المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الآية (21) * * *   * قَالَ اللهُ عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ - تفسير العثيمين: النور

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌نُبْذَةٌ مُخْتَصَرَةٌ عَنْ فَضِيلَةِ الشَّيْخِ العَلَّامَةِ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ العُثَيْمِين 1347 - 1421 هـ

- ‌نَسَبُهُ وَمَوْلِدُهُ:

- ‌نَشْأَتُهُ العِلْمِيَّةِ:

- ‌تَدْرِيسُهُ:

- ‌آثَارُهُ العِلْمِيَّةُ:

- ‌أَعْمَالُهُ وجُهُودُهُ الأُخْرَى:

- ‌مَكانَتُهُ العِلْمِيَّةُ:

- ‌عَقِبُهُ:

- ‌وَفَاتُهُ:

- ‌الآية (1)

- ‌الآية (2)

- ‌الآية (3)

- ‌الآية (4)

- ‌الآية (5)

- ‌الآية (6)

- ‌الآية (7)

- ‌الآية (8)

- ‌الآية (9)

- ‌الآية (10)

- ‌الآية (11)

- ‌الآية (12)

- ‌الآية (13)

- ‌الآية (14)

- ‌الآية (15)

- ‌الآية (16)

- ‌الآية (17)

- ‌الآية (18)

- ‌الآية (19)

- ‌الآية (20)

- ‌الآية (21)

- ‌الآية (22)

- ‌الآية (23)

- ‌الآية (24)

- ‌الآية (25)

- ‌الآية (26)

- ‌الآية (27)

- ‌الآية (28)

- ‌الآية (29)

- ‌الآيتان (30، 31)

- ‌الآية (32)

- ‌الآية (33)

- ‌الآية (34)

- ‌الآية (35)

- ‌الآيتان (36، 37)

- ‌الآية (38)

- ‌الآية (39)

- ‌الآية (40)

- ‌الآية (41)

- ‌الآية: (42)

- ‌الآية (43)

- ‌الآية: (44)

- ‌الآية (45)

- ‌الآية (46)

- ‌الآية (47)

- ‌الآية (48)

- ‌الآية (49)

- ‌الآية (50)

- ‌الآية (51)

- ‌الآية (52)

- ‌الآية (53)

- ‌الآية (54)

- ‌الآية (55)

- ‌الآية (56)

- ‌الآية (57)

- ‌الآية (58)

- ‌الآية (59)

- ‌(الآية: 60)

- ‌الآية (61)

- ‌الآية (62)

- ‌الآية (63)

- ‌الآية (64)

الفصل: ‌ ‌الآية (21) * * *   * قَالَ اللهُ عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ

‌الآية (21)

* * *

* قَالَ اللهُ عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21)} [النور: 21].

* * *

قَوْلهُ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [أي: طُرُق تَزْيِينِهِ] اهـ.

قَوْلهُ: {لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} الخُطوات جمع الخُطْوة وهي عِبارَة عن المسافة الَّتِي بين القدمين في المشي، والمُراد بخُطوات الشَّيطان: طرقه، فعبر بالخُطْوة عن الطَّريق، لأَن الطَّريق أثر الخُطَى.

وقول المُفَسِّر: [طُرُق تَزْيِينِهِ] هكذا الشَّيطان جميع طرقه مكروهة إلى النُّفوس لكنَّه يزينها لِلإنْسان حَتَّى يدخل فيها، وطرق الشَّيطان من حيث المَعْنى العامّ هي التَّكذيب والاستِكبار، فالشَّيطان مكذب ومستكبر، ومن أدلة استِكباره أنَّه أَبَى أن يسجد لآدم، ومن أدلَّة تكذيبه أنَّه ادعى أنَّه خير من آدم، فإن هَذَا يقْتَفِي أنَّه كذَّب بكون آدم خيرًا منه.

فطريق الشَّيطان على سبيل العُموم التَّكذيب والاستِكْبار، فالتَّكذيب يَتعلَّق بالأَخْبار، والاسْتِكْبار يَتعلَّق بالتَّكليف: الأوامر والنَّواهي، وإذا تأملت جميع المعَاصِي

ص: 112

وجدتها لا تخرج عن هَذَيْنِ الْأَمْرين إما تكذيب وإما اسْتِكْبار، فهو أي الشَّيطان طرقه أو طريقه مبني على هَذَيْنِ الْأَمْرين.

عنْدَما نأتي للتَّفصيل: هل البخل من خُطُوات الشَّيطان أم لا؟

الجواب: البخل من خُطُوات الشَّيطان؛ لأنَّه يأمر به قَالَ تَعَالَى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} [البقرة: 268]، قَالَ كثير من أهْل العِلْم: إن المُراد بالفَحْشاء هُنا البخل لأَن الآية في سِيَاق الإنفاق، وإن كَانَ الأصح أنَّها أعم.

وكَذلِك الأكل بالشِّمال والشُّرب بالشِّمال من خُطُواته أيضًا؛ لأَن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أخبر بأن "الشَّيْطَان يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ"

(1)

، وعلى هَذَا فالأكل بالشِّمال والشُّرب بالشِّمال يَكُون حرامًا؛ لأَن الله نهى عن اتباع خُطُوات الشَّيطان، والنَّبي عليه الصلاة والسلام نهى أيضًا أن يأكل الْإِنْسَان بشماله ويشرب بشماله.

وإذا كَانَ النَّهي للتَّحريم، لا يسوغه ما يفعله بعض النَّاس الآن يَقُول: والله أنا آكل وأخاف إن شربت باليَمين أن ألوِّث الإناء، ومن ثَمَّ نأخذ خطر تهاون النَّاس اليوم بهَذ المَسْأَلة؛ لأَن كثيرًا من النَّاس -نسأل الله لنا ولهم الهداية- الآن يأكلون بالشِّمال ويشربون بالشِّمال، ويزعمون أن هَذَا تقدَّم ومدنية والسَّبب هو الشُّعور بالنَّقص؛ لأَن الْإِنْسَان مع الأسف متى شَعُر بنقصه فإنَّه لا بُدَّ أن يقلد من يرى أنَّه أكمل منه.

فهَؤُلَاءِ المغرورون ظنوا أن غيرهم من هَذه الأُمَم الكافرة أرقى منهم وأَشَدّ تقدُّمًا، وصحيح أنهم أرْقَى منا في الصِّناعة وفي أمور الدُّنْيَا، لكن في الأخلاق والآداب

(1)

أخرجه مسلم، كتاب الأشربة، باب آداب الطعام والشراب وأحكامها، حديث رقم (2020)، عن ابن عمر.

ص: 113

الَّتِي أرشدنا إلَيْها الإِسْلام لَيْسَوا أرقى منَّا، إلا أنَّه بالنَّظر إلى حال المُسْلِمِينَ اليوم لا شَكَّ أن عندهم من الآداب الْإِسْلَامية الَّتِي يطبقونها لا عن قصد ولكن لمجرد أنَّها أخلاق فاضِلة لا للتعبُّد لله، ومع الأسف فالمُسْلِم الَّذِي أمر بتطبيق هَذه الآداب والأخلاق هو الَّذِي تقاعس عنها، مع أن المُسْلِم إِذَا طبقها يَكُون متصلًا بهَذه الأخلاق الفاضلة.

وهَذه الآداب لا شَكَّ أنَّها نبل وشرف، وزيادة على ذَلِك يَكُون مأجورًا لأنَّه يفعلها امتثالًا لأمر الله ورسوله، وأولئك إِذَا فعلوها لا يؤجرون، لأنهم إنما يفعلونها لأنَّها أخلاق فاضلة، فهم مثلًا عندهم صدق في المعاملة وعندهم بَيان وعدم غش وعندهم وفاء بالوعد، كُلُّ هَذه من الصِّفات الَّتِي أمر الإِسْلام بها، وكثير من المُسْلِمِينَ الآن متخلٍّ عن هَذه الصِّفات، لكن إِذَا اتصف بها المُسْلِم يَكُون محمودًا عَلَيْها وَيكُون مأجورًا عَلَيْها أيضًا؛ لأنَّه يفعلها امتثالًا.

أقول: إن خُطُوات الشَّيطان إِذَنْ طرقه الَّتِي يسير عَلَيْها والتي هي منهج سلوكه، وَذلِك دائر على أمرين هما التكذيب والاسْتِكْبار كما تقدَّم، وقد تَكُون خُطُوات الشَّيطان مُبَيَّنَةٌ مخصوصة كما قُلْنا في مَسْأَلة الأكل بالشِّمال والشُّرب بالشِّمال.

قَوْلهُ: {وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ} قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [أَي: المتبع {يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} أَي: القَبِيح {وَالْمُنْكَرِ} شَرْعًا باتِّباعِهَا] اهـ.

قَوْلهُ: {مَنْ} كَيْفَ نعربها؟ شرطية، {مَنْ} اسم شرط و (مَن) الشَّرطية تحتاج إلى شرط وجزاء، يعني إلى فعل شرط وجواب شرط، أين فعل الشَّرط؟ {يَتَّبِعْ} وجواب الشَّرط جملة {فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} .

ص: 114

قَوْلهُ: {وَمَنْ يَتَّبِعْ} وقَوْلهُ: {خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} الضَّمِير في قَوْلهُ: {فَإِنَّهُ} يَعود على أيهما؟ إن نظرنا إلى أصل الجُمْلَة والموضوع قُلْنا: إنه يَعود إلى {وَمَنْ} لأَن جواب الشَّرط يَعود على ما يَعود علَيْه فعل الشَّرط، وإذا نظرنا إلى السِّياق وإلى أقرب مذكور قُلْنا: إنه يَعود إلى الشَّيطان، وتكون الجُمْلَة دالة على جواب الشَّرط ولَيْسَت هي جواب الشَّرط.

ويؤيد هَذَا الرَّأْي أن السِّياق في النَّهي عن اتباع خُطُوات الشَّيطان، لأَن الله نهى عن اتباع خُطُوات الشَّيطان، ثم ذكر ما يؤيد هَذَا النَّهي من التَّحذِير حيث بيَّن أن الشَّيطان وقع في الفَحْشاء والمُنْكر؛ لأَن الشَّيطان {يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر} ولهذَا كُلُّ عاقل إِذَا علم أن الشَّيطان يأمر بالفَحْشاء والمُنْكر لا يسوغ له أن يتبع خُطُواته، وهَذَا أظهر من وجهين: لأَن السِّياق يدُلّ علَيْه كما تقدَّم، هَذَا وجه، ولأن المتِّبع لخطُوات الشَّيطان قد لا يأمر بالفَحْشاء والمُنْكر، بل يفعل الفَحْشاء والمُنْكر ولكن لا يأمر بهما، وكثير من أهل الضَّلال تجدهم ضالِّين في أنفسهم، لكن لَيْسَ عندهم دعوة لما هم عليه، وإن كنا نجد أيضًا أن كثيرًا من أهل الضلال عندهم دعوة يأمرون بالفَحْشاء والمُنْكر، أي: لما هم عليه.

الحاصل أنَّه لَيْسَ بلازم أنَّ من اتبع خُطُوات الشَّيطان أن يامر بالفَحْشاء والمنكر نعم من اتبع اتباعًا مطلقًا لزم أن يأمر بالفَحْشاء والمنكر لأَن الشَّيطان يأمر بالفَحْشاء والمنكر.

أما على ما سلك المُفَسِّر رحمه الله فإن جملة {فَإِنَّهُ يَأْمُرُ} تَكُون هي بعينها جواب الشَّرط إِذَا قُلْنا الضَّمِير عائد على {وَمَنْ يَتَّبِعْ} ويَكُون معنى قَوْلهُ: {وَمَنْ يَتَّبِعْ} أي: المتبع كما قَالَ المفسر، فالجُمْلَة هي جواب الشَّرط، والضَّمِير يَعود في جوابه على

ص: 115

ما يَعود إلَيْه فعل الشَّرط.

فالصحيح إِذَنْ أن الضَّمِير في قَوْلهُ: {فَإِنَّهُ} يَعود على الشَّيطان.

وإذا قُلْنا: إنه يَعود على الشَّيطان يبقى النَّظر، أين جواب الشَّرط؟ إِذَا قُلْنا: فإنَّه -أي الشَّيطان- يَكُون الجواب محذوفًا تدُلّ علَيْه هَذه الجُمْلَة تقديره {وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} وقع في الفَحْشاء والمُنْكر؛ لأَن الشَّيطان {يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر} فمن اتبعه وقع فيه، والله أعلم.

مِنْ فَوَائِدِ الآيَة الْكَرِيمَةِ:

الفَائِدةُ الأُولَى: العناية بهَذَا الحُكْم؛ لأَن الله جَلَّ وَعَلَا صدره بالنِّداء {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فإن النِّداء يُفيد التَّنْبيه، فإذا رأى طالب العِلْم من نفسه غفلة وتكاسلًا فسمع هَذَا ينتبه ويتحرك قلبه إلى حلقة العِلْم بعد ما كَانَ ذاهلا عنها، ووجَّه الله تَعَالَى الخِطَاب للمُؤْمِنِينَ لأنهم هم الَّذينَ يَنْتَفِعون بالْأَمْر والنَّهي ويمتثلون.

الفَائِدة الثَّانية: أن الإِيمَان يُراد به مطلق الإِيمَان؛ لقَوْله تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فالله جَلَّ وَعَلَا يخاطب المُؤْمِنِينَ كلهم ولَيْسَ كلهم قد بلغوا درجة الكمال في إيمانهم، فحال توجيه الخِطَاب إلَيْهم قد لا يَكُونون متصفين بكمال الإِيمَان ما لم يُنفّذوا، فإذا نفّذوا صاروا كاملي الإِيمَان.

الفَائِدة الثَّالِثَة: أنَّه يَنْبَغِي ذكر الحوافز الَّتِي تحفز الْإِنْسَان وتحمله على الامتثال؛ لقَوْلهُ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} كأنه يَقُول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} لأنكم مُؤْمِنُونَ {لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} ففي هَذَا إثارة وحافز قوي يُحفّز الْإِنْسَان على ألا يتبع خُطُوات الشَّيطان.

ص: 116

الفَائِدة الرَّابعَة: التَّحذِير من بَيان عاقبة اتباع خُطُوات الشَّيطان؛ لأَن الخُطُوات خطوة خطوة، فالَّذِي يأخذ خطوة لَيْسَ كمن يأخذ خطوتين.

الفَائِدة الخَامِسَة: أن من نعمة الله سبحانه وتعالى أن يبين للعباد أسباب الشَّرِّ ويحذرهم منها، يعني لا يَكِلهم إلى أنفسهم بل الله سبحانه وتعالى يتولى بَيان ذَلِك بفضله ورحمته.

الفَائِدة السَّادِسَة: العَلامَة البَيِّنَة الظَّاهِرة لأوامر الشَّيطان، والعَلامَة هُنا واضحة، فإذا قَالَ الْإِنْسَان: ما هي العَلامَة على ما يأمر به الشَّيطان؟

الجواب: إِذَا وقع في قلبك الهم بفعل الفَحْشاء والمُنْكر فلا تحتاج أن تقول من الَّذِي أمرني بهَذَا؟ فالَّذِي أمرك به الشَّيطان، فهَذه علامة ظاهرة على أوامر الشَّيطان، على العكس من ذَلِك إِذَا كَانَ أمر بالمعْرُوف ونهي عن منكر فهو من أوامر المَلَك الَّذِي وكله الله بالْإِنْسَان لأَن الله جعل لِلإنْسان قرينًا من الملائكة كما قَالَ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام:"إِنَّ لِلشَّيْطَان لمَّةٌ بِابْنِ آدَمَ وَللمَلَكِ لمَّة"

(1)

.

الفَائِدة السَّابِعَة: تحْرِيم التشبُّه بأعداء الله جَلَّ وَعَلَا؛ لقَوْلهُ: {لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} فالشَّيطان عدو لله جَلَّ وَعَلَا ولبني آدم أيضًا، فإذا كَانَ الله تَعَالَى نهى عن اتباع خُطُواته فكَذلِكَ غيره يُنهى عن اتباع خُطُواتهم.

الفَائِدة الثَّامِنَة: بَيان فضل الله وحكمته حيث يقرن الأَحْكام بعللِها لأَن قَوْلهُ: {لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} هَذَا حكم، عِلَّة النَّهي {فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} وسبق أنَّ ذِكْر الأَحْكام بعللها له فوائد منها؛ زيادة اطمئنان الْإِنْسَان للحكم،

(1)

أخرجه الترمذي، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة البقرة، حديث رقم (2988)، عن ابن مسعود.

ص: 117

ومعرفة أسرار الشَّريعة وكمالها، وتعدي هَذَا الحُكْم بتعدي العِلَّة.

الفَائِدة التَّاسِعَة: تفاوت الأعْمَال في القبح؛ لأنه قَالَ: {بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} والأَصْل في العَطْف المُغايَرَة.

الفَائِدة العَاشِرة: بَيان شدة عداوة الشَّيطان لبني آدم وأنه لا يأمر إلا بالفَحْشاء والمُنْكر ولا يأمرهم بالخَيْر أبدًا.

الفَائِدة الحَادِيَة عَشرة: إِثْبات الشَّيطان وإِثْبات أوامِره وأن له قصدًا؛ لأَن الَّذِي يأمر لا يأمر إلا عن قصد، فالشَّياطين موجودون ولهم إرادات ومقاصد؛ منها إيقاع النَّاس في الفَحْشاء والمُنْكر، وفي هَذَا رد على الَّذينَ ينكرون الشَّياطين وَيقُولُونَ: لا يوجد شياطين لكنها قوى نفسية تَتَصَارَعُ في الْإِنْسَان، وأما الشَّيطان الخارجي الَّذِي يجري من ابن آدم مجرى الدم فهَذَا لَيْسَ له أصل.

الفَائِدة الثَّانية عشرة: الَّذِي يتبع خُطُوات الشَّيطان لا بُدَّ أن يعمل عمله، والشَّيطان يأمر بالفَحْشاء والمُنْكر فهو مثله، ولهذَا جعل المفسر كما تقدَّم معنى قَوْلهُ:{فَإِنَّهُ يَتَّبِعْ} أي: المتبع وبينَّا أن هَذَا التفسير خطأ؛ لأَن الله يَقُول: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} [البقرة: 268]، فالآمر بالفَحْشاء والمُنْكر هو الشَّيطان والمُراد بالْأَمْر هُنا طلب الفِعْل وإن لم يكن بالصيغة المعْرُوفة فالَّذِي يرغبك في الشَّيء وإن لم يقل: افعل فهو آمر في الحقيقَة.

الفَائِدة الثَّالِثَة عشرة: بَيان فضل الله ورحمته على العَبْد بتزكيته.

* * *

ص: 118