الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (17)
° قَالَ اللهُ عز وجل: {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17)} [النور: 17].
* * *
قَوْلهُ: {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا} يَقُول المُفَسِّر رحمه الله: [يَنْهَاكُمْ] اهـ.
الْأَمْر والنَّهي مَوْعِظَة؛ ولهَذَا قَالَ اللهُ عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} ثم قَالَ: {إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} [النساء: 58]، فجعل الْأَمْر مَوْعِظَة؛ لأَنَّ الْإِنْسَان يتعظ بها، هكذا هُنا {يَعِظُكُمُ اللَّهُ} أي: يحذركم الله سبحانه وتعالى بالمَوْعِظَة والتَحذِير متضمن للنهي.
وعلى هَذَا فيَجب أن نعرف أن قَوْل المُفَسِّر: [يَنْهَاكُمْ] لَيْسَ تفسيرًا لها بمقتضى اللَّفْظ ولكن بما يدُلّ علَيْه المَعْنى، وإلا فالمَوْعِظَة هي التَّحذِير بما يلين الْقَلْب تخويفًا أو ترغيبًا.
قَوْلهُ: {أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ} أي: من أن ترجعوا لمثله أبدًا يعني ما دمتم أحياء.
قَوْلهُ: {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} هل هي شرط للمَوْعِظَة أي: لـ (يعظكم) أو جملة مستقِلَّة والتَّقدير "إن كنتم مُؤْمِنِينَ فاتعظوا بِذَلِك" يَقُول المُفَسِّر رحمه الله: [{إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} تَتَّعِظُونَ بِذَلِكَ] اهـ.
هَذِهِ الجُمْلَة في الحَقيقَة إن قلت: إنَّها شرط في قَوْلهُ: {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17)} فإنَّه يَجب أن نؤول المَوْعِظَة هُنا بالمَوْعِظَة النَّافعة لا بمجرد ذكر المَوْعِظَة؛ لأَنَّ المَوْعِظَة لا تنفع إلَّا بشرط الإِيمَان.
وأمَّا إِذَا قُلْنا: إن المَوْعِظَة بَيان لما يتعظ به المرء فلَيْسَ الإِيمَان شرط في ذَلِك، فإن مَوْعِظَة الله مُلقَاة لكلِّ أحدٍ سواء كَانَ مؤمنًا أم غير مُؤْمن، ولكن لا ينتَفِع بها إلَّا المُؤْمِنُ، قَالَ تَعَالَى:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ} هَذَا عام {وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 57]. فالحاصِل: أن قَوْلهُ: {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} إن كَانَت قيدًا في قَوْلهُ: {يَعِظُكُمُ} فالمُراد بالمَوْعِظَة المَوْعِظَة النَّافعة فإنَّها هي الَّتِي تنفع المُؤْمِن، أو نقول: إن كَانَت المَوْعِظَة إلقاءُ ما به الوعظ للنَّاس سواء انتفعوا أم لم يَنْتَفِعوا فإن قَوْلهُ: {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} مستقلَّة وجوابها محذوف؛ أي: إن كنتم مُؤْمِنِينَ فاتَّعِظوا بما وعظكم اللهُ به، وعلى كلا الاحتمالَيْن فيه إِشارَة واضِحة على أنَّه لا يَنْتَفِع بمَوْعِظَة الله إلَّا المُؤْمِنُ، أما غير المُؤْمِن فإنَّه لا يَنتفِع.
مِنْ فَوَائِدِ الآيَة الْكَرِيمَةِ:
الفَائِدةُ الأُولَى: تحذير المُؤْمِنِينَ أن يقع منهم هَذَا العَمَل.
الفَائِدة الثَّانية: أن الوقوع في مثل هَذَا ينافي الإِيمَان؛ لقَوْلهُ: {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا} يعني يعظكم من العود {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} ثم قد ينافي كماله أو أصله حسب ما تقْتَضِيه الحال.
الفَائِدة الثَّالِثَة: أن الإِيمَان منه أعمال ينتَفي بانتفائِها؛ لأَنَّ الله جعل هَذِهِ الأَشْيَاء منافية لِلْإيمَانِ.
لو قَالَ قَائِل: هل يُمْكِن إِثْبات القياس من قَوْله تَعَالَى: {أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ} ؟
الجواب: المُراد بقَوْلهُ: {لِمِثْلِهِ} أي: لمثل هَذَا الكَلام أو لهَذَا الكَلام على أي صُورَة كَانَ سواء جاء بصُورَة القَذْف الَّذِي وقع لعَائِشَة رضي الله عنها أو بصُورَة أُخْرَى لكنَّه قَذْف، فهو نفس الشَّيء، ومثل هَذَا قَوْله تَعَالَى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11]، وكقولهم:"مثلك لا يبخل" فإِثْبات القياس من هَذِهِ الآية لَيْسَ بوجيه.
الفَائِدة الرَّابِعَة: أن المُؤْمِن هو الَّذِي يَنْتَفِع بالمَوْعِظَة أما غيره فإنَّه لا يَنْتَفِع؛ لقَوْلهُ: {يَعِظُكُمُ} وقَوْلهُ: {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} .
الفَائِدة الخَامِسَة: فضل الله ورحمته بالعباد حيث كَانَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعالي يعظهم عما يضرهم وينافي إيمانهم، ولا شَكَّ أنَّ الَّذِي يَعِظُك وُيرشدُك وَينْصحُك له فضل عَليْك.
* * *