الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[وقعة حمص [1]]
انجفل أَهْل البلاد الشّماليّة، وقويت الأخبار، واهتمّ السّلطان بدمشق للعَرْض، وجاء أَحْمَد بن حجّي بخلق من العربان، وكثُرت الأراجيف، وكثُرت الْجُفّال، وعدّى التّتار الفُرات من ناحية حلب، ونازل الرّحبَةَ منهم ثلاثة آلاف، منهم القان أبْغا، فخرج السّلطان بسائر الجيوش، وقَنت الأئمّةُ فِي الصَّلوات، وحضر سُنْقر الأشقر، وأيْتمش السَّعْديّ، والحاجّ أزْدمر، وبالغَ السّلطان في احترام سُنْقر الأشقر، وأقبل منكوتمر يطوي البلاد، فالتقى الجمعان، ووقع المَصَافّ ما بين مشهد خَالِد بْن الْوَلِيد إِلَى قريب الرَّسْتن، وذلك شماليّ حمص، فِي يوم الخميس رابع عشر رجب. ويوم الأربعاء فاق العالم بدمشق وأحسّوا بقرب اللّقاء، وفزِعوا كافّة إِلَى جامع دمشق بالشّيوخ والأطفال، واستغاثوا إِلَى الله تعالى، ثُمَّ خرج الخطيب بالمُصْحَف العثمانيّ إِلَى المُصَلّى، ومعه خلائق يتضرّعون إِلَى الله تعالى، وكان يوما مشهودا، شهدَهُ مع السّلطان مماليكُهُ، مثل طرنطيه، وبيدرا، وكَتْبُغا، ولاجين، وجنق، وسنْجر الشِّجاعيّ، والطّبّاخيّ، وسَنْدَمُر، وعدّةٌ كلّهم أمراء، ومنهم من تَسَلْطَن، وسُنْقُر الأشقر، والحاجّ أزْدَمر الَّذِي قيل إنّه طعن طاغية العدوّ،
[1] انظر عن (وقعة حمص) في: الحوادث الجامعة 198، والتحفة الملوكية 99- 102، وزبدة الفكرة، ورقة 113 ب- 124 أ، والفضل المأثور، ورقة 47 أ- 52 أ، ونزهة المالك والمملوك، ورقة 64 ب، المختصر في أخبار البشر 4/ 14، والدرّة الزكية 241- 247، ونهاية الأرب 31/ 30- 36، وتذكرة النبيه 1/ 62، 63، وتاريخ مختصر الدول 288، 289، وتاريخ الزمان 341، 342، ودول الإسلام 2/ 182، 183، والعبر 5/ 326، 327، وتاريخ ابن الوردي 2/ 228، 229، والبداية والنهاية 3/ 295، 296، وعيون التواريخ 21/ 278- 280، ومرآة الجنان 4/ 191، وتاريخ ابن خلدون 5/ 398، ومآثر الإنافة 2/ 129، والسلوك ج 1 ق 3/ 690- 699، وتاريخ الخميس 2/ 424، ومشارع الأشواق 2/ 947، 948، وعقد الجمان (2) 272- 288، والنجوم الزاهرة 7/ 302- 306، وتاريخ ابن سباط 1/ 475- 478، وتاريخ الأزمنة 259، 260، وتاريخ ابن الفرات 7/ 212، وبدائع الزهور ج 1 ق 2/ 350، ومنتخب الزمان 2/ 363، 364، والجوهر الثمين 2/ 94، 95.
وعلم الدّين الدّواداريّ، والمنصور صاحب حماة فِي أَمرائه، فكان رأس الميمنة، ويليه البَيْسَريّ، ثُمَّ طَيْبَرس الوزيريّ، وعزّ الدّين الأفرم، ونائب دمشق لاجين المذكور فِي عسكر دمشق.
وكان رأس الميسرة سُنْقر الأشقر المذكور، ثُمَّ الأيْدمريّ، ثُمَّ بكتاش أمير سلاح. وكان فِي طرف الميمنة العرب، وفي طرف الميسرة التُّرْكُمان.
وشاليش القلب طرنطايّ.
وكانت المُغْلُ خمسين ألفا، والمجمَّعة ثلاثين ألفا.
قلت: وكان الملتقى يوم الخميس، كما ذكرنا، طلوع الشّمس. وكان عدد التّتار على ما قيل مائة ألف أو يزيدون. وكان المسلمون على النّصف من ذلك أو أقلّ.
وكانت ملحمة عظيمة، واستظهر التّتار فِي أوّل الأمر، واضطربت ميمنة المسلمين، ثُمَّ حملت التّتار على الميسرة فكسروها، وهزموها مع طرف القلب. وثبت السّلطان بمن معه من أبطال الإِسْلَام، وكان القتال يعمل من ضحوةٍ إِلَى المغيب. وساق طُلُبٌ من التّتار وراء الميسرة إِلَى بُحَيْرة حمص، وقتلوا خلقا من المطّوّعة والغلمان، وأشرف الإِسْلَام على خطّهِ صَعْبة. ثُمَّ إنّ الكبار مثل البَيْسريّ، وسُنْقُر الأشقر، وعلاء الدّين طيبرس، وأيْتمِش [1] السَّعْديّ، وبكتاش أمير سلاح، وطرنطيه [2] ، ولاجين، وسنْجر الدّواداريّ لمّا رأوا ثبات السّلطان حملوا على التّتار عدّة حملات، ثُمَّ كان الفتح، ونزل النّصر وجُرح مقدَّم التّتار منكوتمر بْن هولاكو، وجاءهم الأمير عِيسَى بْن مُهَنّا عَرْضًا، فتمّت هزيمتهم، واشتغلوا بما دَهَمُهم من جرح مقدَّمهم. وركب المسلمون أقفيتهم، وقتلوا منهم مقتلة هائلة، وساقوا وراءهم حَتَّى بقي السّلطان فِي نفرٍ قليل من الخاصكيّة، ونائبة طرنطاي قُدّامه بالسّناجق. وردّت
[1] ويقال «أيتامش» .
[2]
ويقال: «طرنطاي» .
ميمنة التّتار الّتي كسرت ميسرة المسلمين، فمرّوا بالسّلطان وهو تحت العصائب والكوسات تضرب، وحوله من المقاتلة أقلّ من ألف، فَلَمَّا جاوزوه ساق وراءهم، فانهزموا لا يلوون على شيء، وتمّ النّصر بعد العصر، وانهزموا عن آخرهم قبل الغروب، وافترقوا، فأخذت فرقة على سَلَمية والبرّيّة، وأخرى على ناحية حلب. وعاد السّلطان إِلَى منزلته بليلٍ، وجهّز من غدٍ وراءهم الأيْدمريّ فِي طائفةٍ كبيرة [1] .
وجاءت يوم الجمعة بطاقة بالنّصر، فضُربت البشائر، وزُيّنت دمشق، فَلَمَّا كان نصف اللّيل وصل إِلَى ظاهر دمشق المنهزمون من الميسرة أمراء وجناد، ولم يعلموا بما تجدّد من النّصر، فقلق الخلْق، وماج البلد، وشرع خلْقٌ فِي الهروب. ثُمَّ وصل وقت الفجر بريديّ بالبشارة بعد أن قاسي الخلْق ليلة شديدة، وتودّعوا من أولادهم واستسلموا للموت، فإنّ أولئك التّتار كانوا يبذلون السّيف من غير تردُّد. ورأسهم كافر، وأكثرهم على الكُفر، فلله الحمدُ على السّلامة. وكان للصّبيان والنّسوان فِي تلك اللّيلة فِي الأسطحة ضجيجٌ عظيمٌ وبُكاء والتجاء إلى الله تعالى لا يعبّر عنه.
وكان رُكْنُ الدّين الجالق من جملة المنهزمين، ولم يعنّفْه السّلطان لأنّه رَأَى ما لا قِبَل له به. فَلَمَّا صُليّت الصُّبْح قُرِئ الكتاب السّلطانيّ بكسرة التّتار، وأنّهم كانوا مائة ألفٍ أو يزيدون. ثُمَّ جاء كتاب آخر قبل الظُّهْر فِي المعنى، وزُيّنت دمشق. واستشهد نحو مائتي فارس منهم الحاجّ أزْدمر، وسيف الدّين الرُّوميّ، وشهاب الدّين توتل الشَّهْرَزُوريّ، وناصر الدّين ابن جمال الدّين الكامليّ، وعزّ الدّين ابن النّصرة المشهور بالقوّة المُفْرِطة والصّرامة.
ودخل السّلطان دمشق يوم الجمعة المقبلة، وبين يدي موكبه أسرى
[1] وقال ابن أيبك الدواداريّ: حدّثني والدي- سقى الله عهده- قال: لما كسرت ميمنتنا ميسرة التتار، نظرت إلى من بقي مع السلطان تحت السناجق، فلم يكونوا يلحقوا عنده ثلاثمائة فارس. وكنت في ألف السلطان، وكان مقدّمنا يومئذ علم الدين زريق الرومي، فلم يبرح مع السلطان وأنا معه. (الدرّة الزكية 243) .