الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة خمس وسبعين وستمائة
[نزول السلطان على حارم]
فِي أوّلها دخل السّلطان دمشق، من الكرك، فبعث بدر الدّين الأتابكيّ فِي ألفٍ إِلَى الرّوم، فوصلوا إِلَى البُلُسْتَيْن [1] ، فصادفوا بها جماعة من عسكر الرّوم، فبعثوا إِلَى بدْر الدّين بإقامات وخدموه، وسألوه أن يقتل التّتر الّذين بالُبلُسْتَيْن، ويصيروا معه إِلَى السّلطان، فأخذهم معه، ووافوا السّلطان على حارم، فأكرم مَوْردهم [2] ، ثُمَّ بعث الأمير حسام الدّين بيجار إِلَى مصر، فخرج الملك السّعيد لتلقَّيه، ثُمَّ قدِم على السّلطان ضياءُ الدّين ابن الخطير، ورجع السّلطان إِلَى مصر بعد ذلك [3] .
[مقتل ابن الخطير]
وحضر إِلَى الرّوم طائفةٌ كبيرة من المغول، فقتلوا شرف الدّين ابن الخطير، وبعثوا برأسه إِلَى قُونية [4] ، وقُتِل معه جماعةٌ من الأمراء والتُّركُمان، وذلك لأنّ ابن الخطير شرع يفرّق العساكر، وأذِن لهم فِي نهْب مَن يجدونه من التّتار وقتلهم.
[1] البلستين: وتسمّى: الأبلستين. وهي مدينة مشهورة في بلاد الروم، قريبة من آبس مدينة أصحاب الكهف. (معجم البلدان) .
[2]
تاريخ الملك الظاهر 154، 155، ذيل مرآة الزمان 3/ 165، النهج السديد، ورقة 50 أ، الدرّة الزكية 189، السلوك ج 1 ق 2/ 625، التحفة الملوكية 84، 85.
[3]
حسن المناقب، ورقة 143 أ، المختصر في أخبار البشر 3/ 9، الدرّة الزكية 189.
[4]
تاريخ الملك الظاهر 163، 164، ذيل مرآة الزمان 3/ 173، النهج السديد، ورقة 196، تاريخ الدولة التركية، ورقة 11، الجوهر الثمين 2/ 78، عيون التواريخ 21/ 90.
وانحاز الأمير مُحَمَّد بْن قرمان وإخوتُه وأصحابه التُّركُمان إِلَى سواحل الرّوم وأغاروا على التّتار، وكاتب الملك الظّاهر. وطلب الملك غياث الدّين صاحب الرّوم وابن البرواناه الأمير شرف الدّين ابن الخطير، فقِدم عليهما، فجمعوا من حواليهم من المغول، فخرج تاج الدّين كيوي إِلَى ابن الخطير، وعنّفه ابن الخطير، وأمر به فقُتِل، وقُتِل معه سِنَان الدّين والي قُونية، ثُمَّ نِدم وخاف من البَرَوَاناه، فأتى إِلَى باب الملك غياث الدّين فِي يوم الجمعة ثالث عشر صفر فِي أُهْبة وطائفة. وتخبّط البلد، ولم يُصلّوا جُمُعه. ثُمَّ نودي فِي البلد بشِعار الملك الظّاهر وراسلوا الملك الظّاهر يستوثقون منه باليمين لأنفسهم ولغياث الدّين، فاستأذنهم ابن البَرَوَاناه فِي أن يدخل قيصريّة، ويحمل حواصله ويخرج إليهم، ودخل وحمل حُرمَهَ وأمواله، وخرج ليلا، وسار إِلَى دوقات. فَلَمَّا تحقّق شرف الدّين ابن الخطير مسيرَه إِلَى دوقات بعث أخاه ضياء الدّين وسيف الدّين طرقطاي، وولده سِنَان الدّين فِي جماعة نحو الخمسين إِلَى الملك الظّاهر يحثّه على المجيء، فوافوه على حمص، وحرّضوه فقال: أنتم استعجلتم فِي المنابذة، وأنا وعدت معينَ الدّين البَرَوَاناه قبل توجُّهه إِلَى الأردو أنّي أطأ البلاد فِي آخر هَذِهِ السّنة. وأنا الآن فعساكري بمصر. وأمّا ذهاب مهذّب الدّين ابن البَرَوَاناه إِلَى دوقات فنِعمْ ما فعل. ثُمَّ أكرمهم. فقال ضياء الدّين: يا خَوَنْد مَتَى لم تقصد البلاد الآن لم نأمَنْ على أخي أن يُقتل هُوَ والأمراء الّذين حلفوا لمولانا السّلطان، وإنْ كان ولا بُدّ فتبعث عسكرا يكونون رِدْءًا له. فقال: المصلحة أنْ ترجعوا إِلَى بلادكم وتحصّنوها وتحتموا بالقِلاع إِلَى أنْ أمضي إِلَى مصر ونُرْبِع الخيلَ ونعود.
ثُمَّ تجهّز الأمير سيف الدّين بَلَبان الزَّيْنيّ إِلَى الرّوم ليُحضر من خُلّف بها من الأمراء والملك غياث الدّين، فَلَمَّا كان بالطّريق جاء الخبر بعَوْد البَرَوَاناه إِلَى الرّوم فِي خدمة منكوتمر وإخوته فِي ثلاثين ألفا. فردّ.
وأمّا شرف الدّين ابن الخطير فعزم على حرب منكوتمر، فسفّه الأمراءُ رأيَه وقالوا: كيف نلتقيه ونحن فِي أربعة آلاف؟ فعلم أنّه مقتول، فقصد قلعة
لؤلؤة ليحتمي بها، فَمَا مكَّنَه واليها من دخولها إلّا وحده ومعه مملوك، فَلَمَّا دخل قبض عليه وبعث به إِلَى البَرَوَاناه، فَلَمَّا دخل عليه شَتَمَه وبَصَق فِي وجهه، ورسّم عليه. ولمّا قدِمَ البَرَوَاناه جلس هُوَ والطّوامين تتاون، وكريه، وتقو، مجلسا عامّا، وأحضروا الملك غياث الدّين وأمراءه.
فقالوا: ما حملك على ما فعلت من خلْع أبْغا ومَيْلك إِلَى صاحب مصر؟
فقال: أنا صبيّ وما علِمتُ المصلحة. ورأيت الأمراء قد فعلوا شيئا، فخفْتُ إنْ خالفْتُهُم أن يمُسكوني.
فقام البَرَوَاناه إِلَى الطّواشي شجاع الدّين قابنا لالا السّلطان فذبحه بيده.
ثُمَّ إنّ الأمراء اعتذروا بأنّ ابن الخطير هُوَ الَّذِي فعل هَذَا كلّه، وخفنا أن يفعل بنا كما فعل بتاج الدّين كيوي. فسألوا شرف الدّين ابن الخطير فقال للبرواناه:
أنت حرّضتني على ذلك، وأنت كاتبت صاحب مصر، وفعلت وفعلت. فأنكر البَرَوَاناه ذلك. وكتب المقدَّمون بصورة ما جرى إِلَى أَبْغا ثُمَّ أمروا بضرب ابن الخطير بالسِّياط ويقرّروه بمن كان معه، فأقرّ على نور الدّين ابن جيجا، وسيف الدّين قلاوون، وعَلَم الدّين سنْجر الْجَمْدار، وغيرهم. فَلَمَّا تَحقّقّ البَرَوَاناه أنّه يقتل بإقرار ابن الخطير عليه، أوحى إليه يقول: مَتَى قتلوني لم يُبْقوك بعدي، فاعملْ على خلاصي وخلاصك بحيث أنّك تصرّ على الإنكار، واعتذر بأنّ اعترافك كان من ألم الضَّرْب.
ثُمَّ جاء الجواب بقتل ابن الخطير، فقُتل فِي جُمَادَى الأولى، وبُعِث برأسه إِلَى قُونية، وبإحدى يديه إِلَى أنكوريّة، وبالأخرى إِلَى أرزنكان. وقتلوا معه سيف الدّين قلاوون، والْجَمْدار، وجماعة كبيرة. وأثبتوا ذَنْبًا على طرقطاي، ففدى نفسه بأربعمائة ألف درهم وبمائتي فَرَس، على أن يَقُم بألف من المغل في الشّتاء [1] .
[1] عيون التواريخ 21/ 91- 97.