المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الآية (10) ° قَالَ اللهُ عز وجل: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ - تفسير العثيمين: النور

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌نُبْذَةٌ مُخْتَصَرَةٌ عَنْ فَضِيلَةِ الشَّيْخِ العَلَّامَةِ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ العُثَيْمِين 1347 - 1421 هـ

- ‌نَسَبُهُ وَمَوْلِدُهُ:

- ‌نَشْأَتُهُ العِلْمِيَّةِ:

- ‌تَدْرِيسُهُ:

- ‌آثَارُهُ العِلْمِيَّةُ:

- ‌أَعْمَالُهُ وجُهُودُهُ الأُخْرَى:

- ‌مَكانَتُهُ العِلْمِيَّةُ:

- ‌عَقِبُهُ:

- ‌وَفَاتُهُ:

- ‌الآية (1)

- ‌الآية (2)

- ‌الآية (3)

- ‌الآية (4)

- ‌الآية (5)

- ‌الآية (6)

- ‌الآية (7)

- ‌الآية (8)

- ‌الآية (9)

- ‌الآية (10)

- ‌الآية (11)

- ‌الآية (12)

- ‌الآية (13)

- ‌الآية (14)

- ‌الآية (15)

- ‌الآية (16)

- ‌الآية (17)

- ‌الآية (18)

- ‌الآية (19)

- ‌الآية (20)

- ‌الآية (21)

- ‌الآية (22)

- ‌الآية (23)

- ‌الآية (24)

- ‌الآية (25)

- ‌الآية (26)

- ‌الآية (27)

- ‌الآية (28)

- ‌الآية (29)

- ‌الآيتان (30، 31)

- ‌الآية (32)

- ‌الآية (33)

- ‌الآية (34)

- ‌الآية (35)

- ‌الآيتان (36، 37)

- ‌الآية (38)

- ‌الآية (39)

- ‌الآية (40)

- ‌الآية (41)

- ‌الآية: (42)

- ‌الآية (43)

- ‌الآية: (44)

- ‌الآية (45)

- ‌الآية (46)

- ‌الآية (47)

- ‌الآية (48)

- ‌الآية (49)

- ‌الآية (50)

- ‌الآية (51)

- ‌الآية (52)

- ‌الآية (53)

- ‌الآية (54)

- ‌الآية (55)

- ‌الآية (56)

- ‌الآية (57)

- ‌الآية (58)

- ‌الآية (59)

- ‌(الآية: 60)

- ‌الآية (61)

- ‌الآية (62)

- ‌الآية (63)

- ‌الآية (64)

الفصل: ‌ ‌الآية (10) ° قَالَ اللهُ عز وجل: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ

‌الآية (10)

° قَالَ اللهُ عز وجل: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10)} [النور: 10].

قَوْلهُ: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [بِالسَّتْرِ فِي ذَلِك، {وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ} بِقُبُولِهِ التَّوْبَةَ فِي ذَلِك وَغَيره، {حَكِيمٌ} فِيمَا حَكَمَ بِهِ فِي ذَلِك وَغَير، لِيُبَيِّن الحَقَّ فِي ذَلِك، وَعَاجَلَ بِالْعُقُوبَةِ مَنْ يَسْتَحِقُّهَا]. اهـ.

قَوْلهُ: {وَلَوْلَا} شرطية، ويُسمونها حرفَ امتناعٍ لِوُجود، يعني أنَّها منعت شيئًا لِوُجود شَيْء، هُنا ننظر ما الَّذِي امتنع لِوُجودِ الشَيْء؛ الَّذِي امتنع هو الجوابُ المحذوفُ أي جواب {وَلَوْلَا} وهو ما قدره المُفَسِّر رحمه الله بقَوْلهُ:[لِيُبَيِّنَ الحقَّ فِي ذَلِك، وَعَاجَلَ بِالْعُقُوبَةِ مَنْ يَسْتَحِقُّهَا]، هَذَا هو الَّذِي امتنع، لِوُجود فضل الله.

فالحاصِل: أن الَّذِي منع جواب {وَلَوْلَا} في هَذ الآيَة هو فضلُ الله ورحمته.

وأما {فَضْلُ} فهو مُبْتَدَأٌ وخَبَرُه محذوفٌ والتَّقدير موجود، {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} موجدان لحَصَلَ كذا وكذا؛ لأَن {لَوْلَا} يُحذف بعدها الخبرُ وُجوبًا، قَالَ ابنُ مالكٍ رحمه الله

(1)

:

وَبَعْدَ لَوْلَا غَالِبًا حَذْفُ الخبَر

حَتْمٌ ...................

(1)

البيت رقم (138) من الألفية.

ص: 47

يعني لازمًا، فهُنا لَوْلا تحتاجُ إلى جوابٍ، وجوابُها مُقَدَّر، فما جوابُ لَوْلا في قَوْله تَعَالَى:{وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} ؟

الجوابُ: يَقُول المُفَسِّر رحمه الله: [لِيُبَيِّنَ الْحَقَّ فِي ذَلِك، وَعَاجَلَ بِالْعُقُوبَةِ مَنْ يَسْتَحِقُّهَا].

المُفَسِّر رحمه الله قَصَرَ هَذ الآيَة، أي قَوْلهُ:{وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} على قصَّة المتلَاعِنَيْنِ، يعني: لَوْلا أن الله تَفَضَّلَ علَيْنا ورحِمَنا لَبَيَّنَ الحقَّ في ذَلِك؛ أي: بَيَّنَ كَذِبَ الزَّوجِ إن كَانَ كاذبًا، وكَذِبَ المَرْأَة إن كَانَت كاذبةً، وعاجَلَ بالعُقوبَةِ من يستحقُّها من أحَدهما؛ لأَن أحَدهما كما قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لما تلاعنا:"اللهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا لَكَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ"

(1)

، يعني يُعَرِّضُ لهما بالتَّوبةِ يَقُول: أحدُكما كاذبٌ؛ الزَّوجُ أو الزَّوْجَة، وهَذَا صحيحٌ، ويعرِض عليهما التَّوبةَ لعلَّ أحدَهما يتوبُ.

فالمُفَسِّر رحمه الله يرى أن هَذه الآيَة خاصةٌ بقصةِ المتلَاعِنَيْنِ، والصَّواب أنَّها عامَّةٌ فيها وفي غيرها؛ لأَن الله لم يقيِّدْها بل قَالَ:{وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} ولم يقل في ذَلِك، ثم العِبرةُ بعُمومِ اللفظِ لا بخُصوصِ السَّببِ.

إِذَنْ يَكُونُ الجوابُ المقدَّرُ غيرَ ما قدَّره المفسرُ، نقول:{وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} ما حصلَ لكم هَذ المَصالِحُ، وما حصلَ الَّذِي حصلَ من هَذَا التيسيرِ وهَذَا التَّشْريع الحَكِيم، وما انتفت عنكم تِلْك المفاسدُ، وهَذَا أعَمُّ مما قاله المُفَسِّر رحمه الله.

(1)

أخرجه البخاري، كتاب الطلاق، باب يبدأ الرجل بالتلاعن، حديث رقم (5307)، عن ابن عباس، ومسلم، كتاب اللعان، حديث رقم (1493)، عن ابن عمر.

ص: 48

قَوْلهُ: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} إلى آخِره، الفضلُ من آثار الرَّحمة في الحَقيقَة، لكنَّ الرَّحمةَ تَكُون فيما يضطر إلَيْه العَبْد، وتكون في الزِّيادة أيضًا، والفضلُ في الزِّيادة فقط، فيَكُون عطفُ الرَّحمة هُنا على الفضلِ من باب عطف العامِّ على الخاصِّ؛ لأَن الفضلَ من آثار الرَّحمة، لكنَّه أخص منها؛ إِذْ إنه زائدٌ على ما يحتاج إلَيْه العبدُ ويضطر إلَيْه، وأما الرَّحمةُ فتكون فيما يحتاجُ إلَيْه العبدُ وفيما زادَ على ذَلِك.

وقول المُفَسِّر رحمه الله: [بِالسَّتْرِ فِي ذَلِك]، هَذَا بناء على خصوصِ الآيَة في المتلَاعِنَيْنِ، والصوابُ أن الآيَة عامَّةٌ يعني:{وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} في هَذَا وغيره، لحَصَلَ لكم ما لم يَحْصُلِ لكم الآن.

وقَوْلهُ: {وَأَنَّ اللَّهَ} معطوف على {فَضْلُ} يعني: ولولا أيضًا أن الله توابٌ حكيمٌ.

قَوْلهُ: {تَوَّابٌ} سبق أن التَّواب هو كثير التَّوبة، وأن توبة الله علَى عِبَادِه تنقسم إلى قِسْمَيْن:

أحَدهما: التَّوفيق للتَّوبة.

والثَّاني: قبول التَّوبة.

ومنه قَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة: 118]، وتُطلق التَّوبةُ من العَبْد إلى الله، وهي بمَعْنى الرُّجوع من مَعْصِيَته إلى طاعته، فالعبدُ توابٌ، والله توابٌ، لكنَّ هُناكَ فرقًا بين (تَوَّاب) الَّتِي يُوصفُ بها الله و (تَوَّاب) الَّتِي يُوصفُ بها العَبْد، فالتي يُوصف بها الله مَعْناها الموفِّق للتوبة القابلُ لها، والتي يُوصف بها العَبْد مَعْناها الرَّجّاع إلى الله عز وجل من مَعْصِيَته إلى طاعته.

ص: 49

وقَوْلا: {حَكِيمٌ} ، سبق القَوْل إنها مُشتقةٌ من الحُكْمِ والحكْمَةِ، فتكون بمَعْنى حَاكم وبمَعْنى مُحْكِم، وحُكْمُ الله سبحانه وتعالى ينقسم إلى كونيٍّ وشرعيٍّ، والحكْمَةُ تَكُون في الحُكم الكَوْنِيّ وتكون كَذلِكَ في الحُكم الشَّرعي، فمحل الحكْمَةِ الحُكْمَان؛ أي الحُكْم الكَوْنيّ والحُكْم الشَّرعي، وتكون كَذلِكَ في الإِيجَاد وفي الصُّورة وفي الغَايَة، وحكمةُ الله لَيْسَت هي غايات الْأُمُور، بل تَكُون في الإِيجَاد وفي الصُّورة وفي الغَايَة.

كَيْفَ تَكُون الحكْمَةُ في الإِيجَاد وفي الصُّورة وفي الغَايَة؟

الجواب: يعني أن الله لا يُوجِد شيئًا إلا لحكمةٍ، ثم إيجاده على صُورَة معينة حكمةٌ أُخْرَى، ثم الغَايَة من هَذَا الإِيجَاد حكمةٌ ثالثة.

فمثلًا إيجاد الشَّمس يَكُون لحكمةٍ، وكونها على هَذِهِ الصُّورة المعينة، وبهَذِهِ الحرارة، وبهَذِهِ المسافة عن الأَرْض، وبهَذَا السَّير المعين، هَذِهِ تُعَدُّ حِكْمَة في الصُّورة، والغَايَة منها مصالحُ الخلق وهَذِهِ أيضًا حِكْمَة، كَذلِكَ إيجاد الْإِنْسَان حِكْمَة، وكونُه على هَذَا الوجه المعين حِكْمَة، والغَايَة من إيجاده حِكْمَة، وهَكَذا في الْأُمُور الْكَوْنِيَّة والشَّرْعِيَّة فإن تَشْريع الشرائع حِكْمَة، وكونها على هَذَا الوجه المعين حِكْمَة والغَايَة منها وهو إصلاح الخلق حكمٌ أيضًا.

قَوْلهُ: {وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ} ؛ الحَكِيم قُلْنا: إن معناه حَاكِم ومُحْكِم أي: متقنٌ ذو حِكْمَة، والحكْمَةُ -كما تقدَّم- تَكُون في الشَّرع وفي القَدر؛ لأنَّها تَكُون في الحُكْمَيْنِ، وتكون في الإِيجَاد والصُّورَة والغَايَة.

ص: 50

مِنْ فَوَائِدِ الآيَة الْكَرِيمَةِ:

الفَائِدةُ الأُولَى: بَيان فضل الله ورحمته علَى عِبَادِه بالشَّرع والقَدر؛ لقَوْلهُ: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} فإن هَذَا يَتعلَّق بالشَّرع وبالقَدر، أما بالشَّرع فلولا أن الله تفضل علَيْنا ورحمنا وشرع للأَزْواج ما شرع من اللِّعَان لكان الزَّوج يقع في حرج عَظِيم؛ لأنَّه إن تكلم يُقام علَيْه حَدُّ القَذْفِ، وإن سكَتَ سكَتَ عن أمر عَظِيم، لكن من رحمة الله وفضله أنَّه شرع اللِّعَان.

كَذلِكَ في القَدر في قَضيَّة المُتَلَاعِنَيْنِ، أنَّه لَوْلا أن الله تَعَالَى يحب السَّتر لفضحَ المَرْأَة وأظهر آيةً تدُلّ على صدق الزَّوج، أو بالعَكْسِ إِذَا كَانَ الزَّوج كاذبًا، لكن من رحمة الله أنَّه سبحانه وتعالى يستر علَى عِبَادِه في الدُّنْيَا مثل هَذِهِ الْأُمُور ثم يجازيهم عَلَيْها في الْآخِرَة.

في مَسْأَلة اللِّعان لو عَيَّنَ الزوجُ مَنْ زنى بامرأته، فهل يحدّ الأجنبيُّ للزنا؟ وهل يُحَدُّ الزَّوجُ لقذفِ الرَّجل؟

الجواب: إِذَا لاعن الزَّوج زَوْجَته لم نَحُدَّ الأجنبيَّ للزنا، ولا يُحَدُّ الزَّوج لقذف الرّجل، والدَّليل ما جاء في الحَديث، أن هِلال بن أُمية قذف امرأته بشَرِيك بن سَحْمَاء، فعين الرَّجل الَّذِي زنا بها ولم يَحُدَّه النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَدَّ القَذْفِ.

لكن لا يَنْبَغِي في مثل هَذَا أن يقذفها بشخصٍ معين كي لا يدنسَ عرضه؛ لأَن المَسْأَلة لَيْسَت ثابتة بشهود، فالأولى أنْ يقولَ: إنها زنت ولا يعين، لكن لو عين فإن السّنَّة تدُلّ على أنَّه لا يحد الرَّجل الأَجْنَبِيّ، والسَّبب في ذَلِك هو أن الأَصْل هُنا والمَقْصُود بِقَذْف الزَّوج الزَّوْجَة، لا الرَّجل الأجنبيُّ، وهو لم يعين الرَّجل إلا لزيادة إِثْبات قذف الزَّوْجَة.

ص: 51

لكن من راعى المَعْنى قَالَ: الآية السَّابقة تدُلّ على أن الرمي بالزِّنَا يوجب الحد، وهَذه الآية تدُلّ على أن رمي المَرْأَة بالزِّنَا يوجب اللِّعَان، فتبقى الآية هُناكَ بالنِّسْبَةِ للأجنبي عَلى عُمومِها وهَذ بالنِّسْبَةِ للزوجة على خصوصها، لكن السُّنَّة في الحقيقَة هي الفاصِلَة، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يَجدَّ الرَّجل الَّذِي قذف امرأته بشَرِيك بن سَحْمَاء.

لَكِنِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: يُحَدُّ، يجيبون عن هَذَا فيَقُولُونَ: مَنْ قَالَ إن شريك بن سَحْمَاء طالبَ بحقِّه، وحَدُّ القَذْف لا يَجب إلا بالمطالبة؟

لكنَّنا نقول رَدًّا على هَذَا: مَسْأَلة كَوْنِ حَدِّ القَذْفِ لا يَجب إلَّا بالمُطالبة مَحَلُّ نَظَرٍ؛ لأَنَّ عُمُوم الآية {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4]، لا تقيد ذَلِك بالمطالبة، وكَوْنُ هَذَا حقًّا خاصًّا للمقذوف أيضًا مَحَلُّ نَظَرٍ وغَيْرُ مُسَلَّمٍ به؛ لأنَّ تدنيسَ أعْرَاضِ المُسْلِمِينَ لَيْسَ حقًّا شخصيًّا في الواقِع، بل يَتعلَّق بعُموم المجتمع الإِسْلَامي، ولهَذَا أنا أميل إلى أن حَدَّ القَذْف يَجب وإنْ لم يطالب به المقذوفُ، المُهِمّ أن يثبت، حَتَّى لو كَانَ المقْذُوف لا خير فيه ولا يُرِيد أن يدافع عن عرضه وسكت، نقول: المُسْلِمُونَ هم الَّذِينَ يدافعون عن عرضك ويقام الحدُّ عليه.

ولو قَالَ قَائِل: ذكرتم إِذَا عين زوجُ المَرْأَة الرَّجل الأَجْنَبِيّ -الزَّاني- فإنَّه لا يُحَدُّ للحديث، لكن إِذَا وُجِدَتْ قَرائنُ وأمارات هل يحدُّ أم لا؟

الجواب: الرَّسُول صلى الله عليه وسلم لم يتبَيَّن الْأَمْر، ورجحان قَوْل الزَّوج إلَّا بعد الوضع، فكَيْفَ يزيد أن نُحِيلَ الحُكْم على أمر لم يتبَيَّن من قبل؟ ثم لو فرض أنَّه توجد أمارات وقرائن -اللَّهم إلَّا إن كَانَت هَذ الأمارات والقَرَائِن قد تؤدي إلى كون المقْذُوف لَيْسَ محصنًا- فلا يَجب الحَدُّ بِقَذْفه وإنَّما يَجب التَّعْزِيرُ؛ لأنَّ قَذْفَ غيرِ المُحْصَنِ يُوجِبُ التَّعْزِير.

ص: 52

وعَلَى كُلِّ حَالٍ هَذِهِ الأماراتُ ما ظهرتْ إلَّا بعد.

الفَائِدة الثَّانية: إِثْباتُ الأَسْبابِ والموانعِ؛ لقَوْلهُ: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} [النور: 10]؛ كما لأَنَّ هَذِهِ الآية فيها مانعٌ وفيها سببٌ، فالسَّببُ ذنوبنا وما نحنُ علَيْه من الأَخْطَاء، والمانعُ الَّذِي يمنع من العُقوبَة هو فضلُ الله ورحمته.

الفَائِدة الثَّالِثَة والرَّابِعَة: إِثْبات التَّواب اسمًا من أَسْماء الله؛ لقَوْلهُ: {وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ} [النور: 10]، وإِثْبات الحَكِيم اسمًا من أسْمَائِه، والحكيم يتضمَّن معنى الحُكْمِ والحكْمَةِ، والحُكْمُ كَونيٌّ وشرعيٌّ، والحكْمَةُ في الإِيجَاد والصُّورَة والغَايَة، وهَذِهِ الأَشْيَاء الثَّلاثَة في الحكْمَةِ في الحُكْم القَدَرِيّ والحُكْم الشَّرعي، وقد تقدَّم.

* * *

ص: 53