا جمع بين الاسمين فقال: المدينة يثرب.
(الفتح)؛ أي: إمّا فتح مكّة، أو مجاز عن اجتماع المؤمنين، وانصلاح حالهم.
(بقرًا) قال (ن): في بعض الروايات: (بقرًا تنحر)، وبهذه الزيادة يتم تأويل الرؤيا، إذ نحر البقر كان قبل موت الصّحابة صلى الله عليه وسلم بأُحد.
قال (ع): ضبطناه برفعهما مبتدأ وخبر، أي: ذلك خير على التفاؤل، وقد ذكر ابن هشام هذا الخبر فقال:(ورأيت والله خيرًا، رأيت بقرًا تنحر)، فقوله:(والله) مبين أنه قسم، وقوله:(خير) يدلُّ على أنه من جملة الرؤيا.
(بَعْدُ) بضم الدال.
(يوم بدر) بنصب يوم.
قال (ع): ويروى بنصب الدال، ومعناه: ما جاء الله به بعد بدر الثّانية من تثبيت قلوب المؤمنين؛ لأن النَّاس جمعوا لهم، وخوفوهم، فزادهم ذلك إيمانًا، وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، وتفرق العدوّ
عنهم هيبة لهم، ومعنى:(والله خير): ثواب الله خير، أي: صنع الله بالمقتولين خير لهم من بقائهم في الدنيا.
قال: والأولى قول من قال: إنّه من جملة الرؤيا، فإنها كلمة سمعها في الرؤيا عند رؤيا البقر، بدليل تأويله لها بقوله: فإذا الخير ما جاء الله به.
* * *
3623 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمِ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: أَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي، كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مَشْيُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"مَرْحَبًا بِابْنَتِي"، ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينهِ، أَوْ عَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا فَبَكَتْ، فَقُلْتُ لَهَا: لِمِ تَبْكِينَ؟! ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا فَضَحِكَتْ، فَقُلْتُ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ فرَحًا أَقْرَبَ مِنْ حُزْنٍ، فَسَأَلْتُهَا عَمَّا قَالَ.
3624 -
فَقَالَتْ مَا كنْتُ لأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلْتُهَا، فَقَالَتْ أَسَرَّ إِلَيَّ:"إِنَّ جِبْرِيلَ كانَ يُعَارِضُنِي الْقُرْآنَ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً، وَإِنَّهُ عَارَضَنِي الْعَامَ مَرَّتَيْنِ، وَلَا أُرَاهُ إلا حَضَرَ أَجَلِي، وَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتِي لَحَاقًا بِي"، فَبَكَيْتُ، فَقَالَ:"أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ -أَوْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ"، فَضَحِكْتُ لِذَلِكَ.
الحادي عشر:
(أقرب من حزن)؛ أي: كان عقبه.
(حتّى قبض) متعلّق بمقدر، أي: لم يقل.
وفيه أن فاطمة سيدة نساء أهل الجنَّة، وفي تفضيلها على خديجة وعائشة خلاف، ولكن يستلزم لأنها أفضل، إلا أن يقال: الرِّواية بالشك؛ نعم المتبادر من لفظ المؤمنين، أي: غير النّبيّ صلى الله عليه وسلم عرفًا، وأيضًا ففي دخول المتكلم في عموم كلامه خلاف للأصوليين.
* * *
3625 -
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: دَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَاطِمَةَ ابْنتَهُ فِي شَكْوَاهُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ، فَسَارَّهَا بِشَيْءٍ فَبَكَتْ، ثُمَّ دَعَاهَا، فَسَارَّهَا فَضَحِكَتْ، قَالَتْ فَسَأَلْتُهَا عَنْ ذَلِكَ.
3626 -
فَقَالَتْ: سَارَّنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ يُقْبَضُ فِي وَجَعِهِ الَّذِي تُوُفِي فِيهِ فَبَكَيْتُ، ثُمَّ سَارَّنِي فَأَخْبَرَنِي أَنِّي أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتِهِ أتبَعُهُ فَضَحِكْتُ.
الثّاني عشر:
(فضحكت) رتبه هنا على أنها أول لاحق به، وفي الحديث السابق على أنها سيدَةُ نساء أهل الجنَّة، بل رتب فيه البكاء على وفاته صلى الله عليه وسلم، وأنها أول لاحق به، وقد يجمع بأن البكاء رتب على الأمرين، وهو قبضه صلى الله عليه وسلم، أو على المجموع منه ومن لحاقها به، وأمّا الضحك فلا يبعد أن يرتب
على كلّ من الأمرين: السيادة، وأنها أول لاحق به، فذكر أحدهما هنا، والآخر في السابق، وفيه إيثارهم الآخرة، وسرورهم بالانتقال إليها، والخلاص من الدنيا.
وفيه معجزتان: الإخبار ببقائها بعده، وأنها أول أهله لحاقًا به.
* * *
3627 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يُدْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: إِنَّ لنا أَبْنَاءً مِثْلَهُ؟ فَقَالَ: إِنَّهُ مِنْ حَيْثُ تَعْلَمُ، فَسَأَلَ عُمَرُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} ، فَقَالَ: أَجَلُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَعْلَمَهُ إِيَّاهُ، قَالَ: مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إلا مَا تَعْلَمُ.
الثّالث عشر:
(مثله)؛ أي: في العمر، أي: نحن شيوخ وهو شاب، فلم تقدمه وتقربه، فأجاب بأن تقديمه من جهة العلم:
والعلم يرفع قدرَ من لم يُرفع
(أجل)؛ أي: مجيء النصر والفتح، ودخول النَّاس في الدين علامة وفاة النّبيّ صلى الله عليه وسلم، أخبر الله تعالى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك.
* * *
3628 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ الْغَسِيلِ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ بِمِلْحَفَةٍ قَدْ عَصَّبَ بِعِصَابَةٍ دَسْمَاءَ، حَتَّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَحَمِدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:"أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ النَّاسَ يَكْثُرُونَ وَيَقِلُّ الأَنْصَارُ، حَتَّى يَكُونُوا فِي النَّاسِ بِمَنْزِلَةِ الْمِلْح فِي الطَّعَامِ، فَمَنْ وَليَ مِنْكُمْ شَيْئًا يَضُرُّ فِيهِ قَوْمًا وَيَنْفَعُ فِيهِ آخَرِينَ، فَلْيقْبَلْ مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَيتَجَاوَزْ عَنْ مُسِيئِهِمْ"، فَكَانَ آخِرَ مَجْلِسٍ جَلَسَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم.
الرّابع عشر:
(بملحفة) بكسر الميم.
(العصابة)؛ أي: عمامة.
(دسماء)؛ أي: سوداء.
(كالملح في الطّعام) وجه التشبيه: الإصلاح بالقليل دون الإفساد بالكثير، كقولهم: النحو في الكلام كالملح في الطّعام، أو كونه قليلًا بالنسبة إلى سائر أجزاء الطّعام.
* * *
3629 -
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْجُعْفِي، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه:
أَخْرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ الْحَسَنَ، فَصَعِدَ بِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ:"ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ".
الخامس عشر:
(ابني) دليل على أن ابن البنت يُطلق عليه ابن، ولا اعتبار بقول الشاعر:
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا
…
بنوهن أبناء الرجال الأباعد
قلت: هذا باعتبار الحقيقة، والأول مجاز.
(فئتين)؛ أي: طائفتين، وقد كان كذلك، إذ بسبب صلحه مع مُعاوية انصلح حال طائفته، وطائفة مُعاوية جميعًا، وبقوا كلهم سالمين.
* * *
3630 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَعَى جَعْفَرًا وَزيدًا قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ خَبَرُهُمْ، وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ.
السّادس عشر:
(جعفرًا)؛ أي: ابن أبي طالب، ذا الجناحين.
(وزيدًا)؛ أي: ابن حارثة.
(تذرفان) بالمعجمة، وكسر الراء، أي: تسيلان دمعًا.
* * *
3631 -
حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "هَلْ لَكُمْ مِنْ أَنْمَاطٍ؟، قُلْتُ: وَأَنَّى يَكُونُ لنا الأَنْمَاطُ؟ قَالَ: "أَمَا إِنَّهُ سَيَكُونُ لَكُمُ الأَنْمَاطُ"، فَأنَا أقولُ لَهَا -يَعْنِي امْرَأَتَهُ-: أَخِّرِي عَنِّي أَنْمَاطَكِ، فتقُولُ: ألَمْ يَقُلِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّهَا سَتكُونُ لَكُمُ الأَنْمَاطُ"؟ فَأدَعُهَا.
السابع عشر:
(أنماط) جمع نمط، وهو ضرب من البسط، له خمل رقيق؛ أخبرهم بأنها تكون، ونبههم على ترك السرف فيها، وابتغاء القصد على إظهار نعمة الله، لا فخرًا.
(فأنا أقول لها)؛ أي: لامرأته.
(فتقول)؛ أي: امرأة جابر.
(فأدعها)؛ أي: فأتركها بحالها مفروشة.
* * *
3632 -
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى،
حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهما، قَالَ: انْطَلَقَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مُعْتَمِرًا، قَالَ: فَنَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ أَبِي صَفْوَانَ، وَكَانَ أُمَيَّةُ إِذَا انْطَلَقَ إِلَى الشّأْمِ فَمَرَّ بِالْمَدِينَةِ نزَلَ عَلَى سَعْدٍ، فَقَالَ أُمَيَّةُ لِسَعْدٍ: انتظِرْ حَتَّى إِذَا انتصَفَ النَّهَارُ وَغَفَلَ النَّاسُ انْطَلَقْتُ فَطُفْتُ، فَبَيْنَا سَعْدٌ يَطُوفُ إِذَا أَبُو جَهْلٍ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا الَّذِي يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ؟ فَقَالَ سَعْدٌ: أَنَا سَعْدٌ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: تَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ آمِنًا، وَقَدْ آوَيْتُمْ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ، فَقَالَ: نعمْ. فتلَاحَيَا بَيْنَهُمَا. فَقَالَ أُمَيَّةُ لِسَعْدٍ: لَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ عَلَى أَبِي الْحَكَم، فَإنَّهُ سَيِّدُ أَهْلِ الْوَادِي. ثُمَّ قَالَ سَعْدٌ: وَاللهِ لَئِنْ مَنَعْتَنِي أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ لأَقْطَعَنَّ مَتْجَرَكَ بِالشَّأْمِ. قَالَ: فَجَعَلَ أُمَيَّةُ يَقُولُ لِسَعْدٍ: لَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ، وَجَعَلَ يُمْسِكُهُ، فَغَضِبَ سَعْدٌ فَقَالَ: دَعْنَا عَنْكَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم يَزْعُمُ أَنَّهُ قَاتِلُكَ، قَالَ: إِيَّايَ؟ قَالَ: نعمْ، قَالَ: وَاللهِ مَا يَكْذِبُ مُحَمَّدٌ إِذَا حَدَّثَ، فَرَجَعَ إِلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ: أَمَا تَعْلَمِينَ مَا قَالَ لِي أَخِي الْيَثْربِيُّ؟ قَالَتْ: وَمَا قَالَ؟ قَالَ: زَعَمَ أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّدَّا يَزْعُمُ أَنَّهُ قَاتِلِي، قَالَتْ: فَوَاللهِ مَا يَكْذِبُ مُحَمَّد، قَالَ: فَلَمَّا خَرَجُوا إِلَى بَدْرٍ، وَجَاءَ الصَّرِيخُ، قَالَتْ لَهُ امْرَأتُهُ: أَمَا ذَكَرْتَ مَا قَالَ لَكَ أَخُوكَ الْيَثْربِيُّ، قَالَ: فَأَرَادَ أَنْ لَا يَخْرُجَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ: إِنَّكَ مِنْ أَشْرَافِ الْوَادِي، فَسِرْ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ، فَسَارَ مَعَهُمْ فَقَتَلَهُ اللهُ.
الثّامن عشر:
(أُمَيَّة) بضم الهمزة، وتخفيف الميم، وتشديد الياء.
(ابن خَلَف) بفتح المعجمة واللام، الجُمَحي بضم الجيم، وفتح الميم، وبمهملة.
(فتلاحيا)؛ أي: تخاصما.
(على أبي الحكم) بفتح المهملة والكاف، كنية لعدوّ الله، فكناه النّبيّ صلى الله عليه وسلم أبا جهل، واسمه عمرو بن هشام المخزومي.
(لأقطعن)؛ أي: فإنّه قادر على ذلك؛ لأنه سيد قبيلة الأوس، ومن أعظم الأنصار.
(أنه قاتلك)؛ أي: أن أبا جهل يقتلك، وبيَّن ذلك بعد، فإنّه سبب في خروجه إلى بدر حتّى قتل، فكان أبو جهل هو قاتل أُميَّة بالتسبب.
(أخي اليثربي) يعني سعدًا، أخوة المودة والصداقة بينهما، لا النسب ولا الدِّين.
(فلما خرجوا إلى بدر) فيه تقديم وتأخير؛ لأن الصريخ قبل خروجهم، إلا أن يحمل:(خرجوا) على إرادة الخروج إلى يثرب لما أخبروهم أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه خرجوا إلى عير أبي سُفيان.
(الصريخ) قيل: من الصراخ، وهو الصوت المستصرخ، أي: المستغيث.
(قالت له امرأته)؛ أي: قالت امرأة أمية له: لا تخرج للحرب مع أبي جهل، واذكر ما قال سعد.
* * *
3634 -
حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ النَّرْسِيُّ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ، قَالَ: أُنْبِئْتُ أَنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدَهُ أُمُّ سَلَمَةَ، فَجَعَلَ يُحَدِّثُ ثُمَّ قَامَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لأُمِّ سَلَمَةَ:"مَنْ هَذَا؟ "، أَوْ كمَا قَالَ، قَالَ: قَالَتْ: هَذَا دِحْيَةُ، قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: ايْمُ اللهِ مَا حَسِبْتُهُ إلا إِيَّاهُ حَتَّى سَمِعْتُ خُطْبَةَ نبَيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُخْبِرُ جِبْرِيلَ، أَوْ كمَا قَالَ، قَالَ: فَقُلْتُ لأَبِي عُثْمَانَ: مِمَّنْ سَمِعْتَ هَذَا؟ قَالَ: مِنْ أُسَامَةَ بْنِ زيدٍ.
التّاسع عشر:
(أُنبئتُ)؛ أي: أُخبرتُ، وهذا وإن كان ظاهره الإرسال من أبي عثمان النَّهْدي، لكنه اتصل آخرًا بقوله:(سمعته من أُسامة).
(دِحْية) بكسر الدال المهملة وفتحها، وسكون المهملة: ابن خليفة الكلبي الصحابي، وكان من أجمل النَّاس.
* * *
3633 -
حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبةَ، عَنْ سَالِم بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ
عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"رَأَيْتُ النَّاسَ مُجْتَمِعِينَ فِي صَعِيدٍ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ، وَفِي بَعْضِ نَزْعِهِ ضَعْفٌ، وَاللهُ يَغْفِرُ لَهُ، ثُمَّ أَخَذَهَا عُمَرُ، فَاسْتَحَالَتْ بِيَدِهِ غَرْبًا، فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا فِي النَّاسِ يَفْرِي فَرِيَّهُ، حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ"، وَقَالَ هَمَّامٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"فَنَزَعَ أَبُو بَكْرٍ ذَنُوبَينِ".
العشرون:
(رأيت)؛ أي: في المنام.
(فنَزع)؛ أي: استقى.
(ذَنوبًا) بفتح المعجمة: الدلو المملوء بالماء.
(أو ذنوبين) كالقطع بهذا وزوال الشك، وهو مطابق لسنتي خلافته.
(ضعف) بالضم والفتح، لغتان، والمراد ما قاله المسلمون في خلافة أبي بكر رضي الله عنه من أموال المشركين، وقيل: إنّما أراد قصر مدته؛ كيف وقد قاتل أهل الردة فلم يتفرغ لافتتاح الأمصار، وجباية الأموال.
(غَرْبًا) بفتح المعجمة، وسكون الراء: الدلو العظيم، أي: تحولت الدلو من الصغر إلى الكبر، فإن فتحت الراء من (غرب) فهو الماء السائل من البئر والحوض.
وهذا تمثيل، ومعناه أن عُمر لما أخذ الدلو ليستقي عظم في يده؛
لأن الفتوح في زمنه أكثر منها في زمن أبي بكر.
(عبقريًّا) هو الحاذق في علمه، وعبقري القوم، هو سيدهم وكبيرهم وقويهم، وأصله فيما قيل: إن عبقر قرية يسكنها الجنّ، فصار مثلًا لكل منسوب إلى شيء غريب في جودة صنعته، وكمال رفعته.
(يفري)؛ أي: يقطع.
(فريه) بإسكان الراء، وتخفيف الياء، وبكسر الرأء، وتشديد الياء، قال تعالى:{لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا} [مريم: 27]، أى: عظيمًا، وأنكر الخليل التشديد، وغلَّط قائله.
(بعطن) هو مبرك الإبل حول موردها لتشرب عللًا بعد نهل، وتستريح فيه.
قال (ن): هذا المنام مثال لما جرى للخليفتين من ظهور آثارهما، وانتفاع النَّاس بهما، وكله مأخوذ من النّبيّ صلى الله عليه وسلم، إذ هو صاحب الأمر، فقام به أكمل قيام، وقرر القواعد، ثمّ خلفه أبو بكر رضي الله عنه سنتين، فقاتل أهل الردة، وقطع دابرهم، ثمّ خلفه عُمر رضي الله عنه فاتسع الإسلام في زمنه، فشبه أمر المسلمين بقليب فيه الماء الّذي به حياتهم وصلاحهم، وأميرهم بالمستقي لهم منها، وسقيه هو قيامه بمصالحهم، وقوله:(وفي نزعه ضعف)، ليس حطًّا من فضيلة أبي بكر، وإنّما هو إخبار عن حال ولايتهما، وقد كثر انتفاع النَّاس في ولاية عُمر،
لطولها، واتساع الإسلام وبلاده، والفتوحات؛ فمصَّر الأمصار، ودوَّن الدواوين، وأمّا قوله:(والله يغفر له) فليس فيه تنقيص له، ولا إشارة إلى ذنب، وإنّما هي كلمة كانوا يدعّمون بها كلامهم، ونِعْمةُ الدعامة.
قال: وفيه إعلام بخلافتهما، وصحة ولايتهما، وكثرة انتفاع المسلمين بهما.
قال (ع): ظاهر لفظ: (حتّى ضرب النَّاس بعطن) عَوده إلى خلافة عُمر، وقيل: يعود إلى خلافتهما؛ لأن بتدبيرها وقيامهما بمصالح المسلمين تَمَّ هذا الأمر؛ لأن أبا بكر رضي الله عنه جمع شملهم، وابتدأ الفتوح، وتكامل في زمن عمر رضي الله عنه.
(وقال همام) موصول في (التعبير).
* * *