الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كما قال تعالى مبينا كذب المنافقين في اعتذارهم في التخلف عن الجهاد:
يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ [التوبة: 94]«1» .
وقد قال أحدهم في النبي صلى الله عليه وآله وسلم كلمة كفر بها، حيث كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخطب فقال المنافق: إن كان هذا صادقا لنحن شر من الحمير، فقال زيد بن أرقم: هو والله صادق وأنت شر من الحمار، ولما نقلت كلمته إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم جحدها، فنزل القرآن الكريم بإثبات تلك الكلمة عليه. قال تعالى: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ [التوبة: 74]«2» .
وهكذا كان الوحي يكشف للرسول صلى الله عليه وآله وسلم ما يدور بعيدا عنه مما يحاك حوله وما يدور في خفايا النفوس.
غيب المستقبل:
وهناك نوع آخر من الغيب كشفه الوحي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو الغيب المكنون في المستقبل الذي لا سبيل لأحد من البشر أن يعرفه.
ومن أمثلته ما وعد الله به المؤمنين من الاستخلاف في الأرض مع أنهم كانوا قلة مستضعفة، قال تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً [النور: 55] .
(1) سميت سورة التوبة الفاضحة لكونها تفضح المنافقين، قال الشوكاني: وتسمى البحوث لأنها تبحث عن أسرار المنافقين، وكذلك المبعثرة، والبعثرة: البحث، والمخزية لكونها أخزتهم، والمثيرة: لكونها تثير أسرارهم وغير ذلك من الأسماء. انظر مقدمة تفسير سورة التوبة من فتح القدير.
(2)
انظر تفسير الشوكاني، وقد روي في سبب نزولها غير ذلك، والله أعلم.
وقد تحقق ذلك الوعد فخلال قرن من الزمان انتصر المؤمنون على الدولتين العظيمتين في ذلك الوقت وفتحوا الأرض شرقا وغربا ودانت لهم شعوبها بالإسلام ودخلوا في دين الله أفواجا.
ومن أمثلة الإخبار بغيب المستقبل أن يقرر القرآن أن أشخاصا معينين بأسمائهم لن يسلموا وأنهم سيموتون على الكفر، وكان بإمكانهم أن يكذبوا القرآن ولو تظاهروا بالإسلام تظاهرا، ولكنهم لم يخرجوا عما قرره القرآن في حقهم، بالرغم من إسلام الأعداد الكثيرة ممن كانوا أشد الناس عداوة له. ومن ذلك ما ذكره سبحانه عن أبي لهب أنه من أهل النار.
قال تعالى تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ (2) سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4)[المسد: 1- 4] وكذلك إخباره عن الوليد بن المغيرة أنه سيصلى النار قال تعالى: سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26)[المدثر: 26] وكان الأمر كذلك فمات أبو لهب كافرا، ومات الوليد كافرا، إلى غير ذلك من الأمثلة «1» .
ب- الشريعة العظيمة التي احتوى عليها:
لا يستطيع أحد أن ينظم بدقة وإحاطة أمر مصنوع من المصنوعات إلا إذا كان على علم بأسرار ذلك المصنوع فتأتي إرشاداته وتوجيهاته محققة للسير الصحيح.
ومن تأمل في أحوال البشرية وجدها في اضطراب وفساد على الدوام، لكنها عند ما طبقت شريعة الله التي جاء بها رسله استقر أمرها وصلح حالها وختم الله
(1) انظر مزيدا من الأمثلة على إخبار القرآن بالغيب في الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 6/ 70- 79.
الشرائع بشريعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم التي شيّدت عليها أثبت الحضارات التي عرفها البشر خلال التاريخ الإنساني، وسعدت البشرية في ظل تلك الشريعة التي وحدت بين الأجناس المختلفة والبيئات المتباينة والعصور المتعاقبة، وشهد بذلك الدارسون من أهل الاختصاص، مما يدل على أن هذه الشريعة من قبل خالق الإنسان، الذي يعلم أسرار خلقته وفطرته.
فإلى جانب ما احتوى عليه القرآن من الهدى والنور في جانب الاعتقاد والإيمان الذي نزل من أجله، فقد اشتمل على أفضل وأرقى التشريعات التي تكفل سعادة الفرد والمجتمع بل والعالم بأكمله في جميع شؤون حياتهم في جوانب السياسية والقضاء والحكم وإقامة العدل، وفي جوانب الاقتصاد والمال والمعاملات، وفي جوانب الاجتماع والتكافل والأخلاق والآداب والفضائل، وفي جوانب الفكر والبحث والعلم، وفي جوانب الصحة وحماية الأعراض واستتباب الأمن، وفي جوانب العقل والبدن والأسرة والمرأة والمجتمع، وفي جوانب الحرب والسلم والعلاقات بين سائر بني الإنسان، وبيان الحقوق والواجبات فلم يبق جانبا من جوانب الحياة إلا وقد بيّن فيه سبيل الحق والهدى والصواب كما قال تعالى لرسوله: وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ [النحل: 89] .
ومن الأدلة على ذلك أن الأمة الإسلامية قد عاشت أكثر من ألف وأربعمائة عام غنية بما لديها من التشريعات، ولا تزال بعض الدول الإسلامية تتحاكم إليها في محاكمها ولم تحتج في يوم من الأيام إلى قوانين مستوردة من خارج الشريعة الإسلامية، لأن الجهاز التشريعي الضخم قد أغناها عن الحاجة لغيرها.