الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى الحذر من كتمان العلم كقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160)
[البقرة: 159- 160] .
وكقوله عليه الصلاة والسلام: «من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار» «1» .
وقد نقلوا ما نقلوه بدقة بالغة وأمانة عالية، لأنهم يعلمون حرمة الكذب في دين الإسلام عامة، وحرمته بشكل أشد على الرسول صلى الله عليه وسلم. كيف وقد رووا عنه قوله صلى الله عليه وآله وسلم:«من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» «2» ، حتى كان بعضهم يتحرج من الرواية عنه صلى الله عليه وآله وسلم خشية أن يخطئ فينقل ما لم يسمع «3» ، مما يدلنا على مدى التوثيق البالغ لسّنّة النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
دقة توثيق التابعين:
وجاء الجيل الذي بعدهم وهم التابعون ناقلين لبينات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعجزاته وأقواله وأفعاله، يدفعهم شوقهم للأجر الكبير في
(1) رواه أبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والبيهقي ورواه الحاكم بنحوه وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 1/ 52.
(2)
أخرجه البخاري ك/ العلم ب/ إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومسلم في المقدمة ب/ تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال المنذري: هذا الحديث قد روي عن غير واحد من الصحابة في الصحاح والسنن والمسانيد وغيرها حتى بلغ مبلغ التواتر. صحيح الترغيب والترهيب 1/ 42.
(3)
ومنهم الزبير بن العوام رضي الله عنه، انظر صحيح البخاري ك/ العلم ب/ إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم مع شرحه من فتح الباري.
طلب العلم كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «من يرد الله به خيرا يفقّهه في الدّين» «1» .
وقوله: «من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهّل الله له طريقا إلى الجنّة، وإنّ الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم» «2» .
فكان هؤلاء التابعون أرضا صالحة طيبة تتشرب نصوص السّنّة النبوية وأخبارها، تحفزهم دوافع التلقي نفسها التي كانت تحفز الصحابة على التلقي وأخذ الدين، ويحثهم على الضبط والإتقان ما كان يحث الصحابة الكرام على ذلك، وكانوا يعوضون ما فاتهم من مشاهدة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وسماعه بكثرة اسئلتهم لشيوخهم من الصحابة ودقة حفظهم، فكانوا كأدق آلات التسجيل حفظا، يخشون أي زيادة أو نقص في الدين، واستعانوا بالتدوين لحفظ ما سمعوا من أقوال وأفعال ومعجزات الرسول صلى الله عليه وسلم، وهكذا من جاء بعدهم من تابعيهم ومن بعدهم إلى أن اكتمل تدوين علم الحديث النبوي، ودونت معه المعجزات وبينات الرسالة في الكتب المصنفة التي تناقلتها الآلاف المؤلفة من المسلمين جيلا بعد جيل عن طريق الحفظ والكتابة معا، بحيث يستحيل معه التشكيك فيها وفي نسبتها إلى مؤلفيها. وقد اشترط المحدثون للحديث الصحيح شروطا بالغة الدقة كما سيأتي بيانه ومنها أن يكون جميع رواة الحديث عدولا سالمين مما يقدح في دينهم، ضابطين لما نقلوه من العلم حفظا وكتابة مما يبعث على الثقة في نقلهم.
(1) أخرجه البخاري ك/ العلم ب/ من يرد الله به خيرا. يفقهه في الدين، ومسلم ك/ الزكاة ب/ النهي عن المسألة.
(2)
أخرجه ابن ماجه في المقدمة ب/ فضل العلماء والحث على طلب العلم، وانظره في صحيح الجامع 2/ 1079، وقد أخرج منه مسلم الجزء الأول إلى قوله: الجنة، ك/ الذكر والدعاء ب/ فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر والتوبة والاستغفار.