الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع والعشرون ترك الاستفصال في حكاية الحال مع وجود الاحتمال هل ينزل منزلة العموم في المقال
؟
مثاله: أن ابن غيلان الثقفي قد أسلم وتحته عشرة نسوة، فقال له
الرسول صلى الله عليه وسلم:
"أمسك أربعاً وفارق سائرهن "،
ولم يسأله عن كيفية عقده عليهن في الجمع أو الترتيب،
أي: لم يستفسر منه هل عقد على هذه النسوة بعقد واحد
في زمن واحد، أو عقد عليهن بعقود متعددة في أزمان مختلفة،
فهل تركه السؤال عن ذلك يفيد العموم وينزل منزلة عموم المقال؟
لقد اختلف في ذلك على مذهبين:
المذهب الأول: أن ترك الاستفصال في حكاية الحال مع وجود
الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال..
وهو مذهب الإمام الشافعي، وتبعه على ذلك كثير من العلماء،
وهو الحق؛ لأن ترك الرسول صلى الله عليه وسلم الاستفصال من الحاكي في حكايته مع قيام الاحتمال الذي من شأنه أن يؤثر في الحكم، فإن ذلك ينزل منزلة العموم في المقال، فيكون الحكم - وهو إمساك أربع ومفارقة
الباقي - عام في جميع الأحوال، سواء كان العقد على هذه النسوة
في زمن واحد أو في أزمان متعددة.
المذهب الثاني: أن ذلك لا ينزل منزلة العموم في المقال.
وهو مذهب أبي حنيفة، وبعض الشافعية.
دليل هذا المذهب:
أن " ترك الاستفصال.. " ليس من صيغ العموم، فلا يقتضي
العموم، ثم إن. ما ذكره أصحاب المذهب الأول هو قضية خاصة،
فلا يستدل بها على إثبات قاعدة عامة؛ لاحتمال أن يكون الرسول
لمجيم قد عرف خصوص الحال؛ حيث إنه عارف بحال القائل - وهو
أنه عقد عليهن بوقت واحد - فأجاب بناء على ذلك: لا؛ لأنه لا
فرق بين تلك الحالة وغيرها في ذلك الحكم.
جوابه:
أن هذا ضعيف؛ لأن القاعدة ليست مفروضة في كون تارك
الاستفصال عالما بشيء، وإنما هي مفروضة في قضية لا يعلم فيها
تارك الاستفصال عن حال صاحب القضية مع احتمال اللفظ إياها،
وظاهر الحديث يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم
لا يعلم شيئاً عن زواج غيلان، هل هو بعقد واحد أو مختلف،
وما قالوه من الاحتمال لا دليل عليه، فيبقى على ظاهره.
بيان نوع الخلاف:
الخلاف هنا معنوي؛ حيث إنه ترتب على المذهب الأول: أن
الشخص لو أسلم وعنده أكثر من أربع نسوة، فعليه أن يمسك أربعا
منهن فقط، ويفارق الباقي، فيختار منهن ما شاء، ويترك الباقي
مطلقا، سواء كان العقد على هذه النسوة في زمن واحد، أو في
أزمان متعددة؛ وهذا يتبين فيه سماحة الإسلام ويسره.
- أما أصحاب المذهب الثاني - وهم القائلون: " إن ترك
الاستفصال
…
" لا يفيد العموم - فهم بنوا الحكم على عدم وجود
هذه القاعدة، فقالوا: إن كان العقد عليهن في وقت واحد، فعليه
أن يجدد عقد النكاح على أربع منهن على حسب اختياره.
وإن كانت تلك العقود مرتبة - أي: كل واحدة عقد عليها بعد
الأخرى: فعليه أن يمسك الأربع الأول، ويفارق ما عداهن، وذلك
لأن العقود الأولى قد صادفت محلاً قابلاً للعقد، فكانت صحيحة،
أما ما عداها فلم يصادف محلاً قابلاً للعقد، فكان باطلاً.