الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من بينات الرسالة البينة القرآنية
لقد اقتضت حكمة الله سبحانه أن يؤيد رسله ببينات تدل على صدق رسالتهم، وأدلة تقوم بها الحجة على الناس اصطلح العلماء على تسميتها بالمعجزات، وسميت في كتاب الله بينات، كما قال تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ [الحديد: 25]«1» .
وتنوعت البينات والمعجزات بتنوع الأقوام والأمم، فجعل الله لكل قوم بينة تناسب مستواهم الثقافي والفكري ليكون ذلك أبلغ في إقامة الحجة على الناس، ولما كان محمد صلى الله عليه وسلم مرسلا إلى الناس كافة، فقد أيده الله سبحانه ببينات متنوعة تتناسب مع جميع من أرسل إليهم من الأقوام، ومع جميع الأجيال إلى قيام الساعة على اختلاف ثقافاتهم ومداركهم.
فكانت الفصاحة والبلاغة من بيناته المناسبة للعرب الفصحاء البلغاء.
* ومن بيناته ما يتناسب مع أهل الأديان كالبشارات به في الكتب السابقة.
* ومن بيناته ما عجز أهل الأنظمة والقوانين عن المجيء بمثله من تشريعات حكيمة تناسب جميع البيئات والعصور.
* ومن البينات الخوارق المشاهدة كخارقة انشقاق القمر التي سجلت عند بعض الأمم ولا تزال آثارها ظاهرة إلى اليوم.
(1) وكذلك سميت المعجزة في كتاب الله: آية وبرهانا وبصيرة وسلطانا، أما لفظ المعجزة فلم يرد في الكتاب والسّنّة.
* ومنها معجزة الإخبار بالغيب الماضي والحاضر والمستقبل، والتي لا تزال تنكشف إلى يومنا هذا.
* ومنها الخوارق للعادة التي دونت في أوثق سجل عرفه البشر، وهو القرآن الكريم والحديث النبوي.
* ومنها ما يتناسب مع أهل الكشوف العلمية في عصرنا كالإعجاز العلمي في القرآن والسّنّة.
وقد جعل الله سبحانه القرآن المتضمن لكثير من أنواع هذه المعجزات أكبر بينة لمحمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [الأنعام: 19] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ما من الأنبياء نبيّ إلّا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنّما كان الّذي أوتيته وحيا أوحاه الله إليّ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة"«1» .
يشير الحديث الشريف إلى طبيعة المعجزة في الوحي الذي أنزله الله على محمد صلى الله عليه وآله وسلم فيبقى بعد موته ويتجدد إعجازه على مرّ العصور.
وشهادة القرآن بصدق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم متمثلة بما احتوى عليه من الإعجاز في ألفاظه، والإعجاز في العلم الذي جاء به. قال تعالى: لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (166) [النساء:
166] قال الخازن عند تفسير هذه الآية: " لكن الله يشهد لك يا محمد بالنبوة
(1) أخرجه البخاري ك/ فضائل القرآن ب/ كيف نزل الوحي وأول ما نزل، ومسلم ك/ الإيمان ب/ وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد إلى جميع الناس.
بواسطة هذا القرآن الذي أنزله عليك".
وقال ابن كثير- رحمه الله: " فالله يشهد لك يا محمد بأنك رسوله الذي أنزل عليه الكتاب وهو القرآن العظيم
…
ولهذا قال تعالى: أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ أي: فيه علمه الذي أراد أن يطلع العباد عليه من البينات والهدى والفرقان، وما يحبه الله ويرضاه وما يكرهه ويأباه، وما فيه من العلم بالغيوب من الماضي والمستقبل".
فالبينة القرآنية تتمثل في العلم الذي تضمنته آياته، وهو الإعجاز العلمي، أما ما تحمله ألفاظه وتراكيبه فهو إعجاز الفصاحة والبلاغة.
(1) ابن الجوزي والزمخشري وأبو حيان والألوسي والشوكاني، البيضاوي والنسائي والخازن، والجلالان.