الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب العشرون المخاطِب - بكسر الطاء - هل يدخل في عموم خطابه
؟
إذا تكلم شخص وأمر، أو نهى، أو أخبر بأمر عام، أو نهي
عام، أو خبر عام - فهل يكون المتكلم داخلاً في عموم هذا الخطاب
لغة أو لا؟
اختلف العلماء في ذلك على مذاهب:
المذهب الأول: أن المتكلم والمخاطب يدخل في عموم خطابه
وكلامه مطلقا، أي: سواء كان الكلام أَمراً أو نهيا أو خبراً.
وهو مذهب بعض الشافعية، وأكثر الحنابلة، ونسب إلى الأكثرين،
وهو الحق؛ لأن السيد لو قال لعبده: " من أحسن إليك فأكرمه "،
ثم أحسن إليه السيد نفسه، فإن أكرمه فإنه يستحق المدح والثناء،
وإن لم يكرمه، فإنه يستحق الذم واللوم، وهذا باتفاق العقلاء من
أهل اللغة فاستحقاقه للمدح في الحالة الأولى، واستحقاقه للذم في
الحالة الثانية دليل على أن السيد داخل في عموم خطابه، ومتناول
له؛ فلو لم يكن الخطاب متناولاً للسيد، وأنه من جملة من أمر العبد
بإكرامه لما استحق الذم لما لم يكرم السيد؛ لأن العبد لم يخالف ما
أمر به، فدل ذلك على أن المتكلم يدخل في عموم كلامه.
المذهب الثاني: أن المتكلم والمخاطب لا يدخل في عموم كلامه
وخطابه مطلقا، أي: سواء كان الخطاب أمراً، أو نهيا، أو خبراً.
وهو لبعض العلماء.
أدلة هذا المذهب:
الدليل الأول: قوله تعالى: (قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) .
وجه الدلالة: أنه لو كان المتكلم داخلاً في عموم كلامه، لكان
هذا الكلام من اللَّه مقتضيا دخوله سبحانه وتعالى ودخول صفاته،
وهو باطل.
جوابه:
أنا لو نظرنا نظرة لغوية مجردة لاقتضى ذلك العموم، ولكن
القرينة قد خصصت المتكلم والمخاطِب - وهو اللَّه عز وجل
والقرينة هنا هي العقل.
الدليل الثاني: أن السيد لو قال لعبده: " من دخل داري فأعطه
درهماً "، فلو كان المتكلم داخلاً في عموم خطابه وكلامه: لكان
هذا القول يقتضي دخول السيد في هذا الخطاب، فيكون العبد
مأموراً بإعطاء السيد إذا دخل؛ لأنه يوصف بأنه داخل، ومع ذلك
فإن السيد لو دخل لا يحسن من العبد أن يعطيه درهماً، وذلك في
نظر العقلاء، ويجعل ذلك مستقبحاً منه؛ حيث إن العبد لو أعطى
السيد فكأن السيد قد أعطى نفسه؛ لأن العبد يأخذ الدراهم من
سيده، وهذا لا يسمى عطاء، فدل ذلك على أن السيد ليس داخلاً
في عموم كلامه وخطابه.
جوابه:
نفس الجواب عن الدليل السابق، فنقول: إنا لو نظرنا إلى قول
السيد لعبده نظرة لغوية مجردة لوجدنا أن اللفظ عام، ولكنه
مخصص بالقرينة، وهي: العقل؛ حيث إن السيد لا يُعطى؛ لأن
العقل منع أن يعطي الإنسان نفسه.
المذهب الثالث: الفرق بين الأمر وغيره، بيانه:
إذا كان المتكلم والمخاطب آمراً، فإنه لا يدخل في عموم كلامه
وخطابه.
وإن كان المتكلم والمخاطب غير آمر، فإنه يدخل في عموم كلامه
وخطابه.
وهو مذهب أبي الخطاب الحنبلي، وأبي الحسين البصري.
أدلة هذا المذهب:
أما الدليل على أن غير الآمر يدخل في عموم كلامه وخطابه،
فهو دليل المذهب الأول.
أما الدليل على أن المتكلم والمخاطب لا يدخل في عموم كلامه
وخطابه إذا كان آمراً، فهو يتكون من وجهين:
الوجه الأول: أن المقصود والغرض من الآمر: أن يمتثل المأمور به
ويفعل، ولهذا يقول الممتثل للأمر:" أطعت وامتثلت وفعلت "،
وهذا لا يكون إلا من الغير.
الوجه الثاني: أن الأمر هو: استدعاء الفعل بالقول ممن هو
دونه، والإنسان لا يتصور أن يكون دون نفسه، بل هو على نمط
واحد ليس بعضه أدون من بعض، فلذلك لا توجد حقيقة الأمر هنا،
فلم يجز أن يأمر العاقل نفسه.
وبناء على هذين الوجهين: لا يدخل الآمر بالخطاب العام ضمن
خطابه.
جوابه:
أن المتكلم والمخاطب يدخل تحت عموم خطابه وكلامه سواء كان
آمراً أو غير آمر.
والآمر في الوجهين اللذين ذكرهما أصحاب المذهب الثالث قد
خرج من العموم بسبب القرينة، وهي: أن العاقل لا يأمر نفسه في
الوجه الأول، ولا يطلب الامتثال من نفسه في الوجه الثاني.
إذن: الآمر يدخل تحت عموم أمره، إلا أن القرينة قد خصصته
وأخر جته، لما ذكرناه.
بيان نوع الخلاف:
الخلاف هنا معنوي؛ حيث إن مقصد أصحاب المذهب الأول: أن
الأصل أن المتكلم - مطلقاً - يدخل في عموم كلامه ولا يخرج إلا
بقرينة.
أما أصحاب المذهب الثاني: فإن الأصل عندهم: أن المتكلم
- مطلقا - لا يدخل في عموم كلامه، ولا يدخل إلا بقرينة.
أما أصحاب المذهب الثالث، فقد فرقوا بين الآمر، وغيره،
فالأصل في الآمر أنه لا يدخل في عموم كلامه.
أما غير فالأصل أنه يدخل.
وقد تأثر بذلك بعض الفروع الفقهية التي منها:
1 -
أنه لو قال المسلم: " نساء المسلمين طوالق "، فإن زوجته
تطلق؛ بناء على المذهب الأول؛ لأن المتكلم يدخل في عموم كلامه.
وكذلك تطلق بناء على المذهب الثالث؛ لأن الزوج ليس آمراً،
فيدخل في عموم كلامه.
وبناء على المذهب الثاني: فإن زوجته لا تطلق؛ لأنه لا يدخل
في عموم كلامه.
2 -
لو قال: " عندي لورثة أبي ألف ريال "، فإنه يدخل معهم
ويكون له نصيب منها عند أصحاب المذهب الأول، وكذلك يدخل
عند أصحاب المذهب الثالث؛ لأنه خبر وليس بأمر، وهو يدخل في
الخبر دون الأمر عندهم.
وأما عند أصحاب المذهب الثاني فلا يدخل، وليس له نصيب
منها؛ لأن المخاطب والمتكلم لا يدخل في عموم كلامه.
3 -
لو قال لزوجته: " إن كلمت رجلاً فأنت طالق "، فكلمت
زوجها وقع الطلاق بناء على المذهب الأول، وكذلك بناء على
المذهب الثالث.
ولا يقع الطلاق؛ بناء على المذهب الثاني؛ لأن المتكلم لا يدخل
تحت عموم كلاملى.
4 -
لو وقف داراً على الفقراء، ثم افتقر ذلك الواقف، فإنه
يدخل معهم بناء على المذهب الأول، والثالث.
ولا يدخل معهم بناء على المذهب الثاني، وهكذا.