الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني هل يجوز تخصيص العموم
؟
لقد اختلف في ذلك على مذاهب:
المذهب الأول: أن تخصيص العموم يجوز مطلقا، أي: سواء
كان اللفظ العام أمراً، أو نهياً، أو خبراً.
وهو مذهب جمهور العلماء، وهو الحق؛ لدليلين:
الدليل الأول: وقوعه في كتاب اللَّه وسُنَّة رسوله، والوقوع دليل
الجواز.
فمن أمثلة وقوعه في الأمر قوله تعالى: (والسارق والسارقة)
وقوله: (والزانية والزاني
…
) مع أنه ليس كل سارق يقطع، وكل
زان يجلد.
وقوله تعالى: (يوصيكم اللَّه في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين)
مع خروج الكافر، والعبد، والقاتل عنه.
ومن أمثلة وقوعه في النهي: قوله تعالى: (وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ)
مع أن بعض القربان غير منهي عنه.
ومن أمثلة وقوعه في الخبر: قوله تعالى: (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ)
مع أنها لم تؤت السموات والأرض وملك سليمان، وقوله:
(تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ) مع أنها لم تدمر السموات والأرض والجبال.
وأكثر العمومات الواردة في الآيات والأحاديث قد خصصت حتى
قيل: " ما من عام إلا وقد خصص " إلا قوله تعالى:
(وهو بكل شيء عليم) ، كما سبق بيانه،
ولو لم يكن التخصيص جائزاً لما وقع في الكتاب والسُّنَّة.
الدليل الثاني: أنه لا معنى لتخصيص العموم سوى صرف اللفظ
عن جهة العموم الذي هو حقيقة فيه إلى جهة الخصوص بطريق
المجاز، والتجوز غير ممتنع لذاته، ولهذا لو قدرنا وقوعه لم يلزم
المحال عنه لذاته، ولا بالنظر إلى وضع اللغة، ولهذا يصح من
اللغوي أن يقول: " زارني كل أهل البلد "، وإن تخلف عنه
بعضهم.
المذهب الثاني: التفريق بين الخبر وبين غيره.
فيجوز تخصيص اللفظ العام إذا كان أمراً أو نهيا، أما إذا كان
خبراً فلا يجوز، وهو لبعض الطوائف.
دليل هذا المذهب:
أما جواز التخصيص إذا كان اللفظ العام أمراً أو نهيا: فدليله:
الوقوع كما سبق.
أما عدم جواز التخصيص إذا كان اللفظ العام خبراً، فدليله: أنه
لو جاز تخصيص الخبر للزم الكذب في الخبر، لما فيه من مخالفة
المخبر للخبر، وهو غير جائز كما في نسخ الخبر.
جوابه:
لا نسلم لزوم الكذب، ولا وهم الكذب بتقدير إرادة الخصوص
والمجاز، وقيام الدليل على ذلك، ولو لم يكن جائزاً للزم من ذلك
أن يكون قول القائل: " رأيت أسداً "، وهو يريد الرجل الشجاع
أن يكون كاذبا إذا تبينا أنه لم يرد الأسد الحقيقي، وليس كذلك
بالإجماع، وعلى هذا قلنا بجواز نسخ الأخبار.
المذهب الثالث: التفريق بين الأمر، وغيره.
فيجوز تخصيص اللفظ العام إذا كان غير أمر، أما إذا كان أمراً
فلا يجوز، وهو لبعض الطوائف.
دليل هذا المذهب:
أما جواز التخصيص إذا كان اللفظ العام غير أمر، فدليله الوقوع
كما سبق.
أما عدم جواز التخصيص إذا كان اللفظ العام أمراً فدليله: أن
القول بجواز تخصيص الأمر يوهم البَداء - وهو ظهور المصلحة بعد
خفائها - وهذا مستحيل على اللَّه تعالى، لذلك لا يجوز تخصيص
الأمر.
جوابه:
لا نسلم إيهام البَداء؛ لأنا نعلم أن اللفظ في الأصل يحتمل
التخصيص، فقيام الدليل على وقوعه مبيِّن للمراد، وإنما يلزم البداء
أن لو كان المخرج مراداً.
بيان نوع الخلاف:
الخلاف هنا لفظي؛ لأنه لا أحد ينكر أن بعض الأفراد مخرج عن
دخولها تحت بعض الألفاظ العامة، ولكن بعضهم - وهم الجمهور
- قد سموا ذلك بالتخصيص، وبعضهم سموه بغير ذلك، فالخلاف
- إذن - بالتسمية.