الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني في خلاف العلماء في لفظ " القياس " هل هو حقيقة
في هذين المعنيين، أو حقيقة في أحدهما مجاز في الآخر
؟
على مذاهب:
المذهب الأول: أن القياس مشترك معنوي بين " التقدير "،
و" المساواة ".
أي: أنه حقيقة في التقدير، ويكون المطلوب به شيئين هما:
الأول: معرفة مقدار الشيء مثل: " قست الثوب كالذراع ".
الثاني: التسوية في مقدار الشيء مثل: " فلان لا يقاس بفلان "
أي: لا يساويه.
فصار " التقدير " كلي تحته فردان:
أحدهما: استعلام القدر نحو: " قست الثوب بالذراع ".
والآخر: التسوية في المقدار نحو: " فلان لا يقاس بفلان ".
وهو مذهب كثير من العلماء، وهو الحق عندي؛ لأن القياس إما
أن يكون حقيقة في التقدير، مجازاً في المساواة، أو هو مشترك
بينهما بالاشتراك اللفظي، أو بالاشتراك المعنوي، والأمر إذا دار بين
الاشتراك اللفظي والاشتراك المعنوي قدم الاشتراك المعنوي، لأن
الاشتراك اللفظي خلاف الأصل، لأنه يحتاج إلى قرينة تبين المراد من
المعنيين، وإذا دار اللفظ بين الحقيقة والمجاز قدمت الحقيقة؛ لأن
المجاز خلاف الأصل؛ لأن المجاز يحتاج إلى قرينة، فتبين أن لفظ
القياس مشترك معنوي بين " التقدير " و " المساواة " - كما بيناه فيما
سبق - لنسلم من الاشتراك اللفظي، والمجاز اللذين هما على خلاف
الأصل.
المذهب الثاني: أن القياس في اللغة حقيقة في التقدير مجاز في
المساواة.
وهو مذهب بعض العلماء كالآمدي.
دليل هذا المذهب:
أن المساواة لازمة للتقدير، والتقدير ملزوم، واستعمال اللفظ في
ذلك مجاز لغوي من باب إطلاق الملزوم على اللازم، وهو شائع
مشهور - وقد سبق بيانه في مبحث المجاز -.
جوابه:
أنا لا نُسَلِّمُ ذلك؛ لأن المجاز خلاف الأصل؛ حيث إنه يحتاج
في دلالته إلى قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي الحقيقي بينما الحقيقة
لا تحتاج إلى تلك القرينة، وما لا يحتاج مقدم على ما يحتاج.
المذهب الثالث: أن لفظ " القياس " مشترك لفظي بين " التقدير "
و" المساواة ".
وهو مذهب بعض العلماء.
دليل هذا المذهب:
أن لفظ " القياس " قد استعمله العرب في " التقدير "، واستعمله
العرب في " المساواة "، والأصل في الاستعمال الحقيقة.
جوابه:
أنا لا نُسَلِّمُ ذلك؛ لأن الاشتراك اللفظي خلاف الأصل؛ لأمرين:
أولهما: أن الأصل عدم تعدد الوضع، أي: أن الأصل: أن
يكون اللفظ له معنى واحد، فإذا ورد لفظ له معنيان فهذا خلاف
الأصل.
ثانيهما: أن المشترك اللفظي يحتاج في دلالته على أحد معنييه أو
معانيه إلى قرينة تعين المراد منه، وما لا يحتاج يقدم على ما يحتاج.
بيان نوع الخلاف:
الخلاف هنا معنوي؛ لأن أصحاب المذهب الأول يحملون لفظ
القياس على التقدير المتضمن معنى المساواة، ويحملونه على المساواة
المتضمن معنى التقدير بدون الحاجة إلى قرينة، أما أصحاب المذهب
الثاني: فإنهم يحملونه على التقدير بدون قرينة، ولا يحملونه على
المساواة إلا بقرينة؛ لأنهم يفرقون بينهما، أما أصحاب المذهب
الثالث: فإنهم لا يحملون لفظ القياس على شيء منهما إلا بقرينة،
أي: أنهم يتوقفون حتى تثبت قرينة تبين المراد منه.
* * *
تنبيهان:
التنبيه الأول:
القياس يتعدى بـ " على " وهو كثير جداً في الاستعمال، ومنه
قولنا: " النبيذ يقاس على الخمر "، و " الأرز يقاس على البر ".
ويتعدى بـ " الباء " قليلاً يقال: " قاسه بالشيء "، ومنه قولهم:
" قياس صب البول في الماء الراكد بالبول فيه ".
التنبيه الثاني:
القياس واوي، ويائي، وكل ذلك ورد عن العرب.
فقد ورد: قاس، يقيس، قيسا، قياسا.
وقد ورد: قاس، يقوس، قوساً.