الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
54 - بابٌ
3466 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّناَدِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَهُ أنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أنَّهُ سَمعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"بَيْنَا امْرَأَةٌ تُرْضِعُ ابْنَهَا إِذْ مَرَّ بِهَا رَاكِبٌ وَهْيَ تُرْضِعُهُ، فَقَالَتِ: اللَّهُمَّ لَا تُمِتِ ابْنِي حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ هَذَا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ، ثُمَّ رَجَعَ فِي الثَّدْيِ، وَمُرَّ بِامْرَأَةٍ تُجَرَّرُ وَيُلْعَبُ بِهَا، فَقَالَتِ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهَا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا، فَقَالَ: أَمَّا الرَّاكِبُ فَإِنَّهُ كَافِرٌ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ لَهَا: تَزْنِي، وَتَقُولُ: حَسْبِي اللهُ. وَيَقُولُونَ: تَسْرِقُ، وَتَقُولُ: حَسْبِي الله".
(باب)
الحديث الأول:
(ومر) مبنيٌّ للمفعول.
(تجر) وفي بعضها: (تُجَرَّ).
سبق الحديث في (قصة عيسى عليه السلام).
(تزني) لو خاطبَها لقال: تَزنينَ.
* * *
3467 -
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ تَلِيدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَني جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه،
قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ، إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَسَقَتْهُ، فَغُفِرَ لَهَا بِهِ".
الثاني:
(يطيف)؛ أي: يطُوف، ويَدُور.
(بِرَكية) بفتح الراء، وكسر الكاف: هو البِئْر قبل أن تُطوى.
(بغي)؛ أي: زانية.
(موقها)؛ أي: خُفها، وقال الجَوْهَري: هو الذي فَوق الخُفِّ، فارسيٌّ معرَّبٌ.
* * *
3468 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ عَامَ حَجَّ عَلَى الْمِنْبَرِ فَتَنَاوَلَ قُصَّةً مِنْ شَعَرٍ وَكَانَتْ فِي يَدَيْ حَرَسِيٍّ، فَقَالَ: يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ! أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ؟ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هَذِهِ، وَيَقُولُ:"إِنَّمَا هَلَكَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ حِينَ اتَّخَذَهَا نِسَاؤُهُمْ".
الثالث:
(المنبر)؛ أي: منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(قصة) بضم القاف، وشدة المهملة: شعر الناصية، والمراد هنا قِطْعةٌ، من قصَصتُ الشَّعرَ، أي: قطعتُه.
(حرسي) واحد الحرَس الذين يحرُسون السُّلطان، لكن لمَّا صار اسمَ جنسٍ نُسب إليه، ولا تقُل: حارِس، إلا أن تذهب به إلى معنى الحِراسة دون الجنْس، ويُطلَق الحرَسي ويُراد به الجُندي.
(أين علماؤكم) هذا السؤال للإنكار عليهم بإهمالهم إنكارَ مثلِ هذا المُنكَر، وغَفْلتهم عن تغييره.
وفي هذا اعتِناءُ الوُلاة بإزالة المنكَر، وتوبيخُ مَن أهملَه.
(هذه)؛ أي: القُصَّة، والغرَض النهي عن تزيين الشعر بمثلها، والوَصْل به.
قال (ع): يحتمل أنه كان مُحرَّمًا على بني إسرائيل، فعُوقبوا باستعماله، وهلَكوا بسبَبه، ويحتمل أنَّ الهلاك كان به وبغَيره من المعاصي، وعند ظُهور ذلك فيهم هلَكوا.
وفيه معاتَبة العامة بظُهور المنكر.
* * *
3469 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِنَّهُ قَدْ كَانَ فِيمَا مَضَى قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ مُحَدَّثُونَ، وَإِنَّهُ إِنْ كَانَ فِي أُمَّتِي هَذِهِ مِنْهُمْ، فَإِنَّهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ".
الرابع:
(محدَّثون) بفتح المهملة المشدَّدة.
قال (خ): المُحدَّث: المُلهَم يُلقى الشيءُ في رُوعه، فكأنه قد حُدِّث به، يظُنُّ فيُصيب، ويخطر الشيء بباله فيكون، وهي منْزلةٌ جليلةٌ من منازل الأولياء.
وقيل: هو من يجري الصَّواب على لسانه، وقيل: مَنْ تُكلِّمه الملائكة، وعبارة البخاري فيه: يجري على ألسنتِهم الصَّواب من غير نُبوَّةٍ.
وفيه إثبات الكرامات، وفَضيلة عُمر، وقِصَّته رضي الله عنه في:(يا ساريةُ الجبَلَ) مشهورةٌ.
* * *
3470 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ النَّاجِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ إِنْسَانًا، ثُمَّ خَرَجَ يَسْأَلُ، فَأَتَى رَاهِبًا فَسَأَلهُ، فَقَالَ لَهُ: هَلْ مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ لَا، فَقَتَلَهُ، فَجَعَلَ يَسْأَلُ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: ائْتِ قَرْيَةَ كَذَا وَكَذَا، فَأَدْركَهُ الْمَوْتُ فَنَاءَ بِصَدْرِهِ نَحْوَهَا، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ، فَأَوْحَى اللهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَقَرَّبِي، وَأَوْحَى اللهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَبَاعَدِي، وَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَهُمَا، فَوُجِدَ إِلَى هَذِهِ أَقْرَبُ بِشِبْرٍ، فَغُفِرَ لَهُ".
الخامس:
(يسأل)؛ أي: عن التوبة والاستغفار.
(راهبًا) أي: واحد رُهبان النصارى، وهو الخائِف المتعبِّد.
(فأدركه الموت)؛ أي: في الطَّريق، والفاء فيه فصيحةٌ، والمراد إدراك أَمارات الموت.
(فنأى)؛ أي: بتقديم الهمزة على الألف، وعكسِه، أي: نهَضَ بصَدْره مائِلًا إلى ناحية تلك القَرية التي توجَّه إليها للتَّوبة والعبادة.
(إلى هذه) هي المتوجَّه منها.
(أن تقربي)؛ أي: من الميِّت.
(إلى هذه أن تباعدي) هي المتوجَّه منها.
واعلم أنَّ حقَّ العباد لا يسقُط بالتَّوبة، ولكنَّ الله تعالى إذا قبِلَ توبته أَرضَى خُصومه بكرَمه.
* * *
3471 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الصُّبْح، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ:"بَيْنَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً إِذْ رَكبَهَا فَضَرَبَهَا، فَقَالَتْ: إِنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا، إِنَّمَا خُلِقْنَا لِلْحَرْثِ". فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللهِ! بَقَرَةٌ تَكَلَّمُ. فَقَالَ: "فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ -وَمَا هُمَا ثَمَّ- وَبَيْنَمَا رَجُلٌ فِي غَنَمِهِ إِذْ عَدَا الذِّئْبُ فَذَهَبَ مِنْهَا بِشَاةٍ، فَطَلَبَ حَتَّى كَأَنَّهُ اسْتَنْقَذَهَا مِنْهُ، فَقَالَ لَهُ الذِّئْبُ: هَذَا اسْتَنْقَذْتَهَا مِنِّي فَمَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ، يَوْمَ لَا رَاعِيَ لَهَا
غَيْرِي". فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللهِ! ذِئْبٌ يَتكَلَّمُ. قَالَ: "فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ"، وَمَا هُمَا ثَمَّ.
3471 / -م - وَحَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ.
السادس:
(عن أبي سلمة عن أبي هريرة) في بعضها بإسقاط (أبي سلَمة)، وهو صحيحٌ أيضًا؛ لأن الأَعْرج يَروي عن أبي هريرة أيضًا بلا واسطةٍ.
(هذا)؛ أي: الرجل.
(استنقذها) وفي بعضها: (استَنقَذتها)، والإشارة للذِّئب.
(السَّبُع) بضم الموحدة وسكونها، أي: مَن لها عند الفِتَن، حيث يتركُها الناسُ هَمَلًا لا راعي لها، شبَّهه للسِّباع، فبقيَ لها السبُع راعيًا.
وقيل: هو يوم عيدٍ كان لهم في الجاهليَّة، أو غير ذلك.
وقد سبق في (كتاب الحرث).
* * *
3472 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ عَقَارًا لَهُ، فَوَجَدَ الرَّجُلُ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ: فِي عَقَارِهِ
جَرَّةً فِيهَا ذَهَبٌ، فَقَالَ لَهُ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ: خُذْ ذَهَبَكَ مِنِّي، إِنَّمَا اشْتَرَيْتُ مِنْكَ الأَرْضَ وَلَمْ أَبْتَعْ مِنْكَ الذَّهَبَ، وَقَالَ الَّذِي لَهُ الأَرْضُ: إِنَّمَا بِعْتُكَ الأَرْضَ وَمَا فِيهَا، فَتَحَاكَمَا إِلَى رَجُلٍ، فَقَالَ الَّذِي تَحَاكَمَا إلَيْهِ: أَلَكُمَا وَلَدٌ؟ قَالَ أَحَدُهُمَا: لِي غُلَامٌ، وَقَالَ الآخَرُ: لِي جَارِيَةٌ، قَالَ: أَنْكِحُوا الْغُلَامَ الْجَارِيَةَ، وَأَنْفِقُوا عَلَى أَنْفُسِهِمَا مِنْهُ، وَتَصَدَّقَا".
السابع:
(عقارًا) بفتح المهملة: الأرض، والضِّياع، والنَّخْل.
(جارية)؛ أي: بنت مراهقةٌ.
وفيه كمال تورُّعهم، واحتياطُهم، وفوائد أُخرى تظهر بالتأمُّل.
* * *
3473 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، وَعَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ سَمِعَهُ يَسْأَلُ أُسَامَةَ بْنَ زيدٍ: مَاذَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الطَّاعُونِ؟ فَقَالَ أُسَامَةُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الطَّاعُونُ رِجْسٌ أُرْسِلَ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ -أَوْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ- فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ". قَالَ أَبُو النَّضْرِ: "لَا يُخْرِجُكُمْ إِلَّا فِرَارًا مِنْهُ".
الثامن:
(الطَّاعُون) الموت الكثير، أو بَثَرٌ، وَوَرَمٌ مُؤلمٌ جدًّا، يخرُج مع لهيبٍ، وَيسْوَدُّ ما حولَه، أو يخضَرُّ، ويحصل معه خفَقان القلْب، والقَيء، ويخرج في المراق والآبَاط غالبًا.
(تقدموا) بفتح الدال.
(لا يخرجكم)؛ أي: أن أبا النَّضْر فسَّر: لا تَخرجُوا فِرارًا: بأنَّ المراد منه الحَصْر، يعني: الخُروج المنهي عنه هو الذي لمُجرَّد الفِرار لا لغرَضٍ آخر، فهو تفسيرٌ للمعلِّل المنهي، لا للنهي، أو أنه زاد بعد رواية:(لا تخرجوا فرارًا، لا يُخرجُكم إلا فِرارًا)، فيكون تفسيره نقْلًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، لا من تلْقاء نفسه، فإنْ ثبَت أنَّ:(إلا) تُزاد في كلام العرب، فيكون واضحًا.
قال (ن): رُوي: (إلا فرارٌ) بالرفع والنصب، وكلاهما مُشْكلٌ؛ لأنَّ ظاهره المنْع من الخُروج لكل سبَبٍ إلا للفِرار، وهو ضِدُّ المراد.
وقيل: لفْظة: (إلا) هنا غلَطٌ من الرَّاوي، وصوابه حذفها كما هو المعروف في الروايات.
وَوَجّه طائفةٌ النصب، فقالوا: هو حالٌ، وكلمة:(إلا) للإيجاب لا للاستِثناء، وتقديره: لا تخرُجوا إذا لم يكن خُروجكم إلا فِرارًا منه.
وفيه التَّسليم لقَضاء الله، ومنْع القُدوم على بلَد الطَّاعون، ومنْع الخُروج منه فِرارًا من ذلك، فأما الخروج لعارضٍ فلا بأْسَ به.
* * *
3474 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الطَّاعُونِ، فَأَخْبَرَنِي:"أَنَّهُ عَذَابٌ يَبْعَثُهُ اللهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، وَأَنَّ اللهَ جَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا، يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُصِيبُهُ إِلَّا مَا كتَبَ اللهُ لَهُ، إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ شَهِيدٍ".
التاسع:
(من أحد)، (مِنْ) فيه زائدةٌ.
وفيه عناية الله بهذه الأُمة المكرَّمة، حيث جعل ما أُعِدَّ عذابًا لغَيرهم رحمةً لهم.
* * *
3475 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالَ: وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"أتشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ". ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا
سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ اللهِ! لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بْنَتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا".
العاشر:
(المخزومية) بمعجمةٍ، وزاي، اسمها: فاطِمة بنت الأَسوَد، وكان ذلك في غَزْوة الفتْح.
(يجترئ)؛ أي: يتجاسَر عليه بطريق الإدلال.
(حِب) بكسر المهملة، أي: محبوبُ.
(وايم) بهمزة وصلٍ.
وفيه النهي عن الشَّفاعة في الحُدود، وذلك بعد بُلوغه الإمامَ، ومنقَبةٌ ظاهرةٌ لأُسامة.
* * *
3476 -
حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَيْسَرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّزَّالَ بْنَ سَبْرَةَ الْهِلَالِيَّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا قَرَأَ، وَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ خِلَافَهَا، فَجئْتُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ، فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةَ وَقَالَ:"كِلَاكُمَا مُحْسِنٌ، وَلَا تَخْتَلِفُوا، فَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ اخْتَلَفُوا فَهَلَكُوا".
الحادي عشر:
سبق في (كتاب المخاصَمات).
(ولا تختلفوا)؛ أي: اختِلافًا يؤدِّي إلى الكُفر، أو البِدْعة، كالاختلاف في نفْس القُرآن، وفيما جاز قراءتُه على وجهَين مثلًا، وفيما يُوقع في الفتْنة أو الشبهة، وأما الاختلاف في الفُروع، ومناظرات العُلماء لإظهار الحقِّ؛ فمأمورٌ به.
* * *
3477 -
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي شَقِيقٌ، قَالَ عَبْدُ اللهِ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَحْكِي نبَيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فَأَدْمَوْهُ، وَهْوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولُ:"اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ".
الثاني عشر:
(اغفر لقومي) الجمْع بينه وبين ما قال نوحٌ عليه السلام: {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح: 26]: أنَّ المقامات مختلفةٌ، فالاستِغفارُ: حيث توقَّع منهم الإيمان، وطلَبُ الهلاك: حيث عَلِم أنه لن يؤمن مِن قومه إلا مَن قد آمَن قبل ذلك.
* * *
3478 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ عُقْبةَ بْنِ عَبْدِ الْغَافِرِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "أَنَّ رَجُلًا كَانَ قَبْلَكُمْ رَغَسَهُ اللهُ مَالًا، فَقَالَ لِبَنِيهِ لَمَّا حُضِرَ: أَيَّ أَبٍ كُنْتُ لَكُمْ؟
قَالُوا: خَيْرَ أَبٍ، قَالَ: فَإِنِّي لَمْ أَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ، فَإِذَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي، ثُمَّ اسْحَقُونِي، ثُمَّ ذَرُّونِي فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ، فَفَعَلُوا، فَجَمَعَهُ اللهُ عز وجل، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ؟ قَالَ: مَخَافَتُكَ، فَتَلَقَّاهُ بِرَحْمَتِهِ".
وَقَالَ مُعَاذٌ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَبْدِ الْغَافِرِ، سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
الثالث عشر:
(رَغَسه) بفتح الراء، والمعجمة، وبمهملةٍ، أي: أعطاه، وأَنماه، وقيل: أكثَر له، وباركَ فيه، وفي رواية مسلم:(راشَه الله)، بالراء، والمعجمة، من الرِّيْش: وهو المال، ويقَع ذلك في البخاري بسين مهملةٍ.
قال (خ): وهو غلَطٌ؛ فإنْ كان محفوظًا فهو بالمعجمة.
(حضر) مبنيٌّ للمفعول.
(ما حملك)؛ أي: على هذه الوصيَّة.
(فتلقاه) بقافٍ، وأشار السَّفَاقُسي إلى أنه بالفاء، قال: ولا أعلم له وجهًا إلا أن يكون أصله: فتلفَّفه رحمةٌ، أي: غشِيتْه، فاجتمع ثلاث فاآاتٍ، فأُبدلت الأَخيرةُ ألفًا، كقوله تعالى:{دَسَّاهَا} [الشمس: 10]، ويُروى:(فتلافاه).
* * *
3479 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، قَالَ: قَالَ عُقْبَةُ لِحُذَيْفَةَ: أَلَا تُحَدِّثُنَا مَا سَمِعْتَ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "إِنَّ رَجُلًا حَضَرَهُ الْمَوْتُ، لَمَّا أَيِسَ مِنَ الْحَيَاةِ، أَوْصَى أَهْلَهُ إِذَا مُتُّ فَاجْمَعُوا لِي حَطَبًا كَثِيرًا، ثُمَّ أَوْرُوا نَارًا، حَتَّى إِذَا أكَلَتْ لَحْمِي وَخَلَصَتْ إِلَى عَظْمِي، فَخُذُوهَا فَاطْحَنُوهَا، فَذَرُّونِي فِي الْيَمِّ فِي يَوْمٍ حَارٍّ -أَوْ رَاحٍ-، فَجَمَعَهُ اللهُ، فَقَالَ: لِمَ فَعَلْتَ؟ قَالَ: خَشْيَتَكَ، فَغَفَرَ لَهُ". قَالَ عُقْبَةُ وَأَنَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ. حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، وَقَالَ:"فِي يَوْمٍ رَاحٍ".
الرابع عشر:
(عقبة) هو ابن عُمر، لا عُقبة بن عبد الغافِر السابق.
(حاز) بالزاي المشددة، يَحُز بِحَرِّه، أو بَرده، كذا للمروزي، والأَصِيْلِي، وأبي ذر، وعند أبي الهيثم:(جار) بالراء، وأشار بعضهم إلى أن تفسيره بالمشدَّد، أي: لشدَّة ريحه.
وفي بعض الروايات: (حان) بالنون المشدَّدة في آخره، أي: حانَ ريحُه، قال ابن فارِس: الحون: ريحٌ يحِنُّ كحَنين الإبل.
(خشيتك) خبر مبتدأ محذوفٍ، أو مبتدأٌ خبره محذوفٌ، وفي بعضها بالنَّصب على نزْع الخافِض، أي: لخَشْيتك، وفي بعضها: بلفْظ الفعل، وفي بعضها بالكسْر.
قال (ش): وكأنَّه بتقدير: مِن، كما ثبَت في روايةٍ.
(سمعته)؛ أي: سمعت حذيفة.
(راح)؛ أي: كثير الريح.
* * *
3480 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"كَانَ الرَّجُلُ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَكَانَ يَقُولُ لِفَتَاهُ: إِذَا أَتَيْتَ مُعْسِرًا فَتَجَاوَزْ عَنْهُ، لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا. قَالَ: فَلَقِيَ اللهَ فتجَاوَزَ عَنْهُ".
الخامس عشر:
(لفتاه)؛ أي: صاحبِه الذي يقضِي حوائجَه.
* * *
3481 -
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "كَانَ رَجُلٌ يُسْرِفُ عَلَى نَفْسِهِ، فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ قَالَ لِبِنَيهِ: إِذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي ثُمَّ اطْحَنُونِي ثُمَّ ذَرُّونِي فِي الرِّيحِ، فَوَاللهِ لَئِنْ قَدَرَ عَلَيَّ رَبِّي لَيُعَذِّبَنِّي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ أَحَدًا. فَلَمَّا مَاتَ فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ، فَأَمَرَ اللهُ الأَرْضَ فَقَالَ: اجْمَعِي مَا فِيكِ مِنْهُ، فَفَعَلَتْ، فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ،
فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: يَا رَبِّ خَشْيَتُكَ. فَغَفَرَ لَهُ".
وَقَالَ غَيْرُهُ: "مَخَافَتُكَ يَا رَبِّ".
السادس عشر:
(يسرف) من الإسراف، وهو مجاوزة الحَدِّ، أي: يُبالغ في المعاصي.
(وقال غيره)؛ أي: غير أبي هريرة، وهو عبد الرَّزاق، أخرجه أحمد عنه.
وسبق مرَّاتٍ أنَّ قولَه: (لئن قدَرَ) ليس شكًّا في القُدرة، بل بمعنى: إنْ ضيَّق، أو حكَم وقضَى، أو على ظاهره وقالَه وهو غير ضابطٍ لنفْسه، ولا قاصدٍ معناه؛ لكن للدَّهشة، وشدَّة الخَوف بحيث ذهَب تدبُّره فيما يقول، فصار كالغافِل، والناسي، أو أنَّه جَهِل صفةً من صفاته تعالى، وفي تكفيره بذلك خلافٌ، أو كان في زمانٍ ينفع فيه مُجرَّد التوحيد، أو كان في شَرعهم جواز العفْو عن الكافر.
قال (خ): أو أنه رجلٌ جاهلٌ ظنَّ أنه إذا فعل به ذلك تُرِكَ، فلم يُبعث، ولم يُعذَّب.
وحيث قال: (خشْيتُك) عُلم أنه مؤمنٌ، فَعل ما فَعل خشيةً من الله، وبجهله حَسِبَ أنَّ هذه الحيلة تُنجيه مما يخافُه.
* * *
3482 -
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ، حَدَّثَنَا جُويرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
"عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنتهَا حَتَّى مَاتَتْ، فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ، لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلَا سَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا، وَلَا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ".
السابع عشر:
(في هرة)؛ أي: بسببها نحو: "في النَّفْس المؤمنةِ مائةٌ من الإبِل".
(خشاش) بتثليث المعجَمة الأُولى، وتخفيف الثانية: حشَرات الأرض وهوامُّها.
قال (ش): ويُروى بالحاء المهملة، أي: يابِس النَّبات، وهو وهمٌ.
سبق الحديث في (باب: ما يقول بعد التكبير).
* * *
3483 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوُنسَ، عَنْ زُهَيْرٍ، حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مَسْعُودٍ عُقْبَةُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ، إِذَا لَمْ تَسْتَحِي فَافْعَلْ مَا شِئْتَ".
3484 -
حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رِبْعِيَّ بْنَ حِرَاشٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ إِذَا لَمْ تَسْتَحِي فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ".
الثامن عشر:
(الناس) بالرفع، وبالنصب، أي: مما أدركَه الناسُ، أو مما بلَغ النَّاسَ.
(من كلام النبوة)؛ أي: مما اتفَق الأنبياء عليه، فلم يُنسخ فيما نُسخ من شرائعهم؛ لأنه أمرٌ أطبقَت العُقول على حُسنه.
(إذا لم تستحي) هذه الجملة الشَّرطية اسمُ (إنَّ) على تقدير القَول، أو خبرُه على تقدير (مِن) اسمًا، كلفْظ بعضٍ، فيكون هو اسم (إنَّ).
(فاصنع) إما أمرٌ بمعنى الخبَر، أو تهديدٌ، أي: فإنَّ الله يَجزيك بفعلك، أو المعنى: انظُر إلى ما تُريده، فإن كان [مما لا يُستحيَا منه، فافعلْه، وإن كان مما يُستحيا منه فدعْهُ، أو إذا لم تستح من الله يكون ذلك الفعل](1) مما لا يُستحيى منه بحسَب الدِّين فافعلْه، ولا تُبالِ (2) بالخلْق، أو هو لبَيان فضيلة الحياء، أي: لمَّا لم يَجُز صنْعُ ما شئتَ، لم يَجُز تركُ الاستحياء، كما قال:"الحيَاءُ مِن الإيمانِ".
* * *
3485 -
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونُس، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَني سَالِمٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
(1) ما بين معكوفتين ليس في الأصل.
(2)
في "ف" و"ت": "تبالي".
"بَيْنَمَا رَجُلٌ يَجُرُّ إِزَارَهُ مِنَ الْخُيَلَاءِ خُسِفَ بِهِ، فَهْوَ يتَجَلْجَلُ فِي الأَرْضِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ".
تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ.
التاسع عشر:
(الخيلاء) التكبُّر عن تخيُّل فَضيلةٍ تراءَتْ للإنسان من نفْسه.
(يتجلجل) بجيمين، أي: ينْزِل مضطرِبًا متدافِعًا، وقيل: بالخاء المعجمة، وهو بعيدٌ، إلا أن يكون من قولهم: خَلْخَلتُ العظْمَ، إذا أخذتَ ما عليه من اللَّحم، أو من التخلُّل والتداخُل خلال الأرض.
قال (ع): ورويناه في غير "الصحيحين" بحاءين مهملتين.
(تابعه عبد الرحمن) وصلَه الذُّهْلي في "الزُّهْريات".
* * *
3486 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بَيْدَ كُلُّ أُمَّةٍ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا، وَأُوتينَا مِنْ بَعْدِهِمْ، فَهَذَا الْيَوْمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا، فَغَدًا لِلْيَهُودِ وَبَعْدَ غَدٍ لِلنَّصَارَى".
3487 -
"عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمٌ يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ".
الحديث العشرون:
(الآخرن)؛ أي: في الدنيا.
(السابقون)؛ أي: في الآخرة.
(بَيْدَ) بفتح الموحدة، وسكون الياء، وفتح المهملة، بمعنى: غير.
(اختلفوا فيه) أي: فُرض يوم الجمعة للعِبادة، ووُكِلَ إلى اختيارهم؛ فمالت اليهود للسَّبْت، والنصارى للأحد، وهدانا الله إلى يوم الجمعة أفضَل الأيام.
ومر تحقيقه أول (الجمُعة).
قال (خ): كأنه استثنى لهم هذه الفَضيلة الخاصة، وهي إيتاء الكتاب لهم أوَّلًا.
* * *
3488 -
حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ: قَدِمَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ الْمَدِينَةَ آخِرَ قَدْمَةٍ قَدِمَهَا، فَخَطَبَنَا فَأَخْرَجَ كُبَّةً مِنْ شَعَرٍ، فَقَالَ: مَا كُنْتُ أُرَى أَنَّ أَحَدًا يَفْعَلُ هَذَا غَيْرَ الْيَهُودِ، وَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَمَّاهُ الزُّورَ. يَعْنِي الْوِصَالَ فِي الشَّعَرِ. تَابَعَهُ غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ.
الحادي والعشرون:
(كية) بفتح الكاف.
(الزور) هو الكَذِب، والتزيُّن بالباطل، ولا شكَّ أن وصْل الشعر منه، وسبق قريبًا.
(تابعه غُنْدَر) وصلَه مسلم.
* * *