الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مثل أحد ذهبا ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه» «1» .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن الصحابة: "
…
كانوا خير هذه الأمة: أبرها قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، ونقل دينه، فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم فهم أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم وكانوا على الهدى المستقيم" «2» .
وقال عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه: " إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه وسلم فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه، فما رأى المسلمون حسنا فهو عند الله حسن، وما رأوا سيئا فهو عند الله سيئ"«3» .
(ب) شهادة الأمة بعدالة الصحابة رضي الله عنهم:
قال الإمام محمد بن إدريس الشافعي رحمة الله عليه:
" وقد أثنى الله- تبارك وتعالى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في القرآن والتوراة والإنجيل «4» ، وسبق لهم على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الفضل ما ليس لأحد بعدهم، فرحمهم الله وهنّأهم بما آتاهم
(1) أخرجه البخاري ك/ فضائل الصحابة ب/ قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لو كنت متخذا خليلا، ومسلم ك/ فضائل الصحابة ب/ تحريم سب الصحابة رضي الله عنهم.
(2)
حلية الأولياء (1/ 305- 306) بواسطة اعتقاد أهل السنة في الصحابة الكرام 1/ 98 ط 200، مكتبة الرشد، 1415 هـ- 1995 م.
(3)
أخرجه أحمد في المسند وإسناده حسن كما في تحقيق المسند 6/ 84.
(4)
يعني بذلك قوله تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (29)[الفتح: 29] .
من ذلك ببلوغ أعلى منازل الصديقين والشهداء والصالحين، أدّوا إلينا سنن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عامّا وخاصا وعزما وإرشادا، وعرفوا من سننه ما عرفنا وجهلنا، وهم فوقنا في كل علم واجتهاد وورع وعقل وأمر «1» .
وقال ابن أبي حاتم رحمه الله تعالى:
فأما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهم الذين شهدوا الوحي والتنزيل وعرفوا التفسير والتأويل، وهم الذين اختارهم الله- عز وجل لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونصرته وإقامة دينه وإظهار حقه، فرضيهم له صحابة، وجعلهم لنا أعلاما وقدوة، فحفظوا عنه صلى الله عليه وآله وسلم ما بلغهم عن الله- عز وجل وما سنّ وشرع وحكم وقضى وندب وأمر ونهى وحظر، ووعوه وأتقنوه، ففقهوا في الدين، وعلموا أمر الله ونهيه ومراده، بمعاينة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومشاهدتهم منه تفسير الكتاب وتأويله، وتلقفهم منه واستنباطهم عنه، فشرفهم الله- عز وجل بما منّ عليهم وأكرمهم به من وضعه إياهم موضع القدوة فنفى عنهم الشكّ والكذب والغلط والرّيبة والغمز، وسمّاهم عدول الأمة، فقال- عز وجل في محكم كتابه: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ [البقرة: 143] .
ففسر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الله- عز ذكره- قوله: وَسَطاً قال: " عدلا"«2» فكانوا عدول الأمة وأئمة الهدى وحجج الدين ونقلة الكتاب والسّنّة، وندب الله- عز وجل إلى التمسك بهديهم والجري على منهاجهم، والسلوك لسبيلهم، والاقتداء بهم، فقال: وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ
(1) مناقب الشافعي للبيهقي 1/ 442- 443، أعلام الموقعين 1/ 80 بواسطة اعتقاد أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام/ لناصر الشيخ 1/ 104.
(2)
أخرجه البخاري ك/ الاعتصام بالسنة ب/ قوله تعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً، والترمذي ك/ تفسير القرآن ب/ ومن سورة البقرة.
لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (115)[النساء: 115] ووجدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد حضّ على التبليغ في أخبار كثيرة، ووجدناه يخاطب أصحابه فيها منها: أن دعا لهم فقال: «نضّر الله امرأ سمع مقالتي فحفظها فوعاها وحفظها وبلّغها فربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه» «1» وقال صلى الله عليه وآله وسلم في خطبته: «فليبلّغ الشّاهد منكم الغائب» . «2» وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «بلّغوا عنّي ولو آية
…
» . «3» .
ثم تفرقت الصحابة رضي الله عنهم في النواحي والأمصار والثغور وفي فتوح البلدان والمغازي والإمارة والقضاء والأحكام، فبثّ كل واحد منهم في ناحيته وبالبلد الذي هو به ما وعاه وحفظه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحكموا بحكم الله- عز وجل وأمضوا الأمور على ما سنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأفتوا فيما سئلوا عنه مما حضرهم من جواب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن نظائرها من المسائل، وجرّدوا أنفسهم- مع تقدمة حسن النية والقربة إلى الله تقّدس اسمه- لتعليم الناس الفرائض والأحكام والسنن والحلال والحرام حتى قبضهم الله- عز وجل رضوان الله ومغفرته ورحمته عليهم أجمعين" «4» .
(1) أخرجه الترمذي ك/ العلم ب/ ما جاء في الحث على تبليغ السماع واللفظ له، وأبو داود ك/ العلم ب/ فضل نشر العلم، وابن ماجة في المقدمة ب/ من بلغ علما وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في المقدمة ب/ الاقتداء بالعلماء، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/ 337- 338.
(2)
أخرجه البخاري ك/ الحج ب/ الخطبة أيام منى، ومسلم ك/ القسامة والمحاربين والقصاص والديات ب/ تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال.
(3)
أخرجه البخاري ك/ أحاديث الأنبياء ب/ ما ذكر عن بني إسرائيل، والترمذي ك/ العلم ب/ ما جاء في الحديث عن بني إسرائيل، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة مسند عبد الله بن عمرو ابن العاص.
(4)
مقدمة كتاب الجرح والتعديل 1/ 7- 8 بتصرف يسير.