المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الآية (45) * قَالَ اللهُ عَزَّوَجَلَّ: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ - تفسير العثيمين: النور

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌نُبْذَةٌ مُخْتَصَرَةٌ عَنْ فَضِيلَةِ الشَّيْخِ العَلَّامَةِ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ العُثَيْمِين 1347 - 1421 هـ

- ‌نَسَبُهُ وَمَوْلِدُهُ:

- ‌نَشْأَتُهُ العِلْمِيَّةِ:

- ‌تَدْرِيسُهُ:

- ‌آثَارُهُ العِلْمِيَّةُ:

- ‌أَعْمَالُهُ وجُهُودُهُ الأُخْرَى:

- ‌مَكانَتُهُ العِلْمِيَّةُ:

- ‌عَقِبُهُ:

- ‌وَفَاتُهُ:

- ‌الآية (1)

- ‌الآية (2)

- ‌الآية (3)

- ‌الآية (4)

- ‌الآية (5)

- ‌الآية (6)

- ‌الآية (7)

- ‌الآية (8)

- ‌الآية (9)

- ‌الآية (10)

- ‌الآية (11)

- ‌الآية (12)

- ‌الآية (13)

- ‌الآية (14)

- ‌الآية (15)

- ‌الآية (16)

- ‌الآية (17)

- ‌الآية (18)

- ‌الآية (19)

- ‌الآية (20)

- ‌الآية (21)

- ‌الآية (22)

- ‌الآية (23)

- ‌الآية (24)

- ‌الآية (25)

- ‌الآية (26)

- ‌الآية (27)

- ‌الآية (28)

- ‌الآية (29)

- ‌الآيتان (30، 31)

- ‌الآية (32)

- ‌الآية (33)

- ‌الآية (34)

- ‌الآية (35)

- ‌الآيتان (36، 37)

- ‌الآية (38)

- ‌الآية (39)

- ‌الآية (40)

- ‌الآية (41)

- ‌الآية: (42)

- ‌الآية (43)

- ‌الآية: (44)

- ‌الآية (45)

- ‌الآية (46)

- ‌الآية (47)

- ‌الآية (48)

- ‌الآية (49)

- ‌الآية (50)

- ‌الآية (51)

- ‌الآية (52)

- ‌الآية (53)

- ‌الآية (54)

- ‌الآية (55)

- ‌الآية (56)

- ‌الآية (57)

- ‌الآية (58)

- ‌الآية (59)

- ‌(الآية: 60)

- ‌الآية (61)

- ‌الآية (62)

- ‌الآية (63)

- ‌الآية (64)

الفصل: ‌ ‌الآية (45) * قَالَ اللهُ عَزَّوَجَلَّ: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ

‌الآية (45)

* قَالَ اللهُ عَزَّوَجَلَّ: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [النور: 45].

* * *

قَوْلهُ: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ} بعدما ذكر آيَات الله سبحانه وتعالى في العالم العلويِّ ذكر آياته في العالم السفلي؛ وهو قَوْلهُ: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ} .

قَوْلهُ: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ} قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [أَي: حَيَوَان {مِنْ مَاءٍ}، أَي: نُطْفَة] اهـ.

قَوْلهُ: {خَلَقَ} بمَعْنى أوجد {كُلَّ دَابَّةٍ} ؛ الدابَّة: كل ما يدبّ على الأَرْض وإن كَانَت قد تُطلق على ذوات الأربع عُرفًا فيُقال دابة للتي تمشي على الأربع، هَذَا في العادة والعرف، ولهَذَا لا يُسمَّى الْإِنْسَان دابة في العُرف، فلو قَالَ لك إنسان: يا دابَّة، يُمْكِن أن تتخاصم معه، لكن الدَّابَّة في اللُّغَة: كل ما دبَّ على الأَرْض فهو دابَّة؛ قَالَ اللهُ عز وجل: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6].

قَوْلهُ: {مِنْ مَاءٍ} هَذَا أصل خلقة الدَّوابِّ من الماء، وقول المُفَسِّر رحمه الله: من نطفة لَيْسَ بصحيح؛ لأنَّه لَيْسَ كل دابة من نطفة، بل كل دابة من ماءٍ نطفة وغير نطفة؛ فأما يتوالد فماؤه نطفة، وأما ما يتولَّد فماؤه رُطوبة، يعني الشَّيء الَّذِي يتولد

ص: 304

من العَفونات والرُّطوبات ماؤه رطوبة، وأما الَّذِي يتوالد من نطفة فنعم له نطفة يخلقه الله منها؛ فكَلِمة {مِنْ مَاءٍ} أعم من كَلِمة نطفة، والواجب إبقاء الآيَة عَلى عُمومِها.

وهَذه الآيَة بعض من قَوْله تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الأنبياء: 30]، لكن أيهما أعم؟ هَذه الآيَة أعم؛ لأَن كل شَيْء حي يشمل الدوابّ وغير الدواب، حَتَّى الأشجار وشبهها أصلها من الماء.

قَوْلهُ: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} النَّاس يستشهدون بهَذِهِ الآيَة على غير ما أَرَادَ الله بها، يستشهدون بها على أن الماء ضروري لبقاء الحَياة؛ ولَيْسَ الْأَمْر كَذلِكَ، بل الآيَة تدُلّ على أن أصل هَذه الأَشْيَاء الحية أصلها من الماء، ولو كَانَ المُراد ما يستشهد به النَّاس من أجله لقال:"وجعلنا من الماء كل شَيْءٍ حيًّا"، أي: صيَّرناه حيًّا بالماء، ولكن معنى الآيَة - بلا شَك - أن أصل هَذه الأَشْيَاء الحية أصلها الماء، ومن جهة ثانية نقول: إِذَا كَانَ أصلها الماء فهي مفتقرة إلَيْه.

قَوْلهُ: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ} قَالَ المُفَسّر رحمه الله: [كَالحْيَّاتِ وَالهَوَامّ] اهـ.

قَوْلهُ: {فَمِنْهُمْ} ؛ هَذَا التقسيم يدُلّ على أن المُراد بالدَّابة العقلاء؛ لقَوْله: {فَمِنْهُمْ} وإلا لقال: "فمنها"، أي: من هَذه الدواب إلا أن العُلَماء قالوا: إن في ذَلِك تغليبًا للعقلاء، ولهَذَا قَالَ:{فَمِنْهُمْ} ، أي: من هَذه الدواب {مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ} لكن الَّذِي يمشي على بطنه؛ هل يمشي أو يزحف؟ يزحف فمشيه الزحف مثل الحيات والهوام، الحيات معْرُوفة والهوام ما هي؟ المُفَسِّر رحمه الله يظهر لي أن في كلامه نظر؛ لأَن الهوام منها ما يمشي على بطنه، ومنها ما يمشي على رجلين، ومنها ما

ص: 305

يمشي على أربع، فالتَّمثيل بها فيه نظر، أما الحيات فنعم تمشي على بطنها، وكَذلِك الدود والسَّرْوُ

(1)

، وغيرهم يمشي أيضًا على بطنه.

قَوْلهُ: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ} ، قَالَ المُفَسّر رحمه الله:[كَالْإِنْسَان وَالطَّيْر] اهـ.

الْإِنْسَان يمشي على رجلين اثنتين، والطير يمشي على رجلين اثنتين، لكن هل توجد طيور تمشي على أكثر من رجلين؟ لا نعلم قد توجد ولا ندري، لكن نحنُ نعرف أن الطيور لَيْسَ لها إلا رجلان اثنتان.

قَوْلهُ: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ} ، قَالَ المُفَسّر رحمه الله:[كَالْبَهَائِم وَالأَنْعَام] اهـ.

لكن هل هَذَا التَّقسيم من باب الحصْر أو من باب القَصر؟

من باب القصر، يعني الاقتصار على بعض الأَشْيَاء؛ لأَن من الحيوانات أو من الدواب ما يمشي على أكثر من أربع، يوجد شَيْء يسمّونه (أبو أربع وأربعين رِجل)؛ موجود، وتوجد أشْيَاء لها دون ذَلِك، منها ما له ستة أرجل أو أكثر من ذَلِك، إنما هَذَا التقسيم لَيْسَ للحصر ولكنه للقصر؛ أي: من باب الاقتصار على بعض الأنواع فقط، ويدُلّ على ذَلِك قَوْلهُ:{يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} .

قَوْلهُ: {يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} يعني من هَذَا الَّذِي ذكر من كونه يمشي على بطنه وعلى رجلين وعلى أربع وعلى ما هو أكثر من ذَلِك فإن الله سبحانه وتعالى لا أحد يحجزه فهو خالق لما يشاء حسب ما تقْتَضِيه حكمته تبارك وتعالى.

قَوْلهُ: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} القدرة صفة يتَّصف بها القادر بحيث

(1)

دود يقع في النبات. انظر: القاموس المحيط (ص: 1295).

ص: 306

يفعل ما يُرِيد بدون عجز، بخلاف القوة؛ فإنَّه يفعل بها ما يُرِيد بدون ضعف؛ فالقوة تقابل بالضعف، والقدرة تُقابل بالعجز، انظر إلى قَوْله تَعَالَى:{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً} [الروم: 54]، وانظر إلى قَوْله تَعَالَى:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا} [فاطر: 44]؛ فجعل القدرة في مقابل العجز، فلقدرته لا يعجز.

على كل حال؛ القدرة صفة بها يتَّصف القادر بحيث يفعل ما يُرِيد بدون عجز، مثلًا رجل يصلي قائمًا لكن مع تعب، ما نقول في هَذَا: قادر أو قوي؟ قادر، ويوجد إِنْسَان يصلي قائمًا وهو لا يهمه، هَذَا نسميه قويًّا وقادرًا، وأيضًا يوجد إِنْسَان يحمل هَذه الصَّخرة كما يحمل الريشة لا يهمه، وإنسان آخر يحمل هَذه الصَّخرة مع تعب ومشقَّة، فالأول قوي والثَّاني قادر؛ لأنَّه يحملها لكن مع التعب والمشقَّة، وأيضًا ثالث: لما جاء يحملها عجز؛ هَذَا لَيْسَ قويًّا ولا قادرًا.

وقَوْلهُ: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} توجد كَلِمة بين النَّاس يَقُولُونَ: "إنه على ما يشاء قدير"، هَذه الكَلِمة لا يَنْبَغِي أن تُقال؛ لأنَّه إِذَا قُيِّدت القدرة بالمشيئة حصل بِذَلِك قُصور، فتكون قدرته على ما يشاء دون الَّذِي لا يشاء، مع أن الله قادر على ما يشاء وعلى ما لا يشاء، لكن ما شاء كَانَ وما لم يشأ لم يكن.

فبعض النَّاس يَقُول: إنه على ما يشاء قدير، فيَجب أن يُنهى عنه، ويُقال: قل إنه على كل شَيْء قدير لا على الَّذِي يشاؤه فقط، لا سيَّما وأنك إِذَا قلت: إنه على ما يشاء قدير وقدمت المعمول فإن تقديم المعمول يُفيد الحصر، وأنك حصرت القدرة بما شاء فقط؛ وهَذَا لَيْسَ بصحيح. فالذي يَجب على الْإِنْسَان أن يُطلق صفة القدرة لله

ص: 307

كما أطلقها الله سبحانه وتعالى لنفسه، ويقول: إنه على كل شَيْء قدير؛ كما وصف الله نفسه، لا يُقيِّدها بما شاء.

أمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ} [الشورى: 29]؛ فالمشيئة هُنا لَيْسَت قيدًا في القدرة ولكنها قيد في الجمع، بعني أنَّه إِذَا شاء هَذَا الفِعْل فلَيْسَ بعاجز عنه، وهَذَا قاله الله تَعَالَى ردًّا على من أنكروا البعث، قالوا: إنه لا يُمْكِن أن يجمع الله النَّاس بعد أن تفرَّقوا في الأَرْض كانوا رميمًا، ومثل ذَلِك أيضًا ورد به الحديث في مسلم في الرَّجل الَّذِي أمره الله تَعَالَى أن يدخل الجنَّة بعد ما سبق عليه، فقال له الله تعالى:"إِنِّي عَلَى مَا أَشَاءُ قَادِرٌ"

(1)

؛ فإنَّه هُنا يخاطبه لفعل شَيْء وقع، فكأنه قَالَ: إني على ذَلِك قادر إِذَا شئته، ولهَذَا عبَّر بقادر دون قدير، فإن القدير أبلغ في الصِّفة، بخلاف قادر فقد تتعلق بفعل شَيْء معين.

على كل حال الَّذِي يَنْبَغِي لِلإنْسان بل الَّذِي يَجب علَيْه أن يطلق صفة القدرة إِذَا وصف الله بها فيقول: إنه على كل شَيْء قدير فقط ولا يُقيِّدها بمشيئة.

مِنْ فَوَائِدِ الآيَة الْكَرِيمَةِ:

الفَائِدةُ الأُولَى: أن الله تَعَالَى له التصرُّف المطلَق في خلقه؛ لقَوْله: {يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} .

الفَائِدة الثَّانية: إِثْبات القدرة وعموم قَوْلهُ: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} .

وأشرنا في التفسير إلى أن ما يستعمله بعض النَّاس من تقييد القدرة بما يشاء غلط، وأن الواجب إطلاق صفة القدرة، وأجبنا عن مثل قَوْله تَعَالَى: {وَهُوَ عَلَى

(1)

أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب آخر أهل النار خروجًا، حديث رقم (187)؛ عن ابن مسعود.

ص: 308

جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ} [الشورى: 29]، والحديث الَّذِي فيه:"إِنِّي عَلَى مَا أَشَاءُ قَادِرٌ"، وقُلْنا: هَذه المشيئة متعلِّقة بالفِعْل لا بالصِّفَة فالصفة مُطلقة، والفِعْل هو المقيد بالمشيئة إِذَا شاء فعل وإذا شاء لم يفعل.

* * *

ص: 309