الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[9] الحاجز بين النهر والبحر (منطقة المصب) :
شاهد الإنسان منذ القديم النهر يصب في البحر، ولاحظ أن ماء النهر يفقد بالتدريج- لونه المميز، وطعمه الخاص كلما تعمق في البحر، ففهم من هذه المشاهدة أن النهر يمتزج بالتدريج بماء البحر، ولولا ذلك لكان النهر بحرا عذبا يتسع كل يوم حتى يطغى على البحر.
ومع تقدم العلم وانطلاقه لاكتشاف أسرار الكون أخذ يبحث عن كيفية اللقاء بين البحر والنهر، ودرس عينات من الماء حيث يلتقي النهر بالبحر، ودرس درجات الملوحة والعذوبة بأجهزة دقيقة، وقاس درجات الحرارة، وحدد مقادير الكثافة، وجمع عينات من الكائنات الحية وقام بتصنيفها، وحدد أماكن وجودها، ودرس قابليتها للعيش في البيئات النهرية والبحرية.
وبعد مسح لعدد كبير من مناطق اللقاء بين الأنهار والبحار اتضحت للعلماء بعض الأسرار التي كانت محجوبة عن الأنظار، واكتشف الباحثون أن المياه تنقسم إلى ثلاثة أنواع:
(1)
مياه الأنهار وهي شديدة العذوبة.
(2)
مياه البحار وهي شديدة الملوحة.
(3)
مياه في منطقة المصب وهي مزيج من الملوحة والعذوبة، كما أنها منطقة فاصلة بين النهر والبحر وتتحرك بينهما بحسب مد البحر وجزره، وفيضان النهر وجفافه، وتزداد الملوحة فيها كلما قربت من البحر، كما تزداد درجة العذوبة كلما قربت من النهر.
ويوجد برزخ مائي يحيط بمنطقة المصب ويحافظ على هذه المنطقة بخصائصها المميزة لها حتى ولو كان النهر يصب إلى البحر من مكان مرتفع في صورة شلال.
ولا يحدث لقاء مباشر بين ماء النهر وماء البحر في منطقة المصب بالرغم من حركة المد والجزر وحالات الفيضان والانحسار التي تعتبر من أقوى عوامل المزج؛ لأن البرزخ المحيط بمنطقة المصب يفصل بينهما على الدوام.
إلا أن ماء النهر يمتزج بماء البحر بصورة بطيئة من خلال المنطقة الفاصلة من مياه المصب، والبرزخ المائي الذي يحيط بها.
وتختلف الكتل المائية الثلاث (ماء النهر، ماء البحر، وماء المصب) في الملوحة والعذوبة، وقد شاهد الباحثون الذين قاموا بتصنيف الكائنات الحية الموجودة فيها ما يلي:
(أ) معظم الكائنات التي تعيش في البحر أو النهر أو المصب لا تستطيع أن تعيش في غير بيئتها وتموت إذا خرجت منها.
إلا أن بعض الأنواع القليلة مثل سمك السلمون، وثعابين البحر تستطيع أن تعيش في البيئات الثلاث، ولها قدرة على أن تتكيف مع كل بيئة «1» .
(ب) وبتصنيف البيئات الثلاث باعتبار الكائنات التي تعيش فيها تعتبر منطقة المصب منطقة حجر على معظم الكائنات الحية التي تعيش فيها؛ لأن هذه الكائنات لا تستطيع أن تعيش إلا في نفس الوسط المائي المتناسب في ملوحته وعذوبته مع درجة الضغط الاسموزي في تلك الكائنات، وتموت إذا خرجت من المنطقة المناسبة لها، وهي منطقة المصب.
(1) فعديدات الأشواك (فيفينس) ومعديّات الأرجل (لبتورينا، نيريتا) والسركانات توجد في المصبات ولكنها يمكن أن تعيش في المناطق البحرية عند مناسبة الظروف البيئية، أما (النيريس) وهي من عديدات الأشواك، ومعديّات الأرجل (نيريتينا، هيدروبيا) والقشريات (سيانثورا) فتعتبر حيوانات لمنطقة المصب ولا توجد في البحر، ومعظم كائنات البيئات الثلاث تموت إذا خرجت من بيئتها الخاصة بها.
ومنطقة المصب في نفس الوقت منطقة محجورة على معظم الكائنات الحية التي تعيش في البحر أو النهر؛ لأن هذه الكائنات تموت إذا دخلتها بسبب اختلاف الضغط الاسموزي أيضا.
صورة بالأقمار الصناعية لمنطقة المصب (الحاجز بين النهر والبحر)
وقد جعل الله هذا النظام المائي البديع لحفظ الكتل المائية الملتقية من أن يفسد بعضها خصائص البعض الآخر، ليبقى ذلك الاختلاف في الخصائص رحمة للناس بالحفاظ على عذوبة مياه الأنهار ومناسبا لحياة سائر الكائنات. التي تعيش في الماء وإذا كانت العين المجردة لا تستطيع أن ترى هذا الحاجز الذي يحفظ الله تعالى به منطقة المصب، فإن الأقمار الصناعية اليوم قد زودتنا بصورة باهرة، تبين لنا حدود هذه الكتل المائية الثلاث، التي تزداد وضوحا كلما ازداد الفارق في حرارة الماء وما يحمله من مواد.
وبالرغم من أن الماء العذب يمتزج مع ماء البحر فإن هناك حدودا على طرفي منطقة الامتزاج المحدودة، التي تفرض قيودا على ما يدخلها أو يخرج منها. وهذا الوصف ينطبق تماما على نظام المصب ولقد وصف القرآن الكريم منطقة اللقاء بين صورة بالأقمار الصناعية لمصبات عدة أنها
الكتل المائية الثلاث بأدق وصف وأدل لفظ وأوجز عبارة تضمنت تحديد العلاقة بين الكتل المائية الثلاث وكائناتها الحية التي تعيش فيها.
قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً (53)[الفرقان: 53] .