الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معجزة وصف الجنين بعد الليلة الثانية والأربعين
يحاط الجنين وهو في بطن أمه بظلمات جدر ثلاثة هي: جدار بطن الأم، وجدار الرحم، وجدار المشيمة، ويختفي الجنين عن أعين الناس، داخل تلك الجدر والظلمات، ولقد حاول الإنسان أن يعرف أسرار خلق الجنين فتخبط في أوهام كثيرة.
توهم الناس أن الجنين يخلق من دم الحيض، وساد هذا الوهم- الذي تخيله ارسطو- على أفكار البشر طوال ألفي عام، يقول البروفيسور كيث إل. مور «1» :
" ويعد كثير من علماء الأجنة أرسطوطاليس" مؤسس علم الأجنة على الرغم من حقيقة كونه روج فكرة: أن الجنين يتطور من كتلة عديمة الشكل تنتج عن اتحاد المني بدم الحيض".
ويقول البروفيسور: ج. س. جورنجر- في بحث ألقي في عدد من المؤتمرات الدولية- عن الوهم الذي تخيله أرسطوطاليس: " ولم يرتفع هذا الوهم إلا بعد" إعلان كل من (هام) و (فان لوفينهوك) اكتشاف الحوين المنوي البشري عام 1701 م» «2» .
وتوهم الباحثون أن الإنسان يخلق خلقا تاما منذ بداية تكوينه؛ لأن جميع ما يشاهده الناس- لجميع الكائنات الحية- من صور للنمو لا يكون إلا بزيادة حجم الكائن الصغير. وقد عبر علماء أوروبا عن هذه الفكرة في بداية عصر
(1) كيث ال. مور هو من أشهر علماء عصرنا في مجال علم الأجنة، وكتابه مترجم إلى سبع لغات غير الإنجليزية، منها: الروسية، والصينية، واليابانية، والألمانية.
(2)
نظرة تاريخية في علم الأجنة للبروفسور ج. س. جورنجر جامعة جورج تاون واشنطن العاصمة كتاب: علم الأجنة.
النهضة بشكل نشر قرابة عام 1672 م. والذي علق عليه البروفسور ج. س.
جورنجر بقوله: " ونشرت في الوقت ذاته (أي عام 1672 م) تقريبا مجموعة أخرى من الرسومات تظهر تخلق الجنين البشري الشكل (1- 6) وتعبر كلها عن رسم واحد، ولكن بقياس مختلف (ولم يشر إلى ذلك ناشرو ومحكمو الجمعية الملكية للفلسفة عندئذ) فقد كانوا يعتقدون إلى هذا الوقت أن التخلق الإنساني ليس إلا زيادة في الحجم لصورة واحدة تتسع أبعادها بمرور وقت الحمل، لسيطرة فكرة الخلق التام للإنسان من أول مرحلة على أذهان العلماء"«1» .
وحتى بعد اكتشاف المجهر (الميكروسكوب)، بقي وهم الخلق التام للإنسان من بداية تكوينه مسيطرا على أفكار علماء النهضة الأوروبية. يقول جورنجر وغيره «2» : " والرسم الذي قدمه هارت سوكر للحوين المنوي عام 1694 م. بعد اكتشاف الميكروسكوب (المجهر) بفترة يدل على أن المجهر يومئذ لم يكن كافيا
(1) بروفيسور جورنجر وغيره كتاب: علم الأجنة في ضوء القرآن والسنة ص 14.
(2)
زنداني- مصطفى.
لبيان تفاصيل تكوين الحوين المنوي، فأكملت الصورة من خيال العلماء، وعبروا مرة ثانية عن الفكرة السائدة عندهم وهي (أن الإنسان يكون مخلوقا خلقا تاما في الحوين المنوي في صورة قزم)«1» .
وأضافوا إلى هذا الوهم وهما آخر هو: أن الإنسان يخلق من ماء الرجل فقط (المنوي) ولا دور للمرأة في الجنين إلا كدور الأرض الزراعية في إنبات البذور.
وحتى بعد اكتشاف البيضة عند المرأة بقيت فكرة الخلق التام مسيطرة على عقولهم؛ بالرغم من أن علماء النهضة الأوروبية غيروا رأيهم عن دور الرجل في الإنجاب، فزعموا أن الإنسان يخلق خلقا تاما في البييضة في صورة قزم أيضا، ثم ينمو بزيادة الحجم فقط، دون أي تغيير في الصورة التي بدأت من بداية خلق البييضة، وقرروا أن لا دور للرجل في تكوين الجنين إلا كدور المنبه الذي يستحث النمو.
يقول البروفيسور جورنجر" وبينما كان فريق من العلماء يرى أن الإنسان يخلق خلقا تاما في بييضة المرأة؛ كان فريق آخر يقرر أن الإنسان يخلق خلقا تاما
(1) المصدر السابق ص 20، 21.
مي الحوين المنوي.
ولم ينته الجدل بين الفريقين إلا حوالي عام (1775 م) ؛ عند ما أثبت سبالانزاني أهمية كل من الحوين المنوي والبييضة مي عملية التخلق البشري.
بينما نجد مي القرآن الكريم والسّنّة النبوية أن هذه القضايا قد حسمت، بأن عملية التخلق مشتركة بين الذكر والأنثى. ومما جاء مي ذلك قوله تعالى:
يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى [الحجرات: 13]«1» .
ثم يقول البروفيسور جورنجر عن علماء النهضة الأوروبية في ذلك الوقت:
" إنهم لم يعرموا بعد: أن خلق الإنسان مي رحم أمه يمر بأطوار مختلفة الخلق، والصورة؛ وهي الحقيقة التي قررت مي القرآن الكريم، والسّنّة قبل ذلك بقرون.
مالقرآن الكريم يقرر: أن خلق الإنسان ينتقل طورا بعد طور مي بطن أمه مي مثل قوله تعالى: يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ.
[الزمر: 6]«2» .
هذان الشكلان اللذين عبر بهما علماء أوروبا عن سيطرة فكرة الخلق التام عليهم في القرن السابع عشر والثامن عشر
(1) المصدر السابق ص 21.
(2)
نفس المصدر ص 21.