الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طريق، فنزل صلاح الدّين عَلَى تلّ كيسان، وسيّر الكُتُب إلى ملوك الأطراف يطلب العساكر، فأتاه عسكر المَوْصِل وديار بَكْر والجزيرة، وأتاه تقيّ الدّين ابن أَخِيهِ [1] .
قَالَ ابن الأثير [2] : فكان بَيْنَ الفريقين حروب كثيرة، فقاتلهم صلاح الدّين فِي أوّل شعبان، فلم ينل منهم غرضا، وبات النّاس عَلَى تعبئة، وباكروا القتال منَ الغد، وصبر الفريقان صبرا حار لَهُ مَن رآه إلى الظّهر، فحمل عليهم تقيّ الدّين حملة مُنْكَرَة منَ الميمنة عَلَى من يليه فأزاحهم عن مواقفهم، والتجئوا إلى من يليهم، وملك تقيّ الدّين مكانهم والتصق بعكّا. ودخل المسلمون البلد، وخرجوا منه، وزال الحصر. وأدخل إليهم صلاح الدّين ما أراد منَ الرجال والذّخائر [3] ، ولو أنّ المسلمين لزِموا القتال إلى اللّيل لبلغوا ما أرادوا. وأدخل إليهم صلاح الدّين الأمير حسام الدّين السّمين.
[ذكر الوقعة الكبرى]
قَالَ [4] : وبقي المسلمون إلى العشرين من شعبان، كلّ يوم يغادون القتال ويراوحونه، والفِرَنج لا يظهرون من معسكرهم ولا يُفارقونه حَتَّى تجمّعوا للمشورة، فقالوا: عساكر مصر لَمْ تحضر، والحال مَعَ صلاح الدّين هكذا. والرأي أنّنا نلقَى المسلمين غدا لعلَّنا نظفر بهم. وكان كثير [5] من عساكر السّلطان غائبا، بعضها فِي مقابل أنطاكية خوفا من صاحب أنطاكية، وبعضها فِي حمص مقابل طرابُلُس، وعسكر فِي مقابل صور، وعسكر مصر بالإسكندريّة ودِمياط، وأصبح صلاح الدّين وعسكره عَلَى غير أُهْبة، فخرجت الفِرَنج منَ الغد كَأنَّهُمُ الجراد المنتشر، قد ملئوا الطُّول والعَرْض، وطلبوا ميمنة الْإِسْلَام وعليها تقيّ الدّين عُمَر، فَرَدَفه السّلطان برجالٍ، فعطفت الفِرَنج
[1] مشارع الأشواق 2/ 940.
[2]
في الكامل 12/ 34، 35.
[3]
مشارع الأشواق 2/ 940.
[4]
ابن الأثير في الكامل 12/ 36.
[5]
في الأصل «كثيرا» .
نحو القلب، وحملوا حملة رجلٍ واحد، فانهزم المسلمون، وثبت بعضُهم، فاستشهد جماعة، منهم الأمير مجلس، والظّهير أخو الفقيه عِيسَى الهكّاريّ، وكان متولّي بيت المَقْدِس، والحاجب خليل الهكّاريّ. ثُمَّ ساقوا إلى التّلّ الَّذِي عليه خيمة صلاح الدّين فقتلوا ونهبوا، وقتلوا شيخنا جمال الدّين بْن رَوَاحة، وانحدروا إلى الجانب الآخر منَ التّلّ، فوضعوا السّيف فيمن لقوة، ثُمَّ رجعوا خوفا أن ينقطعوا عَنْ أصحابهم، فحملت مَيْسَرَة المسلمين عليهم فقاتلوهم، وتراجع كثيرٌ منَ القلب، فحمل بهم السّلطان فِي أقفية الفِرَنج وهم مشغولون بالميسرة، فأخذتهم سيوف اللَّه من كُلّ جانب، فلم يفلت منهم أحدٌ، بل قُتِلَ أكثرهم، وأُسِر الباقون، فيهم مقدَّم الدّاوية الَّذِي كَانَ السّلطان قد أسره وأطلقه، فقتله الآن. وكانت عِدَّة القتلى عشرة آلاف، فأمر بهم فأُلقوا فِي النّهر الَّذِي يشرب منه الفِرَنج. وكان أكثرهم من فرسان الفرنج [1] .
قال القاضي ابن شدّاد [2] : لقَدْ رأيتهم يُلْقَوْن فِي النَّهر فحزرتُهُم بدون سبعة آلاف.
قَالَ غيره: وَقُتِلَ منَ المسلمين نحو مائة وخمسين نفرا، وكان من جملة الأسرى ثلاث نِسْوة فرنجيات كنَّ يقاتلْن عَلَى الخيل [3] .
وأمّا المنهزمون فبلغ بعضهم إلى دمشق، ومنهم مَن رجع مِن طبريَّة [4] .
قَالَ العماد الكاتب [5] : العَجَب أنّ الّذين ثبتوا نحو ألف [6] ردّوا مائة ألف، وكان الواحد يَقُولُ: قتلت منَ الفِرَنج ثلاثين، قتلت أربعين.
وجافَت الأرض من نَتَن القتلى، وانحرفت الأمزجة وتمرّض صلاح
[1] الكامل 12/ 36- 39، مشارع الأشواق 2/ 940.
[2]
في النوادر السلطانية.
[3]
في الكامل 12/ 39.
[4]
في الكامل 12/ 39.
[5]
في الفتح القسّي.
[6]
في مشارع الأشواق 2/ 940 «أن الذين ثبتوا من المسلمين ردّوا» .