الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آيات العتاب له صلى الله عليه وآله وسلم:
ولو كان لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم تصرف في القرآن لحجب آيات العتاب الإلهي له في بعض اجتهاداته صلى الله عليه وسلم.
ومن أمثلة هذا العتاب: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أذن لبعض الناس في التخلف عن الجهاد نظرا لما أبدوه من أعذار، فعاتبه الله سبحانه على ذلك مبينا له أن بعض الذين استأذنوه كانوا غير صادقين، فلم يكن ينبغي أن يأذن لهم. قال تعالى: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ (43)[التوبة: 43] .
وقد عاتبه- سبحانه- عند قبوله الفداء في أسارى بدر مبينا له أنه ما كان ينبغي له قبول الفداء منهم والإسلام مازال في حالة ضعف. قال سبحانه ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67)[الأنفال: 67] ، وعاتبه ربه سبحانه عند إعراضه عن عبد الله بن أمّ مكتوم الأعمى لما جاءه ليتعلم منه، لكونه منشغلا بدعوة بعض رؤساء قريش، قال سبحانه عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى (2) وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى (4) [عبس: 1- 4] .
وعاتبه ربه سبحانه عند تحريمه العسل على نفسه- كما مر معنا «1» - قال تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1)[التحريم: 1] .
ولو كان القرآن من كلام محمد صلى الله عليه وآله وسلم لما سجّل على نفسه هذا العتاب، يتلوه الناس بل ويتقربون إلى الله بتلاوته حتى يوم المآب.
(1) انظر موضوع الإخبار بالغيب في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
* الآيات التي تجرد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من نسبة الوحي إليه إذا قرأت القرآن وجدت فيه الآيات التي تجرد النبي صلى الله عليه وسلم من أن يكون له في القرآن مشاركة أو نصيب في تأليفه، بل يصفه القرآن بأنه كان قبل نزول القرآن لا يدري ما الكتاب ولا الإيمان، ويمتن عليه بأن الله آتاه الكتاب والحكمة، بل يذكر أنّه لم يكن له رجاء في نزول الوحي عليه.
قال تعالى: وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً
[النساء: 113] .
وقال سبحانه: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ [الشورى: 52] .
وقال سبحانه: وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ.
[القصص: 86]
فلو كان القرآن العظيم بما احتوى عليه من معجزات بهرت البشر من تأليف محمد صلى الله عليه وآله وسلم لما تنصّل من نسبته إليه، بل لكان أعظم مفخرة له أن ينسب إلى نفسه ما تفوّق به على جميع البشر ولكنه لم يفعل، بل تلا على الناس ما أنزله الله عليه من أنه لو قال شيئا من قبل نفسه ونسبه إلى الله سبحانه لعاقبه ربه- سبحانه- على ذلك أشد العقوبة. قال سبحانه: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (44) لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (47)[الحاقة: 44- 47] ، أي لو كان محمد- صلى الله عليه وآله وسلم مفتريا علينا كما يزعم الكافرون
…
لأخذنا منه بيمينه ثم لقطعنا منه العرق المتصل بالقلب (الوتين) ، ولا يستطيع أحد من البشر عندئذ
أن يدفع عنه «1» .
فليتأمل المنصف: أيسرّ أحدا أن يقول هذا عن نفسه في كتاب هو من تأليفه وإنشائه.
واقرأ إن شئت قوله تعالى قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (16)[يونس: 15- 16] .
والمعنى: إن هذا القرآن فوق طاقتي وليس من مقدوري وما أنا إلا ناقل له اتبع ما يوحى إليّ منه، وإني أخاف سطوة منزل هذا الكتاب إذا أنا تلاعبت بنصوصه أو غيّرت فيه، فالقرآن كلامه، ولو أراد ألا أكون رسولا بينه وبينكم ما تلوته عليكم ولم تتمكنوا من درايته وفهمه، فقد نشأت بينكم وعرفتم حالي حضرا وسفرا مدة أربعين سنة قبل نزوله- وهو عمر طويل- وأنتم تعلمون أني لم أكن أقرأ ولا أكتب ولا تعلمت من أحد مثله أو قريبا منه، بل أنا أمّي، لم تسمعوا مني مطلقا مثل هذا الكلام المعجز، ولم تجربوا عليّ كذبة واحدة في حياتي، فكيف أفتري على الله سبحانه وأكذب عليه بعد هذا العمر الطويل، أفلا تعقلون؟! «2» .
وصدق الله القائل: وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ (48)[العنكبوت: 48] .
(1) تفسير القرآن العظيم لابن كثير.
(2)
مناهل العرفان 2/ 432، وبدائع التفسير من كلام ابن القيم 2/ 395.