الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جُبَيل، ثُمَّ سار إلى عسقلان فحاصرها وضيّق عليها بالقتال والمجانيق، ثُمَّ أخذها بالأمان. وأخذ الرملة، والدّاروم، وغزّة، وبيت جبريل، والنَّطْرُون بالأمان [1] .
[فتح بيت المَقْدِس]
ثُمَّ سار مؤيَّدًا منصورا إلى البيت المقدّس، فنزل من غربيّه فِي نصف رجب، وكان بها يومئذٍ ستّون ألف مقاتل. فقاتلهم المسلمون أشدّ قتال، ثُمَّ انتقل السّلطان بعد خمسٍ إلى الجانب الشّماليّ منَ البلد ونصب المجانيق ووقع الجدّ، فطلب الفرنج الأمان، فأمَّنهم بعد تمنُّع، وقرَّر عَلَى كُلّ رجلٍ عشرة دنانير، وعلى كُلّ امرأةٍ خمسة دنانير، وعلى كُلّ صغير وصغيرةٍ دينارين فَإِن من عجز أمهل أربعين يوما، ثُمَّ يُسْتَرَق. فأجابوا إلى ذلك. وجمع المال فكان سبعمائة ألف دينار، فقسّمه فِي الجيش. وبقي ثلاثون ألفا لَيْسَ فيهم [2] فكاك، فاستعبدهم وفرَّقهم. وخلّص من أسارى المسلمين عشرين ألفا.
وخرج منها البَتْرَك بأموالٍ لا تُحْصَى، فأراد الأمراء الغدر بِهِ فمنعهم وخَفَره وقال: الوفاء خير منَ الغدر، وهذا البَتْرك عندهم أعظم رتبة من ملك الفِرَنج [3] .
وكان ببيت المَقْدِس أيضًا منَ الكبار صاحب الرملة ياليان ابن ياوران، وَهُوَ دون ملك الفِرَنج فِي الرُّتْبة بقليل، وخلْق كثير من كبار فرسانهم.
وكان الموت أهون عليهم من أخْذ المسلمين القدس من أيديهم إذ هو
[1] النوادر السلطانية 80، الفتح القسي 99- 108، الكامل في التاريخ 11/ 541- 543، تاريخ الزمان 209، تاريخ مختصر الدول 220، زبدة الحلب 3/ 97، مرآة الزمان 8/ 396، المختصر في أخبار البشر 3/ 72، دول الإسلام 2/ 94، العبر 4/ 248، تاريخ ابن الوردي 2/ 96، مرآة الجنان 3/ 424، البداية والنهاية 12/ 322، مشارع الأشواق 2/ 936، 936، وفيه «بيت جبرين» ، السلوك ج 1 ق 1/ 94، 95، شفاء القلوب 122- 124، تاريخ ابن سباط 1/ 178.
[2]
في مشارع الأشواق 2/ 937 «ليس معهم» .
[3]
مشارع الأشواق 2/ 937.
بيت عبادتهم الأعظم، ومحلّ تجسّد النّاسوت فيما زعموا باللّاهوت- تَعَالَى اللَّه وتقدَّس عمّا يقولون عُلوًّا كبيرا- وبه قُمامة الّتي تُدعى القيامة محلّ ضلالتهم وقِبلة جهالتهم، زعموا أنّ المسيح دُفن بعد الصَّلب بها ثلاثة أيّام، ثُمَّ قام منَ القبر، وصعِد إلى السّماء، فبالغوا فِي تحصينه بكلّ طريق. فنازله السّلطان، وما وجد عليه موضعا أقرب من جهة الشّمال فنزل عليه، واشتدّ الحرب، وبقيت الفرسان تخرج منَ المدينة وتحمل وتقاتل أشدّ القتال وأقواه، ثُمَّ إنَّ المسلمين حملوا عليهم يوما حَتَّى أدخلوهم القدس، ولصقوا بالخندق، ثُمَّ جَدُّوا فِي النُقُوب، وتتابع الرمْي بالمجانيق منَ الفريقين، ووقع الجدّ، واجتمعت الفِرَنج، واتّفقوا عَلَى طلب الأمان، فامتنع السّلطان- أيَّده اللَّه- من إجابتهم فَقَالَ: لا أفعل فِيهِ إلّا كَمَا فعلتم بأهله حين ملكتموه من نحو تسعين سنة. فرجعت رُسلهم خائبين. فخرج صاحب الرملة ياليان بنفسه فطلب الأمان فلم يُعط، فاستعطف السّلطان فامتنع، فَلَمَّا أيس قَالَ: نَحْنُ خلْقٌ كثير وإنّما يفترّون عَنِ القتال رجاء الأمان ورغبة فِي الحياة، وَإِذَا رأينا أنَّ الموت لا بدَّ منه لنقتلنّ أبناءنا ونساءنا، وتحرّق أموالنا، ولا ندع لكم شيئا، فإذا فرغنا أخربنا الصّخرة والأقصى، وقتلنا الأسرى، وهم خمسة آلاف مُسْلِم، وقتلنا الدّوابّ، ثُمَّ خرجنا إليكم وقاتلنا قتال الموت، فلا يقُتل منّا رَجُل حَتَّى يقتل رَجُلا ونُموت أعزّاء.
فاستشار حينئذٍ السّلطان أُمراءه فقالوا: المصلحة الأمان. وقالوا:
نحسب أنهم أسارى بأيدينا فنبيعهم نفوسهم. فأمّنهم بشرط أن يزِن كُلّ رجل عشرة دنانير، وكلّ امْرَأَةٍ خمسة دنانير، والطّفل دينارين.
ثُمَّ رُفعت أعلام الْإِسْلَام عَلَى السُّور، ورتَّب السّلطان أُمَنَاءه عَلَى أبواب القدس ليأخذوا المال مِمَّنْ يَخْرُج، وكان بها ستّون ألفا سوى النّساء والوِلْدان. ووزن ياليان من عنده عَنْ ثمانية عشر ألف رَجُل. ثُمَّ بعد ذَلِكَ أسر منها عشرة آلاف نفس فقراء لَمْ يقدروا عَلَى شراء أنفسهم.
ثُمَّ إنّ جماعة منَ الأمراء ادَّعوا أنّ لهم فِي القدس رعيَّة، فكان يطلقهم.