المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الحادي عشر أقل الجمع ما هو - المهذب في علم أصول الفقه المقارن - جـ ٤

[عبد الكريم النملة]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الثاني عشر في العموم والخصوص

- ‌المبحث الأول في العموم

- ‌المطلب الأول تعريف العام

- ‌المطلب الثاني بيان أن العموم من عوارض الألفاظ حقيقة

- ‌المطلب الثالث هل العموم من عوارض المعاني حقيقة أو لا

- ‌المطلب الرابع أقسام العام

- ‌المطلب الخامس هل للعموم صيغة في اللغة موضوعة له

- ‌المطلب السادس في صيغ العموم

- ‌المطلب السابع الجمع المنكر هل يفيد العموم إذا لم يقع في سياق النفي

- ‌المطلب الثامن هل نفي المساواة بين الشيئين يقتضي نفي المساواةبينهما من كل الوجوه

- ‌المطلب التاسع الفعل المتعدي إلى مفعول هل له عمومبالنسبة إلى مفعولاته أو لا

- ‌المطلب العاشر دلالة العام هل هي ظثية أو قطعية

- ‌المطلب الحادي عشر أقل الجمع ما هو

- ‌المطلب الثاني عشر هل العبرة بعموم اللفظ أو بخصوص السبب

- ‌المطلب الثالث عشر حكاية الصحابي للحادثة بلفظ عام هل يفيد العموم

- ‌المطلب الرابع عشر حكاية الراوي لفعل النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ "كان " هل يفيد العموم؛ وأن هذا الفعل يتكرر منه صلى الله عليه وسلم، أو لا

- ‌المطلب الخامس عشر هل يدخل العبد في الخطاب المضاف إلى الناسوالمؤمنين، والأمة، والمسلمين

- ‌المطلب السادس عشر الجمع الذي فيه علامة التذكير هل يتناول النساء

- ‌المطلب السابع عشر العام بعد التخصيص هل هو حقيقةفي الباقي أو يكون مجازاً

- ‌المطلب الثامن عشر هل العام المخصوص حُجَّة في الباقي

- ‌المطلب التاسع عشر هل يجوز تخصيص العام إلى أن يبقى واحد

- ‌المطلب العشرون المخاطِب - بكسر الطاء - هل يدخل في عموم خطابه

- ‌المطلب الواحد والعشرون هل يجب اعتقاد عموم اللفظقبل البحث عن المخصص

- ‌المطلب الثاني والعشرون الجمع المنكر المضاف إلى ضمير الجمع هل يقتضيالعموم في كل من المضاف والمضاف إليه

- ‌المطلب الثالث والعشرون هل المفهوم له عموم

- ‌المطلب الرابع والعشرون ترك الاستفصال في حكاية الحال مع وجود الاحتمال هل ينزل منزلة العموم في المقال

- ‌المبحث الثاني في الخصوص

- ‌المطلب الأول تعريف التخصيص

- ‌المطلب الثاني هل يجوز تخصيص العموم

- ‌المطلب الثالث في مخصِّصات العموم المنفصلة

- ‌المطلب الرابع في المخصصات المتصلة

- ‌الفصل الثالث عشر المطلق والمقيد

- ‌المبحث الأول تعريف المطلق

- ‌المبحث الثاني في أي شيء يكون المطلق؛ والأمثلة على ذلك

- ‌المبحث الثالث تعريف المقيد

- ‌المبحث الرابع على أي شيء يطلق المقيد

- ‌المبحث الخامس مقيدات المطلق

- ‌المبحث السادس إذا اجتمع مطلق ومقيد فهل يحملالمطلق على المقيد أو لا

- ‌المبحث السابع إذا ورد لفظ مطلق، ثم قيده مرة، ثم قيده مرة ثانيةبخلاف التقييد الأول، فما الحكم

- ‌الفصل الرابع عشر في المنطوق والمفهوم

- ‌المبحث الأول في المنطوق

- ‌المطلب الأول تعريف المنطوق

- ‌المطلب الثاني أقسام المنطوق

- ‌المطلب الثالثأقسام المنطوق غير الصريح

- ‌المبحث الثاني في المفهوم

- ‌المطلب الأول تعريف المفهوم، وبيان قسميه

- ‌المطلب الثاني في مفهوم الموافقة

- ‌المطلب الثالث في مفهوم المخالفة

- ‌الباب الخامس في القياس

- ‌الفصل الأول في تعريف القياس

- ‌المبحث الأول في تعريف القياس لغة

- ‌المطلب الأول فيما يطلق عليه لفظ " القياس " لغة

- ‌المطلب الثاني في خلاف العلماء في لفظ " القياس " هل هو حقيقةفي هذين المعنيين، أو حقيقة في أحدهما مجاز في الآخر

- ‌المبحث الثاني في تعريف القياس اصطلاحا

- ‌المطلب الأول هل يمكن تحديد القياس بحد حقيقي

- ‌المطلب الثاني هل القياس دليل مستقل أو هو من فعل المجتهد

- ‌المطلب الثالث تعريف القياس المختار، وبيانه بالشرح والأمثلة

- ‌الفصل الثاني في حجية القياس، أو التعبد بالقياس

- ‌المبحث الأول في بيان معنى الحجية، والتعبد

- ‌المبحث الثاني تحرير محل النزع

- ‌المبحث الثالث هل القياس حُجَّة؛ أي: هل يجوز التعبد بالقياسويكون دليلاً من الأدلة على إثبات الأحكام أو لا

- ‌المبحث الرابع النص على عِلَّة الحكم هل هو أمر بالقياس أو لا

- ‌المبحث الخامس هل التنصيص على العلَّة يوجب الإلحاق عن طريقالقياس، أو عن طَريق اللفظ والعموم

- ‌المبحث السابع في ما يجري فيه القياس وما لا يجري فيه

- ‌المطلب الأول في القياس في العقوبات

- ‌المطلب الثاني القياس في المقدرات

- ‌المطلب الثالث القياس في الأبدال

- ‌المطلب الرابع في القياس في الرخص

- ‌المطلب الخامس القياس في الأسباب والشروط والموانع

- ‌المطلب السادس القياس في العبادات وما يتعلَّق بها

- ‌المطلب السابع القياس في العاديات

- ‌المطلب الثامن القياس في العقليات

- ‌المطلب التاسع في القياس في كل الأحكام

- ‌المطلب العاشر في القياس في الأمور التي لا يراد بها العمل

- ‌المبحث الثامن هل القياس من الدين

الفصل: ‌المطلب الحادي عشر أقل الجمع ما هو

‌المطلب الحادي عشر أقل الجمع ما هو

؟

لتحرير محل النزاع في هذه المسألة لا بد أن أذكر ما يلي:

أولاً: ليس محل النزاع في هذه المسألة في معنى لفظ " الجمع "

المركب من " ج، م، ع "، وذلك لأن موضوع هذا اللفظ يقتضي

ضم شيء إلى شيء، وهذا منطبق على الاثنين والثلاثة، وما زاد

بلا خلاف.

ثانيا: وليس محل لخلاف في لفظ " الجماعة " في غير صلاة،

فإن أقله ثلاثة بلا خلاف.

ثالثاً: وليس محل الخلاف في تعبير الاثنين عن نفسيهما، أو

الواحد عن نفسه بضمير الجمع، سواء كان ضمير المتكلم متصلاً

كقوله: "فعلنا"، أو منفصلاً كقوله:" نحن ".

رابعاً: وليس محل الخاث ف مدلول مثل قوله تعالى:

(فقد صغت قلوبكما)، وقول اسقائل:" ضربت رؤوس الرجلين "،

و"وطئت بطونهما "، وذلك لأن التعبير عن عضوين من جسدين

بلفظ الجمع يقصد منه التخفيف، فإنه لو قيل:" قلباكما " لثقل

اجتماع ما يدل على التثنية فيما هو كالكلمة الواحدة مرتين.

خامسا: وليس محل التخفيف هو الجمع المعرف بـ " أل " كالرجال،

فإنه للاستغراق.

إذن ما هو محل النزاع؟

ص: 1517

محل النزاع هو: جمع القلة المنكر، وهي التي تكون على وزن

أربعة أمور هي كما يلي:

1 -

أفعلة كأرغفة

2 -

أفعل كأرجل.

3 -

أفعال كأثواب

4 -

فِعْلَة كصبية.

وكذلك جمع المذكر السالم المنكر كمسلمين، وجمع المؤنث

السالم كـ " مسلمات ".

وكذلك جمع الكثرة المنكر كرجال.

وكذلك " واو الجمع " مثل الواو في قوله: " خرجوا ".

فاختلف العلماء في أقل الجمع هل هو ثلاثة أو اثنان أو واحد على

مذاهب هي كما يلي:

المذهب الأول: أن أقل الجمع ثلاثة حقيقة، ويطلق على الاثنين

والواحد مجازاً.

وهو مذهب جمهور العلماء، وهو الحق؛ لما يلي من الأدلة:

الدليل الأول: ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه

دخل على عثمان رضي الله عنه فقال له: إن الأخوين لا يردان

الأم إلى السدس، إنما قال تعالى:(فإن كان له أخوة فلأمه السدس) ، والأخوان في لسان قومك ليسا بأخوة، فقال عثمان:

"لا أستطيع أن أنقض أمراً كان قبلي، وتوارثه الناس، ومضى في

الأمصار ".

وجه الدلاله: أن ابن عباس - وهو من أرباب اللسان وأهل اللغة

والفصاحة والبلاغة، وترجمان القرآن وحبر الأمة - قد بيَّن أن أقل

الجمع ثلاثة في اللغة، وعثمان - وهو أيضاً من أهل اللسان واللغة -

ص: 1518

قد وافقه على ذلك، فلم ينكر عليه ذلك، وإنما اعتذر عنه بأنه ترك

مقتضى اللسان في هذه المسألة الفرعية - وهي مسألة حجب الأم من

الثلث إلى السدس - بسبب وجود قرينة صرفت اللفظ من كونه

لثلاثة إلى كونه يحمل على اثنين، وهذه القرينة والدليل هو:

إجماع من قبله على خلافه، فلما عدل عن ذلك بالإجماع دلَّ على

صحة ما قاله ابن عباس من أن الأخوين ليسا بأخوة في لغة العرب،

فدل على أن الجمع لا يطلق على الاثنين حقيقة، فدل على أن أقل

الجمع ثلاثة حقيقة.

ما اعترض به على هذا الدليل:

الاعتراض الأول: أن هذا الأثو ضعيف من حيث سنده؛ لأنه من

رواية شعبة بن دينار، وهذا قد تكلم فيه أئمة الحديث، والحديث

الضعيف لا يمكن أن يستدل به على إثبات قاعدة أصولية ككون أقل

الجمع ثلاثة.

جوابه:

لا نسلم ضعف هذا الأثر؛ حيث إن الحاكم قد صحَّحه في

"المستدرك "، فقال:" هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه "،

وقد وافقه الذهبي على ذلك في " تعليقه على المستدرك "، ونقل

الذهبي في " ميزان الاعتدال " أن أحمد بن حنبل قال في شعبة هذا:

إنه ما به بأس.

الاعتراض الثاني: على فرض صحة هذا الأثر، فإنه معارض بما

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى "، والحاكم في " المستدرك " عن

خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه أنه كان يقول. " الإخوة في كلام

العرب أخوان فصاعداً ".

ص: 1519

جوابه:

يجاب عنه بأجوبة:

الجواب الأول: أن هذا الأثر المنقول عن زيد بن ثابت قد ورد في

سنده عبد الرحمن بن أبي الزناد، وهذا الرجل قد تكلم فيه بعض

أئمة الحديث، فقال الإمام أحمد بن حنبل:" إنه مضطرب الحديث "

وقال يحيى بن معين: " ابن أبي الزناد لا يحتج بحديثه "، وهذا

الكلام في هذا الرجل قد ضعَّف من هذا الأثر مما جعله لا يقوى

على معارضة الأثر الوارد عن ابن عباس وعثمان.

الجواب الثاني: على فرض صحة ما نقل عن زيد ومعارضته لما

نقل عن ابن عباس وعثمان، فإنا نرجح الأثر المروي عن عثمان وابن

عباس؛ وذلك نظراً لكثرة وعظم مرتبة ابن عباس وعثمان - رضي

الله عن الجميع - وعلمهما الواسع في الشريعة واللغة.

الجواب الثالث: سلمنا صحة نسبة الأثر إلى زيد: فإنه يمكن

الجمع بينه وبين الأثر المروي عن ابن عباس وعثمان بطرق، أحسنها:

أن الأثر المروي عن عثمان وابن عباس يحمل على إطلاق اللغة

بصورة عامة، فإنها تقتضي أن أقل الجمع ثلاثة في جميع أبواب

الفقه، أما كلام زيد فإنه يحمل على أن الجمع يطلق علي الاثنين في

هذه المسألة فقط، وهي: " حجب الأم من الثلث إلى السدس

بالأخوين "، وهناك أجوبة أخرى وطرق للجمع قد ذكرتها في كتابي

" أقل الجمع عند الأصوليين "، فارجع إليه.

الدليل الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم:

"الراكب شيطان، والراكبان شيطانان والثلاثة ركب ".

وجه الدلالة: أن صلى الله عليه وسلم قد فصل بين التثنية والجمع، وجعل

ص: 1520

للاثنين اصطلاحاً خاصا دون الجمع، فعلم أن التثنية ليست بجمع

حقيقة.

الدليل الثالث: قوله صلى الله عليه وسلم:

"الشيطان يهم بالواحد والاثنين، فإذا كانوا ثلاثة لم يهم بهم ".

وجه الدلالة: نفس السابق.

الدليل الرابع: أن الثلاثة تنعت بالجمع، والجمع ينعت بالثلاثة

فيقال: " ثلاثة رجال "، و " رجال ثلاثة "، لكن التثنية لا تنعت

بالجمع، ولا ينعت الجمع بالتثنية، فلا يقال " اثنان رجال "،

ولا يقال: " رجال اثنان "، فلو كان الاثنان أقل الجمع: لجاز نعت

أحدهما بالآخر، لكن ذلك لا يجوز، فلا يكون الاثنان جمعا.

الدليل الخامس: أن العرب جعلت مراتب الأعداد ثلاثة أقسام:

" الواحد "، ثم " التثنية "، ثم " الجمع "، فقالوا:" رجل "،

و" رجلان "، و " رجال ".

فلو كان الجمع يطلق على الاثنين حقيقة: لكانت مراتب الأعداد

منحصرة في ضربين هما: " الواحد "، و " الجمع "، وهذا مما لا

يجوز؛ لأنه خلاف ما استقر عليه وضع لغة العرب.

الدليل السادس: أن أهل اللغة قد فرَّقوا بين التثنية والجمع في

الضمير المتصل، فقالوا في التثنية:" فعلا "، و " افعلا "، وقالوا

في الجمع: " فعلوا "، و " افعلوا "، فلو كان الجمع يطلق على

التثنية: لما فرقوا بينهما، ولقالوا لكل منهما:" فعلوا " أو " افعلوا"

ولكنهم لم يقولوا ذلك مما يدل على أن التثنية ليست بجمع، فينتج:

أن أقل الجمع ثلاثة حقيقة.

الدليل السابع: أن أهل اللغة قد فرقوا بين التثنية والجمع في

ص: 1521

الضمير المنفصل، فقالوا في الجمع:" هم فعلوا "، وقالوا في

التثنية: " هما فعلا "، فلو كانت التثنية جمعا لما فرقوا بينهما في

ذلك، ولقالوا:" هم فعلوا " للجمع والتثنية.

الدليل الثامن: أن أهل اللغة قد فرَّقوا بين التثنية والجمع بالتأكيد،

فقالوا في الجمع: " جاء الزيدون أنفسهم "، وقالوا في التثنية:

"جاء الزيدان أنفسهما "، فلو كان الجمع يطلق على التثنية وأن الاثنين

أقل الجمع: لجاز تأكيد أحدهما بالآخر.

الدليل التاسع: أن ما فوق الاثنين هو المتبادر إلى الفهم من صيغة

الجمع، والتبادر إلى الفهم من علامات الحقيقة، بخلاف عدد

الاثنين، فإنه لا يتبادر إلى الفهم من إطلاق لفظ الجمع، وهذا يدل

على، أن الجمع يكون حقيقة في الزائد على الاثنين، وهو: الثلاثة

فما فوقها، فيكون أقل الجمع ثلاثة.

المذهب الثاني: أن أقل الجمع اثنان حقيقة، ويطلق على الواحد

مجازاً.

وهو مذهب القاضي الباقلاني، والباجي، وابن الماجشون،

وداود الظاهري، وابنه محمد، وأبي إسحاق الإسفراييني، وهو

اختيار علي بن عيسى النحوي، ونفطويه، والخليل بن أحمد.

أدلة هذا المذهب:

الدليل الأول: قوله تعالى: (فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون) .

وجه الدلالة: أن اللَّه سبحانه أطلق ضمير الجمع وهو الوارد

بقوله: " معكم "، والمراد: موسى وهارون عليهما السلام -

ص: 1522

وهما اثنان، والمراد بالإطلاق الحقيقة، فلو لم يكن الاثنان جمعا لما

أطلق عليهما ضمير الجمع وأرجعه إليهما.

جوابه:

إن الضمير الوارد في قوله: (معكم) لم يرجع إلى اثنين - كما

زعمتم -، بل هو راجع إلى ثلاثة وهم: موسى، وهارون،

وفرعون، والمقصود بالمعية هنا: هي: معية العلم، أي: أن اللَّه لما

أمر موسى وهارون بالذهاب إلى فرعون، فلما وصلوا إليه فهو معهم

بالعلم لما يقولون - أي: مع موسى وهارون والذي ذهبوا إليه،

وهو فرعون.

الدليل الثاني: قوله تعالى: (عسى اللَّه أن يأتيني بهم جميعا) .

وجه الدلالة: أن اللَّه سبحانه أطلق ضمير الجمع، وهو الوارد

في قوله: (بهم) ، وأرجعه إلى اثنين، وهما:" يوسف "

وشقيقه " بنيامين ".

فلو لم يكن الاثنان جمعا: لما جمع الضمير، ولقال:" بهما"،

ولكنه سبحانه لم يقل ذلك، بل قال:" بهم " مما يدل على أن

التثنية جمع، فيكون أقل الجمع اثنين.

جوابه:

إن الضمير في قوله: " بهم " لم يرجع إلى اثنين - كما زعمتم -

بل رجع إلى ثلاثة، وهم:" يوسف "، و " بنيامين "، وأخيهم

الأكبر: " شمعون " القائل: (فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي) فيكون على وجهة.

الدليل الثالث: قوله تعالى: (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ)

ص: 1523

وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى قد استعمل لفظ " الجمع " في قوله:

(إِذْ تَسَوَّرُوا) في الاثنين وهما الملكان، وهما الخصمان، بدليل

قوله: (خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ) إلى قوله: (إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ) ، فلو لم يكن الاثنان

جمعا لما أرجع ضمير الجمع في (تَسَوَّرُوا) إليهما، فيكون أقل

الجمع اثنين.

جوابه:

إن الضمير في قوله: (تَسَوَّرُوا) لم يرجع إلى اثنين، بل

رجع إلى أكثر، حيث إنه يجوز أنه حضر مع جبريل وميكائيل

جماعة من الملائكة، ورد الضمير بلفظ الجمع إلى الجميع، فقال:

(إِذْ تَسَوَّرُوا) .

الدليل الرابع: قوله تعالى: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا

فأصلحوا بينهما) .

وجه الدلالة: أن اللَّه سبحانه قد رد ضمير الجمع في قوله:

(اقتتلوا) إلى التثنية، وهما:(الطائفتان) ، فدل على أن التثنية

جمع، فيكون أقل الجمع اثنين.

جوابه:

إن هذه الآية لا تصلح للاستدلال بها على أن أقل الجمع اثنان؛

لأن المراد بالطائفة - هنا - الجمع، وليس المفرد، يؤيد ذلك سبب.

نزول هذه الآية، حيث قال سعيد بن جبير: إن الأوس والخزرج كان

بينهم على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قتال بالسيف والنعال ونحوه، فأنزل اللَّه هذه الآية فيهم، وقال مجاهد: تقاتل حيان من الأنصار بالعصي والنعال فنزلت الآية، وقيل في سبب نزولها غير ذلك، وكل ما ذكر

ص: 1524

من سبب يدل دلالة واضحة على أن المراد بالطائفة هنا هو جمع

وليس مفرداً.

الدليل الخامس: قوله تعالى: (وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78)

وجه الدلالة: أن اللَّه سبحانه قد جمع الضمير في قوله:

(لِحُكْمِهِمْ) مع أن المراد به اثنان هما: " سليمان "، و " داود " مما

يدل على أن صيغة الجمع تتناول الاثنين حقيقة، فيكون أقل الجمع

اثنين.

جوابه:

إن ضمير الجمع الوارد في قوله: (لِحُكْمِهِمْ) لم يرجع إلى

اثنين، بل هو راجع إلى أربعة وهم: الحاكمان وهما: " داوود "،

و" سليمان "، والمحكوم له وهو صاحب الزرع، والمحكوم عليه

وهو صاحب الغنم.

اعتراض على هذا الجواب:

قال قائل - معترضا -: سلمنا أن الحكم يضاف إلى الحاكم،

لكن لا نُسَلِّمُ أن الحكم يضاف إلى المحكوم عليه أو له.

جوابه:

يجوز في لغة العرب نسبة الحكم إلى المحكوم عليه أوله عن طريق

المجاز، يقال للذي له قضية في محكمة:" هل صدر حكمه؟ "

فمثل هذا الإطلاق يجوز لغة، ولا مانع منه، وهو محكوم له أو

عليه، والقرآن نزل بلغة العرب.

وهناك ستة أجوبة عن الاستدلال بهذه الآية قد ذكرتها في كتابي:

ص: 1525

" أقل الجمع عند الأصوليين وأثر الاختلاف فيه "، فارجع إليه إن

شئت.

الدليل السادس: قوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) .

وجه الدلالة: أن اللَّه سبحانه قد عبر عن الإخوة بالأخوين،

وهذا يدل على أن التثنية جمع، فلو لم تكن التثنية جمعا لما قال

ذلك، فيدل على أن أقل الجمع اثنان.

جوابه:

المراد بلفظ " الأخوين " هنا: الطائفتان، أو القبليتان، أو

الجماعتان؛ لأن اسم الأخوين يقع على ذلك، قال الشاعر:

فألحق بحلفك في قضاعة إنما

قيس عليك وخندق إخوان

فسمى القبيلتين أخوين.

الدليل السابع: قوله صلى الله عليه وسلم:

"الاثنان فما فوقهما جماعة ".

وجه الدلالة: أن هذا نص في أن أقل الجمع اثنان؛ حيث إن

الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أن الاثنين جماعة، والرسول عز وجل من أهل اللغة، بل أبلغهم وأفصحهم، فلو نقل هذا عن واحد من الأعراب لكان حُجة، فعن صاحب الشرع أوْلى.

جوابه: يجاب عن ذلك بجوابين:

الجواب الأول: أن هذا الحديث ضعيف؛ حيث روي هذا الحديث

من طرق كثيرة كلها ضعيفة، وقد بيَّنت هذه الطرق في كتابي " أقل

الجمع عند الأصوليين "، وإليك بعضا من ذلك:

أن في سنده: " الربيع بن بدر " قال عنه النسائي: " متروك

ص: 1526

الحديث "، وقال يحى بن معين: " ليس بشيء "، وقال ابن أبي

حاتم الرازي: " الربيع بن بدر لا يشتغل به، ولا بروايته، فإنه

ضعيف الحديث "، وقال ابن كثير في " تحفة الطالب ": " الربيع

اتفق أئمة الجرح والتعديل على جرحه ".

وقيل غير ذلك.

وإذا كان كذلك فلا يصلح للاستدلال به على إثبات قاعدة أصولية

وهي: أن أقل الجمع اثنان.

الجواب الثاني: على فرض صحة هذا الحديث فإنه لا يدل على أن

أقل الجمع اثنان مطلقا، بل يحمل على أن المراد حصول فضيلة

الصلاة جماعة من حيث الحكم الشرعي، لا من حيث اللفظ

اللغوي؛ لأن الشارع إنما يبين الأحكام التي بعث لبيانها لا اللغات

التي عرفت من غيره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما بعث لبيان الشرعيات.

وبهذا يكون هذا الحديث - إن صح - دليلاً لنا، لا لهم؛ حيث

إنه لو كان الاثنان جمعا حقيقة: لما احتاج إلى البيان؛ لأنه يعرف

ذلك من اللغة ما يعرفه.

المذهب الثالث: أن أقل الجمع واحد حقيقة.

وهو مذهب أبي حامد الإسفراييني، ونسبه بعضهم إلى إمام

الحرمين، ولكن هذه النسبة ليست صحيحة كما بينت ذلك في كتابي

" أقل الجمع عند الأصوليين ".

أدلة هذا المذهب:

الدليل الأول: قوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) .

ص: 1527

وجه الدلالة: أنه سبحانه وحده منزل الذكر، فإذا ثبتت العبارة

بلفظ الجمع عن الواحد لم يستنكر حمل معلوم المخصص على

الواحد حقيقة.

جوابه:

إن هذا ليس في محل النزاع؛ حيث قلنا: إن الواحد الذي يُعبِّر

عن نفسه بلفظ الجمع، فإنه تعبير صحيح، لكن جاء عن طريق

المجاز.

الدليل الثاني: قوله تعالى: (فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ) .

وجه الدلالة: هو نفسه ما سبق.

جوابه:

هو نفس الجواب السابق.

الدليل الثالث: أن إطلاق لفظ الجمع على الواحد قد ورد في

كلام العرب، فمثلاً: إذا برزت امرأة لرجل واحد حَسُنَ من زوجها

أن يقول - في توبيخها -: " أتتبرجين للرجال يا لكعاء "، وهو لم

ير إلا رجلاً واحداً.

جوابه:

إنه لا يعني بلفظ " الرجال " رجلاً واحداً، بل استعمل لفظ

الجمع، وهو " الرجال " بدلاً من لفظ " الواحد "، لأن غرض

الزوج لم يتعلق بذلك الرجل الواحد، بل تعلق غرضه بجنس

الرجال لظنه أنها ما تبرجت لواحد إلا وقد تبرجت لغيره، فتبرجها

لواحد سبب للإطلاق.

ص: 1528

المذهب الرابع: أن أقل الجمع ثلاثة حقيقة، ويطلق على الاثنين

مجازاً، ولا يطلق على الواحهد لا حقيقة ولا مجازاً.

دليل هذا المذهب:

أولاً: استدل أصحاب هذا المذهب على أن أقل الجمع ثلاثة

جقيقة بأدلة أصحاب المذهب الأول - وهم الجمهور -.

ثانيا: واستدلوا على أنه يطلق على الاثنين مجازاً بما استدل به

أصحات المذهب الأول؛ حيث إنهم يطلقون الجمع على الثلاثة،

ولا يمنعون من إطلاقه على الاثنين مجازاً.

ثالثاً: استدلوا على أن الجمع لا يطلق على الواحد مجازاً بقولهم:

إن المجاز لا بد فيه من قرينة وعلاقة، ولا علاقة بين المعنى الحقيقي

- وهو الثلاثة - والمعنى المجازي - وهو الواحد - فلا يصح إطلاق

الجمع عليه مجازاً.

جوابه:

إن الجمع يطلق على الواحد مجازاً، كما في الواحد ينزل نفسه

منزلة الجمع كقوله: " نحن فعلنا "، وهذا معروف أنه مجاز - كما

قلنا ذلك في المذهب الثالث -.

والعلاقة بين المعنى الحقيقي وهو: الجمع، والمعنى المجازي وهو:

الواحد موجودة، وهي اليتعدد الصادق بالتعدد الواقعي كما في

الجمع، والتعدد التقديري كما في الواحد الذي يقوم بما تقوم به

الجماعة.

المذهب الخامس: أن أقل الجمع ثلاثة حقيقة، ولا يطلق على

الاثنين حقيقة ولا مجازاً.

ص: 1529

أدلة هذا المذهب:

أولاً: استدل أصحاب هذا المذهب على أن أقل الجمع ثلاثة

حقيقة بما استدل به أصحاب المذهب الأول، وهم الجمهور.

ثانياً: واستدلوا على أن الجمع لا يطلق على الاثنين لا حقيقة،

ولا مجازاً بالأدلة التالية:

الدليل الأول: أنه لا علاقة بين الاثنين والجمع، وعند فقد العلاقة

يمتنع المجاز، وذلك لأن المجاز لا بد فيه من العلاقة.

جوابه:

أن الجمع يطلق على الاثنين بطريق المجاز، والعلاقة بين الاثنين

والجمع موجودة وهي: التعدد الواقعي؛ حيث إن الاثنين فيهما

تعدد، والجمع فيه تعدد كذلك.

الدليل الثاني: أنه لو صح إطلاق الجمع على الاثنين، ولو

مجازاً: لصح نعت التثنية بالجمع وبالعكس، لكن لا يجوز أن

يقال: " جاءني رجلان عالمون "، ولا " جاء رجال عالمان ".

جوابه:

إن العرب كانت تراعي صورة اللفظ محافظة للتماثل بين الصفة

والموصوف، فلهذا لم يجوزوا نعت المثنى بالجمع ولا العكس.

وقد التزم بعضهم النعت مع الاختلاف مجازاً.

بيان نوع الخلاف:

الخلاف هنا معنوي، قد أثر في بعض المسائل الفقهية، ومنها:

1 -

لو حلف وقال: " والله لا أكلم بني آدم ".

ص: 1530

فإنه لا يحنث إلا إذا كلم ثلاثة؛ بناء على المذهب الأول وهو:

أن أقل الجمع ثلاثة.

وقيل: يحنث إذا كلم اثنين، بناء على المذهب الثاني وهو: أن

أقل الجمع اثنان.

ويلزم على المذهب الثالث - وهو: أن أقل الجمع واحد: أنه

يحنث إذا كلم واحداً.

2 -

الصلاة على الميت.

قيل: لا بد أن يصلي عليه ثلاثة؛ بناء على أن أقل الجمع ثلاثة.

وقيل: يكفي أن يصلي عليه اثنان؛ بناء على أن أقل الجمع اثنان.

وقيل: يكفي أن يصلي عليه واحد؛ بناء على أن أقل الجمع واحد.

3 -

لو قال الزوج: " إن تزوجت نساء فأمرأتى طالق ": لم

تطلق إلا إذا تزوج ثلاث نسوة؛ بناء على أن أقل الجمع ثلاثة.

ويلزم على المذهب الثاني - وهو: أن أقل الجمع اثنان -: إن

امرأته تطلق إذا تزوج امرأتين.

ويلزم على المذهب الثالث - وهو؛ أن أقل الجمع واحد -: إن

امرأته تطلق إذا تزوج امرأة واحدة.

4 -

إذا نذر صوم أيام - ولم يبين مقصده - فإنه يلزمه ثلاثة أيام؛

بناء على أن أقل الجمع ثلاثة.

ويلزمه يومان؛ بناء على أن أقل الجمع اثنان.

ويلزمه يوم واحد؛ بناء على أن أقل الجمع واحد.

ص: 1531

5 -

لو قال لزوجته: " أنت طالق طلقات " - ولم يبين مقصده -

فإنه يلزمه ثلاث طلقات، بناء على أن أقل الجمع ثلاثة.

ويلزمه طلقتان، بناء على أن أقل الجمع اثنان.

ويلزمه طلقة واحدة؛ بناء على أن أقل الجمع واحد.

وقد أفردت هذه المسألة بمصنف مستقل - لما رأيت أهميتها لطالب

العلم - سميته: " أقل الجمع عند الأصوليين وأثر الاختلاف فيه " قد

توسعت بذكر المذاهب، وأدلتهم، والمناقشة، وأثر الخلاف الفقهي

والأصولي، فارجع إليه إن شئت فهو مطبوع بمجلد.

ص: 1532