الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منهم من خلّص، ومنهم من مات فِي الأسر [1] .
[رواية ابن واصل]
وقَالَ ابن واصل [2] : جمع قُطْب الدّين صاحب قونية العساكر والتقاهم فكسروه كسرة عظيمة، وهجموا قونية بالسّيف، وقتلوا منها عالما عظيما.
ووصل إلى السّلطان مناصحة من ملك الأرمن صاحب قلعة الروم: «كتاب المخلص الدّاعي الكاغيكوس [3] » أنّ ملك الألمان خرج من دياره، ودخل بلاد الهنكْر، ثُمَّ أرض مقدّم الروم، فقهره وأخذ رهائنه وولده وأخاه في جماعة، وأخذ منه أموالا عظيمة إلى الغاية.
وسار ملك الألمان حَتَّى أتى بلاد الأرمن، فأمدَّهم صاحبها بالأقوات وخضع لهم، ثُمَّ ساروا نحو أنطاكية فنزل ملكهم يغتسل فِي نهر هناك، فغرق فِي مكانٍ منه لا يبلغ الماء وسط الرجل، وكفى اللَّه شرّه [4] .
وقيل: بل غرق فِي مخاضةٍ، أَخَذَ فرسه التّيّار. وقيل: بل سبح فمرض أيّاما ومات [5] .
وسار فِي المُلْك بعده ولده، وسار إلى أنطاكية فاختلف أصحابه عليه، وأحبّ بعضهم العَوْد إلى بلاده، ومال بعضهم إلى تملُّك أخ لَهُ فرجعوا، فسار من ثبت معه فوصلوا إلى أنطاكية، فكانوا نيّفا وأربعين ألفا، فوقع فيهم الوباء وتبرَّم بهم صاحب أنطاكية، وحسَّن لهم المسير إلى الفِرَنج الّذين عَلَى عكّا، فساروا عَلَى جَبَلَة واللّاذقيَّة، وتخطّف المسلمون منهم فبلغوا طرابُلُس، وأقاموا بها أيّاما، فكثُر فيهم الموت، ولم يبق منهم إلّا نحو ألف رجل،
[1] الكامل 12/ 48، 49.
[2]
في مفرّج الكروب 2/ 320، وعنه نقل ابن الفرات في تاريخه.
[3]
هكذا في الأصل، ومثله في النوادر السلطانية 124، وفي مفرّج الكروب «الكاغيلوس» باللام، ومثله في تاريخ ابن الفرات، مجلّد 4 ج 1/ 216.
[4]
الكامل 12/ 49، مشارع الأشواق 2/ 941.
[5]
تاريخ ابن الفرات 4/ 1/ 216.
وركبوا فِي البحر إلى الفِرَنج الّذين عَلَى عكّا، فَلَمَّا وصلوا ورأوا ما نالهم وما هُمْ فِيهِ منَ الاختلاف عادوا إلى بلادهم، فغرق بهم المراكب، ولم ينج منهم أحدٌ. وردّ اللَّه كَيْدهم فِي نحرهم [1] .
قَالَ ابن واصل [2] : ورد كتاب الملك الظّاهر من حلب إلى والده يخبره أَنَّهُ قَدْ صحَّ أنّ ملك الألمان قَدْ خرج من جهة القُسْطَنْطِينيَّة فِي عدةٍ عظيمة، قِيلَ إنّهم مائتا ألف وستّون ألفا تريد الْإِسْلَام والبلاد.
قُلْتُ: كَانَ هلاك هَذِهِ الأمّة منَ الآيات العظيمة المشهورة. وكان الحامل لخروجهم من أقصى البحار أخْذُ بيت المَقْدِس من أيديهم.
قَالَ ابن واصل [3] : وصل إلى السّلطان كتاب كاغيكوس الأرمنيّ صاحب قلعة الروم، وَهُوَ للأرمن كالخليفة عندنا.
نسخة الكتاب: «كتاب الدّاعي المخلص الكاغيكوس: فَمَا أطالع بِهِ مولانا [4] ومالكنا السّلطان الملك النّاصر، جامع كلمة الْإِيمَان، رافع عَلَم العدل والإحسان، صلاح الدّين والدّنيا [5] ، من أمر ملك الألمان، وما جرى لَهُ، فَإنَّهُ خرج من دياره، ودخل بلاد الهنْكر [6] غصْبًا ثُمَّ دخل أرض مقدَّم الروم، وفتح البلاد ونهبها، وأخذ رهائن ملكها، ولَدَه وأخاه، وأربعين نَفَرًا من جُلَسائه [7] ، وأخذ منه خمسين قنطارا ذهبا، وخمسين قنطارا فضّة، وثياب أطلس [8] مبلغا عظيما، واغتصب المراكب، وعدَّى بها إلى هَذَا الجانب، يعني فِي خليج قسطنطينيّة.
[1] الكامل 12/ 49، 50، تاريخ الزمان 218، تاريخ طرابلس السياسي والحضاريّ (تأليفنا) 1/ 541، مشارع الأشواق 2/ 941.
[2]
في مفرّج الكروب 2/ 317.
[3]
في مفرّج الكروب 2/ 320.
[4]
في تاريخ ابن الفرات 4/ 1/ 216 «مما أطالع به علوم مولانا» .
[5]
في تاريخ ابن الفرات 4/ 1/ 217 «صلاح الدين والدين» .
[6]
الهنكر هم: الهنغاريّون، أو المجريّون.
[7]
في تاريخ ابن الفرات: «خلصائه» .
[8]
في تاريخ ابن الفرات: «ثياب طلس» .
قَالَ: ودخل إلى حدود بلاد قَلِج أرسلان، وردّ الرهائن، وبقي سائرا ثلاثة أيّام، وتُرْكمان الأوج يَلْقوْنه بالأغنام والأبقار والخيل والبضائع، فتداخَلَهم الطَّمع وتجمَّعوا لَهُ من جميع البلاد، ووقع القتال بَيْنَ التُّرْكمان وبينهم، وضايقوه ثلاثة وثلاثين يوما وَهُوَ سائر. ولمّا قرب من قونية جمع ابن قَلِج أرسلان العساكر، فضرب معه المصافّ، فكسره ملك الألمان كسرة عظيمة، وسار حَتَّى أشرف عَلَى قونية، فخرج إِلَيْهِ جموع عظيمة، فردّهم مكسورين، وهجم قونية بالسّيف، وَقُتِلَ منهم عالما عظيما منَ المسلمين، وأقام بها خمسة أيّام، فطلب قَلِج أرسلان منه الأمان فآمنه، وأخذ منه رهائن عشرين من أكابر دولته، وأشار عَلَى الملك أن يمرّوا عَلَى طَرَطُوس [1] ففعل.
وقبل وصوله بعث إليَّ رسولا، فأنفذ المملوك خاتما، وصُحْبته ما سَأَلَ، وجماعة إِلَيْهِ، فكثُرت عليه العساكر ونزل عَلَى نهرٍ فأكل خُبزًا ونام، ثُمَّ تاقت نفسه إلى الاستحمام ففعل، وتحرَّك عليه مرضٌ عظيم ومات بعد أيّام قلائل.
وأمّا لافون فسار لتلقّيه، فَلَمَّا علم بهذا احتمى بحصنٍ لَهُ. وأمّا ابن ملك الألمان فكان أَبُوهُ منذ خرج نَصَب ولده هَذَا عِوَضه، وتأصّرت [2] قواعده، فَلَمَّا بلغه هرب رُسُل لافون نفّذ يستعطفهم فأحضرهم وقَالَ: إنّ أَبِي كَانَ شيخا كبيرا، وإنّما قصد هذه الدّيار لأجل حجّ بيت المقدس وأنا الّذي دبّرت الملك، فَمَنْ أطاعني وإلّا قصدت بلاده. واستعطف لافون، واقتضى الحال الاجتماع بِهِ ضرورة. وبالجملة قَدْ عرض عسكره، فكانوا اثنين وأربعين ألف فارس، وأمّا الرّجّالة فلا يُحْصَوْن، وهم أجناس متفاوتة، وهم عَلَى سياسةٍ عظيمة، حَتَّى إنّ من جنى منهم جناية قُتِلَ. ولقد جنى كبير منهم عَلَى غلامه فجاوز الحدَّ فِي ضرْبه، فاجتمعت القسوس للحكم فأمروا بذبحه، فشفع إلى الملك منهم خلْقٌ، فلم يلتفت إلى ذَلِكَ وذبحه. وَقَدْ حرّموا الملاذّ
[1] هكذا في الأصل، والمراد:«طرسوس» .
[2]
في تاريخ ابن الفرات 4/ 1/ 218 «تأكّدت» .
عَلَى أنفسهم، ولم يلبسوا إلّا الحديد، وهم منَ الصّبر عَلَى الذُّل والتَّعَب والشّقاء عَلَى حالٍ عظيم» [1] . انتهى الكتاب.
فَلَمَّا هلك ملكهم سار بهم ولده إلى أنطاكية، وعمَّهم المرض، وصار مُعظمهم حَمَلة عِصِي ورُكاب حِمْيَر. فتبرَّم بهم صاحب أنطاكية، وحسَّن لهم قصْدَ حلب، فأبوا وطلبوا قلعته ليُودِعوا فيها الخزائن، فأخلاها لهم، ففاز بما وضعوه بها وجاءت فرقة منَ الألمانية إلى بغْراس، وظنّوا أنّها للنَّصارى، ففتح واليها الباب، وخرج أصحابه فتسلّموا صناديق أموال، وقتلوا كثيرا منهُم. ثُمَّ خرج جُنْد حلب وتلقطوهم. وكان الواحد يأسر جماعة، فهانوا فِي النّفوس بعد الهيبة والرعب منهم، وبيعوا فِي الأسواق بأبخس ثمن [2] .
قَالَ ابن شدّاد [3] : مرض ابن ملك الألمان مرضا عظيما فِي بلاد ابن لاون [4] ، وأقام معه خمسة وعشرون فارسا وأربعون داويا، ونفّذ عسكره نحو أنطاكية، حَتَّى يقطعوا الطّريق، ورتّبهم ثلاث فرق لكثْرتهم. فاجتازت فرقة تحت بغراس، فأخذ عسكر بغراس مَعَ قلّته مائتي رجلٍ منهم. وسار بعض عسكر البلاد فكشف أخبارهم، فوقعوا عَلَى فِرْقة منهم، فقتلوا وأسروا زهاء خمسمائة [5] .
وقَالَ ابن شدّاد [6] : حضرت من يخبر السّلطان عَنْهُمْ ويَقُولُ: هُمْ ضعفاء قليلو الخيل والعدّة، أكثر ثقلهم عَلَى حِمْيَر وخيلٍ ضعيفة، ولم أر مَعَ كُثير منهم طارقة [7] ولا رُمْحًا، فسألتهم عَنْ ذَلِكَ فقالوا: أقمنا بمرج وخم أيّاما، وقلّت أزوادنا وأحطابنا، فأوقدنا معظم عُدَدنا، وذبحنا الخيل وأكلناها.
[1] النوادر السلطانية 124، 125، مفرّج الكروب 2/ 320، 321، تاريخ ابن الفرات 4/ 1/ 216- 219.
[2]
المصادر نفسها.
[3]
في النوادر السلطانية 125.
[4]
هكذا في الأصل، وهو «ابن لافون» كما في المصادر.
[5]
تاريخ ابن الفرات 4/ 1/ 219، 220.
[6]
في النوادر السلطانية 127.
[7]
طارقة، جمعها طوارق، وهي نوع من الرماح الثقيلة.
ومات الكُنْد [1] الَّذِي عَلَى الفِرقة الواحدة، وطمع ابن لاون [2] حَتَّى عزم عَلَى أخذ مال الملك لضعفه ومرضه، وقلّة من أقام معه، فشاور السّلطان الأمراء، فوقع الاتّفاق عَلَى تسيير بعض العساكر إلى طريقهم. فكان أوّل من سار الملك المنصور مُحَمَّد بْن المظفّر، ثُمَّ عزّ الدّين ابن المقدّم صاحب بَعْرين وفامية، ثُمَّ الأمجد صاحب بِعْلَبَكّ، ثُمَّ سابق الدّين عثمان ابن الدّاية صاحب شَيْزَر، ثُمَّ عسكر حماه. ثُمَّ سار الملك الظّاهر إلى حِفْظ حلب، فخفّت الميمنة، فانتقل إليها الملك العادل، ووقع فِي العسكر مرضٌ كثير، وكذلك فِي العدوّ.
وتقدَّم السّلطان يهدم سور طبريَّة، ويافا، وأرسُوف، وقَيْساريَّة، وصيدا، وجُبَيل، وانتقل أهلها إلى بيروت [3] .
وَفِي رجب سار ملك الألمانيّين من أنطاكية إلى اللّاذقيَّة ثُمَّ إلى طرابُلُس، وكان قَدْ سار إِلَيْهِ المركيس صاحب صور، فقوّى قلبه، وسلك بِهِ السّاحل، فكانت عدّة من معه لمّا وصل إلى طرابُلُس خمسة آلاف [4] بعد ذَلِكَ الجيش العظيم. ثُمَّ إنَّه نزل منَ البحر، وسار معظم أصحابه فِي السّاحل، فثارت عليه ريح، فأهلكت من أصحابه ثلاثة مراكب، فوصل إلى عكّا فِي جَمْع قليل فِي رمضان، فلم يظهر لَهُ وقْع، ثُمَّ هلك عَلَى عكّا فِي ثاني عشر ذِي الحجّة سنة ستّ وثمانين، فسبحان من أبادهم ومحقهم.
[1] تعريب للفظ: «الكونت» أي الأمير.
[2]
هكذا في الأصل، وهو «ابن لافون» .
[3]
تاريخ ابن الفرات 4/ 1/ 220- 222.
[4]
قيل إنهم كانوا في طريقهم قبيل طرابلس 15 ألفا. (الفتح القسّي 424) ، وقيل في موضع آخر منه إنهم كانوا 42 ألفا عند طرطوس، وعند ما وصلوا إلى طرابلس نقص نصفهم.
(393 و 396) ، وقيل في نحو ألفي فارس. (زبدة الحلب 3/ 115) وقيل في نفر يسير.
(مرآة الزمان ج 8 ق 1/ 403، البداية والنهاية 12/ 341) والمثبت عن ابن الفرات