الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (7)
° قَالَ اللهُ عز وجل: {وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7)} [النور: 7].
قَوْلهُ: {وَالْخَامِسَةُ} مُبْتَدَأٌ و {أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ} خَبَرهُ في تأويل مَصْدَرٍ، وقَوْلهُ:{لَعْنَتَ اللَّهِ} اللعنةُ: هي الطَّرْدُ والإبعادُ عن رحمة الله.
وقَوْلهُ: {إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} هَذَا شرطٌ في الدُّعاء علَى نفْسِه بِاللَّعْنِة، أي: إن كَانَ كاذبًا فلعنةُ الله عليه، وإن كَانَ صادقًا فلا لعنةَ، وقَوْلهُ:{إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} أي فيما رمى به زَوْجَته من الزِّنَا فإنَّه مستحقٌّ للعنة الله الَّتِي هي الطَّرْد والإبعاد.
ومناسبةُ ذكر اللَّعنةِ هُنا في مقابل كذبه؛ لأَن كلامه في الحَقيقَة يتضمَّنُ إبعادَ زوجتِه واتهامَها بما هي بريئةٌ منه؛ ولِذَلك جاء بذكر اللَّعْنة، بخلاف المَرْأَة فإنها تأتي بأمرٍ آخَرَ، كما سيأتي إِنْ شَاء اللهُ.
مِنْ فَوَائِدِ الآيَة الْكَرِيمَةِ:
الفَائِدةُ الأُولَى: وُجوبُ قَرن هَذ الشَّهادة المؤكَّدة باليمين في الخَامِسَة بِاللَّعْنِة بالنِّسْبَةِ للزوج، وبالْغَضب بالنِّسْبَةِ للزوجة.
الفَائِدة الثَّانية: أنَّه يَجب البداءَة بشهاداتِ الزَّوج، والدَّليل من الآيَة أنَّه لمَّا قَالَ:{فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ} قَالَ: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ} ولا يتم الْعَذَاب عَلَيْها إلا إِذَا شهد الزَّوج، هَذَا من جهة الأثر أو الدَّليل.
أما من جهة النَّظر أن الزَّوج مُدَّعٍ في الحَقيقَة، وأيهما يُبدأ به المدعِي أو المُنْكِر؟ الَّذِي يُطلَب منه إِثْبات الدعوى هو المُدعي، فيُقال له: هاتِ بيِّنةً، وإذا لم توجد بينة رجعنا إلى المُنْكِر، وهو المُدَّعَى عليه.
الفَائِدة الثَّالِثَة: أنَّه لا بُدَّ أن يُؤَكِّدَ الشَّهادةَ بـ (إنَّ) و (اللَّام) مع الْيَمِين السَّابقة، لقَوْلهُ:{إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} فلو قَالَ: "أشهدُ باللهِ أني صادقٌ"، فإنَّه لا يكفى، لا بُدَّ أن يأتي باللَّام، لأَن اللَّام تفيد زيادةَ تأكيدٍ وتقوية.
الفَائِدة الرَّابِعَة: جَواز الدُّعاء مُعَلَّقًا بالشَّرْطِ؛ لقَوْلهُ: {إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} ، وهي تقول:{إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} ، ففيه دليل على جَواز الدُّعاء مُعَلَّقًا بالشرط، وقد جاء مثله أو قريبٌ منه في الاستخارة: "اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْر خَير لي فِي دينِي وَمَعَاشِي
…
"
(1)
.
وكما جاء الشَّرط مقيدًا في دُعاء الخالق، جاء مقيدًا في تَشْريع الشَّرع؛ أي في الأَحْكام الشَّرْعِيَّة، مثل ما قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لضُبَاعَةَ بنتِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنه لمَّا قالتْ: يا رَسُول الله، إني أريدُ الحجَ وأَجِدُنِي شَاكِيَةً، قَالَ:"حُجِّي وَاشْتَرِطِي أَنَّ مَحِلِّيَ حَيْثُ حَبَسْتَنِي فَإِنَّ لَكِ عَلَى رَبِّكِ مَا اسْتَثْنَيْتِ"
(2)
.
وَكَما يجوزُ الشَّرط في دُعاء المَسْأَلة يجوزُ في دُعاء العِبادَةِ، كما في حديث ضُبَاعَةَ
(1)
أخرجه البخاري، كتاب الدعوات، باب الدعاء عند الاستخارة، حديث رقم (6382)، عن جابر بن عبد الله.
(2)
الحديث أخرجه بلفظه كاملًا النسائي كتاب مناسك الحج، باب كيف يقول إِذَا اشترط، حديث رقم (2766)، عن ابن عباس، وأصل الحديث أخرجه البخاري كتاب النكاح، باب الأكفاء في الدين، حديث رقم (5089)، ومسلم كتاب الحج، باب جواز اشتراط المحرم التحلل بعذر المرض ونحوه، حديث رقم (1207)، عن عَائِشَة.
بنتِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنها.
وهَذَا يشهد لرؤيا رآها شيخُ الإِسلام ابنُ تيميةَ رحمه الله قَالَ: إنه رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم ذاتَ ليلة فسَأَله عن أشياءَ، منها الرَّجل يُقَدَّمُ إلى الإمامِ ليُصَلِّيَ علَيْه وهو يشكُّ في إسلامِه، فقال له النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: عَلْيَكَ بالشَّرطِ يَا أَحْمَدُ
(1)
.
والشَّرط مثل قَوْل الإمام إِذَا شك في إِسْلام صاحبِ الجِنازةِ: اللهمَّ إنْ كَانَ مؤمنًا فاغفرْ له وارحمْه، وهَذَا جائز، وشاهده هَذ الآية وحديث الاستخارة في دُعاء المَسْأَلة.
والدَّليل في دُعاء العِبادَة حديثُ ضُباعة بنتِ الزُّبَيْر، إِذْ قَالَ لها النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"حُجِّي وَاشْتَرِطِي فَإِنَّ لَكِ عَلَى رَبِّكِ مَا اسْتَثْنَيْتِ".
* * *
(1)
إعلام الموقعين (3/ 399).