المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[المشورة في أمر القدس] - تاريخ الإسلام - ت تدمري - جـ ٤١

[شمس الدين الذهبي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الحادي والأربعون (سنة 581- 590) ]

- ‌الطبقة التاسعة والخمسون

- ‌ذكر الوقائع الكائنة سنة إحدى وثمانين وخمسمائة

- ‌[وقوع البَرَد]

- ‌[تدريس النظامية]

- ‌[منع الوعّاظ]

- ‌[مولود بأذن واحدة]

- ‌[خطبة الملثّم للناصر لدين اللَّه]

- ‌[مسير السلطان إِلَى الموصل]

- ‌[منازلة صلاح الدين ميّافارقين]

- ‌[منازلة المَوْصِل]

- ‌[مرض السلطان]

- ‌[وفاة صاحب حمص]

- ‌[مصالحة أَهْل خلاط للبهلوان]

- ‌[فتنة التركمان والأكراد]

- ‌[استيلاء ابن غانية عَلَى بلاد إفريقية]

- ‌سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة

- ‌[اعتدال صحَّة السلطان]

- ‌[رواية المنجّمين عَنْ خراب العالم]

- ‌[فتنة عاشوراء]

- ‌[خِلاف الفرنج]

- ‌[غدْر أرناط صاحب الكَرَك]

- ‌[خروج طغتكين عَنْ طاعة صلاح الدين]

- ‌[مزاعم المنجّمين]

- ‌[عقد قران الخليفة الناصر]

- ‌[الفتنة بَيْنَ الرافضة والسُّنَّة]

- ‌[الفِتَن بأصبهان]

- ‌[إمرة الركْب العراقي]

- ‌كثرة الخُلْف بَيْنَ الأمم والطوائف]

- ‌[تصادم الطيور فِي الجوّ]

- ‌سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة

- ‌[اتفاقات الأوائل]

- ‌[نقابة النقباء]

- ‌[قتل مجد الدين ابن الصاحب]

- ‌[إحراق النقيب]

- ‌[نيابة الوزارة]

- ‌[وفاة ابن الدامغانيّ]

- ‌[هدم مملكة السلطان طغرل]

- ‌[الحرب بَيْنَ الركْب العراقي والركْب الشامي]

- ‌[وفاة ابن المقدَّم]

- ‌[إحراق ضياع الكرك والشوبك]

- ‌[الإغارة عَلَى طبريَّة]

- ‌[هزيمة الفِرَنج بصفُّوريَّة]

- ‌[موقعة حِطّين]

- ‌[رواية ابن الأثير]

- ‌[رواية ابن شدّاد]

- ‌[إنشاء العماد]

- ‌[تتابع الفتوحات]

- ‌[فتح تبنين وصيدا وبيروت وجبيل]

- ‌[فتح بيت المَقْدِس]

- ‌[تطهير قبة الصخرة والمسجد الأقصى]

- ‌[عمل منبر الأقصى]

- ‌[رواية سبط ابن الجوزي]

- ‌[فتح عسقلان]

- ‌[الصَّلاة فِي المسجد الأقصى]

- ‌[وقعة حِطّين يصفها العماد]

- ‌[حصار صور]

- ‌سنة أربع وثمانين وخمسمائة

- ‌[فتح بلاد الساحل الشمالية]

- ‌[فتح برزية ودربساك وبغراس]

- ‌[مهادنة صاحب أنطاكية]

- ‌[دخول السلطان حلب ودمشق]

- ‌[فتح تبنين والشوبك]

- ‌[فتح صفد]

- ‌[فتح حصن كوكب]

- ‌[تعبيد السلطان فِي القدس]

- ‌[رواية سبط ابن الجوزي]

- ‌[فتح صهيون]

- ‌[فتح الحصون الشمالية]

- ‌[مهادنة صاحب أنطاكية]

- ‌[رواية ابن الأثير عَنْ فتوحات الشمال]

- ‌[نيابة الوزارة]

- ‌[المصافّ بَيْنَ طغرل والوزير ابن يُونُس]

- ‌[رواية سبط ابن الجوزي عَنِ ابن يُونُس]

- ‌[العزل عَنْ نيابة الوزارة]

- ‌[وزارة بغداد]

- ‌[قضاء القضاة]

- ‌[ضعف تدبير الوزارة]

- ‌[ولاية الأستاذ دارية]

- ‌[ظهور الباطنية بالقاهرة]

- ‌[استرجاع السلطان عسقلان]

- ‌سنة خمس وثمانين وخمسمائة

- ‌[اعتذار شحنة أصبهان]

- ‌[الخطبة لوليّ العهد]

- ‌[ولاية ابن يُونُس المخزن]

- ‌[عزْل ابن حديدة]

- ‌[وصول صليب الصلبوت إلى باب النوبيّ]

- ‌[محاصرة قلعة الْحَدِيثة]

- ‌[تقليد نيابة الوزارة]

- ‌[مقتل زعيم قلعة تكريت]

- ‌[عزل صدر المخزن]

- ‌[وصول شباب منَ الفِرَنج]

- ‌[تسليم أرناط حصن الشقيف وغدره]

- ‌[مقتل الفِرَنج عِنْد صيدا وعكا]

- ‌[القتال عَلَى عكا]

- ‌[نيابة دمشق]

- ‌[رواية ابن الأثير عَنْ تحشّدات الفِرَنج]

- ‌[ذكر الوقعة الكبرى]

- ‌[محاصرة الفِرَنج عكا]

- ‌[ذكر وصول ملك الألمان إلى الشّام]

- ‌[رواية ابن واصل]

- ‌[استشهاد الأمير جمال الدين بن ألدكز]

- ‌سنة ست وثمانين وخمسمائة

- ‌[العفو عَنِ الملك طُغْرُل]

- ‌[ولادة ابنين وبنتين فِي بطن واحد]

- ‌[مقتل آلاف الفِرَنج أمام المصريين]

- ‌[موت ملك الألمان]

- ‌[دخول بُطْسة المسلمين عكا]

- ‌[خروج كمين المسلمين عَلَى الفِرَنج]

- ‌[اشتداد الغلاء عَلَى الفِرَنج]

- ‌[تبديل عسكر عكا]

- ‌[كسرة مراكب القوت عِنْد عكا]

- ‌سنة سبع وثمانين وخمسمائة

- ‌[استيلاء الفِرَنج عَلَى عكا]

- ‌[رواية ابن شدّاد]

- ‌[تحصين القدس]

- ‌[وقعة نهر القصب]

- ‌[هدم عسقلان وتخريب الرملة ولُدّ]

- ‌[إقطاع الدينور للماهكي]

- ‌[أستاذ داريّة الخلافة]

- ‌[السعي من تكريت إلى بغداد فِي يوم]

- ‌[جاثليق النَّصارى]

- ‌[خروج عسكر الخليفة إلى خوزستان]

- ‌[إحراق السَّهْرُوَرْديّ الساحر]

- ‌[تراجع الفِرَنج إلى الرملة]

- ‌[انتحار تاجر حلبي]

- ‌[حجّ طاشتكين]

- ‌[إمارة مكة]

- ‌سنة ثمان وثمانين وخمسمائة

- ‌[استتابة ابن عَبْد القادر]

- ‌[عزل قاضي القضاة]

- ‌[ترسُّل السَّهْرُوَرْديّ]

- ‌[حبْس أمير الحاج طاشتِكِين]

- ‌[بناء دار الخلافة]

- ‌[عمارة الفِرَنج عسقلان]

- ‌[قَتْلُ المركيس صاحب صور]

- ‌[تملُّك كندهري صور]

- ‌[انتهاب البصرة]

- ‌[انصباب البلاء عَلَى الفِرَنج]

- ‌[غزو الهند وقتل ملكها]

- ‌[كسرة المسلِمين]

- ‌[المشورة فِي أمر القدس]

- ‌[عمارة سور القدس]

- ‌[موت ابن المشطوب]

- ‌[أَخَذَ الفِرَنج للداروم]

- ‌[فتح يافا وقلعتها]

- ‌[الهدنة بَيْنَ السلطان والفِرَنج]

- ‌[امتناع جُند السلطان عن القتال]

- ‌[توثيق الهدنة]

- ‌[مقتل سلطان الروم]

- ‌سنة تسع وثمانين وخمسمائة

- ‌[قدوم ابن شملة عَلَى الخليفة]

- ‌[إمرة الحاجّ]

- ‌[إعادة ابن الْبُخَارِيّ للقضاء]

- ‌[مقتل بكتمر]

- ‌[مرض السلطان طُغْرُل]

- ‌[الخِلعة عَلَى قيماز]

- ‌[وفاة السلطان صلاح الدين]

- ‌[افتتاح مدرسة ببغداد]

- ‌[فتوحات أيبك]

- ‌[انقضاض كوكبين]

- ‌سنة تسعين وخمسمائة

- ‌[ولاية شحنكية بغداد]

- ‌[الحرب بَيْنَ ملك غزنة وسلطان الهند]

- ‌[مقتل السلطان طُغْرُل]

- ‌[التجاء خوارزم شاه إلى الجبال]

- ‌[ولاية الأستاذ دارية]

- ‌[قُتِلَ متولّي الحلَّة]

- ‌[وزارة ابن القصّاب]

- ‌[حبس ابن الجوزي]

- ‌[السلاطين الأيوبيّون وبلادهم]

- ‌[قصد الملك الْعَزِيز دمشق]

- ‌[استعادة الفِرَنج جُبَيل]

- ‌[الصلح بَيْنَ الأخوين الأفضل والعزيز]

- ‌[زواج الْعَزِيز منَ ابْنَة عمّه]

- ‌[دهاء الملك العادل]

- ‌[المصالحة بَيْنَ الأيوبيّين]

- ‌[الإفساد عَلَى الأفضل]

- ‌الموتى في هذه الطبقة

- ‌الموتى سنة إحدى وثمانين وخمسمائة

- ‌ حرف الألف

- ‌ حرف الباء

- ‌ حرف الثاء

- ‌ حرف الحاء

- ‌ حرف السين

- ‌ حرف الشين

- ‌ حرف العين

- ‌ حرف الفاء

- ‌ حرف الميم

- ‌ حرف النون

- ‌ حرف الياء

- ‌[مواليد السنة]

- ‌سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة

- ‌ حرف الألف

- ‌ حرف الباء

- ‌ حرف الحاء

- ‌ حرف الخاء

- ‌ حرف الضاد

- ‌ حرف الطاء

- ‌ حرف العين

- ‌ حرف الميم

- ‌ حرف الهاء

- ‌ حرف الواو

- ‌الكنى

- ‌[مواليد السنة]

- ‌سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة

- ‌ حرف الألف

- ‌ حرف الحاء

- ‌ حرف السين

- ‌ حرف الشين

- ‌ حرف العين

- ‌ حرف الميم

- ‌ حرف النون

- ‌ حرف الهاء

- ‌سنة أربع وثمانين وخمسمائة

- ‌ حرف الألف

- ‌ حرف الحاء

- ‌ حرف الخاء

- ‌ حرف السين

- ‌ حرف الصاد

- ‌ حرف الظاء

- ‌ حرف العين

- ‌ حرف الغين

- ‌ حرف الميم

- ‌ حرف الهاء

- ‌ حرف الياء

- ‌سنة خمس وثمانين وخمسمائة

- ‌ حرف الألف

- ‌ حرف التاء

- ‌ حرف الحاء

- ‌ حرف الخاء

- ‌ حرف الراء

- ‌ حرف السين

- ‌ حرف العين

- ‌ حرف الغين

- ‌ حرف القاف

- ‌ حرف الميم

- ‌ حرف الياء

- ‌سنة ست وثمانين وخمسمائة

- ‌ حرف الألف

- ‌ حرف الحاء

- ‌ حرف الخاء

- ‌ حرف الصاد

- ‌ حرف العين

- ‌ حرف الميم

- ‌ حرف النون

- ‌ حرف الهاء

- ‌ حرف الياء

- ‌سنة سبع وثمانين وخمسمائة

- ‌ حرف الألف

- ‌ حرف الحاء

- ‌ حرف السين

- ‌ حرف الصاد

- ‌ حرف العين

- ‌ حرف الغين

- ‌ حرف الفاء

- ‌ حرف القاف

- ‌ حرف الميم

- ‌ حرف النون

- ‌ حرف الياء

- ‌الكنى

- ‌سنة ثمان وثمانين وخمسمائة

- ‌ حرف الألف

- ‌ حرف الحاء

- ‌ حرف الخاء

- ‌ حرف الزين

- ‌ حرف السين

- ‌ حرف الطاء

- ‌ حرف العين

- ‌ حرف الفاء

- ‌ حرف القاف

- ‌ حرف الميم

- ‌ حرف النون

- ‌ حرف الياء

- ‌سنة تسع وثمانين وخمسمائة

- ‌ حرف الألف

- ‌ حرف الباء

- ‌ حرف الحاء

- ‌ حرف الدال

- ‌ حرف الراء

- ‌ حرف الزاي

- ‌ حرف السين

- ‌ حرف الشين

- ‌ حرف الطاء

- ‌ حرف الظاء

- ‌ حرف العين

- ‌ حرف الميم

- ‌ حرف الهاء

- ‌ حرف الياء

- ‌سنة تسعين وخمسمائة

- ‌ حرف الألف

- ‌ حرف التاء

- ‌ حرف الجيم

- ‌ حرف الحاء

- ‌ حرف الزاي

- ‌ حرف السين

- ‌ حرف الطاء

- ‌ حرف العين

- ‌ حرف القاف

- ‌ حرف الميم

- ‌ حرف النون

- ‌ حرف الواو

- ‌ حرف الياء

- ‌وممن كَانَ فِي هَذَا الوقت ولم تتصل بِي وفاته

- ‌ حرف الألف

- ‌ حرف الحاء

- ‌ حرف الشين

- ‌ حرف العين

- ‌ حرف الميم

- ‌ حرف الياء

الفصل: ‌[المشورة في أمر القدس]

القوافل، وساروا فِي اللّيل، فتهيَّأت الفِرَنج لكبْسهم وكمنوا لهم، ثُمَّ بيَّتوهم بأرض الحسا. فطاف الإنكتير حول القَفَل فِي صورة بدويّ، فرآهم ساكنين، فكبسهم فِي السَّحر بخيله ورَجْله، فكان الشّجاع من نجا بنفسه. وكانت وقعة شنعاء لَمْ يُصب النّاس بمِثلها فِي هَذِهِ السّنين. وتبدَّد النّاس فِي البريَّة وهلكوا، وحازت الفِرَنج أموالا وأمتعة لا تحصى، وأسروا خمسمائة نفس، ونحو ثلاثة آلاف جَمَلٍ محمّلة، فقويت نفوس الملاعين بالظَّفَر والغنائم، وعزموا عَلَى قصد القدس [1] .

[المشورة فِي أمر القدس]

وسار كنْدهري إلى صور، وطرابُلُس، وعكّا يستنفر النّاس، فهيَّأ السّلطان القدس وحصَّنها للحصار، وأفسد المياه الّتي بظاهر القدس كلّها، وجمع الأمراء للمشورة، فَقَالَ القاضي بهاء الدّين بْن شدّاد [2] : فأمرني أن أحثّهم عَلَى الجهاد، فَذَكَرَتْ ما يسَّر اللَّه تَعَالَى، وقلت: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا اشتد بِهِ الأمر بايع الصّحابة عَلَى الموت، ونحن أول من تأسّى بِهِ، نجتمع عِنْد الصَّخرة، ونتحالف عَلَى الموت. فوافقوا عَلَى ذَلِكَ. وسكت السّلطان طويلا، والنّاس كَأَنّ عَلَى رءوسهم الطّير، ثُمَّ قَالَ: الحمد للَّه والصّلاة على رسول الله. اعلموا أنّكم جُنْد الْإِسْلَام اليوم ومَنعته، وأنتم تعلمون أنّ دماء المسلمين وأموالهم وذراريهم متعلّقة فِي ذمَّتكم [3] . وإنّ هَذَا العدوّ لَيْسَ لَهُ مَن يلقاه غيركم، فلو لوَيْتم أَعِنَّتكم، والعياذ باللَّه، طوى البلاد، وكان هَذَا من ذمّتكم، فإنّكم أنتم الّذين تصدَّيْتم لهذا، وأكلتم بيت مال المسلمين لحفْظ حَوْزتهم.

فانتدب جوابه سيف الدّين المشطوب وقَالَ: نَحْنُ مماليكك وعبيدك، وأنت الَّذِي أنعمت علينا وعظَّمتنا [4] ، وليس لنا إلّا رقابنا، وهي بين يديك،

[1] الكامل 12/ 82، مفرّج الكروب 2/ 284، تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 66- 68.

[2]

في النوادر السلطانية، وعنه ينقل ابن الفرات في تاريخه 4/ 2/ 69.

[3]

في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 69 «في ذممكم» .

[4]

في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 69 «وأعنتنا» .

ص: 81

واللَّه ما يرجع أحدٌ منَّا عَنْ نُصرتك إلى أن تموت [1] .

فَقَالَ الجماعة مثل ما قَالَ، فانبسطت نفس السّلطان وأطعمهم، ثُمَّ انصرفوا.

فَلَمَّا كَانَ عشاء الآخرة اجتمعنا فِي خدمته عَلَى العادة وسَمَرْنا وَهُوَ غير منبِسط. ثُمَّ صلّينا العشاء، وكانت الصَّلاة هِيَ الدُّستور العامّ، فصلّينا وأخذنا فِي الانصراف فاستدعاني وقَالَ: أَعَلِمتَ ما تجدَّد؟ قُلْتُ: لا.

قَالَ: قَالَ إنّ أَبَا الهيجا السّمين تقدَّم إليّ اليوم وقَالَ: اجتمع اليوم عنده الأمراء، وأنكروا موافقتنا عَلَى الحصار، وقالوا لا مصلحة فِي ذَلِكَ، فإنّا نُحصَر ويجري علينا ما جرى عَلَى أَهْل عكّا، وعند ذَلِكَ تؤخذ بلاد الْإِسْلَام أجمع. والرأي أنْ نعمل [2] مُصَافًّا، فإنْ هزمْناهم مَلَكْنا بقيّة بلادهم، وإنْ تكن الأخرى سلِم العسكر وذهب [3] القدس. وَقَدِ انحفظت بلاد الْإِسْلَام وعساكرها مدّة بغير القدس.

وكان السّلطان رحمه الله عنده منَ القدس أمر عظيم لا تحمله الجبال، فشقَّت عليه هَذِهِ الرسالة.

وقمت تِلْكَ اللّيلة فِي خدمته إلى الصّباح، وهي منَ اللّيالي الّتي أحياها فِي سبيل اللَّه.

وكان ممّا قالوه فِي الرسالة: «إنّك إنْ أردتنا أن نقيم بالقدس فتكون أَنْت معنا أَوْ بعض أهلك، فالأكراد لا يدينون للأتراك، ولا الأتراك يدينون للأكراد» .

فانفصل الحال عَلَى أن يضمّ من أهله الملك الأمجد صاحب بِعْلَبَكّ.

وكان رحمه الله يحدِّث نفسه بالمُقام، ثُمَّ امتنع من ذلك لما فيه من

[1] في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 69 «يموت» .

[2]

في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 70 «أن نلقي» .

[3]

في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 70 «ومضى» .

ص: 82

خطر للإسلام، فَلَمَّا صلّينا الصُّبح قُلْتُ لَهُ: ينبغي أن ترجع إلى اللَّه تَعَالَى، وهذا يوم جمعة، وفيه دعوة مُستجابة، ونحن فِي أَبْرك موضع. فالسّلطان يغتسل الجمعة ويتصدَّق بشيء سرّا [1] ، وتصلّي بَيْنَ [2] الأذان والإقامة ركعتين تناجي فيهما ربَّك، وتفوِّض مقاليد أمورك إِلَيْهِ، وتعترف بعجْزك عمّا تصدَّيْت لَهُ، فلعلّه يرحمك ويستجيب لك.

وكان رحمه الله حَسَن الاعتقاد، تامّ الْإِيمَان، يتلقّى الأمور الشرعيَّة بأحسن انقياد [3] .

فَلَمَّا كَانَ وقت الجمعة صلّيت إلى جانبه فِي الأقصى، وصلّى ركعتين، ورأيته ساجدا ودموعه تتقاطر [4] .

ثُمَّ انقضت الجمعة. فَلَمَّا كَانَ العشِيّ وصلت رقعة من عزّ الدّين جرديك، وكان فِي اليَزَك، يَقُولُ فيها: إنّ القوم قَدْ ركبوا بأسرهم، ووقفوا فِي البرّ عَلَى ظهر، ثُمَّ عادوا إلى خيامهم، وَقَدْ سيّرنا جواسيس تكشف [أخبارهم][5] .

ولمّا كَانَ منَ الغد يوم السّبت، وَهُوَ الحادي والعشرين من جُمادى الآخرة، وصلت رقعةٌ أخرى تُخْبر أنّ الجواسيس رجعوا، وأخبروا أنّ القوم اختلفوا فِي الصُّعود إلى القدس أَوِ الرحيل إلى بلادهم، فذهب الفرنسيسة إلى الصّعود إلى القدس وقالوا: إنّما جئنا بسببه فلا نرجع [6] . وقَالَ الأنكتير إنّ هَذَا الموضع قَدْ أُفسِدت مياهُه ولم يبق حوله ماء [7]، فمن أين نشرب؟ قالوا:

[1] في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 71 «خفية» .

[2]

في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 71 «من» .

[3]

في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 71 «بأكمل انقياد ومثول» .

[4]

في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 71 زيادة: «على مصلّاه» .

[5]

إضافة على الأصل من: تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 71.

[6]

في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 72 «إنما جئنا من بلادنا بسبب القدس ولا نرجع دونه» .

[7]

في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 72 زيادة: «أصلا» .

ص: 83

نشرب من نهر نقوع، وَهُوَ عَلَى فرس منَ القدس، فَقِيل [1] : كيف نذهب إِلَيْهِ؟ قَالُوا: قسم يذهب إلى السَّقْيِ، وقسم يبقى عَلَى البلد، فَقَالَ: إذا يأخذ العسكر البرّانيّ الَّذِي لهم منَ الَّذِي يذهب مَعَ الدّوابّ، ويخرج عسكر البلد عَلَى الباقين [2] .

فانفصل الحال عَلَى أنّهم حكّموا ثلاثمائة من أعيانهم، وحكّم الثّلاثمائة اثني عشر منهم، وحكَم الاثنا عشر ثلاثة منهم، وَقَدْ باتوا عَلَى حكم الثّلاثة.

فَلَمَّا أصبحوا حَكَموا عليهم بالرحيل، فلم يمكنهم المخالفة، فرحلوا ليومهم، وَهُوَ يوم السّبت المذكور، نحو الرملة، ناكصين عَلَى أعقابهم.

ثُمَّ نزلوا الرملة، وتواتر الخبر بِذَلِك إلى السّلطان، وكان يوم فرحٍ وسرور.

ثُمَّ ورد رسول الأنكتير فِي الصُّلْح يَقُولُ: قَدْ هلكنا نَحْنُ وأنتم، والأصلح حَقْن [3] الدّماء، ولا تغترّ بتأخيري عَنْ منزلتي، فالكبش يتأخَّر لينطح. وهذا ابن اختي كنْدهري قَدْ ملَّكْته هَذِهِ الدّيار، وسلّمته إليك يكون بحكمك [4] . وإنّ جماعة منَ الرُّهْبان قَدْ طلبوا منك كنائس، فَمَا بخلت بها عليهم، وأنا أطلب منك كنيسة فِي القدس، وأنا أرسلتك [5] بِهِ مَعَ الملك العادل قَدْ تركته، يعني من طلبه القدس وغيرها، ولو أعطيتني قرية أَوْ مقرعة [6] لقبِلْتها [7] .

فاستشار السّلطان الأمراء، فأشاروا بالصّلح لما بهم من الضّجر والتّعب

[1] في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 72 «فقال» .

[2]

في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 72 زيادة: «ويذهب دين النصرانية» .

[3]

في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 72 «نحقن» .

[4]

في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 73 «يكون وعسكره بحكمك» .

[5]

كذا في الأصل، والصحيح «راسلتك» .

[6]

هكذا في الأصل، وأيضا في أصل تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 73 انظر الحاشية رقم 279 وأثبتها محقّقه في المتن:«مزرعة» .

[7]

في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 73 «قبلتها وقبلتها» .

ص: 84