الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجهاد. وبرز فِي أوّل السّنة، ونزل عَلَى أرض بُصْرَى مرتقبا [1] مجيء الحاجّ ليخفِرَهم منَ الفِرَنج. وسار إلى الكَرَك والشَّوْبَك، فأحرق ضياعهما، وأقام هناك شهرين.
[الإغارة عَلَى طبريَّة]
واجتمعت الجيوش برأس الماء عِنْد ولده الأفضل، فجهَّز بعثا فأغاروا عَلَى طبريَّة.
[هزيمة الفِرَنج بصفُّوريَّة]
وقدِم منَ الشّرق مظفَّر الدّين صاحب إربِل بالعساكر، وقدِم بدر الدّين ولدرم عَلَى عسكر حلب، وقايماز النَّجْميّ عَلَى عسكر دمشق، فساروا مُدْلجين حَتَّى صَبَّحوا صَفُّورِيَّة، فخرجت الفِرَنج فنصر الله المسلمين، وَقُتِلَ منَ الفِرَنج خلقٌ منَ الإسْبِتار، وأسروا خلْقًا [2] .
[موقعة حِطّين]
وأسرع السّلطان حَتَّى نزل بعشترا، وعرض العساكر وأنفق فيهم، وسار بهم وقد ملئوا الفضاء فنزل الأُرْدُنّ، ونزل مُعظم العساكر. وسار إلى طبريَّة فأخذها عَنْوةً، فتأهَّبت الفِرَنج وحشدوا، وجاءوا من كُلّ فجّ وأقبلوا، فرتَّب عساكره فِي مقابلهم وصابَحَهم وبايتهم.
وكان المسلمون اثني عشر ألف فارس وخلْقٍ منَ الرجَّالة. وقيل كَانَ الفِرَنج ثمانين ألفا ما بَيْنَ فارسٍ وراجل. والتجئوا إلى جبل حِطّين، فأحاط المسلمون بهم من كُلّ جانب، فهرب القومُّص لَعَنَه اللَّه، ووقع القتال، فكانت
[1] في الأصل: «مرتقب» .
[2]
النوادر السلطانية 74، الكامل في التاريخ 11/ 529، 530، تاريخ الزمان 207، تاريخ مختصر الدول 220، زبدة الحلب 3/ 91، الفتح القسي 59، المختصر في أخبار البشر 3/ 71، دول الإسلام 2/ 93، تاريخ ابن الوردي 2/ 96، البداية والنهاية 12/ 320، تاريخ ابن خلدون 5/ 305، السلوك ج 1 ق 1/ 92، شفاء القلوب 119، تاريخ ابن سباط 174، 175.
الدّائرة عَلَى الفِرَنج، وأسِر خلْقٌ منهم الملك كي، وأخوه جفْري، وصاحب جُبَيْل، وهنْفري بْن هَنْفري، والإبْرِنْس أرناط صاحب الكَرَك، وابن صاحب إسكندَرونة، وصاحب مَرَقيَّة [1] .
وما أحلى قول العماد الكاتب [2] : «فَمنْ شاهد القَتْلَى يومئذٍ قَالَ: ما هناك أسير، ومَن عايَنَ الأسرى قَالَ: ما هناك قتيل» .
قُلْتُ: ولا عَهْد للإسلام بالشّام بمثل هَذِهِ الوقعة من زمنَ الصّحابة.
فقتل السّلطانُ صاحبَ الكَرَك بيده لأنّه تكلَّم بما أغضب صلاح الدّين، فتنمّر وقام إِلَيْهِ طيَّر رأسه، فأُرْعِب الباقون.
وقَالَ ابن شدّاد [3] : بل كَانَ السّلطان نَذَر أن يقتله لأنّه سار ليملك الحجاز، وغَدَرَ وأخذ قَفْلا كبيرا، وَهُوَ الَّذِي كَانَ مقدَّم الفِرَنج نَوْبةَ الرملة لمّا كبسوا صلاح الدّين وكسروه سنة ثلاثٍ وسبعين.
وكان أرناط فارس الفِرَنج فِي زمانه، وَقَدْ وقع فِي أسْر الملك نور الدّين، وحبسه مدَّةً بقلعة حلب. فَلَمَّا مات نور الدّين وذهب ابنه إلى حلب وقصده صلاح الدّين غير مرَّةٍ ليأخذ حلب أطلق أرناط وجماعة من كبار الفرنج ليُعينوه عَلَى صلاح الدّين.
ثُمَّ قيَّد جميع الأسارى وحُمِلوا إلى الحصون، وأخذ السّلطان يومئذ منهم صليب الصّلبوت.
[1] انظر عن موقعة حطين في: الفتح القسّي في الفتح القدسي 61- 84، والنوادر السلطانية 75- 79، والكامل في التاريخ 11/ 534- 583، وتاريخ الزمان 208، 209، ومرآة الزمان 8/ 392، 393، وزبدة الحلب 3/ 92- 96، والمختصر في أخبار البشر 3/ 71، 72، وتاريخ ابن الوردي 2/ 96، ومرآة الجنان 3/ 424، والبداية والنهاية 12/ 320، ودول الإسلام 2/ 93، 94، وتاريخ ابن خلدون 5/ 305، 306، ومشارع الأشواق لابن النحاس 2/ 837، 934، 935، والسلوك ج 1 ق 1/ 93، وشفاء القلوب 119- 121، وتاريخ ابن سباط 1/ 176، 177.
[2]
في البرق الشامي.
[3]
في النوادر السلطانية.
وكانت وقعة حِطّين هَذِهِ فِي نصف ربيع الآخر، ولم ينْجُ فيها منَ الفِرَنج إلّا القليل، وهي من أعظم الفتح فِي الْإِسْلَام.
وقيل كَانَ للفرنج أربعين ألفا.
وأبيع فيها الأسير بدمشق بدينار فلله الحمد.
قَالَ أَبُو المظفَّر بْن الجوزيّ [1] : خيَّم السّلطان عَلَى ساحل البحيرة فِي اثني عشر ألفا منَ الفرُسان سوى الرّجّالة، وخرج الفِرَنج من عكّا، فلم يَدَعوا بها محتلِمًا. فنزلوا صَفُّوريَّة، وتقدَّم السّلطان إلى طبريَّة، فنصب عليها المجانيق، وافتتحها فِي ربيع الآخر، وتقدّمت الفِرَنج فنزلوا لوبية منَ الغد، وملك المسلمون عليهم الماء، وكان يوما حارّا. والتهب الغَوْر عليهم، وأضرم مظفَّر الدّين النّارَ فِي الزُّروع، وأحاط بهم المسلمون طول اللّيل، فَلَمَّا طلع الفجر قاتلوا إلى الظُّهْر، وصعدوا إلى تلّ حِطّين والنّار تُضْرَم حولهم، وساق القُومُّص عَلَى حَمِيَّة وحرق، وطلع إلى صَفد [2] ، وعملت السّيُوف فِي الفِرَنج، وانكسر [3] منَ الملوك جماعة، وجيء بصليب الصَّلَبُوت إلى السّلطان، وَهُوَ مرصَّع بالجواهر واليواقيت فِي غلافٍ من ذهب. فأُسِرَ ملكَ الفِرنج درباسُ الكُرديّ، وأسر إبرنس الكَرَك إِبْرَاهِيمُ غلام المهرانيّ.
قَالَ: واستدعاهم السّلطان، فجلس الملك عَنْ يمينه، ويليه إبْرنْس الكَرَك، فنظر السّلطان إلى الملك وَهُوَ يَلْهَث عَطَشًا، فأمر لَهُ بماءٍ وثَلْج، فشرب وسقى البِرِنْس، فَقَالَ السّلطان: ما أذنْتُ لك فِي سقْيه. والتفتَ إلى البِرِنس فَقَالَ: يا ملعون يا غدّار، حَلَفْت ونكثْت. وَجَعَل يعدّد عليه غَدْراته.
ثُمَّ قام إِلَيْهِ فضربه حلَّ كتفه، وتمَّمه المماليك، فطار عقل الملك، فأمّنه السّلطان وقَالَ: هَذَا كلب غدر غير مرّة.
[1] في مرآة الزمان 8/ 393.
[2]
في مرآة الزمان 8/ 393 «صفت» .
[3]
هكذا في الأصل. ولعلّ الصحيح «وأسر» .