الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (35)
* * *
* * *
قَوْلهُ: {الله نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [أَي مُنوِّرهمَا بِالشَّمْسِ وَالْقَمَر {مَثَلُ نُورِهِ} أَي صِفَته فِي قَلْب المُؤْمِن] اهـ.
هذه الآية تضمنت عدة أشْيَاء:
أولًا: قَوْلهُ: {الله نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} هذه الجُمْلَة هل هي على ظَاهِرها وحقيقتها؟ أم هي تحتاج إلى تأويل؟
اختلف فيها أهْل السُّنَّة وغيرهم كالعادة في بقية آيات الصَّفات، فذهب أهل التَّأويل إلى أن الآية لها تأويل وجعلوا التَّأويل: إما أن {نُورُ} بمَعْنى منور كما ذهب إلَيْه المُفَسِّر أو أن {نُورُ} بمَعْنى ذي نور كما تقول: رجل عدل أي: ذو عدل، فمعنى {نُورُ السَّمَاوَاتِ} أي: ذو نور السَّموات والأَرْض أي: صاحب نورهما أي: الخالق للنور فيهما وعلَيْه فيَعود هَذَا المَعْنى إلى المَعْنى الأوَّل لكن الاختلاف في التَّقدير، وهَذَا مذهب أهل التَّحريف الَّذينَ يُسمَّون أهل التَّأويل والأصح في تسميتهم أهل
التَّحريف؛ لأَن التَّأويل في الحقيقَة منه صحيح ومنه غير صحيح، والأليق بالتَّأويل غير الصَّحيح أن يسمى تحريفًا؛ لأنَّه صرف للفظ عن مدلوله بدون دَليل وهَذَا هو التَّحريف حَقِيقَة، أما أهْل السُّنَّة والجماعَة فقالوا: إن الآية على حقيقتها وعلى ظَاهِرها، وأنَّ الله سبحانه وتعالى نور السَّموات والأَرْض لكن النُّور نوعان: نورٌ هو ذات الباري جَلَّ وعلَا وصفاته وآياته وأحكامه وكلامه لما يحصل به من الهداية، أي أن أصل النُّور هو الَّذِي يهتدي به كقول الخنساء
(1)
:
........................
…
كأنَّهُ عَلَمٌ في رَأسِهِ نارُ
وهَذَا غير مخلوق، ونورٌ آخر حسي مخلوق، منفصل بائن عن الله، فالنُّور الَّذِي نراه في الشَّمس، وفي القمر، وفي النُّجوم، وفي السُرج هَذَا من النُّور الحسي المخْلُوق ثم النُّور المخْلُوق منه أيضًا: حسيّ ومعنويّ، فالحسي الَّذِي مثلنا به والمعنوي ما ذكره الله تَعَالَى بقَوْلهُ:{مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ} إلى آخِره.
فالطَّريق السَّليم أن نقول: نور الله سبحانه وتعالى لَيْسَ مخلوقًا، لَيْسَ كنور القمر الَّذِي جعله الله تَعَالَى فيه، قَالَ تَعَالَى:{وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا} [نوح: 16]، ولَيْسَ كنور المصباح، ولَيْسَ كالنُّور الَّذِي يَكُون في قلب المُؤْمِن من العِلْم والهداية والإِيمَان، ولكنَّ النُّور حقيقي لله سبحانه وتعالى فهو نورٌ وصفاته نور وكَذلِك آياته نور سماها الله تَعَالَى نورًا لأَن الله تَعَالَى وصف نفسه بهَذَا الشَّيء، ولكن لَيْسَ كالنُّور الَّذِي نتصوَّره أو نتخيَّله فإن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُول:"حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ"
(2)
، يعني لأحرقت سُبُحات وجهه كل شَيْء
(1)
ديوان الخنساء (ص: 386).
(2)
أخرجه مسلم: كتاب الايمان، باب في قوله صلى الله عليه وسلم:"إن الله لا ينام"، رقم (179).
لأَن بصره ينتهي إلى كل شَيْء.
إِذَنْ أهْل السُّنَّة والجماعَة يَقُولُونَ: إن الله تَعَالَى نور السَّموات والأَرْض، فهو نور بذاته، وكَذلِك أيضًا صفاته، وكَذلِك آياته سماها الله تَعَالَى نورًا، قَالَ تَعَالَى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا} [النساء: 174]، فهو سبحانه وتعالى نور لكن أهل التَّحريف لما ظنوا أن النُّور هو مادة الإضاءة أو الضوء نفسه قالوا: هَذَا عرض يزول والله سبحانه وتعالى منزه عن العرض أو هَذَا جسم يعني قابلًا للإضاءة والله تَعَالَى منزه عن الجسم على حد تعبيرهم وقواعدهم.
لكنَّنا نقول ما الَّذِي يسوغ لنا أن نعدل بالآية عن ظَاهِرها ولا نقول الله نور السَّموات والأَرْض؟
وقد قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ" فأثبت لوجهه نورًا.
إِذَنْ كلام المُفَسِّر رحمه الله [أَي: مُنوِّرهمَا] هَذَا لَيْسَ بصحيح، هَذَا تحريف وإنما معناه نور في السَّموات والأَرْض نور بذاته وصفاته وآياته تبارك وتعالى.
لو قَالَ قَائِلٌ: الَّذينَ يحرفون نُصُوص الْكِتَابِ وَالْسُّنَّةِ هل يعذرون؟
مَسْأَلة العذر شَيْء آخر، نحنُ نبطل القَوْل ونعذر القائل، ونقول للرَّجُلِ إِذَا أخطأ أخطأت، ولكن مع ذَلِك لا نلومه إِذَا علمنا منه حسن النِّية، بل نحبه أيضًا، نحنُ نعرف الآن علماء أجلاء فضلاء ممَّن سلكوا هَذَا المسلك مسلك التَّحريف في أَسْماء الله وصفاته، ومع ذَلِك نُشْهِد الله على محبتهم؛ لأَننا نعرف أنهم لم يسلكوا ذَلِك إلا عن اجتهاد وحسن نية، لما لهم من قدم الصِّدق في الإِسْلام والنُّصح للإِسْلام
والمكانة، مثل النَّووي وابن حجر العسقلاني رحمهما الله تعالى، وغيرهما كثير، هَؤُلَاءِ لا أحد يكرههم أو يبغضهم أو يسيء الظَّن بهم.
لكن لا مانع من أن نقول إِذَا أخطئوا: قولهم خطأ، ونقول: قولهم باطل، لكن لا يَلْزَم من ذَلِك أن نلوم هَذَا الشَّخص إِذَا علمنا منه حسن النِّية وأن هَذَا هو الَّذِي أداه إلَيْه اجتهاده، وهَذ طريقة أهْل السُّنَّة والجماعَة، ولذَلك لا تجد بينهم عداوة ولا بغضاء إِذَا اختلفت أقوالهم، لأَن كل واحد منهم يعرف أن صاحبه معذور، لكن أهل الأهواء والعِيَاذ باللهِ هم الَّذينَ لا يعذرون أحدًا يخالفَهْم وإن كانوا هم على باطل ولذَلك تجدهم يُكِنون العداوة والبغضاء لمن خالفَهْم.
قَوْلهُ: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ} قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [أَي صِفَته فِي قَلْب المُؤْمِن] اهـ. {مَثَلُ نُورِهِ} أي مثل نور الله كمشكاة، المُفَسّر رحمه الله قَالَ:[فِي قَلْب المُؤْمِن {كَمِشْكَاةٍ} إلى آخِره]، لماذا لا نجعل {مَثَلُ نُورِهِ} الَّذِي هو نور ذاته وصفته؟ يعني من الَّذِي أوجب لنا أن نؤول؟
لأَن الله لا مثل له، لا يُمْكِن أن نمثل نوره الَّذِي هو صفته بشَيْء من المخْلُوقات فإن الله سبحانه وتعالى قَالَ:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] ، إذن لابدَّ من التَّأويل.
وفي الحَقيقَة إِذَا قَالَ قَائِلٌ: ألستم تنكرون التَّأويل؟ نقول: لا ننكر التَّأويل مطلقًا، بل ننكر التأويل الَّذِي لا دَليل عليه، أما ما يَقْتَضيه العَقْل فإنَّه أمر معْلُوم لأَن عقلك هل يُمْكِن أن يصدق أن نور الله بهَذَا الحجم {كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} ؟ أبدًا حَتَّى العَقْل يمنع هَذَا، إِذَا كَانَ العَقْل يمنع هَذَا فالتَّأويل لا بُدَّ منه، يَقُول الله عز وجل في ريح عاد:{تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} عقلًا لم تدمر السَّموات ولم تدمر
الأَرْض وإنما دمرت كل شَيْء يَنتفِعون به بِدَليل قَوْلهُ: {لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} [الأحقاف: 25].
فعَلَى كُلِّ حَالٍ إننا نقول: مثل نوره، أي: مثل نوره الَّذِي يضعه في قلب المُؤْمِن، وبعضهم يَقُول: مثل نوره الَّذِي يهدي به، ويرى أن هَذَا من باب التقريب المعنويِّ للحسيِّ ويقول مثلًا: إن القُرْآن نور، مَثَلَ هَذَا النُّور كمشكاة
…
إلى آخِره، لكن الأسلم ما ذهب إلَيْه المُفَسِّر رحمه الله أن المُراد بالنُّور هُنا: النُّور الَّذِي يضعه الله تَعَالَى في قلب المُؤْمِن.
قَوْلهُ: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} ما هي المِشْكَاة؟ المِشْكَاة: الكوة {فِيهَا مِصْبَاحٌ} سراج {الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ} قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [هي الْقِنْدِيل، و {الْمِصْبَاحُ} السِّرَاج، أَي: الْفَتِيلَة المَوْقُودَةُ، وَالمِشْكَاة: الطَّاقَة غَيْر النَّافِذَة، أَي: الْأنبُوبَة فِي الْقِنْدِيل] اهـ.
المشكاة كما قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: الطَّاقَة غَيْر النَّافِذَة الَّتِي يسميها النَّاس عندنا الرُّوزَنَة هذه إِذَا كَانَ فيها مصباح، وهَذَا المصباح في زجاجة -وسيأتي أيضًا وصف هذه الزجاجة- يَكُون نوره أقوى لأَن النُّور ينعكس ولا يتبدد، وهَذَا في الحَقيقَة أصل العَمَلية الَّتِي يسمونها الكُبْس الَّتِي تعكس النُّور فهي مأخوذة من القُرْآن؛ لأَن هذه المشكاة هي في الحقيقَة نظرية الكُبْس.
قَوْلهُ: {الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا} قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [أي: وَالنُّور فِيهَا {كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} أَي: مُضِيء بِكَسْرِ الدَّال وَضَمّهَا مِنْ الدَّرْء بِمَعْنَى الدَّفْع لِدَفْعِهَا الظَّلَام، وَبِضَمِّهَا وَتَشْدِيد الْيَاء مَنْسُوب إلَى الدُّرّ: اللُّؤْلُؤ] اهـ.
فالآية فيها قراءات ثلاث:
{دُرِّيٌّ} بضم الدال وتشديد الياء بدون همزة منسوب إلى الدر وهو اللؤلؤ لصفائه.
و"دُرِّئٌ"
(1)
بكسر الدال، فعِّيل على وزن سكَّين مبالغة من الدَرء بمَعْنى الدفع.
و"دُرِّئ"
(2)
بضم الدال، فعِّيل، أيضًا من الدرء بمَعْنى الدفع، والكَوْكَب الدُري معناه العَظِيم النُّور والتوقد يعني: توقده ونوره عَظِيم، وَذلِك لأَن وصفه بهَذَا الدرء يدُلّ على قوة نوره ونفوذه، وكلما كَانَ أَشَدّ لمعانا كَانَ أَشَدّ درءًا، فـ (دُريءٌ) مشتق من الدرء، درأ يدرأ فهو داريء، فـ (داريء) اسم الفاعل، لكن جاءت المَسْأَلة على باب المبالغة؛ لأَن وزن فِعِّيل وفُعِّيل كلاهما من صيغ المبالغة؛ لأَن كل مشتق بمَعْنى اسم الفاعل إِذَا عُدل به عنه، فهو يدُلّ على أحد أمرين: إما المبالغة، وإما الصِّفة المشبهة، فهُنا يدُلّ على المبالغة يعني بسبب قوةِ توقده وقوة ضوئه يَكُون دِرِّيئًا أي: يدرأ الظلام بقوة نفوذه، ولا يدرأ الظلام بقوة نفوذه إلا وهو عَظِيم التوقد وعَظِيم النُّور؛ لأنك لو أتيت مثلًا بسراج أو لمبة صغيرة هل تدرأ الظلام؟ لا تدرأ إلا درءًا بسيطًا فيما حولها، لكن لو أتيت بلمبة كَبيرَة وعَظِيمة تدرأ الظلام بقوة ولذَلك يَكُون ما حولها منيرًا جدًّا، وكَذلِك أيضًا أوسع وأبعد.
القِراءَة الأُخْرَى: "دُرّيٌّ" منسوب إلى الدر كما تقدَّم، وهو اللؤلؤ لصفائه، يعني لا يوجد مثلًا قَتَم يحول بيننا وبين هَذَا الكَوْكَب بل هو صافٍ جدًّا مثل الدر، هاتان القراءَتان قد سبق الإِشَارَة إلى أن القراءَتَين يَكُون مِنْ فَوَائِدِهما أحيانًا سعة
(1)
تحبير التيسير في القراءات العشر (ص: 481)، وحجة القراءات (ص: 499).
(2)
المصدر السابق.
المَعْنى، يعني اختلاف القراءتين قد يَكُون له مصلَحَة وفَائِدَة عَظِيمة منها مثلًا التفسير كقَوْلهُ:"فتثبتوا"، "فتبينوا"
(1)
ومنها توسيع المَعْنى فمثلًا {دُرِّيٌّ} أو (دِريء) و (دُري) والذي وسمع المَعْنى أنَّها بنفْسِها صافية بناءً على الدري وقوية الإضاءة بناءً على (دِرِّيءٌ) فهَذه مِنْ فَوَائِدِ اختلاف القراءات أنه يظهر في كل قِراءَة معنى غير الَّذِي ظهر في القِراءَة الأُخْرَى فيَكُون ذَلِك أوسع وأشمل.
قَوْلهُ: {يُوقَدُ} قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: (المِصْبَاح بالمَاضِي، وَفي قِراءَة بِمُضَارع أَوْقَد مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ بِالتَّحْتَانِيَّة، وَفِي أُخْرَى "تُوقَدُ"
(2)
بِالْفَوْقَانِيَّةِ، أَي: الزَّجَاجَة) اهـ.
إِذَنْ في الآية ثلاث قراءات هُنا كأنَّها كوْكب (دُرِّي تَوَقَّد) هَذَا على أنه فعل ماضي، أي: استمد الوقود من شَجرَة مُباركة إلى آخِره، وفيها أيضًا (يُوْقَدُ) أي: يوضع فيه الوقود، وفيه أيضًا (تُوْقَدُ).
على قِراءَة "تَوَقَّدَ" وعلى قِراءَة (يُوقَدُ) الضَّمِير يَعود على المصباح، ولا يصِح أن يَعود على الكوْكَب لأَن الكَوْكَب لا يوقد من هَذَا الشَّيء أي: أن الكَوْكَب لا يوقد من الشَّجرة الَّذِي يوقد هو المصباح.
يَقُول المُفَسِّر رحمه الله: [وفي أُخْرَى "تُوْقَدُ" بالفوقانية أي: الزجاجة] اهـ.
الضَّمِير يَعود على الزُّجاجة لا على المصباح وهنا لا يقال مثلًا: إن الضَّمِير يَعود إلى أقرب مذكور، لأَن القاعِدَة الضَّمِير يَعود على أقرب مذكور ما لم يوجد مانع لفظي أو معنوي فهُنا وجد مانع لفظي، والمانِع اللفظي هو أَن قَوْلهُ:[تُوْقَدُ] الضَّمِير فيه يَعود على مؤنث والمصباح مذكر، هُنا وجد مانع لفظي يمنع من عود
(1)
تحبير التيسير في القراءات العشر (ص: 342)، وحجة القراءات (ص: 209).
(2)
حجة القراءات (ص: 500).
الضَّمِير إلى آخر مذكور، وربما يوجد مانع معنوي مثل قَوْله تَعَالَى:{وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ} قَوْلهُ: {هُوَ} أي: الله {اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ} [الحج: 78]، الضَّمِير يَعود على (الله) لأنَّه قَالَ:{مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ} أي: الله {سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا} فإبراهيم عليه الصلاة والسلام لم يسمنا في هَذَا، يعني لو فرض أن قَوْلهُ:{هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ} يصح أن يَعود على إبراهيم لكن قَوْلهُ: [وفي هَذَا] مانع فلِذَلك نقول: هَذَا مانع معنوي؛ لأَن (هو) صالح لأَن يرجع إلى الله وصالح أن يرجع إلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام لكن المَعْنى يمنع منه.
أما على قراءتنا فنقول: (تَوَقَّدَ) و (يُوْقَدُ) كلاهما الضَّمِير يَعود على الكَوْكَب، وأما (تَوَقدَ) فالضَّمِير يَعود على الزجاجة الَّتِي فيها المصباح {الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} .
قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [{مِن} زيت {شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ} بَلْ بَيْنهمَا فَلَا يَتَمَكَّن مِنْهَا حَرّ وَلَا بَرْد مُضِرَّانِ] اهـ.
يَقُول المُفَسِّر رحمه الله: [{مِنْ شَجَرَةٍ} من زيت شَجرَة]، كَيْفَ يَكُون من زيت شَجرَة؟ لأَن الشَّجرة نفسها لَيْسَت هي الوقود وإنما الوقود زيتها.
وقَوْلهُ: {مُبَارَكَةٍ} أي: ذات بَرَكَة، والبَرَكَة هي الخير الكثير الثّابت، مأخوذ من برْكَة الماء لكثرة مائها وثبوته.
وقَوْلهُ: {زَيْتُونَةٍ} وهُناكَ شَجرَة غير الزَّيتون يُوقد منها، لكن زيت الزَّيتون هو أعلاها وأَشَدّها صفاءًا وأقواها نورًا.
وقَوْلهُ: {لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ} كَيْفَ تَكُون {لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ} ما معنى هَذَا؟ يَقُول رحمه الله: [بَلْ بَيْنهمَا فَلَا يَتَمَكَّن مِنْهَا حَرّ وَلَا بَرْد مُضِرَّينِ] هكذا في النُّسخة الَّتِي عندي، والظَّاهِر أن الصَّواب (مضران) ومعنى:{لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ} أي: أنَّها في ربوة أو جبل لأنَّها إِذَا كَانَت في منخفض، فهي لا بُدَّ أن تَكُون شرقية أو غربية.
فإن كَانَت في المنخفض من جهة الشَّرق فهي شرقية، شمس آخر النَّهار لا تصيبها، وإذا كَانَت من جهة الغرب فهي غربية شمس أول النَّهار لا تصيبها، فهي إما في ربوة وَذلِك أكمل وأبين وأعلى وأطيب زيتًا، وإما في مكان مستوٍ، صحراوية، وفي هَذَا دَليل وإرشاد إلى أنَّه يَنْبَغِي لِلإنْسان إِذَا وضع الشَّجر ألا يضعه في مكان يحتجب عن الشَّمس شرقًا أو غربًا بل يَنْبَغِي أن يوضع الشَّجر في مكان يبرز للشمس شرقًا وغربًا.
قَوْلهُ: {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ} يَقُول رحمه الله: لِصَفَائِهِ. اهـ. {يَكَادُ} بمَعْنى يقرب {زَيْتُهَا} أي: زيت هذه الشَّجرة، {يُضِيءُ} أي: يحدث إضاءةً {وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ} كَيْفَ يضيء ولم تمسسه نار؟ يَقُول المُفَسِّر رحمه الله: [لِصَفَائِهِ] فإذا أصابته النَّار مع أن أصله صافٍ يكاد يضيء ماذا يحدث؟ {نُورٌ عَلَى نُور} .
الآن يُمْكِن أن نعرف ما نوع هَذَا التَّمثيل وهل هَذَا التَّمثيل مركب أو مفرد؟ الظَّاهِر أنَّه مركب يعني مركبًا من هذه الأَشْيَاء، ولا يتحقق ولا يتم التَّمثيل إلا بتصور هذه الأَشْيَاء مجتمعة، لو قُلْنا: أنَّه مفرد كَانَ معنى ذَلِك أن كل تمثيل لا يتصل بما بعده، ننظر قَوْلهُ:{مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ} المشبه نور الله، والمشبه به المشكاة، ثم قَوْلهُ:{فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} .
وهل هَذَا التَّشبِيه مستقل عما قبله أو هو في ضمن ما قبله؟
الَّذِي أرى -وهو أبلغ- أن يَكُون في ضمن ما قبله؛ لأجل أن يَكُون التَّشبِيه مركبًا من الصُّورة كاملة، {الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ} إِذَنْ هَذَا تشبيه تمثيل بمَعْنى أن الله شبه النُّور الَّذِي في قلب المُؤْمِن بهَذ القَضيَّة كلها (مشكاة فيها مصباح) والَّذِي يقابل المشكاة هو الْقَلْب، والنُّور الَّذِي يقذفه الله في قلبه مع نور الإِيمَان هو المصباح، لكن هَذَا المصباح مركب في زجاجة والزجاجة صافية لامعة {كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} ووقود هَذَا النُّور {مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ} زيتها صافٍ وجيد، فصَارَت مادة النُّور جيدة، وكَذلِك محله جيد، وكذاك وقايته جيدة؛ لأَن الزجاجة تقي النُّور وتصفيه.
فالنُّور إِذَا لم يكن في زجاجة -كما هو معْلُوم- يَكُون مضطربًا وَيكُون غير صافي، فتجد أن هَذَا النُّور قد كملت فيه أَسْبَاب الصَّفاء من حيث الوقود والمكان، وكَذلِك أَسْبَاب الشُّمول والقوة من حيث كونه في مشكاة، النُّور الَّذِي في قلب المُؤْمِن مثل هَذَا، ولكن المُراد المُؤْمِن كامل الإِيمَان في الحقيقَة.
فأما المُؤْمِن ناقص الإِيمَان فإنَّه ينقص من نوره بمقدار ما نقص من إيمانه، يعني لا تظن أن هَذَا التَّشبِيه لكل قلب مُؤْمن، بل المُراد المُؤْمِن الكامل الإِيمَان، فإن الله تَعَالَى يجعل في قلبه هَذَا النُّور العَظِيم، وَذلِك أمر معْلُوم، كلما قوي إيمان العَبْد وكلما قوي طلبه للحق فإن الله تَعَالَى يهديه ويزداد نوره، وكلما ضعف إيمان العَبْد أو ضعف طلبه للحق فإنَّه يضعف نوره، ولهذَا قَالَ الشَّافعي رحمه الله
(1)
:
شَكَوْتُ إلَى وَكِيعٍ سُوءَ حِفْظِي
…
فَأرْشَدَنِي إلَى تَرْكِ المعَاصِي
(1)
ديوان الشافعي (72).
وأخْبَرَنِي بأَنَّ العِلْمَ نُورٌ
…
ونُورُ اللهِ لَا يُؤْتَاهُ عَاصِي
فكلما نقص الإِيمَان أو نقص طلب الحَقّ فإنَّه ينقص هَذَا النُّور، وكلما ازداد الْإِنْسَان في طلب الحقّ وَذلِك بالتعلم وقوي إيمانه ازداد نوره، ولذَلك تجد أن أهْل العِلْم تقوى معرفتهم بالشَّريعة بحسب ما أوثر عنهم من الإِيمَان والتَّقْوى.
قَوْلهُ: {نُورٌ عَلَى نُورٍ} ما هو النُّور الَّذِي على نور؟ النُّور نور هَذَا المصباح على نور ما في الزيت، فإن هَذَا الزيت أصله فيه إنارة يعني {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ} فكَيْفَ إِذَا أصابته النَّار؟ كَذلِكَ نور الإِيمَان في الْقَلْب، مثل نور الزيت، ونور العِلْم والهداية مثل النَّار الَّتِي تصيب هَذَا الزيت وهَذَا مثل تقريبي وإلا فنور الإِيمَان والعلم في قلب المُؤْمِن أَشَدّ وأبلغ لكن لضرب الأَشْيَاء المعقولة بالأَشْيَاء المحسوسة تقريبًا فقط لا تحقيقًا ومساواة بل بينهما فرق.
قَوْلهُ: {نُورٌ} يَقُول المُفَسِّر رحمه الله: [بِهِ {عَلَى نُورٍ} بِالنَّارِ وَنُور الله أَي: هُدَاهُ لِلْمُؤْمِنِ نُور عَلَى نُور الْإِيمَان] اهـ.
إِذَنْ فالإِيمَان بمنزلة الزيت والهداية بمنزلة النَّار الَّتِي جُعل الزيت وقودًا لها.
قَوْلهُ: {يَهْدِي الله لِنُورِهِ} ، يَقُول المُفَسِّر رحمه الله:[أَي: دِين الإِسْلام {مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ} يُبيِّن {الله الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ} تَقْرِيبًا لِأَفْهَامِهِمْ لِيَعْتَبِرُوا فَيُؤْمِنُوا {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} منْهُ ضَرْب الْأَمْثَال] اهـ.
قَوْلهُ: {يَهْدِي الله لِنُورِهِ} هَذَا النُّور الَّذِي يهدي الله هل هو النُّور الَّذِي يقذفه في قلب المُؤْمِن أو النُّور الَّذِي ينزله للنَّاس؟ الَّذِي ينزله للنَّاس، يهدي الله المُؤْمِن إلَيْه، فالذي ينزله الله سبحانه وتعالى إلى النَّاس من الوَحْي هو نور بلا شَك ويهدي إلَيْه من يشاء.
وقَوْلهُ: {مَنْ يَشَاءُ} تقدَّم أن أي شَيْء عُلق بالمشيئة فإنَّه مقرونٌ بالحِكْمة، فالله تَعَالَى يهدي من يشاء لكن إِذَا اقتضت الحكْمَةُ هدايته، وَذلِك لكونه مستعدًا وقابلًا للهداية، وقد علمنا أن كل من طلب الحَقّ بنية صادقة فإن الله سبحانه وتعالى يهديه، وكل من زاغ عن الحقّ وتولى عنه فإن الله تَعَالَى يضله قَالَ اللهُ تعالى:{فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ الله أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49)} [المائدة: 49].
وقَوْلهُ: {وَيَضْرِبُ الله الْأَمْثَالَ} جمع مَثَلٍ وهو الشَّبَه، أو مِثْل وهو الشِّبْه أيضًا، و {الْأَمْثَالَ} كل شَيْء يُشابه غيره أي: الأشباه والنَّظائر، ولا شَك أنَّ ضربَ الأمثال من نعمة الله سبحانه وتعالى علَى عِبَادِه، لأنَّ هَذَا لا شَك أنه من تمَام التَّعليم، وإلا فلو شاء الله سبحانه وتعالى لم يضرب الأمثالَ للنَّاس ولَتَرَكَهُمْ حَتَّى يضلوا، ولكن من تمام رحمته أن كَانَ تعليمه على وجه الكمال والتَّمام؛ ولذَلك {يَضْرِبُ الله الْأَمْثَالَ} ، لأَجْلِ أنْ يستدلَّ النَّاس بها على ما يريدُ الله سبحانه وتعالى إِثْباتَه لهم.
فالله تَعَالَى يضرب الأمثالَ للنَّاس، إما أن يضرب حسيًّا بحسي، أو معنويًّا بمعنوي، أو معنويًّا بحسي، وأحيانًا يضربُ الغائب بالحاضر، والغالِبُ أن الله يضرب الأمثالَ بأمر حسيٍّ إِذَا كَانَ الْأَمْر معنويًّا، وإذا كَانَ الْأَمْر الحسيُّ أمرًا مستبعدًا أو منكرًا فإنَّه يضربه بحسيٍّ معْلُوم، وَذلِك لتقريب الْأَمْر إلى أذهان النَّاس، مثلًا نجد أن الله تَعَالَى ضرب مثلًا للذينَ يعبدون غير الله بالعنكبوت، قَالَ تَعَالَى:{كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا} ، هَذَا ضرب أمرٍ معنويٍّ بأمرٍ حسيٍّ، فهم يلوذون بهَذ الأصنام كما أن العنكبوت تلوذ ببيتها، لكن هل بيتها يقيها؟ لا، ولهَذَا قَالَ:{وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ} [العنكبوت: 41].
ونجد أن الله تَعَالَى يضرب مثلًا لما ينكره الكافرونَ من إحياء الموتى بإحياء الأَرْض بعد موتها؛ فإن الأَرْض تَكُون مَيْتَةً هامدة، فإذا أنزل الله عَلَيْها الماء اهتزت ورَبَتْ، قَالَ تَعَالَى:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)} [فصلت: 39].
ونجد أنه هُنا في الْأَمْر المعنوي الَّذِي هو نور الله تَعَالَى في قلب المُؤْمِن، ونور الله سبحانه وتعالى الَّذِي ينزله فيهتدي به المُؤْمِن، نجد أن الله تَعَالَى ضرب به مثلًا بهَذَا المِصباح الَّذِي في المِشْكَاةِ إلى آخِره.
قَوْلهُ: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} مناسبتُها للآية أنه سبحانه وتعالى أعلم العالمينَ بما يطابق المثلَ مَضْرَبًا ومَوْرِدًا؛ لأَن المَثَلَ له مَضْرِبٌ وله مَوْرِدٌ، فالله سبحانه وتعالى هو أعلم العالمين بهَذَا المَضْرِبِ والمَوْرِدِ، ومطابقة أحَدهما للآخر؛ لأنه قد يشبه الْإِنْسَان شيئًا بشَيْء، وعنْدَما تُمحِّصُ الْأَمْر وتُحقِّقُه لا تجد مشابهة، لكن الله سبحانه وتعالى إِذَا ضرب مثلًا بشَيْء فإنَّه بكل شَيْءٍ عليمٌ، لا يخفى علَيْه أوجه المشابهة الَّتِي يتضمَّنها هَذَا المثل، فالله عليمٌ بكل شَيء في نفس المثل وفيما ينتفع به، وفي هذه الآية إِشارَةٌ بل تصريحٌ إلى عُموم علم الله سبحانه وتعالى، وأنه عليمٌ بكل شَيْءٍ فيما يَتعلَّقُ بأفعاله، وفيما يَتعلَّقُ بأفعال العباد.
والَّذينَ أنكروا العِلْم بأفعال العبادِ من القَدَرِيَّة يستدلونَ بآيات من متشابه القُرْآن، والله سبحانه وتعالى حكيمٌ؛ ومن حكمته أن يجعل في وحيه متشابهًا، فيستدلونَ بمثل قَوْله تَعَالَى:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ} [محمد: 31]؛ قالوا: {حَتَّى} للغاية، ومعنى ذَلِك أن الله سبحانه وتعالى لا يعلم المجاهدَ والصابرَ إلا بعد أن يجاهدَ ويصبرَ.
ولكن سبق الجواب عن مثل هَذَا الإِشْكال، وأن المُراد بالعلم العِلْم الَّذِي يترتب علَيْه الجزاء؛ لأَن عِلْمَ الله تَعَالَى بالشَّيء قبل وقوعه لا يترتب علَيْه الجزاء، يعني كون الله يعلم بأن هَذَا سيجاهد وهَذَا لن يجاهد، هَذَا لا يترتب علَيْه جزاءٌ، فيَكُون المَعْنى:"حتى نعلمَ العِلمَ الَّذِي يترتبُ علَيْه الجزاءُ"، وَذلِك لا يَكُون إلا بعد الامتحانِ والابتلاءِ.
وأيضًا فرق آخر: عِلْمُ اللهِ بالشَّيءِ قبل وقوعهِ علمٌ بأنه سيقع فلا يَتعلَّق به شيْء، وعلمه بعد وقوعهِ علمٌ بأنه وَقَعَ، وفرق بين مَدْرَكِ العِلْمَين.
الأوَّل: علمٌ بأنه سيقع، ولا يترتب علَيْه شَيْء بالنِّسْبَةِ للمكلَّف.
والثَّاني: علمٌ بأنه وقع، وهو الَّذِي يترتب علَيْه ما رتَّبه الله تَعَالَى بالنِّسْبَةِ للمكلَّف، هَذَا هو ما أجاب به أهل السُّنة عن مثل هذه الآية.
* * *