الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الآية: 60)
* * *
* قَالَ اللهُ عز وجل {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [النور: 60].
* * *
قَوْلهُ: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ} قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [قَعَدْنَ عَنْ الحْيْضِ وَالْوَلَد لِكِبَرِهِنَّ، {اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا} ؛ لِذَلك {فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ} ومِنْ الجِلْبَاب وَالرِّدَاء وَالْقِنَاع فَوْق الخِمَار {غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ} مُظْهِرَات {بِزِينَةٍ} خَفِيَّة كَقِلَادَةٍ وَسِوَار وَخَلْخَال {وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ}
…
إِلَى آخِرِهِ] اهـ.
قَوْلهُ: {وَالْقَوَاعِدُ} جمع قاعِدَة.
وقَوْلهُ: {مِنَ} بَيان للقواعد؛ لأَن (ال) في قَوْلهُ: {وَالْقَوَاعِدُ} اسم موصول؛ لأَن (ال) إِذَا دخلت على اسم مشتق سواء كَانَ اسم مفعول أو اسم فاعل فهي اسم موصول؛ فالقواعد بمَعْنى (اللاتي قعدن)، وقَوْلهُ:{مِنَ النِّسَاءِ} بَيان للقواعد، لكن قعدن عن أي شَيْء؟
يَقُول المُفَسِّر رحمه الله: [الحْيْضِ وَالْوَلَد]؛ فالقواعد مَعْناها: اللاتي لا يلدن ولا يحضن لكبرهنَّ، بل وقعدن أيضًا عن الأعْمَال لكِبَرهنَّ، وقِيلَ:(القواعد): الملازمات للبيوت لكِبَرهنَّ؛ لأنَّهنَّ لا يخرجن من العجز والضعف؛ فهنَّ قواعد،
وقِيلَ: إن (القواعد) اسم للعجائز مطلقًا، مثلما نقول: عجوز؛ مشتقة من (العجز)، نقول أيضًا: قاعِدَة بمَعْنى عاجزة عن القيام والذهاب والإياب.
وقَوْلهُ: {اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا} {اللَّاتِي} هل هي صفة للقواعد أو للنِّساء؟
صفة للقواعد؛ لأنك إِذَا قلت: {مِنَ النِّسَاءِ} صَارَ يوجد قواعد من النِّساء اللاتي يرجون نكاحًا ولَيْسَ الْأَمْر كَذلِكَ.
وقَوْلهُ: {لَا يَرْجُونَ} كَيْفَ يعبر بقَوْلهُ: {اللَّاتِي} مع أن قَوْلهُ: {مِنَ النِّسَاءِ} مؤنث و {يَرْجُونَ} فعل مذكر؟
نقول: (الواو) واو الفِعْل و (النُّون) نون النِّسوة، ومعنى {لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا}: لا يطمعن فيه وَذلِك لكبرهنَّ؛ لأنهنَّ لا يرجون أحذا يتزوجهنَّ، لأنهنَّ عجائز لا يريدهنَّ أحد.
قَوْلهُ: {فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ} لا شَكَّ أن المُرادَ بقَوْلهُ: {يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ} لَيْسَ المُرادُ أن يضعن جميع الثِّياب، بمَعْنى: يبقين عراة، هَذَا لا يُمْكِن القَوْل به، إِذَنْ فما المُرادُ بالثِّياب؟
المراد: الثِّيابُ الظَّاهِرة الَّتِي جرت العادة بلبسها، يَقُول المُفَسِّر رحمه الله: مثل [الجِلْبَاب وَالرِّدَاء وَالْقِنَاع فَوْق الخِمَار]؛ الأَشْيَاء الظَّاهِرة. فيجوز للمَرْأة العجوز أن تلبس ثوبًا وتبدي يديها ورأسها ووجهها ورجليها وساقيها، لكن بشرط ألّا تَتَبرَّج بِزِينَةٍ، لقَوْله:{غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} ، فإن كَانَ تريد إبداء الزِّينَة فلا يجوز؛ لأَن بعض العجائز، وإن كُنَّ لا يرجون النِّكَاح يُرِدْنَ أن يَظْهَرْنَ بمنزلة الشَّواب، تجدها تلبس سوارًا وخلخالًا، وتختال بين النَّاس. لكن هَذَا؛ بشرط ألّا تَكُون بهَذه الحال، إن كَانَت بهَذه الحال فلا يجوز، لكن إِذَا كَانَ المَسْأَلَة طبيعية فيجوز لها أن تضع ثيابها.
لو قَالَ قَائِلٌ: إِذَا كَانَ في البَيْت خادم؛ هل يجوز للمَرْأة الكَبيرَة أن تكشف عن وجهها عنْدَه؟
الجواب: إِذَا كَانَت عجوزًا فلا بأس، لو أن إنسانًا أتى عجوزا بخادم في البَيْت يجوز أن تكشف له، لَيْسَ هُناكَ مانع؛ لأَن البَيْت إِذَا لم تكن فيه خلوة فلا بأس، فَالمَحْرَم لَيْسَ بشرط، والمحرم الأحاديث فيه عامَّة، أما السَّفَر فلا يجوز أن تسافر إلَّا بمحرم.
قَوْلهُ: {غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ} التبرج بمَعْنى التعلي والظهور، ومنه البروج الَّتِي في السَّماء، لعلوها وارتفاعها، ومعنى {مُتَبَرِّجَاتٍ} أي: متعلياتٍ، وقول المُفَسِّر رحمه الله:(مظهرات)، هَذَا من باب التفسير باللازم، وإلَّا فالتبرج معناه: التعلي، ويَلْزَم منه أن يظهرن الزينة.
وقَوْلهُ: {بِزِينَةٍ} أي: بزينة خفية يظهرنها إِذَا وضعن تِلْك الثِّيابَ.
قَوْلهُ: {وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ} قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [بِأَنْ لَا يَضَعْنَهَا {خَيْرٌ لَهُنَّ}] اهـ.
لِمَا في ذَلِك من البعد عن مواضع الْفِتْنَة، وكما قِيلَ: لكل ساقطة لاقطة، قد تَكُون بنفْسِها لا ترجو النِّكَاح لكبرها، ولكن ربما يَتعلَّق بها إِنْسَان وهي بهَذه الحال، ولِهَذَا قَالَ:{وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ} .
قَوْلهُ: {وَاللَّهُ سَمِيعٌ} قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [لِقَوْلِكُمْ {عَلِيمٌ} بِمَا فِي قُلُوبكُمْ] اهـ.
ختم الآية بالسمع والعلم؛ لأَن المقام قد يقْتَضِي قولًا كما في قَوْله تَعَالَى: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} [الأحزاب: 32]، وبالعلم؛ لأَن قَوْلهُ:{غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ} محله الْقَلْب
ومتعَلِّقه العِلْم؛ لأَن ما في الْقَلْب لا يُسمع ولا يُرى، وإنَّما يُعلم علمًا؛ فهو سميع سبحانه وتعالى بما يُقال لهنَّ أو يَقُلْنَه هَؤُلَاءِ القواعد، وأما الجَوارِح فلا تتعلق بالعلم بل تتعلق بالرؤية؛ لأَن الزِّينَة قد تظهر بدون قصد التبرج فلا يَكُون في ذَلِك نية، و {عَلِيمٌ} بما في قلوبهنَّ وقلوب من نظر إلَيْهنَّ من الميل والْفِتْنَة.
مِنْ فَوَائِدِ الآيَة الْكرِيمَةِ:
الفَائِدةُ الأُولَى: الحُكْم الظَّاهِر من الآية؛ وهو أن العجائز اللاتي يَئسْنَ من النِّكَاح لكبرهنَّ يجوز لهنَّ وضع الثِّياب الظَّاهِرة، مثل: العباءات والجلباب والرداء والخِمَار وما أشبه ذَلِك، يعني: هَذِهِ الألبسة الظَّاهِرة يجوز للعجائز أن يضعنها؛ وَذلِك لأنهنَّ {لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا} فلا يخفن من الْفِتْنَة.
الفَائِدة الثَّانية: إن على غير القواعد أن يلبسن لباسًا ظاهرًا ساترًا لا تقول المَرْأَة: أنا سأخرج بالثَّوب وبدون خمار وما أشبه ذَلِك، فيَجب على غير القواعد أن يبقين ثيابهنَّ الظَّاهِرة عليهنَّ لما في ذَلِك من التستر، ولأن عدمه يدخل في الحَديث الصَّحيح:"صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا بَعْدُ: نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مَائِلَاتٌ مُمِيلَاتٌ، عَلَى رُءُوسِهِنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ، وَقَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ، لَا يَدْخُلُونَ الجَنّةَ، وَلَا يَجِدُونَ رِيحَهَا"
(1)
؛ فإن المَرْأَة إِذَا كَانَ عَلَيْها ثياب ولكن تصف مقاطع جسمها ولا تزول بها الْفِتْنَة فهي كاسية عارية.
ويقاس على القواعد من لا تشتهي لغاية في قبحها كالعجائز؛ لأنَّها لا ترجو النكاح ولا يطمع أحد فيها، ولِهَذَا ألحق العُلَماء هَذَا الصِّنف من النِّساء بالقواعد.
(1)
أخرجه مسلم، كتاب اللباس والزينة، باب النساء الكاسيات العاريات المائلات المميلات، حديث رقم (2128)؛ عن أبي هريرة.
لو قَالَ قَائِلٌ: المَرْأَة العجوز لَيْسَ فيها شَهْوَة وهَذه الشَّابة القبيحة فيها شَهْوَة لماذا تلحق بها؟
الجواب: لم يقل الله تعالى: والقواعد من النِّساء اللاتي لَيْسَ فيهنَّ نكاحٌ، بل قَالَ تَعَالَى:{اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا} يعني: يئسن من النِّكاح؛ لأنَّهنَّ علمن أن النَّاس لا يرغبون فيهنَّ، ولو قَالَ:"والقواعد من النِّساء اللاتي لا نكاح فيهنَّ أو لا شَهْوَة فيهنَّ" لقُلْنا صحيح، لا يجوز تعدية الحُكْم إلى القبيحة الشَّوهاء، لكن لَمَا قَالَ:{لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا} يعني: لا يأملن نكاحًا لا لمجرد أنَّه لا شَهْوَة فيهنَّ، ولكن لأَن النَّاس لا يرغبونهنَّ.
الفَائِدتان الثَّالِثَة والرَّابِعَة: أن التبرج بالزينَة حرام على العجائز؛ لقَوْله: {غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} فهَذَا الشَّرط إِذَا تخلف صَارَ عليهنَّ جناح في ذَلِك، وهَذَا يدُلّ على التَّحْريم، فإذا كَانَ التبرج حرام على العجائز، فيتفرع على هَذِهِ الفَائِدة تَحْريم التبرج على الشَّابات ومن هي محل الْفِتْنَة، وهل هَذَا القياس قياس أولوية أو قياس مساواة؟ قياس أولوية؛ لأَنَّه معْلُوم إِذَا حرُم على القواعد اللاتي لا يرجون نكاحًا؛ فغيرهنَّ ممَّن يرجون النكاح وتتعلق بهنَّ الْفِتْنَة أبلغ.
الفَائِدة الخَامِسَة: أن الحُكْم يدور مع علته وجودًا وعدمًا؛ لأَن الله إنما أباح وضع الثِّياب لهؤُلَاءِ القواعد؛ لأَن الْفِتْنَة بعيدة فيهنَّ فيؤخذ منه أن المدار كله على خوف الْفِتْنَة في مثل هَذِهِ الْأُمُور، فالحُكْم يدور مع علته وجودًا وعدمًا.
الفَائِدة السَّادِسَة: ما نبه علَيْه كثير من أهْل العِلْم بأنه حَتَّى على القَوْل بجَواز كشف الوجه واليدين، إِذَا كَانَ ذَلِك ذريعة للفتنة والتوسع، كَانَ حرامًا؛ فمتى خِيفَ
الْفِتْنَة بكشف الوجه واليدين بناء على القَوْل به فإنَّه لا يجوز ذَلِك، وعلَيْه فيَكُون هَذَا القَوْل لا محل له في عصرنا؛ لأنه لا يُمْكِن ضبط النِّساء أبدًا، لا يُمْكِن ضبطهنَّ لأَن الْفِتْنَة قائمة، وكونه ذريعة إلى التوسع قائم، ولِهَذَا تجد المجتمعات الَّتِي أخذت بهَذَا القَوْل أصبحت لا تَسْتَطِيع أن تتخلص مما وقعت فيه من التبرج السافر الَّذِي لا يَمُتُّ إلَيْه هَذَا القَوْل بأي صلة، فلم تقتصر المَسْأَلَة على الوجه والكفين، بل تدرَّجت إلى الرَّأْسِ والرقبة والنَّحر والذراع بل والعضد أحيانا والساق والقدم، كل هَذَا بأَسْبَاب أن النِّساء الآن، بل والمجتمعات الْإِسْلَامية مع الأسف لا يُمْكِن أن تنضبط بالحُدُود الشَّرْعِيَّة؛ لأنَّها مُدْبِرة عن الدِّين؛ إلَّا ما شاء الله.
وعلى هَذَا فنقول: القَوْل الَّذِي يُطنْطِن به بعض النَّاس المحبين للسفور لا محل له في هَذَا العصر؛ لأَن من شرطه ألا تتبرج بزينة وألا يُخاف منه الْفِتْنَة، وهَذَا موجود محقق؛ فالْفِتْنَة موجودة والتبرج موجود، ولِهَذَا القواعد اللاتي رخّص الله تَعَالَى لهنَّ في وضع الثِّياب اشترط الله تَعَالَى هَذَا الشَّرط؛ فقال:{غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} ونجد كثيرًا من نساء هَؤُلَاءِ النَّاس تتبرج بزينة ولا شَك فتحمّر الخدين والشَّفتين وتكحل العينين وتزجج الحواجب، كل هَذَا مما يدُلّ على أن الموضوع أصبح الآن لَيْسَ ذا محل في هَذَا الوقت.
الفَائِدة السَّابِعَة: أن الأفضل البعد عن الريبة ومحل الْفِتْنَة، وإن بعدت؛ لقَوْلهُ:{وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ} ، ويجوز لهنَّ أن يضعن الثِّياب لبعد الْفِتْنَة بهنَّ، ولكن مع ذَلِك كلما بعُد الْإِنْسَان عن أَسْبَاب الْفِتْنَة كَانَ خيرًا له، والْإِنْسَان قد يشعر في نفْسِه أنَّه بعيد عن الْفِتْنَة ثم يقع فيها، وقد أمر النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام من سمع الدجال أن ينأى عنه؛ لأنَّه يأتيه وهو يرى أنَّه مُؤْمن فلا يزال يقذف به بالحجج والشُّبُهَات
حتَّى يتبعه
(1)
.
الفَوائِد الثَّامِنة والتَّاسِعَة والعاشرة: إِثْبات تفاضل الأعْمَال، لأَن قَوْلهُ:{خَيْرٌ لَهُنَّ} يعني من عدم الاستعفاف؛ فدل ذَلِك على أن بعض الأعْمَال أفضل من بعض، ويتفرع على ذَلِك تفاضل الإِيمَان، لأَن الأعْمَال منه، فإذا ثبت تفاضل الأعْمَال فيما بينها ثبت تفاضل الإِيمَان وأنه يزيد وينقص، وهَذَا هو مذهب أهْل السُّنَّة والجماعَة.
لو قَالَ قَائِلٌ: بعض طوائف المبتدعة يرون أن الأعْمَال لا تتفاضل، فهل معنى قولهم هَذَا أن الأعْمَال متساوية؟
الجواب: لا، هم لا يَقُولُونَ: الصَّلاة مثل الصِّيام، والصِّيام مثل كذا، بل يرون أن بعض الأعْمَال أفضل من بعض، لكن يَقُولُونَ: إنها غير داخلة في الإِيمَان؛ يخرجونها من الإِيمَان ولا أعلم أنهم يَقُولُونَ: إن الأعْمَال متساوية في فضلها، ما أعلم ذَلِك، ولا أظن أن أحدًا يَقُول به، لكن مَسْأَلة إخراجها من الإِيمَان هو الَّذِي جعلهم يَقُولُونَ: إن إيمان أبي بكر وإيمان أفسق النَّاس واحد، وعندهم أن الإِيمَان هو مُجرَّد الإقرار باللهِ عز وجل.
الفَائِدة الحَادِيَة عشرة: إِثْبات اسمين من أَسْماء الله، لقَوْلهُ:{وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34)} [آل عمران: 34]
وما تضمناه من الصِّفات؛ وهي: السمع والعلم، وقد تقدَّم أنَّه لا يُراد من أَسْماء الله وصفاته مُجرَّد معرفة ذَلِك الاسْم وتلْك الصِّفة، بل المُراد والغرض التعبد لله بمقتضى ذَلِك، فإذا علمت أن الله {عَلِيمٌ} عملت بكل قَوْل يرضيه، لأنك تعلم أنَّه
(1)
أخرجه أَبو داود، كتاب الملاحم، باب خروج الدجال، حديث رقم (4319)، وأحمد (4/ 431)(19888)، عن عمران بنُ الحصين.
يسمعك ويثيبك عليه، وتجنبت كل قَوْل يسخطه؛ لأنك تعلم أنَّه يسمعك فيسخط عَليْك، وكَذلِك بالنِّسْبَةِ لسائر الأَسْماء والصِّفات فلَيْسَ المُراد أن تعلم هَذَا الاسْم أو هَذِهِ الصِّفة ومدلولهما، بل المُراد أن تعمل لله سبحانه وتعالى وأن تتعبد لله بمقتضى ذَلِك الاسْم وتلْك الصِّفة، ولِهَذَا جاء في الحديث الصحيح عن النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام:"إِنَّ لله تِسْعَةً وتسْعِينَ اسْمًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنّةَ"
(1)
، والمُراد بإحصائها ثلاثة أمور: ضَبط لفظها ومعناها والتعبد لله بمقتضاها.
* * *
(1)
أخرجه البخاري، كتاب التوحيد، باب إن لله مائة اسم إلَّا واحدًا، حديث رقم (7392)، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب في أسماء الله تَعَالَى وفضل من أحصاها، حديث رقم (2677)؛ عن أبي هريرة.