الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث هل العموم من عوارض المعاني حقيقة أو لا
؟
لقد عرفنا أن العموم من عوارض الألفاظ حقيقة، وهذا متفق
عليه، ولكن العلماء اختلفوا هل العموم من عوارض المعاني حقيقة
على مذاهب:
المذهب الأول: أن العموم ليس من عوارض المعاني حقيقة، بل
هو من عوارضها مجازاً، وهو مذهب جمهور العلماء، وهو الحق
عندي؛ لدليلين:
الدليل الأول: أن من لوازم العام أن يكون اللفظ العام متحداً،
ومع اتحاده يكون متناولاً لأمور متعددة من جهة واحدة: فالأفراد
الذين تناولهم اللفظ يجب أن يكونوا متساوين في الحكم، فمثلاً
قولك: " أكرم الطلاب " يجب أن يتساوى جميع الطلاب بالإكرام،
فإكرام زيد يجب أن يكون مثل إكرام عمرو وبكر، وهكذا دون زيادة
أو نقصان.
أما لو قال: " عم المدينة المطر " - ونحو ذلك من أمثلة العموم
المعنوي أو المجازي - فهذا إطلاق مجازي متساهل فيه؛ لأن المطر قد
يكون في بعض الوديان والأماكن أكثر من البعض الآخر، كذلك لو
قال: " عم القبيلة العطاء " هو إطلاق مجازي؛ لأن الخليفة لا يمكن
أن يعطي كل فرد من أفراد القبيلة مثل ما أعطى الآخر، فعطاء رئيس
القبيلة يختلف عن عطاء غيره، فاختلفوا في الحكم.
بخلاف ألفاظ العموم، فإن الحكم متساو في جميع الأفراد،
فقوله تعالى: (أقيموا الصلاة) ، فإن كل فرد يجب أن يصلي
الظهر أربع ركعات، سواء كان رئيس القبيلة أو غيره.
الدليل الثاني: أن العموم لغة هو شمول أمر واحد لمتعدد،
والمتبادر من الوحدة: الوحدة الشخصية، والمعاني ليست مشخصة،
فلا توصف بالعموم، وإنما يوصف به ما يتحقق فيه الشخص وهو
اللفظ، فإذا وصف المعنى بالعموم كان مجازاً.
المذهب الثاني: أن العموم من عوارض المعاني حقيقة، وهو
اختيار ابن الحاجب.
دليل هذا المذهب:
أنه ورد استعمال العموم في المعاني كقولهم: " عم الخليفة الناس
بالعطاء "، و " عمهم المطر "، و " عمهم القحط "، و " هذا عطاء
عام " ونحو ذلك، وهذا قد شاع وذاع في لسان أهل اللغة،
والأصل في الاستعمال الحقيقة.
جوابه:
إنا لو قلنا: إن استعمال العموم في المعاني استعمالاً حقيقياً، مع
قولنا: إن العموم من عوارض الألفاظ حقيقة للزم من ذلك أن يكون
العموم مشتركاً لفظيا بين الألفاظ والمعاني، والاشتراك خلاف
الأصل، لكن لو قلنا: إن العموم من عوارض المعاني مجازاً، فإنا
نكون قد تخلصنا من الاشتراك.
فإن قلت: إن المجاز أيضاً خلاف الأصل - كما سبق -.
أقول: إن المجاز مقدم على المشترك، فهو أوْلى أن يقال به.
والدليل على أن العموم من عوارض المعاني مجازاً: ما قلناه
- فيما سبق - من أن لازم العام: أن يكون اللفظ واحداً متناولاً
لجميع الأفراد بنسب متساوية.
أما العموم المعنوي أو المجازي: فإنه يخالف هذا اللازم، فعطاء
هذا الفرد غير عطاء ذلك الفرد، والمطر في هذا المكان غير المطر في
ذلك، فاختلفت النسبة، فنتج: عدم وجود لازم العام، فلم يكن
عاماحقيقة.
المذهب الثالث: أن العموم ليس من عوارض المعاني حقيقة ولا
مجازاً.
دليل هذا المذهب:
أن العموم لغة هو: شمول أمر واحد لمتعدد، وقد قلنا فيما
سبق: إن الوحدة يتبادر منها الوحدة الشخصية، وهي لا تتحقق إلا
في الألفاظ، فالمعنى لا يوصف بالعموم حقيقة، ولا يوصف
- أيضاً - مجازاً؛ لعدم العلاقة بين اللفظ والمعنى.
جوابه:
أن المعاني توصف بالعموم مجازاً، والعلاقة متحققة، وهي:
علاقة الدال بالمدلول.
بيان نوع الخلاف:
الخلاف لفظي؛ لأن الخلاف راجع إلى تفسير العموم ما هو وما
المراد به؟
فإن أريد بالعموم: استغراق اللظ لمسمياته، فهو من عوارض
الألفاظ خاصة، وهذا هو الحق.
وإن أريد بالعموم شمول أمر لمتعدد مطلقا بدون النظر إلى تساوي
النسب أو لا، فهو من عوارض الألفاظ والمعاني معا.
وإن أريد بالعموم: شمول مفهوم الأفراد فهو من عوارض المعاني
خاصة.