الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول تعريف العام
العام هو: اللفظ المستغرق لجميع ما يصلح له بحسب وضع واحد.
شرح التعريف:
قولنا: " اللفظ " جنس يشمل كل ما يتلفظ به مما يتكون من
حروف هجائية، سواء كان مهملاً، أو مستعملاً، عاما أو خاصا،
مطلقا أو مقيداً، مجملاً أو مفصلاً، حقيقة أو مجازاً.
والمقصود هنا باللفظ هو: اللفظ الواحد، لكن لم نذكر لفظ
"الواحد" للعلم به.
وقد عبَّرنا ب " اللفظ " لإخراج أمرين هما:
الأمر الأول: العموم المعنوي، أو المجازي كقولنا: " هذا مطر
عام "، فإن مثل ذلك لا يدخل في التعريف "، وذلك لأن العموم
المعنوي لا يتحد الحكم فيه، بل يختلف - كما سيأتي بيانه - أما
العموم اللفظي - وهو ما نحن بصدده - فإن الحكم فيه متحد، أي:
قولنا: " أكرم الطلاب " عام وشامل جميع الطلاب بدون تخصيص.
الأمر الثاني: الألفاظ المركبة، أي: أن قولنا: " اللفظ " أخرج
الشيء الذي أفاد العموم، ولكن بأكثر من لفظ كقولهم: " ضرب
زيد عمراً "، فإن العموم قد استفدناه من الفاعل وهو الضارب وهو
زيد، والمفعول به، وهو المضروب وهو عمرو، والفعل وهو:
الضرب، وكقولهم:" كلام منتشر ".
قولنا: " المستغرق " أي: يشترط أن يكون هذا اللفظ مستغرقاً
أي: متناولاً لما وضع له من الأفراد دفعة واحدة.
وقد عبَّرنا بلفظ " المستغرق " لإخراج ما يلي:
الأول: اللفظ المهمل مثل: " ديز "، حيث إنه لا يدخل في
التعريف؛ لأن الاستغراق فرع الاستعمال والوضع، والمهمل غير
موضوع لمعنى وغير مستعمل، فمن باب أوْلى أنه لا يستغرق.
الثاني: اللفظ المطلق مثل قوله تعالى: (فتحرير رقبة) ، فإنه
لا يدخل في التعريف، لأن اللفظ المطلق يتناول واحداً لا بعينه -
كما سيأتي -.
أما اللفظ العام فإنه يتناول أفراداً بأعيانهم.
الثالث: النكرة في سياق الإثبات، حيث لا تدخل في التعريف،
لأن النكرة وإن وضعت للفرد الشائع في جنسه إلا أنها لا تستغرق
جميع ما وضعت له، أي: أنها لم تتناوله دفعة واحدة، وإنما
تتناوله على سبيل البدل، فمثلاً:" اضرب رجالاً " معناه: حقق
الضرب في أقل الجمع وهو: ثلاثة، فإذا ضربت ثلاثة رجال فإنك
تخرج عن العهدة.
قولنا: " لجميع ما يصلح له " معناه: ما وضع له اللفظ،
فالمعنى الذي لم يوضع له اللفظ لا يكون اللفظ صالحاً له.
فمثلاً لفظ " مَنْ " وضع للعاقل، ولفظ " ما " وضع لغير
العاقل، وهما من صيغ العموم - كما سيأتي بيانه إن شاء اللَّه - فلا
يمكن أن تستعمل " من " لغير العاقل، فنقول: " اشتر من رأيته من
البهائم "، ولا يمكن أن تستعمل " ما " للعاقل فتقول: " أكرم ما
رأيته من العلماء ".
إذن: قولنا: " لجميع ما يصلح له " قيد قصد منه تحقيق معنى
العموم.
وقصد منه - أيضا - الاحتراز عن اللفظ الذي استعمل في بعض
ما يصلح له مثل قوله تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ) ، فإن لفظ
" الناس " صيغة من صيغ العموم، ولكن لم يقصد بها هنا العموم،
بل قصد بها فرد واحد، وهو: نعيم بن مسعود، وقيل: طائفة من
الأعراب استأجرتهم قريش، وقيل غير ذلك.
قولنا: " بحسب وضع واحد " معناه: أن يكون اللفظ يدل على
معناه بحسب وضع واحد.
وهذه العبارة أتى بها لإخراج أمرين هما:
الأول: اللفظ المشترك؛ لأن المشترك هو اللفظ الدال على
معنيين، فكثر لا مزية لأحدها على الآخر مثل:" العين "، و "القرء"،
أما اللفظ العام فهو اللفظ الواحد الموضوع لمعنى واحد، هذا المعنى
عام.
ولهذا: نعمل باللفظ العام؛ لأن معناه واحد قد فهمناه.
أما اللفظ المشترك، فلا نعمل به إلا بعد أن تأتي قرينة ترجح أحد
المعاني - كما سبق بيانه -.
الثاني: اللفظ الصالح للحقيقة والمجاز مثل: " الأسد ".
اعتراض على هذا التعريف:
قال قائل - معترضا -: إن العام عرف بالمستغرق، والمستغرق
مرادف للعام، وتعريف الشيء بمرادفه دور، فكأنه قال: إن العام
هو المستغرق، والمستغرق هو العام، والدور لا يصح في التعريفات.
جوابه:
يجاب عنه بجوابين:
الجواب الأول: لا نُسَلِّمُ أن الاستغراق مرادف للعموم؛ لأن
العموم لغة هو: الشمول، والشمول يختلف عن الاستغراق من
جهة اللغة، فهما لفظان لكل منهما معنى يخالف الآخر، فلا
ترادف بينهما، وإن اشتركا في بعض اللوازم.
الجواب الثاني: سلمنا أن الاستغراق مرادف للعموم، وهذا لا
مانع منه، ويكون من الحد اللفظي الذي سبق أن ذكرناه في الباب
الأول، فيجوز أن يعرف الشيء بلفظ يرادفه إذا كان أوضح منه، ولا
شك أن لفظ " الاستغراق " أوضح من لفظ العام بالنسبة للسامع،
فعرف به زيادة في البيان والإيضاح، فيكون كما نعرف الليث بأنه
الأسد.