الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجهل بالتطورات التي تظهر على الجنين في كل مرحلة زمنية:
وكما كان تقدير عمر الجنين متعذرا إلا مع خطأ كبير، فإن تحديد ما يظهر من التطورات في خلق الجنين أثناء جميع مراحل نموه كان كذلك متعذرا، لقلة العينات المتاحة من الأجنة البشرية، ولأن أحدا لا يقبل أن يتبرع بابنه حتى يقوم الأطباء بدراسته؛ ولما يصاحب ذلك من مشقة كبيرة للمرأة إذا أسقط جنينها؛ فالام السقط قريبة من آلام الولادة. ومما يزيد الأمر صعوبة هو أن تطورات أجهزة وأعضاء الأجنة تنمو باطراد؛ يصعب معه تحديد الفترة الزمنية التي يظهر فيها الجهاز، أو العضو بصورته الآدمية في الجنين.
كيف تمكن العلماء من تقدير عمر الجنين وتحديد زمن تكون أعضاء الجنين:
بعد اكتشاف بييضة المرأة في القرن التاسع عشر الميلادي؛ تمكن الباحثون من تحديد يوم خروجها من المبيض في المرأة، ومكنهم ذلك من تحديد موعد بداية الحمل بخطأ لا يتجاوز- يوم واحد.
وبعد أن تمكن علماء الطب أخيرا من غرس (كاميرا) في رحم المرأة أثناء حملها أمكنهم متابعة الحمل بدقة بالغة، وأمكنهم تحديد زمن ظهور أعضاء جسم الجنين، وزمن تشكلها، وأمكنهم تصوير مراحل تكوين تلك الأعضاء.
المعجزة النبوية في وصف تخلق الجنين بعد الليلة الثانية والأربعين:
رأينا كيف كان علماء النهضة العلمية الحديثة في أوروبا يتخبطون في أوهام متعددة؛ طوال ثلاثة قرون؛ أثناء دراستهم لتخلق الجنين البشري من أهمها:
* توهمهم أن الإنسان يخلق من دم الحيض، ولم يتخلصوا من هذا الوهم إلا في القرن السابع عشر الميلادي.
* وتوهموا أن الإنسان يخلق خلقا تاما من بداية تكوينه؛ ولم يعرفوا بطلان ذلك إلا في القرن الثامن عشر الميلادي.
* وتوهموا في عام 1694- بعد اكتشاف المجهر- أن الإنسان يخلق خلقا تاما في المنوي؛ ولم يرجعوا عن هذا إلا بعد اكتشاف بييضة المرأة عام 1827 م أي:
بعد مئة وخمسين سنة من اكتشاف المنوي.
* وبعد اكتشاف البييضة توهموا أن الإنسان يخلق خلقا تاما فيها؛ ولم يتبدد وهمهم هذا إلا في الربع الأخير من القرن الثامن عشر عام 1775 م.
* وكان علماء الأجنة إذا حسبوا عمر الجنين- قبل اكتشاف بييضة المرأة- يقعون في خطأ يتراوح ما بين زائد أو ناقص 21 يوما، ولم يتمكنوا من تحديد عمر الجنين في مراحله المختلفة إلا في القرن العشرين.
* وكان علماء الأجنة يعجزون عن تتبع التطورات التي تحدث على جسم الجنين البشري، وزمن حدوثها؛ إلى بعد الأربعينات من القرن العشرين، وبخاصة بعد أن تمكنوا من النظر إلى الجنين بوضوح، بل وتمكنوا من النظر إلى داخل أجزاء الجنين؛ وذلك بما تيسر لهم من آلات للتصوير والتكبير ووسائل الكشف عن المواد المختلفة.
لكن الله الذي يعلم ما في الأرحام، ويعلم السر في السموات والأرض؛ أخبر رسوله النبي الأمي، في الأمة الأمية؛ قبل ألف وأربعمائة عام، بالليلة المحددة التي يبدأ بعدها الجنين البشري في أخذ صورته الآدمية، والتي يأخذ بعدها في تشكيل وتكوين أعضائه الآدمية المعروفة لنا؛ وحجم الجنين لا يزيد في تلك الليلة عن (11 مم) .
واليوم وبعد أن تمكن العلم في القرن العشرين من مشاهدة ما يحدث للجنين
من تطورات، وحساب الزمن لكل تطور يظهر على جسم الجنين، يمكننا أن نعتبر الخبر النبوي الذي جاءنا قبل ألف وأربعمائة عام؛ بمثابة اختبار لصدق نبوة ورسالة محمد- صلى الله عليه وسلم القائل:" إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكا، فصورها، وخلق سمعها، وبصرها، وجلدها، ولحمها، وعظامها. ثم قال: يا رب، أذكر أم أنثى؛ فيقضي ربك ما شاء ويكتب الملك"«1» .
ففي هذا الحديث يقرر الرسول صلى الله عليه وسلم عشر حقائق من حقائق علم الأجنة هي:
[1]
خلق الإنسان من النطفة المنوية- من ماء الرجل وبييضة المرأة- كما سبق بيانه- وقد أشار إلى ذلك الحديث النبوي: " إذا مر بالنطفة" أي أن الإنسان يخلق من النطفة لا من دم الحيض- كما كان شائعا بين الأطباء إلى القرن السابع عشر.
[2]
حدد الحديث ليلة معينة من عمر الجنين؛ يدخل بعدها الملك" إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكا".
ويقوم الملك بعد هذه الليلة بما يلي:
[3]
" صورها" أي أن الصورة الآدمية للجنين تبدأ بالظهور بعد الليلة الثانية والأربعين.
[4]
" وخلق سمعها" وكذلك يبدأ ظهور الأذن وجهاز السمع.
[5]
" وبصرها" أي وخلق بصرها؛ فيبدأ ظهور العين وجهاز البصر.
(1) صحيح مسلم- كتاب القدر ج 4 ص 2037 ح 3/ 2645، وله طريق آخر عنده عن حذيفة بن أسيد، وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير 3/ 178 ح 3044، والطحاوي في مشكل الآثار 3/ 278، وأبو داود في كتاب القدر ورقة 44/ 45، وجعفر الفرياني انظر: فتح الباري 11/ 483.