الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (6)
° قَالَ اللهُ عز وجل: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6)} [النور: 6].
قَالَ المُفَسِّر
(1)
رحمه الله: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} بِالزِّنَا {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ} عَلَيْهِ {إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} وَقَعَ ذَلِك لِجَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ} مُبْتَدَأٌ "أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ" نَصْبٌ عَلَى المَصْدَر]. اهـ.
الَّذين يرْمُون أزواجَهُم وليْس عنْدَهم شُهودٌ، فهَؤُلاءِ ليْسَ لهم شهداءُ إلَّا أنفسُهم، وهَذِه الآيَةُ نزلَتْ بعْدَ قولِه تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4]، فنَزلَتْ هَذه الآيَةُ بعْدَ ذَلك، وجُعل للزَّوج يرمي زوجتَه حكمًا خاصًّا؛ لأن رمْي الزَوجِ زوجتَه بالزِّنا أمرٌ بَعيدٌ جدًّا، ولَا يُمكن أنْ يكُونَ هَذا إلَّا وهُو مُتأكِّدٌ، وأنَ الأمْرَ واقِعٌ، فأنْزَل اللهُ عليْه هَذِه الآيَاتِ وهِي فرَجٌ للأَزْواج.
وأخْرَج البُخارِيُّ في صَحيحِه عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: أَنَّ عُوَيْمِرًا أَتَى عَاصِمَ بْنَ عَدِيٍّ، وَكَانَ سَيِّدَ بَنِي عَجْلَانَ، فَقَالَ: كَيْفَ تَقُولُونَ فِي رَجُلٍ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ
(1)
المقصود بـ (المُفَسِّر) هنا: محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم جلال الدين المحلي، المتوفى سنة (864 هـ) رحمه الله تعالى، ترجمته في: الضوء اللامع (7/ 39)، حسن المحاضرة (1/ 443).
رَجُلًا، أَيَقْتُلُهُ فتقْتُلُونَهُ، أَمْ كَيْفَ يَصْنَعُ؟ سَلْ لِي رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ، فَأَتَى عَاصِمٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! فَكَرِهَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المسَائِلَ، فَسَأَلهُ عُوَيْمِرٌ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَرِهَ المَسَائِلَ وَعَابَهَا. قَالَ عُوَيْمِرٌ: وَالله لَا أَنْتَهِي حَتَّى أَسْأَل رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ، فَجَاءَ عُوَيْمِر فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! رَجُلٌ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا، أَيَقْتُلُهُ فتقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ يَصْنَعُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"قَدْ أنزَلَ اللهُ الْقُرْآنَ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ"، فَأَمَرَهُمَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالمُلَاعَنَةِ بِمَا سَمَّى اللهُ فِي كِتَابِهِ، فَلَاعَنَهَا ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنْ حَبَسْتُهَا فَقَدْ ظَلَمْتُهَا، فَطَلَّقَهَا فكَانَتْ سُنَّةً لمَنْ كَانَ بَعْدَهُمَا فِي المتلَاعِنَيْنِ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"انْظُرُوا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَسْحَمَ أَدْعَجَ الْعَيْنَيْن عَظِيمَ الأليَتَيْنِ خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ فَلَا أَحْسِبُ عُويمِرًا إِلَّا قَدْ صَدَقَ عَلَيْهَا، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أُحَيْمِرَ كَأَنَّهُ وَحَرَةٌ فَلَا أَحْسِبُ عُويمِرًا إِلَّا قَدْ كَذَبَ عَلَيْهَا"، فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الَّذِي نَعَتَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم منْ تَصْدِيقِ عُوَيْمِرٍ، فَكَانَ بَعْدُ يُنْسَبُ إِلَى أُمِّهِ
(1)
(2)
.
قَوْلهُ: {فَشَهَادَةُ} مُبْتَدَأ و"أَرْبَعَ"
(3)
بقِراءَةِ النَّصب: نائبٌ مناب المَصْدَر، عاملُه قَوْلهُ:{فَشَهَادَةُ} ، فَيبْقَى المبتدأُ يحتاج خبرًا، وخبرُه يَقُول المُفَسِّر رحمه الله في الآيَة بعدها:(تَدْفَعُ عَنْهُ حَدَّ الْقَذْفِ)، أي إنه محذوفٌ وهَذَا تقديرُه.
ومعناه فَأَنْ يشهد أحدُهم أربعَ شَهادَات باللهِ إلى آخرِه تدفعُ عنه حَدَّ القَذْفِ،
(1)
أخرجه البخاري: كتاب تفسير القرآن، أبواب سورة النور، باب قوله عز وجل:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} [النور: 6]، رقم (4745).
(2)
لم يوجد تسجيل صوتي لتفسير هذه الآية، ولهذا نُقل تفسيرها من تسجيل صوتي لفضيلة الشيخ رحمه الله تعالى في تعليقه على صحيح الإمام البخاري رحمه الله تعالى.
(3)
البدور الزاهرة (ص: 245).
والمُفَسِّر رحمه الله لم يذكر القِراءَةَ الثَّانيةَ، وهي قِراءَة الرفع {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} ، وعلى قِراءَة الرفع نقول:{فَشَهَادَةُ} مُبْتَدَأٌ، وخَبَرُه {أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ} .
قَوْلهُ: {أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} أي: لا بُدَّ أنْ يقولَ: أشهدُ، قَوْلهُ:{بِاللَّهِ} متعَلِّق بشهاداتٍ، فلا يكفي أنْ يقولَ: أشهدُ أنَّ امرأتَه كذا وكذا، بل لابُدَّ أنْ يقولَ: أشهدُ باللهِ، لِتَتَضَمَّنَ الشَّهادة شَهادة وقسمًا، ولهَذَا أُجِيبتْ بجواب القَسَمِ، وهو قَوْلهُ:{إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} .
إِذَنْ لابُدَّ أنْ يشهدَ شَهادةً باللهِ لتكونَ شَهادة مقرونةً بالقَسَمِ، والدَّليلُ على هَذَا أنَّه أُجِيبَ بما يُجابُ به القَسَمُ، وهو قَوْلهُ:{إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} فهَذِهِ الجُمْلَةُ الخبريةُ مُؤَكَّدَةٌ بالشَّهادة والقَسَمِ و (إنَّ) و (اللَّام)، أرْبَعة مُؤَكِّدَاتٍ، وتُكرر أربعَ مراتٍ، فيصيرُ تأكيدًا من وراء تأكيدٍ، فإخبارُه عن زَوْجَته بأنَّها زنت مُؤَكَّدٌ بهَذِهِ الأرْبَعة.
والشَّهادةُ أربع شَهادَات يعني: أشهد باللهِ إني لمن الصَّادِقينَ.
وقَوْلهُ: {لَمِنَ الصَّادِقِينَ} والصَّادق هو المُخْبِرُ بما يُطابِقُ الواقِعَ.
وقول المُفَسِّر رحمه الله: [فِيمَا رَمَى بِهِ زَوْجَتَهُ مِنَ الزِّنَا] أي: لا بُدَّ أنْ يقولَ هَذَا أو معناه، إما أنْ يقولَ فيما رميتُها به من الزِّنَا أو فيما قذفتُها به من الزِّنَا، أو ما أدى هَذَا المَعْنى، المُهِمّ لا يكفي أنْ يقولَ: أشهدُ باللهِ إني لمِنَ الصَّادقينَ؛ لأنَّه قد ينوي به الصَّادِقينَ في غير هَذ القَضيَّة.
وظاهر القُرْآن الكَرِيم أنَّه يُجْزي؛ لأَن الله لَمْ يَقُلْ: "فيما رميتُها به من الزِّنَا"، فهَذَا جائزٌ، لكنَّه لو نوى أنَّه من الصَّادِقينَ في قَوْل آخر، فإنَّه لا ينفعه، لأَنَّه كما جاء
في الحديث: "يَمِينُكَ عَلَى مَا يُصَدِّقُكَ بِهِ صَاحِبُكَ"
(1)
.
فأنتَ وإنْ نويتَ خلاف ذَلِك، فأنتَ إنما اسْتَشْهَدْتَ على ما رميتَها به من الزِّنَا، فسواءٌ ذكرتَه أم لم تذكُرْه لا يختلفُ الحُكمُ، ولهَذَا فالقرآنُ لم يُقَيِّدْهُ بِذَلِك، بناءً على أن المقام يُعَيِّنُه، وأن مَنْ نيتُه خلاف ذَلِك لا تنفعه نيتُه؛ لأَن الْيَمِين على ما يُصَدِّقُكَ به صاحبُكَ أي خَصْمُكَ.
لكن لو أنَّه قَالَ ذَلِك أو هي طلبَتْ ذَلِك مثلًا أو الحاكم طلب منه ذَلِك، فإنَّه أَوْلَى لأجل أن يطمئنَ الْإِنْسَان أكثر، فلو أن القَاضِي مثلًا خاف من أن يَتَأوَّلَ وإن كَانَ تَأَوُّلُه لا ينفعه، فإنَّه إِذَا أمره أنْ يقولَ ذَلِك فَلْيَجبهُ للطُمَأْنينة.
ولكن لو قَالَ قَائِلٌ: هل يَجب على الزَّوج أنْ يقولَ: أشهدُ أربعَ شَهادَات باللهِ على ما رميتُها به من زنا؟
الجواب: لا يَجب أنْ يقولَ: على ما رميتُها به من زنا، وإن كَانَ لَيْسَ موجودًا في الآيَة، لكن المقام يعيِّنه.
مِنْ فَوَائِدِ الآيَة الْكَرِيمَةِ:
الفَائِدةُ الأُولَى: الحكْمَةُ في تَشْريع الله جَلَّ وَعَلَا؛ لأَن هَذ الآية مُستثناةٌ في الحُكْم من قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)} [النور: 4]، ولو أن هَذه الآيَة بقيت على ما هي علَيْه لوجب أنْ يُجْلَدَ الزَّوجُ.
(1)
أخرجه مسلم كتاب الأيمان، باب يمين الحالف على نية المستحلف، رقم الحديث (1653)، عن أبي هريرة.
والحكْمَةُ هُنا أنَّه خص الزَّوج بهَذَا الحُكْم من حكم الَّذِينَ يرْمُون المُحْصَناتِ؛ لقَوْلهُ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4]، {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} [النور: 6].
وهَذَا من التَّخصِيص المنفصل؛ والتَّخصِيص نوعان:
1 -
تَخْصِيص متصل.
2 -
تَخْصِيص منفصل.
أمَّا التَّخْصِيصُ المتصلُ فيَكُون بالاسْتِثْناء أو الصِّفة أو الشَّرْطِ.
مثال التَّخصِيص بالاسْتِثْناء قَوْله تَعَالَى: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)} [العصر: 2 - 3].
ومثال التَّخصِيص بالصِّفَة: "أَكرِم الطَّالبَ المجتهدَ"، المجتهد خَصَّصْتُه بالصِّفَةِ المتصلةِ.
ومثال التَّخصِيص بالشَّرْطِ: "أَكرِم الطالبَ إنِ اجْتَهَدَ"، "قَرّر رَوْضَةَ النَّاظرِ إن كانوا يعرفون أصول الفِقْه".
التَّخصِيص الَّذِي في الآية هو منفصلٌ، حيث خَصَّصَتْ عمومَ قَوْله تَعَالَى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)} [النور: 4] لأنَّه لو بقيتِ الآيَة الأولى عَلى عُمومِها لكان الزَّوج إِذَا قَذَفَ زوجتَه يثبتُ له الأَحْكامُ الثَّلاثَةُ السَّابقةُ، لكن الزَّوج انفرد عن غيره بهَذَا الحُكْم.
إِذَنْ تَخْصِيصُ الأَزْواج من عُمُوم قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} خُصِّصَ بمُخَصصٍ منفصلٍ لأنَّه نصٌّ مستقلٌ.
وما الحكْمَةُ من تَخْصِيص الأَزْواج بهَذَا الحُكْم دون غيرهم من القَذَفَة؟
تَقَدَّمَ أن هَذَا من حِكمة التَّشْريع، والحكْمَةُ أن الزَّوج لا يُمْكِن أن يَقْذِفَ زوجتَه بالزِّنَا إلا والْأَمْرُ كما قَالَ؛ لأَن زنا زَوْجَته عارٌ عليه؛ لأنَّها حَرْثُه، فإذا قذفَها بالزِّنَا أصبح الْأَمْر شديدًا وعَظِيمًا، إِذْ إنَّ هَذَا يُوجِبُ التشكيكَ في أولاده عند النَّاس، ويوجبُ العارَ علَيْه حيث يُقال: هَذَا الرَّجل ديوث كَانَ يقرُّ الْفَاحِشَة في أهله؛ لأَن النفوسَ قد تقول: لَيْسَت هَذ أول مرةٍ يعثر، فهو لن يعثرَ إلا في المرة الثَّانية والثَّالِثَة، وما أشبه ذَلِك، إِذْ إنَّ الزِّنَا عادةً لا يأتي علنًا، بل يأتي سرًّا، والسِّرُّ لا يظهر في أول مرة.
فلمَّا كَانَ زنا الزَّوْجَة عارًا على الزَّوج صَارَ لا يُمْكِن أن يَقْذِفَ زوجتَه بالزِّنَا إلا والْأَمْر كما ذكر، ولهَذَا خُصَّ من بين سائر القاذِفين بهَذَا الحُكْم، وهل يُعتبر قذفُه رميًا أو شَهادةً؟ يُعتبر شَهادةً.
الفَائِدة الثَّانية: أنَّه لا يصِح اللِّعان إِذَا قَذَفَ أجنبيةً ثم تزوجها، أي: لو قذفَ امرأةً أجنبيةً ثم تزوَّجها فلا لِعانَ؛ لقَوْلهُ: {يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} وإنما يحدُّ للقَذْفِ.
الفَائِدة الثَّالِثَة: عمومُ الآيَة في قَوْلهُ: {أَزْوَاجَهُمْ} يشملُ ما قبل الدُّخول وما بعده، فلو عَقَدَ على امرأةٍ ثم رماها بالزِّنَا أُجْرِيَ بينهما اللِّعانُ؛ لأنَّها زوجتُه.
الفَائِدة الرَّابِعَة: أنَّ رَمْيَ غيرِ الزَّوْجَة ولو كَانَت الأم أو البنت أو الأخت ممَّن يلحقهم عارُه فهو لَيْسَ كقذف الزَّوْجَة، بمَعْنى أن الرَّجل لو قَذَفَ أقربَ النَّاس إلَيْه بالزِّنَا طُبِّقَ علَيْه أحكامُ القاذِفين الثَّلاثَة السَّابقة بخلاف الزَّوج، ووجه ذَلِك ما سبق من الإِشَارَة إلى الحكْمَةُ.
الفَائِدة الخَامِسَة: أنَّ البَدَلَ يُجْعَلُ له حُكم المُبْدَلِ منه، فلمَّا كَانَت البيِّنة على الزِّنَا أرْبَعة شهود، وكان الزَّوج إِذَا قَذَفَ زوجتَه بالزِّنَا يعتبر شاهدًا، والتعدد الشَّخْصِيّ في حقه ممتنعٌ، جُعل التعددُ في نفس الشَّهادةِ.
وَيكُون هَذَا تقريرًا للقاعِدَة المَشْهُورَة المعْرُوفة أنَّ البَدَلَ له حُكم المُبْدَلِ منه، فلمَّا كَانَت شهادةُ الزَّوج على زَوْجَته بالزِّنَا بمنزلة شهادةِ رجلٍ صَارَ تَكرارُها بمنزلة تَكرارِ الرِّجَال وتَعَدُّدِ الشُّهودِ.
الفَائِدة السَّادِسَة: تعظيم هَذَا الْأَمْر بحيث لا يُكتفى فيه بالشَّهادةِ المجرَّدَة؛ بل لا بُدَّ من شهادةٍ مقرونةٍ بيمينٍ فيقول: أشهدُ باللهِ! أشهدُ باللهِ!
لو قَالَ: أشهدُ باللهِ إني لَصادقٌ هل يُجْزِئُ أو لا بُدَّ أنْ يقولَ: إنه لمَنَ الصَّادِقينَ؟
قَالَ الفقهاءُ في هَذِهِ المَسْألة: لا بُدَّ أن يَكُون باللفظ، وفي نفسي من ذَلِك شَيْء؛ لأنَّ هَذ لَيْسَتْ ألفاظَ ذِكْرٍ يَتَعَبَّدُ الْإِنْسَان بها، إنما هي ألفاظٌ يُقْصَدُ بها إِثْباتُ ما شهد به.
ولا شَكَّ أن الأَوْلَى والأَحْرى والأَبْرَأَ أنْ يقولَ ذَلِك بلفظ القُرْآن، لكن لو قَالَ: إني لصادقٌ؛ فالظَّاهِر أنَّه يُجْزِئُ؛ لأَن المَقْصُودَ بقَوْلهُ: {إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} إِثْباتُ الصِّدق أو الشَّهادة باللهِ على صِدْقه.
* * *