المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الآية (27) * * *   * قَالَ اللهُ عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ - تفسير العثيمين: النور

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌نُبْذَةٌ مُخْتَصَرَةٌ عَنْ فَضِيلَةِ الشَّيْخِ العَلَّامَةِ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ العُثَيْمِين 1347 - 1421 هـ

- ‌نَسَبُهُ وَمَوْلِدُهُ:

- ‌نَشْأَتُهُ العِلْمِيَّةِ:

- ‌تَدْرِيسُهُ:

- ‌آثَارُهُ العِلْمِيَّةُ:

- ‌أَعْمَالُهُ وجُهُودُهُ الأُخْرَى:

- ‌مَكانَتُهُ العِلْمِيَّةُ:

- ‌عَقِبُهُ:

- ‌وَفَاتُهُ:

- ‌الآية (1)

- ‌الآية (2)

- ‌الآية (3)

- ‌الآية (4)

- ‌الآية (5)

- ‌الآية (6)

- ‌الآية (7)

- ‌الآية (8)

- ‌الآية (9)

- ‌الآية (10)

- ‌الآية (11)

- ‌الآية (12)

- ‌الآية (13)

- ‌الآية (14)

- ‌الآية (15)

- ‌الآية (16)

- ‌الآية (17)

- ‌الآية (18)

- ‌الآية (19)

- ‌الآية (20)

- ‌الآية (21)

- ‌الآية (22)

- ‌الآية (23)

- ‌الآية (24)

- ‌الآية (25)

- ‌الآية (26)

- ‌الآية (27)

- ‌الآية (28)

- ‌الآية (29)

- ‌الآيتان (30، 31)

- ‌الآية (32)

- ‌الآية (33)

- ‌الآية (34)

- ‌الآية (35)

- ‌الآيتان (36، 37)

- ‌الآية (38)

- ‌الآية (39)

- ‌الآية (40)

- ‌الآية (41)

- ‌الآية: (42)

- ‌الآية (43)

- ‌الآية: (44)

- ‌الآية (45)

- ‌الآية (46)

- ‌الآية (47)

- ‌الآية (48)

- ‌الآية (49)

- ‌الآية (50)

- ‌الآية (51)

- ‌الآية (52)

- ‌الآية (53)

- ‌الآية (54)

- ‌الآية (55)

- ‌الآية (56)

- ‌الآية (57)

- ‌الآية (58)

- ‌الآية (59)

- ‌(الآية: 60)

- ‌الآية (61)

- ‌الآية (62)

- ‌الآية (63)

- ‌الآية (64)

الفصل: ‌ ‌الآية (27) * * *   * قَالَ اللهُ عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ

‌الآية (27)

* * *

* قَالَ اللهُ عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27)} [النور: 27].

* * *

قَال المُفسِّرُ رحمه الله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} أَي تَسْتَأْذِنُوا {وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} فَيقُول الْوَاحِد السَّلَام عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ؟ كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيث {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُم} مِنَ الدُّخُول بِغَيْرِ اسْتِئْذَان {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} "تَذّكَّرُونَ"

(1)

بِإِدْغَامِ التَّاء الثَّانِيَة فِي الذَّال خَيريَّته فتعْمَلُونَ بِهِ).

هَذا منَ الآداب الَّتي من شأْنِها حِماية الأعْرَاض، وهَكَذا تجِدُ أغْلَب هَذِه السُّورة في العِفَّة وما يتعلَّق بها من حِمايَة الأعْرَاض وغيْرِ ذَلِك.

ومنْ جملة هَذا الأَدب الَّذي أدَّبنا اللهُ به: أنَّه عندما نُريد أن ندْخُل بُيوتًا غير بُيوتِنا، فتقُول:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ} ، وتصْدِير الحُكم بالنِّداء يدُلُّ على أهميَّته؛ لأنَّ المقصُود بالنِّداء تنْبِيه المُخاطَب، فإذا قُلت:"يا فلان" وهو غيْرُ منتبهٍ فسينتبه، وكذَلِك فإنَّ تصدِيرَ الكَلام سواء كان أمرًا أو نهيًا أو خبرًا يدُلُّ على أهميَّة الكَلام.

(1)

البدور الزاهرة في القراءات العشر المتواترة (ص: 221)، والمحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها (2/ 111).

ص: 151

وكذَلِك فإنَّ وصف المُخاطَبين هنا بالإِيمَان في قولِه تَعالَى: {الَّذِينَ آمَنُوا} يدُلّ على أن هَذا العَمل منَ الإِيمَان، وأن مخالَفتَه مما يُنقِص الإِيمَان، ويُراد به أيضًا الإغْرَاء على الْتِزَام الحُكْم، لأنَّ هَذا الوصْف معناهُ أنَّ الحُكم التَّالي من مُقتَضى الإِيمَان، مثل لو قِيل:"يَا رجُلُ افْعَل كذا" فهَذا يقْتَضي الحثَّ والإغرَاء لأنَّ مقتضاه أنَّ مِن رُجولَتِك أن تفْعَل هَذا الأمْر.

فصار الغَرَض مِن توْجِيه النِّداء إلى المُؤْمِنين بوَصْف الإِيمَان الحثُّ والإغرَاء على الْتِزام هَذا الحُكم، فكأنَّه يُقَال: إن كنْتَ مُؤْمِنًا فافْعَل كذا.

قَال تَعالَى: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} ، (لا) ناهِيَةٌ، والأَصْل في النَّهي التَّحريم، وقوْله:{بُيُوتًا} عامٌّ لكونِه نكرِةً في سِياق نهْيٍ، فالمُرادُ: لا تدْخُلوا أيَّ بيْتٍ غير بُيوتِكم الَّتي تملِكُونها إلا بعْد أمْرَيْن:

الأوَّل: حتى تستَأْنِسوا.

الثَّاني: وتسلِّموا على أهلِها.

قَال المُفسِّر: [{تَسْتَأْنِسُوا} أَي تَسْتَأْذِنُوا]، وتفسِير الاسْتِئْناس بالاسْتِئْذان هو تفسيرُ الشَّيْء ببعْض أفْرادِه ليكُونَ ذَلِك كالمثَال، لأنَّ الاسْتِئْناس أعمُّ منَ الاسْتِئْذان، فقد يستَأْنِس الإِنْسان ولا يكونُ في قلبِه وحشَةٌ مِن دُخول هَذا البَيْت وإنْ لم يَستَأْذن، وحينها لا يكون علَيْه إلا السَّلام، كما لو دَعاك إنسانٌ إلى بيتِه بعد صلاة الظُّهر فلمَّا جئتَ وجدْتَ البابَ مفْتوحًا، فهُنا ليْس عليْك الاسْتِئْذان، ولكِن بَقِي عليْك أن تُسلِّم، لأنَّ الاسْتِئْذان هُنا لا محلَّ له، لأنَّ الرَّجُل قد دَعاك وعيَّن الوقت، وأنتَ جئْتَ فوجدْت الْباب مفتوحًا.

ص: 152

وبهَذا نعرف أن هَذِه القِراءَة السبعيَّة أصحُّ منَ القِراءَة الَّتي وردَت عن ابْنِ عبَّاس رضي الله عنها في قوْلِه: "حتى تسْتأذِنُوا"

(1)

، وكذَلِك ورَد عنه في الحدِيث:"أنَّ كلمة {تَسْتَأْنِسُوا} خطأٌ منَ الكَاتِب"

(2)

، فهَذا لا يصحُّ عن ابن عباسٍ وإِنْ كان قدْ ذُكر في نصِّ الحدِيث؛ لأنَّ الكَاتِب لا يُمكِن أن يُخطِئ في حرفٍ من كتاب الله عز وجل ثم تتلقَّاه الأمَّةُ بالقَبُول، لأنَّه لو فُرِض هَذا الشَّيْء لاقْتضَى أنَّ الله لم يحفَظْ هَذا الذِّكر، والله سبحانه وتعالى يَقُول:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]، فكيْف يخطِئ الكَاتِب وتتلقَّاه الأُمَّة بالقَبُول، وتقرأُ بِه في صلاتِها، وتعلِّمُه صِغارَها؟ ! هَذا لا يُمكِن.

ومثل هَذا الحدِيث إذا وَرد يُمكِن إعلالُه ولو كان صحيحَ السَّند؛ لأنَّه مِن جملة ما يدُلّ على ضعْفِ الحدِيث أن يكُون مخالفًا لما عُلم بالضَّرورة منَ الشَّرْع أن هَذا الحدِيثَ لا يصِحُّ، فيجِب أن نحكُم ببُطلَانه؛ لأنَّه لا يُمكِن لرُواةٍ أن يأتُوا بما يخالِفُ المعلُوم بالضَّرورَة من أحكام الإِسْلام.

كما أنَّ تناقُل القرآنِ الكَريم لَيْست وسيلتُه الكتابةَ فقط، بل بالنُّطق أيضًا، ولو فرَضْنا بجَواز كِتابة شيْءٍ منْه خطأً، فإنَّ النُّطق سيَبْقى سليمًا، وهَذِه القِراءَة المرويَّة عن ابْن عبَّاسٍ رضي الله عنهما لم تصِحَّ في شيْءٍ منَ القراءاتِ السبعيَّة، بل هي شاذَّةٌ.

فتفسير الاسْتِئْناس بالاسْتِئْذان هو من بَاب تفْسِير العامِّ ببعْض أفرَادِه، والمُفَسِّرون قد يُفسِّرُون أحيانًا الشَّيْء ببعْض أفرادِه مِن باب التَّمثيل، كما في قولِه

(1)

المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها (2/ 107).

(2)

المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها (2/ 393).

ص: 153

تَعالَى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} ، قَال:[الباخل بالزَّكاة]، {وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ} قَال: الباذِل للزَّكاة الواجِبَة، {وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} [فاطر: 32]، قَال: البَاذل للصَّدقَة بعد الزَّكاة، فهَذا تفسِيرٌ بالمثال فقَط، لا عَلى أنَّ الآيَة يُراد بِها ما ذُكِر.

قوْله: {وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} بدأ اللهُ بالاسْتِئْذان قبْلَ السَّلام، وهَذا هو التَّرتِيب الطَّبيعيُّ؛ لأنَّك لو استأذنْتَ علِمْت أنَّ في البَيْت أحدًا فتُسلِّم، فالآيَة مُرتَّبة على التَّرتيب الطبيعيِّ: الاسْتِئْذان أوَّلًا، ثم السَّلام ثانِيًا، قبل أن يتكلَّم الإِنْسان بأي شيْء.

وقَال المُفَسِّر: (فَيقُول الْوَاحِد: "السَّلَام عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ؟ "

(1)

، كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيث)، وهَذا الحدِيث الَّذي ورد يُحمَل على ما لو كان المسْتَأْذِن عالمًا بأن صاحِبَه موجودٌ، فحينَئذٍ يُسلِّم علَيْه ثم يَستَأْذن، أمَّا لو كَان لا يَعْلم فيُقدِّم الاسْتِئْذان أوَّلًا ثم يُسلِّم.

ولهَذا اختلف العُلَماءُ في مسألَة: هل تسْتَأذِن أوَّلًا، أو تُسلِّم أوَّلًا؟ على أقوالٍ ثلاثَةٍ: فمِنْهم مَن يرى تقديمَ الاسْتِئْذان على السَّلام؛ لظاهر الآيَة: {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} .

ومنْهُم من يرى أن السَّلام قبل الاسْتِئْذان؛ لأحاديث وردت في ذَلِك.

ومنْهُم مَن يرى أنَّه لو علِم أنَّ صاحب البيْتِ موجودٌ فعلَيْه أن يُسلِّم أوَّلًا ثم يَستَأْذن، وأمَّا إذا لم يعْلَم بوُجودِه فإنَّه يَستَأْذن أوَّلًا ثُمَّ يُسلِّم، وهَذا القوْل أصحُّ الأقوالِ الثَّلاثَة؛ لأنَّ فيه جمعًا بين الآيَة والأحاديث الوارِدَة، ولأنَّه موافِقٌ تمامًا للنَّظر.

(1)

أخرجه الترمذي: كتاب الاستئذان والآداب، باب ما جاء في أن الاستئذان ثلاث، رقم (2690).

ص: 154

وقوْلُه تَعالَى: {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ} الخِطاب هنا للمُؤْمِنين، ويتركَّب مِن (ذا) اسْم إِشارَة، و (كُم) للمُخاطَب الجَمْع، فاسْم الإِشارَة يكون حسَب المشَار إلَيْه، وضَمير الخِطاب يكُون حَسب المُخاطَب، فإذا كان المشَار إلَيْه مُفردًا والمُخاطَب جماعةً مُذكَّرة تقول:"ذَلِكم"، وإنْ كان المشَار إلَيْه مؤنَّثًا والمُخاطَب جمعَ مذكَّرٍ فتقول:"تلْكُم".

وفي لُغةٍ ثانيَةٍ: يجوز فِي كاف الخِطاب أن تبْقَى مفرَدَةً، مفتوحَة للمذكَّر، مكسورَةً للمؤنَّث، سواء كُنت تخاطِب مفردًا أو مُثنًّى أو جماعَةً فتقُول:"ذَلِكَ" عنْد خِطاب مذَكَّر مفرَد أو أكْثر، وتقول:"ذَلِكِ" عند خِطاب مؤنَّثٍ مفرَدٍ أو أكثر.

وفي لغةٍ ثالثة: يجوزُ فتح الكافِ دائما، سواء كنت تخاطِب مذكَّرًا أو مؤنَّثًا، مفردًا أو جمعًا، وهَذِه أقلّ اللغات الثلاثَةِ.

وما الخيريَّة الَّتي تترتَّب على الاسْتِئْذان والتَّسليم إذا أرَدْنا دُخول بُيوتٍ غيْر بُيوتِنا؟

فالجوابُ: الخيريَّة في هَذا فيما يلي:

1 -

أنَّك لا تكْشِف محارِم البَيْت، فإنَّ كلَّ أهل بيْتٍ لا يحبُّون أنْ يدْخُل علَيْهم أحدٌ وهُم في حالٍ لا يحبُّون أن يَنْظر إلَيْهم أحدٌ فيها.

2 -

ألا يقع صاحِب البَيْت في إحراجٍ لو دَخل علَيْه أحدٌ دون اسْتِئْذان ولا على رغبَةٍ منه.

3 -

لأنَّ هَذا أقرب لتهيُّؤِ صاحب البَيْت واستعدادِه، حتَّى لا يظُنَّ الدَّاخل أنَّه قد أهانَه.

ص: 155

4 -

براءة الإِنْسان منَ التُّهمَة، وهَذا من أهَمِّ فوائِد الاسْتِئْذان، فلو دَخل المرْءُ علَى بيتٍ بدُون اسْتِئْذان فقَد يُتَّهم مثلًا بالسَّرقَة، أو بإرادَةِ الفاحِشَة.

5 -

وفيه تأمينُ أهل البَيْت بالسَّلام من شرِّ هَذا الدَّاخل، مع الدُّعاء لهم بالسَّلامة، فالسَّلام معناه أنَّك تدعو لهم بالسَّلامَة، إذن فمِنَ الأحْرَى والأَوْلى أنَّك لن تضرَّهم، بل ستحرِص على سلامَتِهم، ولهَذا قَال العُلَماء: لو سلَّم المسْلِم على كافِرٍ فإنَّ هَذا تأمينٌ له.

6 -

فيه الإحسانُ لأهل البَيْت بالسَّلام علَيْهم.

7 -

وفيه أن الدَّاخل قد كسب أجرًا بهَذا السَّلام، فالمسْلِم إذا قَال لأخيه المسلِم:"السَّلام عليكم" فازَ بعشر حسناتٍ

(1)

، والعاقِلُ لا يفرِّط في عملٍ يفوز به بحسَنات، ولا يزْهَد في الحسَنات إلا جاهِلٌ أو متهاوِنٌ.

فهَذِه أُمور منَ الخير في الاسْتِئْذان تتبيَّن بالنَّظر، لكن بعدما أمر الشَّارع بالاسْتِئْذان فتكون الخيرَّية الحَقِيقيَّة هي امتثال الأمْر، وهَذِه هي الخيرَّية الَّتي لا معارِض فِيها، فكلُّ ما أمَر بِه الله عز وجل أوْ نهى عنْه فإنَّ الخيريَّة الحقَّ فِيه هي الامتثالُ لَه سواء كان أمرًا أو نهيًا، وهَذا هو الأمْر الَّذي من أجلِه خُلق الخَلْق، قَال تَعالَى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56].

قوْلُه تَعالَى: {وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} ، في هَذا السِّياق يقتَضي العُموم، فهل لو كان أهلُها كُفَّارًا، أتسلِّم علَيْهم؟ ظاهر الآيَة أن تُسلِّم.

وهل هَذا الظَّاهر يُخصَّص بقولِ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَبْدَؤُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى

(1)

أخرجه الترمذي: كتاب الاستئذان والآداب، باب ما ذكر في فضل السلام، رقم (2689).

ص: 156

بِالسَّلامِ"

(1)

، أم نَقُول: أن الحدِيثَ في الملاقَاة أمَّا الآيَة فَفي الاسْتِئْذان؟

الظَّاهر أن الآيَة مخصوصَةٌ بمَنْ كان مِن أهل السَّلام، فلو كانَ مِن غيْر أهل السَّلام فلا يُسلَّم علَيْه، لكن يَستَأْذن فقط.

قوْله: {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} ، (لعل) إِذا جاءَت في كَلام الله عز وجل فَهِي للتَّعليل، أي: إنَّا أمرْناكم بهَذا الأمْر لأجْل أن تذكَّروا، ويَقُول المُفَسِّر:["لَعَلَّكُمْ تَذَّكَّرُونَ" بِإِدْغَامِ التَّاء الثَّانِيَة فِي الذَّال]، فقوْله:"تذَّكرون" أَصْلها (تتذكرون)، وعلى قِراءَة المُفسِّر:"تذَّكَّرون" بتشْدِيد الذَّال، ومعناها: تتَّعظون؛ لأنَّ التذكُّر هو اتِّعاظ الإِنْسان، وكوْن الأمْر يبْقَى على بالِه فلَا يسْهُو عنه.

وقوْل المُفسِّر: [خَيرَّيته فَتَعْمَلُونَ بِهِ] تُفيد أن مفعولَ {تَذَكَّرُونَ} محذوفٌ وتقديرُه (خيريَّته)، على أن الحَقِيقة أن هَذا الفعل لا يظهر لي أنَّه متعدٍّ، بل الظَّاهر أنَّه لازِم، ما دام بمَعْنى اتَّعظ.

(1)

أخرجه الترمذي: كتاب السير، باب ما جاء في التسليم على أهل الكتاب، رقم (1602).

ص: 157