الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول البشارات
تمهيد:
شاء الله سبحانه أن ينقذ البشرية في الحقبة الأخيرة من تاريخها- على حين فترة من الرسل- برسالة خاتمة لجميع الرسالات السابقة صالحة لكل زمان ومكان إلى قيام الساعة، فاختار سبحانه لهذه المهمّة عبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم النبي العربي الأمي، وأهله لحمل هذه الرسالة، وجعل له قبل مجيئه وظهوره إلى الدنيا مقدمات وبشارات تنبئ وتبشر بظهوره، وأخذ الله سبحانه الميثاق على جميع الأنبياء بالتصديق بمحمد صلى الله عليه وسلم إذا جاءهم، قال سبحانه: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81)[آل عمران: 81] .
قال قتادة: هذا ميثاق أخذه الله على النبيين أن يصدّق بعضهم بعضا، وأن يبلغوا كتاب الله ورسالاته، فبلغت الأنبياء كتاب الله ورسالاته إلى قومهم، وأخذ عليهم- فيما بلغهم رسلهم- أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ويصدقوه وينصروه «1» .
وأشار- سبحانه- إلى القرآن العظيم في كتب الأنبياء السابقين كما قال تعالى: وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196)[الشعراء: 196] أي: أن ذكر هذا القرآن موجود ومنوّه به في كتب الأنبياء السابقين، وهذا الكتاب هو الرسالة التي حملها النبي الخاتم إلى البشرية.
(1) أخرجه الطبري بسند حسن كما في التفسير الصحيح 1/ 430.
ومن ثمّ تناقلت أمم الأرض عن طريق الأحبار والرهبان والكهان خبر النبي الخاتم الذي بشّرت به النبوات السابقة، ولما انقطعت الرسالة بعد عيسى عليه السلام فترة من الزمن «1» ، زاد تلهف أمم الأرض إلى النّبيّ الخاتم، وكان عيسى عليه السلام هو آخر من بشر بمحمد صلى الله عليه وسلم من الأنبياء كما قال تعالى عنه في خطابه لبني إسرائيل:
يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [الصف: 6] وبدأ أهل الكتب وغيرهم كالهندوس والمجوس يتوقعون قرب ظهوره بناء على ما يجدونه في كتبهم وأخبار أنبيائهم من الوعد بمقدمه والإخبار بزمان ظهوره ومكانه.
وقد سجّل التاريخ في هذه الفترة مقدمات وحوادث تدل على قرب مقدمه وظهوره صلى الله عليه وسلم، منها ما كان قبل مولده، ومنها ما كان عند مولده، ومنها ما كان قبل بعثته.
فأمّا ما كان قبل مولده فمنه تناقل الأحبار والرهبان لذكر النبي الخاتم، بل كان اليهود في بلاد العرب عندما يقاتلون قبيلة من العرب يخوفونهم بقرب مبعث نبي يقاتلونهم معه فكانوا يقولون سيبعث نبي آخر الزمان نقتلكم به قتل عاد وإرم وكانوا يدعون بين يدي قتالهم مع العرب بقولهم:" اللهم انصرنا بالنبي المبعوث في آخر الزمان". فلما ظهر النّبيّ من غير بني إسرائيل كفروا به كما قال تعالى: وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ (89)[البقرة: 89] .
ومن الإرهاصات على قرب مقدم النّبيّ أن الراهب" عيصا" الذي ترك بلاد
(1) الفترة بين عيسى ومحمد عليهما السلام تقدر بستمائة عام، قال تعالى: يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ [المائدة: 19] .
الشام وقدم إلى قرب مكة أخبر أهل مكة أنه قد حان زمن النبي الذي تدين له العرب والعجم، والذي سيكون من أهل مكة «1» .
وإنما كان أهل الكتاب يعرفون ذلك من كتبهم وأخبار أنبيائهم كما قال تعالى: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ [الأعراف: 157] .
ومن الإرهاصات على مقدمه في عام ولادته أن الله سبحانه أهلك نصارى الحبشة القادمين من اليمن لهدم الكعبة المشرفة التي ستكون قبلة للرسول القادم وأمّته، مع أن قريشا كانت قد أعلنت تخليها عن البيت لعجزها عن الدفاع عنه، حيث قال عبد المطلب: للبيت رب يحميه ومعلوم أن هذا الإهلاك لم يكن لأجل المشركين، وإنما كان ذلك حماية لقبلة الرسول القادم وأمته. قال تعالى:
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)[الفيل: 1- 5] .
ومن إرهاصات مقدمه إلهام الله لجدّه عبد المطلب أن يختار له الاسم الفريد بين قومه" محمد" والذي تطابق مع ما جاء في البشارات السابقة، دون علم من جده أو أحد من أهله بذلك.
ومن ذلك خاتم النبوة الذي كان علامة مميزة على ظهره الشريف تدل على نبوته كما ذكر ذلك في الكتب السابقة «2» ، وقد روي أن أحد أحبار اليهود
(1) الخصائص الكبرى للسيوطي 1/ 50، وقد أورد كثيرا من الأخبار عن إرهاصات مقدم محمد صلى الله عليه وسلم، فمن أحب الازدياد من ذلك فليرجع إليه.
(2)
أخبر أحد رهبان النصارى سلمان الفارسي رضي الله عنه أن من علامات النبي الخاتم أن على ظهره خاتم النبوة، وتعرف عليه بعد ذلك في المدينة النبوية بهذه العلامة كما أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.