المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

واو، وقرأ عبيد بن عمير: {وأكون} بضم النون على الاستئناف؛ - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٩

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: واو، وقرأ عبيد بن عمير: {وأكون} بضم النون على الاستئناف؛

واو، وقرأ عبيد بن عمير:{وأكون} بضم النون على الاستئناف؛ أي: وأنا أكون، وهو وعد الصلاح.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما: من كان له مال تجب فيه الزكاة فلم يزكه، أو مال يبلغه إلى بيت الله فلكم يحج .. يسأل عند الموت الرجعة.

فائدة: والفرق بين التصدق والهدية: أن التصدق للمحتاج بطريق الترحم والهدية للحبيب لأجل المودة. ولذا كان صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية لا الصدقة، فرضًا كانت أو نفلًا.

ومعنى الآية (1): أي وأنفقوا بعض ما أعطيناكم من فضلنا من الأموال شكرًا على النعمة ورحمة بالققراء من عباده، وادخروا ذلك ليوم العرض والحساب فتجنوا ثمار ما عملتم، ولا تدخروه في صناديقكم لوارثكم فربما أضاعه فيما لا يكسبكم حمدًا ولا مدحًا، بل يكسبكم ذمًا وقدحًا. وقد جاء في الخبر:"أطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام"، وجاء أيضًا:"يا ابن آدم"! ليس لك من مالك إلا ما لبست فأبليت، أو أكلت فأفنيت، أو تصدقت فأبقيت". ولا تنتظروا حتى يحين وقت الاحتضار، وتروا الموت رأي العين، ثم تتمنون أن لو مد الله في الأجل وأطال العمر لتتداركوا ما فات وتحسنوا العمل وتساعدوا البائسين، وذوي الحاجة، فهيهات هيهات، فليس ذا وقت الندم:

نَدِمَ الْبُغَاةُ وَلَاتَ سَاعَةَ مَنْدَمِ

وَالْبَغُيُ مَرْتَعُ مُبْتَغِيهِ وَخيمُ

‌11

- فأنى للعمر أن يطول، وللحياة أن تزيد ولكل نفس أجل لا تعدوه، وعمر لا يزيد ولا ينقم، فماذا يفيد التمني، وماذا ينفع الندم والجسرة؟ وذلك ما عناه سبحانه بقوله:{وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ} سبحانه {نَفْسًا} ؛ أي: لن يؤخر نفسًا ولن يمهلها، مطيعة أو عاصية، صغيرة أو كبيرة {إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا}؛ أي: آخر عمرها، أو انتهى، إن أريد بالأجل الزمان الممتد من أول العمر إلى آخره. فعليكم أن تستعدوا قبل حلول الأجل، وهيئوا الزاد ليوم المعاد {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا

(1) المراغي.

ص: 340

هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ (11)}. وفي هذا عبرة لمن اعتبر ولم يفرط في أداء الحقوق والواجبات. واستنبط (1) بعضهم عمر النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الآية، فالسورة رأس ثلاث وستين سورة، وعقبها بالتغابن ليظهر التغابن في فقده.

ثم حذرهم وأنذرهم بأنه رقيب عليهم في كل ما يأتون وما يذرون، فقال:{وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} لا يخفى عليه شيء منه، فمجازيكم على الإحسان إحسانًا، وعلى الإساءة إعراضًا عنكم وسخطًا وبعدًا عن رضوانه. إنك لا تجني من الشوك العنب، فسارعوا في الخيرات، واستعدوا لما هو آت.

وقرأ الجمهور (2): {بِمَا تَعْمَلُونَ} بالفوقية، خطابًا للناس كلهم. وقرأ أبو بكر عن عامر، والسلمي بالتحتية، خص الكفار بالوعيد، ويحتمل العموم.

الإعراب

{إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1)} .

{إِذَا} : ظرف لما يستقبل من الزمان، خافض لشرطه منصوب بجوابه، {جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ}: فعل ومفعول به، وفاعل، والجملة في محل الخفض بإضافة {إِذَا} إليها على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب. {قَالُوا}: فعل وفاعل، والجملة جواب {إِذَا} الشرطية، وجملة {إِذَا} الشرطية مستأنفة. {نَشْهَدُ}: فعل مضارع، وفاعل مستتر، والجملة في محل النصب مقول {قَالُوا} ، {إِنَّكَ}: ناصب واسمه، {لَرَسُولُ اللَّهِ}:{اللام} : حرف ابتداء، {رسول الله}: خبره، وجملة {إن} جواب القسم لا محل لها من الإعراب. لأن معنى {نَشْهَدُ}: نحلف فهو جارٍ مجرى القسم. وعبّر عن الحلف بالشهادة؛ لأن كل واحد منهما إثبات لأمر عين. {وَاللَّهُ} : {الواو} : اعتراضية، {الله}: مبتدأ، وجملة {يَعْلَمُ}: خبره، والجملة الاسمية اعتراضية لاعتراضها بين قولهم:{نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} وبين قوله: {وَاللَّهُ يَشْهَدُ} . {إِنَّكَ} : ناصب واسمه، {لَرَسُولُهُ}: خبره. {اللام} : حرف ابتداء، وجملة {إن} سادة مسد مفعولي {يَعْلَمُ}. {وَاللَّهُ يَشْهَدُ}:{الواو} :

(1) روح البيان.

(2)

البحر المحيط.

ص: 341

عاطفة، {الله}: مبتدأ، وجملة {يَشْهَدُ}: خبره، والجملة الاسمية معطوفة على جملة {إِذَا} ، {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ}: ناصب واسمه، {لَكَاذِبُونَ}:{اللام} : حرف ابتداء، {كاذبون} خبره، وجملة {إن} جواب القسم المعنوي لأن {يَشْهَدُ} بمعنى: يحلف، فيجري مجرى فعل القسم.

{اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (3)} .

{اتَّخَذُوا} : فعل ماض وفاعل، والجملة مستأنفة مسوقة لبيان كذبهم وحلفهم عليه. {أَيْمَانَهُمْ}: مفعول به، {جُنَّةً}: مفعول ثان، {فَصَدُّوا}:{الفاء} : عاطفة، {صدوا}: فعل وفاعل، معطوف على {اتَّخَذُوا} ، {عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}: متعلق بـ {صدوا} ، {إِنَّهُمْ}: ناصب واسمه، وجملة {سَاءَ} خبر {إن} ، وجملة {إن} مستأنفة {سَاءَ} فعل ماض بمعنى: قبح {مَا} : اسم موصول في محل الرفع فاعل، {كَانُوا}: فعل ناقص واسمه، وجملة {يَعْمَلُونَ} خبره، وجملة {كان} صلة لـ {ما} الموصولة. {ذَلِكَ}: مبتدأ، {بِأَنَّهُمْ}: جار ومجرور خبره، والجملة الاسمية مستأنفة. {أنهم}: ناصب واسمه، وجملة {آمَنُوا} خبر {أنَّ} ، {ثُمَّ كَفَرُوا}: معطوف على آمنوا، وجملة {أن} في تأويل مصدر مجرور بالباء السببية؛ أي: بسبب إيمانهم ثمَّ كُفرهم. {فَطُبِعَ} : {الفاء} : عاطفة، {طبع}: فعل ماض مغير الصيغة، {عَلَى قُلُوبِهِمْ}: جار ومجرور في محل الرفع نائب فاعل، والجملة معطوفة على جملة {كَفَرُوا}. {فَهُمْ}:{الفاء} : عاطفة سببية، {هم}: مبتدأ، وجملة {لَا يَفْقَهُونَ} خبره، والجملة الاسمية معطوفة على جملة {طبع} .

{وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} .

{وَإِذَا} : {الواو} : استئنافية، {إِذَا} ظرف لما يستقبل، {رَأَيْتَهُمْ}: فعل وفاعل ومفعول به، والجملة في محل الخفض بإضافة {إذا} إليها على كونها فعل شرط لها، {تُعْجِبُكَ}: فعل مضارع، ومفعول به، {أَجْسَامُهُمْ}: فاعل، والجملة جواب {إذا} وجملة {إذا} مستأنفة. {وَإِنْ}: الواو: عاطفة، {إن}: حرف شرط، {يَقُولُوا}: فعل وفاعل مجزوم بـ {إنْ} ، {تَسْمَعْ}: فعل مضارع وفاعل مستتر مجزوم بـ {إنْ} الشرطية على كونه جوابًا لها {لِقَوْلِهِمْ} : متعلق بـ {تَسْمَعْ} ، وجملة

ص: 342

{إنْ} الشرطية معطوفة على جملة {إذا} .

{كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4)} .

{كَأَنَّهُمْ} : حرف نصب وتشبيه واسمه، {خُشُبٌ}: خبره، {مُسَنَّدَةٌ}: صفة {خُشُبٌ} ، وجملة {كَأَنَّ} مستأنفة، أو خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: هم مشبهون بخشب مسندة، أو حال من الضمير في {قولهم} ، {يَحْسَبُونَ}: فعل وفاعل مرفوع بثبوت النون، {كُلَّ صَيْحَةٍ}: مفعول أول لـ {حسب} ، {عَلَيْهِمْ}: جار ومجرور في موضع المفعول الثاني لـ {حسب} ؛ أي: كائنة عليهم. والجملة الفعلية مستأنفة. {هُمُ الْعَدُوُّ} : مبتدأ، وخبر، والجملة مستأنفة. {فَاحْذَرْهُمْ}:{الفاء} : فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفت أنهم عدو لك وأردت بيان ما هو الأصلح لك .. فأقول لك: احذرهم. {احذر} : فعل أمر، وفاعل مستتر، و {الهاء}: مفعول به، والجملة في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة. {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ}: فعل ومفعول به، وفاعل، والجملة جملة دعائية لا محل لها من الإعراب، {أَنَّى}: اسم استفهام بمعنى: كيف في محل النصب على الحال، مبني على السكون، {يُؤْفَكُونَ}: فعل مضارع ونائب فاعل، والجملة إنشائية لا محل لها من الإعراب.

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5)} .

{وَإِذَا} : {الواو} : استئنافية، {إذا}: ظرف لما يستقبل من الزمان، {قِيلَ}: فعل ماض مغير الصيغة، {لَهُمْ}: متعلق به، {تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ}: نائب فاعل محكي لـ {قِيلَ} ، وجملة {قِيلَ} في محل الخفض بإضافة إذا إليها، على كونها فعل شرط لها. وإن شئت قلت:{تَعَالَوْا} : فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعل، والجملة في محل الرفع نائب فاعل لـ {قِيلَ} ، {يَسْتَغْفِرْ}: فعل مضارع مجزوم بالطلب السابق، {لَكُمْ}: متعلق به، {رَسُولُ اللَّهِ}: فاعل. و {رَسُولُ اللَّهِ} : تنازع فيه كل من {تَعَالَوْا} ، و {يَسْتَغْفِرْ} ؛ لأن {تَعَالَوْا} يطلبه مجرورًا بإلى، و {يَسْتَغْفِرْ} يطلبه فاعلًا؛ أي: تعالوا إلى رسول الله،

ص: 343

يستغفر لكم رسول الله. {لَوَّوْا} : فعل ماضي، وفاعل، {رُءُوسَهُمْ}: مفعول به، والجملة جواب {إذا} لا محل لها من الإعراب، وجملة {إِذَا} مستأنفة. {وَرَأَيْتَهُمْ}: فعل وفاعل ومفعول به معطوف على {لَوَّوْا} . والرؤية بصرية تتعدى إلى مفعول واحد، وجملة {يَصُدُّونَ} في محل النصب حال من مفعول {رأيتهم} ، وجملة {وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ} في محل النصب حال من الواو في {رَأَيْتَهُمْ} .

{سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ الله لَهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (6)} .

{سَوَاءٌ} : خبر مقدم، {عَلَيْهِمْ}: متعلق به، {أَسْتَغْفَرْتَ}:{الهمزة} : حرف تسوية وسبك واستفهام، {أَسْتَغْفَرْتَ}: فعل وفاعل، وقد استغني بهمزة الاستفهام عن همزة الوصل، {لَهُمْ}: متعلق بـ {أَسْتَغْفَرْتَ} ، والجملة الفعلية مع همزة التسوية في تأويل مصدر مرفوع، على أنه مبتدأ مؤخر، والتقدير: وسواء عليهم استغفارك لهم وعدمه. والجملة مستأنفة. {أَمْ} : هي المعادلة لهمزة التسوية، وهي حرف عطف، {لَمْ}: حرف جزم. {تَسْتَغْفِرْ} : فعل ضارع، وفاعل مستتر مجزوم بـ {لَمْ} ، {لَهُمْ}: متعلق به، والجملة معطوفة على جملة {أستغفرت}؛ أي: استغفارك لهم وعدم استغفارك لهم سيان. {لَن} : حرف نفي ونصب واستقبال. {يَغْفِرَ الله} : فعل، وفاعل منصوب بـ {لَن} ، {لَهُمْ}: متعلق به، والجملة مستأنفة. {إِنَّ اللهَ}: ناصب واسمه، وجملة {لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} خبر {إن} ، وجملة {إِنَّ} جملة تعليلية لا محل لها من الإعراب.

{هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7)} .

{هُمُ الَّذِينَ} : مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة، {يَقُولُونَ}: صلة الموصول، {لَا تُنْفِقُوا} إلى قوله:{حَتَّى يَنْفَضُّوا} : مقول محكي لـ {يَقُولُونَ} . وإن شئت قلت: {لَا} : ناهية جازمة، {تُنْفِقُوا}: فعل مضارع، وفاعل مجزوم بـ {لا} الناهية، {عَلَى مَنْ}: جار ومجرور متعلق به، والجملة في محل النصب مقول لـ {يَقُولُونَ} ، {عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ}: ظرف متعلق بمحذوف صلة {من} الموصولة، {حَتَّى}: حرف جر وتعليل، {يَنْفَضُّوا}: فعل مضارع، وفاعل منصوب بأن المضمرة وجوبًا بعد

ص: 344

حتى الجارة، والجملة الفعلية مع أن المضمرة في تأويل مصدر مجرور بـ {حَتَّى} بمعنى اللام، والجار والمجرور متعلق بـ {لَا تُنْفِقُوا}؛ أي: لا تنفقوا عليهم لأجل انفضاضهم. {وَلِلَّهِ} : {الواو} : حالية، {لِلَّهِ}: جار ومجرور خبر مقدم، {خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ}: مبتدأ مؤخر، ومضاف إليه، {وَالْأَرْضِ}: معطوف على {السَّمَاوَاتِ} ، والجملة في محل النصب حال من فاعل {يَقُولُونَ} ، ولكنها حالة سببية؛ أي: قالوا ما ذُكر، والحال: أن الرزق بيده تعالى. {وَلَكِنَّ} : {الواو} : عاطفة، {لكن}: حرف نصب واستدراك، {الْمُنَافِقِينَ}: اسمه، وجملة {لَا يَفْقَهُونَ}: خبره، وجملة {لكن} معطوفة على الجملة الاسمية قبلها.

{يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8)} .

{يَقُولُونَ} : فعل وفاعل معطوف بعاطف مقدر على {يَقُولُونَ} الأول؛ لأن سبب القولين وقائلهما واحد. {لَئِنْ} : {اللام} : موطئة للقسم {إن} : حرف شرط جازم، {رَجَعْنَا}: فعل وفاعل في محل الجزم بـ {إنْ} الشرطية على كونه فعل شرط لها، {إِلَى الْمَدِينَةِ}: متعلق بـ {رَجَعْنَا} ، وجواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه، تقديره: إن رجعنا إلى المدينة .. يخرج الأعز منها الأذل، وجملة الشرط معترضة بين القسم وجوابه. {لَيُخْرِجَنَّ}:{اللام} : موطئة للقسم مؤكدة للأولى {يخرجن} فعل مضارع في محل الرفع لتجرده عن الناصب والجازم، مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، {الْأَعَزُّ}: فاعل، {مِنْهَا}: متعلق بـ {يخرجن} ، {الْأَذَلَّ}: مفعول به. والجملة جواب القسم لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم مقول لـ {يَقُولُونَ}. {وَلِلَّهِ}:{الواو} : حالية، {لِلَّهِ} خبر مقدم:{الْعِزَّةُ} : مبتدأ مؤخر {وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} معطوفان على {لِلَّهِ} ، والجملة في محل النصب حال من فاعل لـ {يَقُولُونَ} ، ما مر نظيره آنفًا؛ أي: قالوا ما ذُكر، والحال: أن كل من له نوع بصيرة يعلم أن العزة لله

إلخ. {وَلَكِنَّ} : {الواو} : عاطفة، {لَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ}: ناصب واسمه، وجملة {لَا يَعْلَمُونَ} خبره، وجملة {لكن} معطوفة على ما قبلها.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9)} .

ص: 345

{يَا أَيُّهَا} : منادى نكرة مقصودة. {الَّذِينَ} : بدل من أي، وجملة النداء مستأنفة. وجملة {آمَنُوا}: صلة الموصول، {لَا}: ناهية جازمة، {تُلْهِكُمْ}: فعل مضارع، مجزوم بـ {لا} الناهية، وعلامة جزمه حذف حرف العلة، والكاف مفعول به، {أَمْوَالُكُمْ}: فاعل، {وَلَا أَوْلَادُكُمْ}: معطوف على {أَمْوَالُكُمْ} ، والجملة الفعلية جواب النداء لا محل لها من الإعراب. {عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ}: متعلق بـ {تُلْهِكُمْ} ، {وَمَنْ يَفْعَلْ}:{الواو} : عاطفة، {مَنْ}: اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط، أو الجواب، أو هما، {يَفعَل}: فعل مضارع، وفاعل مستتر مجزوم بـ {من} على كونه فعل شرط لها، {ذلِكَ}: مفعول به، {فَأُولَئِكَ}:{الفاء} : رابطة الجواب، {أولئك}: مبتدأ، {هُمُ}: ضمير فصل، {الْخَاسِرُونَ}: خبر، والجملة الاسمية في محل الجزم بـ {من} على كونه جواب شرط لها، وجملة {مَنْ} الشرطية معطوفة على جملة النهي.

{وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10)} .

{وَأَنْفِقُوا} : {الواو} : عاطفة، {أَنْفِقُوا}: فعل أمر مبني على حذف النون، و {الواو}: فاعل، و {مِنْ مَا}: متعلق به، والجملة الفعلية معطوفة أيضًا على جملة النهي، على كونها جواب النداء، {رَزَقْنَاكُمْ}: فعل، وفاعل ومفعول به، والجملة صلة لـ {مَا} الموصولة والعائد محذوف تقديره: رزقناكموه، {مِنْ قَبْلِ}: جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من فاعل {أنفقوا} أو متعلق بـ {أنفقوا} ، {أَن}: حرف مصدر ونصب {يَأْتِيَ} : فعل مضارع منصوب بـ {أنَ} ، {أَحَدَكُمُ}: مفعول به، {الْمَوْتُ}: فاعل، والجملة الفعلية مع {أَن} المصدرية في تأويل مصدر مجرور بإضافة الظرف إليه؛ أي: أنفقوا من قبل إتيان الموت أحدكم. {فَيَقُولَ} : {الفاء} : عاطفة، {يقول}: فعل مضارع معطوف على يأتي، وفاعله ضمير مستتر يعود على {أَحَدَكُمُ} ، {رَبِّ}: منادى مضاف، حذف منه حرف النداء للتخفيف، وياء الإضافة اجتزاء عنها بالكسرة، وجملة النداء في محل النصب مقول لـ {يقول}. {لَوْلَا}: حرف تحضيض، أو {لو}: حرف تمن، و {لا} زائدة كما مر، {أَخَّرْتَنِي}: فعل وفاعل ومفعول به، ونون وقاية، {إِلَى أَجَلٍ}: متعلق به، {قَرِيبٍ}: صفة {أَجَلٍ} ، والجملة التحضيضية في محل النصب مقول لـ {يقول} على كونه جواب النداء،

ص: 346

{فَأَصَّدَّقَ} : {الفاء} : عاطفة، {أصدق}: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد الفاء السببية الواقعة في جواب التحضيض أو التمني، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا، تقديره: أنا، والجملة الفعلية مع أن المضمرة في تأويل مصدر معطوف على مصدر متصيد من الجملة التي قبلها من غير سابك لإصلاح المعنى؛ تقديره: لولا تأخيرك إياي إلى أجل قريب فتصدقي. {وَأَكُنْ} : على قراءة الجزم: مجزوم بالعطف على محل قوله: {فَأَصَّدَّقَ} ؛ لأنه في تقدير: إن أخرتني .. أصدق وأكن من الصالحين. وعلى قراءة النصب: معطوف على لفظ {فَأَصَّدَّقَ} . وعلى قراءة الرفع: فعلى الاستئناف، كما مر جميع ذلك في مبحث القراءة. واسم {أكن} ضمير مستتر يعود على المتكلم {مِنَ الصَّالِحِينَ}: خبره.

{وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11)} .

{وَلَن} : {الواو} : عاطفة على مقدر تقديره: فلا يؤخر هذا المتمني ولن يؤخر الله

إلخ. فكأنه عطف علة على معلول؛ أي: لا يؤخر هذا المتمني؛ لأن الله لا يؤخر نفسًا إذا جاء أجلها. {يُؤَخِّرَ} : فعل مضارع منصوب بـ {لن} ، ولفظ الجلالة {اللَّهُ} فاعل، {نَفْسًا}: مفعول به، {إِذَا}: ظرف لما يستقبل من الزمان، مجرد عن معنى الشرط، متعلق بـ {يُؤَخِّرَ} ، {جَاءَ أَجَلُهَا}: فعل وفاعل، والجملة في محل الخفض بإضافة {إِذَا} إليها؛ أي: لا يؤخرها وقت مجيء أجلها. {وَاللَّهُ} : مبتدأ، {خَبِيرٌ}: خبره، والجملة مستأنفة مسوقة للتهديد، {بمَا}: متعلق بـ {خَبِيرٌ} ، وجملة {تَعْمَلُونَ} صلة لـ {ما} الموصولة.

التصريف ومفردات اللغة

{إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا} : جمع منافق، اسم فاعل من نافق الرباعي، ينافق نفاقًا، والنفاق: إظهار الإيمان باللسان، وكتمان الكفر بالقلب. فالمنافق: هو الذي يضمر الكفر اعتقادًا ويظهر الإيمان قولًا. وفي "المفردات": النفاق: الدخول في الشرع من باب والخروج منه من باب آخر من النافقاء، إحدى حجرتي اليربوع والثعلب والضب، يكتمها ويظهر غيرها، فإذا أتي من قبل القاصعاء - وهو الذي يدخل منه - ضرب النافقاء برأسه فانتفق. والنفق: هو السرب في الأرض النافذ. {نَشْهَدُ} والشهادة: قول صادر عن علم حصل بشهادة بصر أو بصيرة. {فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} يقال: صده عن الأمر صدًا؛ أي: منعه وصرفه، وصد عنه صدودًا؛ أي:

ص: 347

أعرض. {جُنَّةً} ؛ أي: وقاية وترسًا عما يتوجه إليهم من المؤاخذة بالقتل والسبي. وأصل الجن: ستر الشيء عن الحاسة، يقال: جنه اللحل، وأجنه، والجنان - بالفتح -: القلب لكونه مستورًا عن الحاسة، والمجن والجنة: الترس الذي يجن صاحبه، والجنة بالفتح: كل بستان ذي شجر يستر بأشجاره الأرض. {سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ساء هذه هي الجارية مجرى بئس في إفادة الذم، ومع ذلك ففيها معنى التعجب وتعظيم أمرهم عند السامعين: كما في "أبي السعود".

{فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} من الطبع، والطبع: أن يصور الشيء بصورة ما، كطبع السكة وطبع الدراهم. وهو أعم من الختم وأخص من النقش، كما في "المفردات"؛ أي: ختم على قلوبهم كما يختم بالطابع على ما يراد حفظه حتى لا يؤخذ منه شيء. {تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ} ؛ أي: لصباحتها وتناسب أعضائها، أصله من العجب، والشيء العجيب هو الذي يعظم في النفس أمره لغرابته. والتعجب: حيرة تعرض للنفس بواسطة ما يتعجب منه. {خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} والخشب بضمتين: جمع خشبة، كأكم وأكمة، أو جمع خشب محركة، كأسد وأسد. وهو ما غلظ من العيدان. والإسناد: الإمالة، والتعبير بـ {مسندة} للتكثير؛ فإن التسنيد تكثير الإسناد بكثرة المَحَالِّ؛ أي: كأنها أسندت إلى مواضع. {كُلَّ صَيْحَةٍ} والصيحة: رفع الصوت. وفي "القاموس": الصيحة. الصوت بأقصى الطاقة. {يُؤْفَكُونَ} : من الأفك بفتج الهمزة، بمعنى الصرف عن الشيء؛ لأن الإفك بالكسر بمعنى الكذب. {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا}: أصله تعاليوا، فأعل بالقلب والحذف، إلا أن واحد الماضي: تعالى، بإثبات الألف المقلوبة عن الياء المقلوبة عن الواو الواقعة رابعة، وواحد الأمر: تعال، بحذفها وقفًا وفتح اللام. وأصل معنى التعالي: الارتفاع، فإذا أمرت منه قلت: تعال وتعالوا، فتعالوا جمع أمر الحاضر في صورة الماضي، ومعناه: ارتفعوا، فيقوله من كان في مكان عال لمن هو أسفل منه، ثم كثر واتسع فيه حتى استعمل في كل داع يطلب المجيء في المفرد وغيره، لما فيه من حسن الأدب؛ أي: هلموا وأتوا. ومن الأدب أن لا يقال: تعال فلان، أو تعاليت يا فلان، أو أنا متعال، أو فلان متعال، بأي معنى أريد؛ لأنه مما اشتهر به الله سبحانه، فتعالى الله الملك الحق علوًا كبيرًا.

{لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ} يقال: لوى الرجل رأسه، أماله، والتشديد للتكثير لكثرة

ص: 348

المَحالِّ، وهي الرؤوس. وأصله: لويوا، بوزن فعلوا، قلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح، ثم حذفت لالتقائها ساكنة بواو الجماعة. {وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ}؛ أي: يعرضون، من الصدود بمعنى الإعراض. أصله: يصددون، بوزن يفعلون، نقلت حركة الدال الأولى إلى الصاد فسكنت فأدغمت في الدال الثانية.

{سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ} وسواء: اسم بمعنى مستو، والهمزة فيه مبدلة من ياء. وقوله:{أَسْتَغْفَرْتَ} : حذفت منه همزة الوصل للاستغناء عنها بهمزة الاستفهام. {وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} والخزائن: جمع خزانة - بالكسر - كعصائب وعصابة، وهي ما يخزن فيه الأموال النفيسة وتحفظ، وكذا المخزن - بالفتح - وقد سبق البسط فيه في قوله تعالى:{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ} . {الْأَعَزُّ} : اسم تفضيل على وزن أفعل، وأصله: الأعزز، نقلت حركة الزاي الأولى إلى العين فسكنت فأدغمت في الثانية. {الْأَذَلَّ}: كذلك أيضًا صيغة تفضيل، أصله: الأذلل، نقلت حركة اللام الأولى إلى الذال، فسكنت فأدغمت في اللام الثانية. {لَا تُلْهِكُمْ} في "الصحاح": لهت عن الشيء - بالكسر - ألهى لهيًا ولهيانًا، إذا سلوت وتركت ذكره وأضربت عنه. وفي "القاموس": لها كدعا، وسلا، وغفل، وترك ذكره، كتلهى وألهاه شغله، ولهوت بالشيء - بالفتح - ألهو لهوًا إذا لعبت به. {فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ} أصله: فأتصدق، أبدلت التاء صادًا وأدغمت في الصاد. {وَأَكُنْ} قرىء:{وأكون} بالنصب، وهو معطوف على {فَأَصَّدَّقَ} لفظًا؛ لأن {فَأَصَّدَّقَ} منصوب بإضمار {أن} لوقوعه في جواب التمني؛ لأن {لَوْلَا} هنا معناها التمني، وقرىء:{وَأَكُنْ} بالجزم، وهو معطوف على موضع {فَأَصَّدَّقَ} ، لأن موضعه قبل دخول الفاء الجزم؛ لأنه جواب التمني، وجواب التمني إذا كان بغير فاء، ولا واو .. حكمه الجزم؛ لأنه غير واجب، ففيه مشابهة للشرط وجوابه، ولذلك يجزم كما يجزم جواب الشرط؛ لأنه غير واجب، إذ يجوز أن يقع ويجوز أن لا يقع.

فالمعنى على هذا: إن أخرتني .. أصدق وأكن. انظر "الكشف عن وجوه القراءات وعللها" لمكي بن أبي طالب (ج/

2 -

ص/323) ولكن في قوله: إن {لولا} هنا معناها التمني، فيه نظر، والذي يظهر: أن معناها التحضيض؛ كما مرّ.

قلت: وهذا مما يسميه النحاة عطف التوهم، فكأن المتكلم توهم أن الفاء لم

ص: 349

تدخل فجزم الفعل على الأصل، وأصله: وأكون، فلما جزم الفعل .. صار أكون، فاجتمع ساكنان فحذفت الواو، حكاه سيبويه عن الخليل.

البلاغة

وقد تضمنت هذه السورة الكريمة ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:

فمنها: تأكيد المنافقين كلامهم بـ {إنَّ} ، و {اللام}: في قوله: {قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} للإيذان بأن شهادتهم هذه صادرة عن صميم قلوبهم وخلوص اعتقادهم كما مر.

ومنها: التأكيد بالقسم، و {إنَّ} و {اللام} في قوله:{وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} زيادة في التقرير والبيان.

ومنها: الجملة الاعتراضية في قوله {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ} . جاءت معترضة بين الشرط وجوابه؛ لبيان أنهم ما قالوا ذلك عن اعتقاد، ولدفع توهم تكذيبهم في دعواهم الشهادة بالرسالة. والأصل:{إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1)} . فجاءت الجملة الاعتراضية تقريرًا لمنطوق كلامهم لكونه مطابقًا للواقع.

ومنها: الإظهار في مقام الإضمار في قوله: {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} لغرض ذمهم والإشعار بعلية الحكم، وكان الظاهر أو يقال: إنهم لكاذبون، لسبق المرجع.

ومنها: إطلاق الشهادة التي هي الإخبار عن حق على زورهم مجازًا، كإطلاق البيع على الفاسد.

ومنها: الاستعارة التصريحية الأصلية في قوله: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ} ، لأن اليمين حقيقة في الجارحة، فاستعير للحلف اعتبارًا بما يفعله المحالف عنده من المصافحة.

ومنها: الاستعارة التصريحية الأصلية في قوله: {جُنَّةً} لأن الجنّة حقيقة فيما يستتر به ويتقى به من المحذور كالترس، ثم استعير لما يجعلونه وقاية لدمائهم

ص: 350

وأموالهم أو إظهار الإِسلام.

ومنها: الطباق بين {آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا} وبين {الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} .

ومنها: التشبيه المرسل التمثيلي في قوله: {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} فالمشبه: هم، أي: رؤوساء المنافقين أو المدينة، وكانوا يحضرون مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويستندون فيه إلى الجدر، وكان النبي ومن حضر يتعجبون أو هياكلهم المنصوبة. والمشبه به هو: الخشب المنصوبة المسندة إلى الحائط. ووجه الشبه: كون الجانبين أشباحًا خالية عز العلم والنظر، على حدّ قتل حسان رضي الله عنه:

لَا بَأْسَ بِالْقَوْمِ مِنْ طُوْلٍ وَمِنْ عِظَمٍ

جِسْمُ الْبِغَالِ وَأَحْلَامُ الْعَصَافِيرِ

ومنها: التشبيه التمثيلي أيضًا في قوله: {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ} ؛ أي: إنهم لجبنهم وهلع نفوسهم واضطراب قلوبهم إذا نادى مناد في المعسكر، أو انفلتت دابة، أو نشدت ضالّة .. وجفت قلوبهم وزايلهم رشدهم، وحسبوا أن هناك شرًا يتربص بهم وكيدًا ينتظر الإيقاع بأرواحهم. وقد رمق الأخطل سماء هذا المعنى، فقال:

مَا زِلْتَ تَحْسَبُ كُلَّ شَيْءٍ بَعْدَهُمْ

خَيْلًا تَكِرُّ عَلَيْهِمُ وَرِجَالًا

يقول الأخطل: لا زلت يا جرير تظن كل شيء بعد خذلان قومك خيلًا تكر؛ أي: ترجع بسرعة عليهم لكثرة ما يساورك من الخوف. وغلا المتنبي في هذا المعنى، فقال:

وَضَاقَتِ الأَرْضُ حَتَّى صَارَ هَارِبُهُمْ

إِذَا رَأَى غَيْرَ شَيْءٍ ظَنَّهُ رَجُلًا

ويمكن أن يقال: إن وجه الشبه هو عزوب أحلامهم وفراغ قلوبهم من الإيمان. ولم يكتف بالتشبيه بالخشب بل جعلها مسندة إلى الحائط لعدم الانتفاع بها؛ لأنها إذا كانت في سقف أو مكان .. ينتفع بها.

ومنها: أسلوب التجريد في قوله: {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ} كقراءة ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ومن كفر فأمتعه يا قادر} .

ومنها: إيراد اللعنة في صورة الإخبار مع أنه إنشاء معنى في قوله: {قَاتَلَهُمُ

ص: 351

اللَّهُ} للدلالة على وقوعه وتحققه.

منها: طباق السلب في قوله: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} .

ومنها: القول بالموجب في قوله: {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} ، لأن حقيقة القول بالموجب: رد الخصم كلام خصمه من فحوى كلامه، فإن موجب قتل المنافقين الآنف ذكره في الآية: إخراج الرسول المنافقين أو المدينة، وقد كان ذلك، ألا ترى أن الله تعالى قال على إثر ذلك:{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} . ومن أمثلته قتل ابن الحجاج

البغدادي:

قُلْتُ ثَقَّلْتُ إِذْ أَتَيْتُ مِرَارًا

قَالَ ثَقَّلْتَ كَاهِلِيْ بِالأَيَادِي

ومنها: الكناية في قوله: {لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ} ؛ لأن الانتقال فيه من {لَا تُلْهِكُمْ} إلى معنى قولنا: لا تلهوا انتقال من اللازم إلى الملزوم.

ومنها: المجاز المرسل في قوله: {عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} ؛ لأن المراد بالذكر فرائضه ومأموراته، حب أطلق المسبب وأريد السبب.

ومنها: تقديم المفعول على الفاعل في قوله: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} للاهتمام بما تقدم والتشويق إلى ما تأخر.

ومنها: العدول عن قول: من قبل أن يأتيكم الميت إلى قوله: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} للإشارة إلى أن الميت يأتيهم واحدًا بعد واحد حتى يحيط بالكل.

ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

ص: 352

خلاصة ما تضمنته هذه السورة

اشتملت هذه السورة على المقاصد التالية:

1 -

وصف المنافقين وبيان سيء خصالهم من الكذب والأيمان الفاجرة والجبن.

2 -

حث المؤمنين على الطاعة وإنفاق المال قبل انقضاء الأجل.

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

ص: 353