الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[4] فأخرجنا منه خضرا نّخرج منه حبّا مّتراكبا:
قدر الله سبحانه وتعالى أن تعتمد النباتات وكذا الإنسان والحيوانات في غذائها على ما ينتجه النبات في مصانعه الخضراء.
وهذه المصانع الخضراء يخرجها النبات بأمر ربه عند بداية نموه وتسمى في كتب العلوم النباتية" البلاستيدات الخضراء" والتي تحتوي على الكلوروفيل الذي عبّر عنه القرآن بالخضر «1» ، حيث يقوم بالاستفادة من الطاقة الضوئية ويحولها إلى طاقة كيمائية ينتج عنها تكوين الحبوب والثمار المختلفة وسائر أجزاء النبات التي نراها في الحدائق والبساتين.
ويدلنا القرآن على هذه الحقائق في قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99)[الأنعام: 99] .
التفسير والمعنى اللغوي:
وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً: أي المطر.
فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ: أي فأخرجنا بالمطر كل صنف من النبات.
فَأَخْرَجْنا مِنْهُ: أي من الماء وقيل من النبات.
خَضِراً: أي شيئا غضّا أخضر «2» .
نُخْرِجُ مِنْهُ: أي من الخضر «3» .
(1) لفظة الخضر تدل على ما كانت خضرته خلقية.
(2)
انظر البحر المحيط، البيضاوي، البغوي، الجلالين، القاسمي، وانظر المعجم الوسيط ومختار الصحاح وفيه: قال الأخفش خضرا: يريد به الأخضر. أي المادة ذات اللون الأخضر.
(3)
البيضاوي، الجلالين، الخازن، الكشاف، البحر المحيط، الطبري، القاسمي.
حَبًّا مُتَراكِباً: أي بعضه على بعض.
وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها «1» : الطلع: غلاف يشبه الكوز ينفتح عن حبّ منضود فيه مادة إخصاب النخلة.
قِنْوانٌ: جمع قنو وهو العذق الذي هو عنقود النخل.
وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ: أي وأخرجنا جنات من أعناب.
الزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ: متشبها ورقها مختلفا ثمرها «2» ، وقيل متشابه في المنظر، مختلف في المطعم «3» .
انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ: أي انظروا بأعينكم نظر اعتبار لا نظر الإبصار المجرد عن التفكير، ونبه على حالين: بالابتداء وهو وقت ابتداء الإثمار، والانتهاء وهو وقت نضجه، أي كيف يخرجه ضئيلا لا يكاد ينتفع به وكيف يعود نضيجا مشتملا على منافع «4» ، والثمر في اللغة: جنى الشجر.
وَيَنْعِهِ: نضجه، يقال: ينع وأينع إذا نضج.
وقال ابن العربي: قال مالك: الإيناع الطيب بغير فساد ولا نقش، قال مالك:
والنقش أن ينقش أهل البصرة الثمر حتى يرطب. يريد: يثقب فيه بحيث يسرع دخول الهواء إليه فيرطب معجلا، فليس ذلك الينع المراد في القرآن وإنما هو ما يكون من ذاته بغير محاولة «5» .
إذا فهذه المصانع الخضراء تخرج من النبات عند بدء نموه، والنبات يخرجه الماء من بذوره وأصوله. فالله سبحانه وتعالى أنزل من السماء ماء، فأخرج به
(1) قوله سبحانه (ومن النخل) : خبر مقدم، (من طلعها) : بدل من النخل، (قنوان) : مبتدأ مؤخر، (دانية) : صفة لقنوان.
(2)
قتادة، الجلالان.
(3)
ابن جرير، البغوي.
(4)
البحر المحيط لأبي حيان.
(5)
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي.
نبات كل شئ، وأخرج من النبات هذه المصانع الخضراء التي منها تخرج المواد الغذائية التي تتكون منها الحبوب والثمار بل وسائر أجزاء النبات.
لكن هذه الحقيقة جهلتها البشرية، ولم تعرفها إلا بعد بحث استغرق ثلاثمائة عام، بداية من عام 1600 م، حيث أجرى علماء فسيولوجيا النبات" علم وظائف الأعضاء" أبحاثا وتجارب كثيرة لمعرفة عملية البناء الضوئي.
ففي عام 1804 م نشر" دي سواسير" أن هناك نوعين من التبادل الغازي، أحدهما يحدث في الضوء والآخر في الظلام، وأن الأجزاء الخضراء هي التي تمتص ثاني أكسيد الكربون وتطلق الأوكسجين في الضوء" «1» . واستمرت الاكتشافات المتواصلة في هذا المجال.
وفي عام 1942 م قال" ماير": إن المصدر النهائي للطاقة المستخدمة في كل من النبات والحيوان هي الشمس وإن الطاقة الضوئية عند ما تمتص في النباتات تتحول إلى طاقة كيماوية عن طريق التمثيل الضوئي" «2» .
وقال جلاس 1961 م إن المركبات الأكثر أهمية في تحويل الطاقة الضوئية إلى طاقة كيميائية في النبات هي الصبغات التي توجد داخل البلاستيدات الخضراء" أو حاملات الصبغات"«3» .
ويبدأ النبات عملية التمثيل الضوئي من خلال هذه المكونات والعضيات.
انظر الشكل «1» .
وينشأ من ذلك كله خلق المواد الكربوهيدراتية والتي تدخل في عمليات حيوية معقدة ينتج عنها بناء خامات الجدار الخلوي والأحماض النووية والبروتينات والدهون والهرمونات النباتية والصبغات
…
الخ، وهذه المواد هي
(1) من كتاب فسيولوجيا النبات ل روبرت م. ديلفين فرانسيس هـ. ويذام الطبعة العربية ص 407.
(2)
نفس المرجع السابق.
(3)
نفس المرجع السابق ص 370.
أساس تكوين جميع أجزاء النباتات والتي يتغذى عليها الإنسان والحيوانات أنظر الشكل (2- 3) .
يقوم النبات بالاستفادة من الطاقة الضوئية فيحولها إلى طاقة كيميائية فيما يسمى بالفسفرة الضوئية داخل الخضر في البلاستيدة الخضراء وينتج عنه طاقة كيميائية في صورة NADPH ،ATP والتي يستخدمها النبات فيما يسمى بدورة كالفن وبنسون، وينتج عنها الكاربوهيدرات (السكريات) والتي لا تتحطم أو تتكسر تكسيرا كاملا ولكنها تستخدم كأصول لبناء المواد الخلوية الآخرى، بجانب دخولها في عملية تنفس النبات وهذا يؤدي بطريقة مباشرة إلى بناء خامات الجدار الخلوي والأحماض النووية والبروتينات والدهون والهرمونات النباتية والصبغات
…
إلخ.
ويمكن تلخيص العملية بالمعادلة التالية:
المادة الخضراء «الخضر» ثاني أكسيد كربون ماء- سكرجلوكوز أوكسجين ضوء الشمس