الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (59)
* * *
* قَالَ اللهُ عز وجل: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النور: 59].
* * *
قَوْلهُ: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ} قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [أَيّهَا الْأَحْرَار {الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} فِي جَمِع الْأَوْقَات {كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} أَي: الْأَحْرَار الْكِبَار] اهـ.
قَوْلهُ: {مِنْكُمُ} يَقُول المُفَسِّر رحمه الله: [أَيّهَا الْأَحْرَار، وَذلِك لأَن المماليك كما سبق لا يستأذِنَون إلَّا في الأوْقات الثَّلاثة سواء كانوا كبارًا أو صغارًا، وتقييد المُفَسِّر رحمه الله بالأحرار لمفهوم الآيَة أولى.
وقَوْلهُ: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ} هو كِناية عن البُلوغ بالإنْزال، والحلُم بمَعْنى الاحتِلام أو بمَعنى العَقْل، وَذلِك لكمال عقولهم، لكن الأوَّل أولى، لأنَّه لا يشترط في هَذَا كمال العَقْل، وكمال العَقْل يحصل بكمال أربعين سنة.
وقَوْلهُ: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ} لم يذكر الله سبحانه وتعالى سوى بلوغ الحلم، والمعْرُوف أن هُناكَ شيئين آخرين يحصل بهما البُلوغ هما تمام خمس عشرة سنة وإنبات شعر العَانَة، لكن هَذَان الْأَمْران فيهما خلاف بين العُلَماء فمنهم من يرى أنَّه لا بلوغ إلَّا بالإنزال وأن تمام خمس عشرة سنة لَيْسَ علامة على
البُلوغ بل علامة على قدرة الْإِنْسَان على الجهاد؛ لأَن الَّذينَ أخذوا بها إنما أخذوا بحديث ابن عمر رضي الله عنهما حينما عُرض على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عام أُحد فلم يجزه، وعرض علَيْه عام الخندق فأجازه، وكان له عام الخندق خمس عشرة سنة
(1)
، لكن في رِوايَة للحاكم أنَّه قَالَ:"فَلَمْ يُجِزْنِي وَلَمْ يَرَنِي بَلَغْتُ"
(2)
، والثَّاني:"فَأَجَازَنِي وَرَآنِي بَلَغْتُ"، لكن كَلِمة بلغت هل معناه بلغت سن التكليف أو بلغت الحالة الَّتِي يُمْكِنني فيها أن أجاهد؟ فيه احتمال".
لكنَّ عمر بن عبد العزيز رحمه الله ورضي عنه - كتب إلى عماله أن يفرضوا لمن بلغ خمس عشرة سنة ورآهم قد بلغوا، وقال: إِذَا كَانَ هَذَا السن حدًّا لصلاحهم للقتال فهو حد لبلوغهم
(3)
، ويرى بعض العُلَماء كأبي حنيفة أن حد البُلوغ ثماني عشرة سنة لا خمس عشرة سنة، وهَذَا هو الَّذِي مشى علَيْه نظام العَمَل والعمال هُنا؛ لأَن واضعه فيما يظهر إِنْسَان أجنبي لا يعرف إلَّا المَذْهب المعْرُوف في الشَّارع عند عامَّة المُسْلِمِينَ وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله الَّذِي يقيده بثماني عشرة سنة.
إنما مذاهب الأئمة الثَّلاثة أن البُلوغ يحصل بخمس عشرة سنة، أما إِنْبَات العَانَة ففيه خلاف أيضًا، والَّذينَ قالوا: إنه لَيْسَ علامة على البُلوغ قالوا: إن كون الرَّسُول عليه الصلاة والسلام يكشف عن أُزُرِ بني قريظة فمن أَنْبَتَ قتله
(4)
، لَيْسَ ذَلِك دليلًا
(1)
أخرجه البخاري، كتاب الشهادات، باب بلوغ الصبيان وشهادتهم، حديث رقم (2664)، ومسلم، كتاب الإمارة، باب بَيان سن البلوغ، حديث رقم (1868)؛ عن ابن عمر.
(2)
أخرجه ابن حبان في صحيحه، باب فرض الجهاد، ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن تمام خمس عشرة سنة للمرء لا يكون بلاغًا، حديث رقم (4728).
(3)
أخرجه الدَّارَقُطني (4/ 115)(40)، وانظر: المغني (4/ 297).
(4)
أخرجه أَبو داود، كتاب الحدود، باب في الغلام يصيب الحد، حديث رقم (4404)، والنَّسائي، كتاب الطلاق، باب متى يقع طلاق الصبي، حديث رقم (3430)، والتِّرمِذي، كتاب السير، =
على أنَّه مكلف بل هو دَليل على أنَّه من أهل القتال فيقتله النَّبِيّ عليه الصلاة والسلام، لكن المَشْهُور من المَذْهب ما هو معْرُوف من أن البُلوغ يحصل بواحد من ثلاثة أشْيَاء.
قَوْلهُ: {فَلْيَسْتَأْذِنُوا} وجَّه الخِطَاب لهم، لأنهم إِذَا بلغوا الحلم صاروا أهلًا للتكليف وتوجيه الخِطَاب إلَيْهم.
وقَوْلهُ: {كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} أي: من عامَّة النَّاس الَّذينَ يستأذنون في جميع الأوْقات.
قَوْلهُ: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} {كَذَلِكَ} أي: مثل ذَلِك البَيان يبين، وقد تقدَّم أن (الكاف) اسم بمَعْنى (مثل) وهي مفعول مطلق بـ {يُبَيِّنُ} .
وهَذه الآية الْكَرِيمَةِ مثل الَّتِي قبلها إلَّا أن الفَرْق في قَوْلهُ: {آيَاتِهِ} بدل {الآيَاتِ} ؛ ولعل هَذَا - والله أعلم - من باب التنويع في الخِطَاب أو في الأسلوب، وإلَّا فمعناهما سواء.
* * *
= باب ما جاء في النزول على الحُكْم، حديث رقم (1584)، وابن ماجة، كتاب الحدود، باب من لا يجب عليه الحد، حديث رقم (2541)، وأحمد (4/ 383)(19440)؛ عن عطية القرظي.