المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

يقوله المشركون من الصاحبة والولد، فهو الواحد الأحد، الفرد الصمد، - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٩

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: يقوله المشركون من الصاحبة والولد، فهو الواحد الأحد، الفرد الصمد،

يقوله المشركون من الصاحبة والولد، فهو الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد.

ومعنى {سُبْحَانَ اللَّهِ

} إلخ (1): سبحوا الله تسبيحًا، ونزهوه تنزيهًا عما يشركه الكفار به من المخلوقات. فالله تعالى أورده لإظهار كمال كبريانه، أو للتعجب من إثبات الشريك بعدما عاينوا آثار اتصافه بجلال الكبرياء وكمال العظمة.

‌24

- {هُوَ} سبحانه وتعالى {اللَّهُ} ؛ أي: المعبود بحق في الوجود، كرره اعتناء بشأن التوحيد كما مر. {الْخَالِقُ}؛ أي: المقدر (2) للأشياء على مقتضى حكمته ووفق مشيئته. فإن أصل معنى الخلق: التقدير، يقال: خلق النعل إذا قدرها وسواها بمقياس، وإن شاع في معنى الإيجاد على تقدير واستواء، سواء كان من مادة، كخلق الإنسان من نطفة ونحوه، أو من غير مادة؛ كخلق السماوات والأرض. وخاصية هذا الاسم: أن يذكر في جوف الليل ساعة فما فوقها فيتنور قلب ذاكره ووجهه.

{الْبَارِئُ} ؛ أي: الموجد للأشياء بريئةً من التفاوت، فإن البرء: الإيجاد على وجه يكون الموجد بريئًا من التفاوت والنقصان، عما يقتضيه التقدير على الحكمة البالغة والمصلحة الكاملة. وخاصية هذا الاسم: أن يذكره سبعة أيام متوالية، كل يوم مئة مرة للسلامة من الآفات. قال السهروردي: يفتح لذاكره أبواب الغنى والعز والسلامة من الآفات.

{الْمُصَوِّرُ} ؛ أي: الموجد لصور الأشياء وكيفياتها وأشكالها وألوانها كما أراد، كما يصور الأولاد في الأرحام، بالشكل واللون المخصوص. فإن معنى التصوير: تخصيص الخلق بالصور المتميزة، والأشكال المتعينة، والألوان المتفرقة.

قال الراغب: الصورة ما تتميز به الأعيان عن غيرها. وهي: إما محسوسة؛ كصورة الإنسان وألوانه، واما معقولة؛ كالعقل وغيره من المعاني، انتهى.

وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله خلق آدم على صورته" أي: على صورة آدم؛ أي: على

(1) روح البيان.

(2)

روح البيان.

ص: 167

الصورة المختصة به، أراد بالصورة: ما خص الإنسان به من الهيئة المدركة بالبصر والبصيرة، وبها فضله على كثير من خلقه.

يقول الفقير: الضمير المجرور في صورته يرجع إلى الله سبحانه لا إلى آدم، والصورة الإلهية عبارة عن الصفات السبع المرتبة، وهي: الحياة والعلم، والإرادة والقدرة والسمع والبصر والكلام. وآدم مظهر هذه الصفات بالفعل، بخلاف سائر الموجودات. وإضافته إلى الله على سبيل الملك لا على سبيل البعضية والتشبيه بل على سبيل التشريف له كقوله: بيت الله، وناقة الله وروح الله.

وحاصل ما في المقام: أن الخالق هنا المقدر على الحكمة الملائمة لنظام العالم والبارىء الموجد على ذلك التقدير، والمصور المبدع لصور الكائنات وأشكال المحدثات بحيث يترتب عليها خواصهم ويتم بها كمالهم. وبهذا ظهر وجه الترتيب بينها. واستلزام التصورِ البَرءَ، والبرء: الخلق، استلزام الموقوف للموقوف عليه، كما قال الإِمام الغزالي رحمه الله تعالى: قد يظن أن هذه الأسماء مترادفة، وأن الكل يرجع إلى الخلق والاختراع. ولا ينبغي أن يكون كذلك، بل كل ما يخرج من العدم إلى الوجود يفتقر إلى التقدير أولًا، وإلى الإيجاد على وفق التقدير ثانيًا، وإلى التصوير بعد الإيجاد ثالثًا. والله سبحانه وتعالى خالق من حيث إنه مقدر وبارىء من حيث إنه مخترع موجد، ومصور من حيث إنه مرتب صور المخترعات أحسن ترتيب. وهذا كالبناء مثلًا، فإنه محتاج إلى مقدر يقدر ما لا بد منه من الخشب واللبن ومساحة الأرض وعدد الشقق والغرف وطولها وعرضها. وهذا يتولاه المهندس، فيرسمه ويصوره، ثم يحتاج إلى بنّاء يتولى الأعمال التي عندها تحدث وتحصل أصول الأبنية، ثم يحتاج إلى مزيِّن ينقش ظاهره، ويزين صورته، فيتولاه غير البناء. هذه العادة في التقدير والبناء والتصوير، وليس كذلك في أفعال الله تعالى، بل هو المقدر والوجد والمزين، فهو الخالق البارىء المصور.

فقدم ذكر (1) الخالق على البارىء؛ لأن الإرادة والتقدير متقدمة على تأثير القدرة، وقدم البارىء على المصور؛ لأن إيجاد الذات متقدم على إيجاد الصفات والألوان. وخاصية الاسم المصور: الإعانة على الصنائع العجيبة وظهور الثمار

(1) روح البيان.

ص: 168

ونحوها، حتى إن العاقر إذا ذكرته في كل يوم إحدى وعشرين مرة على صوم بعدَ الغروب وقبل الإفطار سبعة أيام .. زال عقمها، وتصور الولد في رحمها بإذن الله تعالى.

وقرأ عليٌّ وحاطب بن أبي بلتعة، والحسن وابن السميع (1):{المصوَّر} بفتح الواو ونصب الراء، على أنه مفعول به للبارىء، وأراد به جنس المصور؛ أي: الذي برأ المصور؛ أي: ميزه. وروي عن علي: فتح الواو وكسر الراء، على إضافة اسم الفاعل إلى المفعول، ونحو: الضارب الغلام.

{لَهُ} سبحانه وتعالى {الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} ؛ أي: الأسماء الدالة على المعاني الحسنة والصفات الكاملة. و {الْحُسْنَى} صيغة تفضيل؛ لأنها تأنيث الأحسن؛ كالعليا، في تأنيث الأعلى. وتوصيف الأسماء بها للزيادة المطلقة، إذ لا نسبة لأسمائه إلى أسماء الغير، كما لا نسبة لذاته إلى ذوات الغير، وأسماء الله تعالى تسعة وتسعون على ما ورد في الحديث، كما سردها الترمذي في "صحيحه".

واعلم: أنه قال العلماء: الاسم هو اللفظ الدال على المعنى بالوضع. والمسمى: هو المعنى الموضع له، والتسمية: وضع اللفظ له أو إطلاقه عليه. وإطلاق الاسم على الله تعالى توقيفي عند البعض، بحيث لا يصح إطلاق شيء منه عليه تعالى إلا بعد أن كان واردًا في القرآن أو الحديث الصحيح. وقال آخرون: كل لفظ دل على معنى يليق بجلال الله وشأنه .. فهو جائز الإطلاق، إلا .. فلا.

ومن أدلة الأولين (2): أن الله عالم بلا مرية، فيقال له: عالم، وعليم، وعلام؛ لوروده في الشرع، ولا يقال له: عارف أو فقيه أو متيقن، إلى غير ذلك مما يفيد معنى العلم.

ومن أدلة الآخرين: أن أسماء الله تعالى وصفاته مذكورة بالفارسية والتركية والهندية والأرُمية وغيرها، مع أنها لم ترد في القرآن والحديث ولا في الأخبار، وأن المسلمين أجمعوا على جواز إطلاقها عليه بتلك اللغة، ومنها: أن الله تعالى قال: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} . والاسم لا يحسن إلا لدلالته على صفات

(1) البحر المحيط.

(2)

روح البيان.

ص: 169

الكمال ونعوت الجلال، فكل اسم دل على هذه المعاني .. كان اسمًا حسنًا، وأنه لا فائدة في الألفاظ إلا رعاية المعاني، فإذا كانت المعاني صحيحة .. كان المنع من إطلاق اللفظ المفيد غير لائق به تعالى.

والمعنى: أي هو الله الخالق لجميع الأشياء، المبرز لها إلى عالم الوجود على الصفة التي أرادها، كما قال:{فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} . وله الصفات التي وصف بها نفسه، لا يشركه فيها أحد سواه.

{يُسَبِّحُ لِلَّهِ} ؛ أي: ينزهه سبحانه وتعالى من جميع النقائص {مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ؛ أي: جميع ما فيهما، إما بلسان المقال أو بلسان الحال. أي: ينطق بتنزهه تعالى تنزهًا ظاهرًا عن جميع النقائص، وقد مر الكلام على هذا التسبيح مرارًا كثيرًا. وجمهور المحققين على أنه تسبيح عبارة، وهو لا ينافي تسبيح الإشارة، وكذا العكس.

{وَهُوَ} سبحانه وتعالى {الْعَزِيزُ} ؛ أي: الغالب لغيره الذي لا يغالبه مغالب. {الْحَكِيمُ} في كل ما دبره في الأمور التي يقضي بها، وإنما مدح الله سبحانه نفسه بهذه الصفات العظام تعليمًا لعباده المدح له بصفاته العلى بعد فهم معانيها ومعرفة استحقاقه بذلك، طلبًا لزيادة تقربهم إليه.

قال أبو الليث في "تفسيره": فإن قال قائل: قد قال الله تعالى: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} فما الحكمة في أن الله تعالى نهى عباده عن مدح أنفسهم ومدح نفسه؟ قيل له: عن هذا السؤال جوابان:

أحدهما: أن العبد وإن كان فيه خصال الخير فهو ناقص، وإذا كان ناقصًا .. لا يجوز له أن يمدح نفسه، والله تعالى تام الملك والقدرة فيستوجب بهما المدح، فمدح نفسه ليعلم عباده فيمدحوه.

والجواب الآخر: أن العبد وإن كان فيه خصال الخير، فتلك إفضال من الله تعالى وإحسان منه، ولم يكن ذلك بقوة العبد وقدرته؛ فلهذا لا يجوز أن يمدح نفسه، ونظير هذا: أن الله تعالى نهى عباده أن يمنوا على أحد بالمعروف، وقد منّ على عباده للمعنى الذي ذكر في المدح.

قال بعض الكبار: تزكية الإنسان لنفسه سم قاتل، وهي من باب شهادة الزور؛

ص: 170

لجهله بمقامه عند الله، إلا أن يترتب على ذلك مصلحة دينية .. فللإنسان ذلك، كما قال صلى الله عليه وسلم:"أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر"، أي: لا أفتخر عليكم بالسيادة، إنما الفخر بالعبودية، والفخر بالذات لا يكون إلا لله وحده، وأما الفخر في عباده .. فإنما للرتب، فيقال: صفة العلم أفضل من صفة الجهل، ونحو ذلك.

الإعراب

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ} .

{أَلَمْ} : {الهمزة} : للاستفهام التقريري التعجبي، {لم}: حرف نفي وجزم، {تَرَ}: فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على محمد أو على أي مخاطب، مجزوم بـ {لم} ، وعلامة جزمه: حذف حرف العلة، {إِلَى الَّذِينَ}: متعلق بـ {تَرَ} ، والجملة مستأنفة مسوقة لبيان ما جرى بين المنافقين واليهود. والرؤية هنا نظرية تتعدى بإلى {نَافَقُوا}: فعل وفاعل، صلة الموصول، {يقُولونَ}: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة لبيان المتعجب منه، والتعبير بالمضارع لاستحضار صورة القول وتجدده. {لِإِخْوَانِهِمُ}: متعلق بـ {يقُولونَ} ، {الَّذِينَ}: صفة {لِإِخْوَانِهِمُ} وجملة {كَفَرُوا} صلة {الَّذِينَ} ، {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ}: حال من {إخوانهم} ، {لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ} إلى توده:{وَاللَّهُ يَشْهَدُ} : مقول محكي لـ {يقُولونَ} . وإن شئت قلت: {اللام} : موطئة للقسم بصيغة اسم الفاعل؛ أي: مؤذنة وممهدة للقسم؛ لأنها آذنت بأن ما بعدها جواب للقسم لا جواب للشرط ومهدته له. {إنْ} حرف شرط جازم، {أُخْرِجْتُمْ}: فعل ونائب فاعل في محل الجزم بـ {إنْ} الشرطية، على كونه فعل شرط لها، وجواب الشرط محذوف، دل عليه جواب القسم، جريًا على القاعدة المشهورة عندهم من أنه إذا اجتمع شرط وقسم .. فالجواب للمتقدم منهما، وجواب المتأخر محذوف، تقديره: إن أخرجتم .. نخرج معكم. وجملة الشرط مع جوابه معترضة لا محل لها من الإعراب؛ لاعتراضها بين القسم وجوابه. {لَنَخْرُجَنَّ} : {اللام} لام القسم مؤكدة للأولى، {نخرجن}: فعل مضارع في محل الرفع لتجرده عن الناصب والجازم، مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا يعود على المنافقين، تقديره: نحن. {مَعَكُمْ} : ظرف مضاف متعلق

ص: 171

بـ {نخرجن} ، والجملة الفعلية جواب القسم، لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم في محل النصب مقول لـ {يَقُولُونَ} .

{وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} .

{وَلَا} : {الواو} عاطفة، {لا}: نافية، {نُطِيعُ}: فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر يعود على المنافقين، {فِيكُمْ}: متعلق بـ {نُطِيعُ} ولكنه على حذف مضاف؛ أي: في خذلانكم. {أَحَدًا} : مفعول به، {أَبَدًا}: ظرف للنفي، متعلق بـ {نُطِيعُ} أيضًا، والجملة الفعلية معطوفة على {نخرجن} على كونها جواب القسم. {وَإِنْ}:{الواو} : عاطفة، {إنْ}: حرف شرط جازم، {قُوتِلْتُمْ}: فعل، ونائب فاعل في محل الجزم بـ {إنْ} الشرطية على كونه فعل شرط لها، وجواب الشرط محذوف، تقديره: ننصركم. وجملة الشرط - أيضًا - معترضة بين القسم المقدر قبلها وجوابه، لا محل لها من الإعراب. {لَنَنْصُرَنَّكُمْ}:{اللام} : موطئة للقسم، {ننصرن}: فعل مضارع في محل الرفع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، وفاعله ضمير مستتر يعود على المنافقين، و {الكاف}: مفعول به، والجملة جواب للقسم المقدر قبل {إن} الشرطية، وجملة القسم في محل النصب معطوفة على القسم المذكور قبله على كونه مقولًا لـ {يَقُولونَ}. {وَاللَّهُ}:{الواو} : استئنافية، {الله}: مبتدأ، وجملة {يَشْهَدُ} خبره، والجملة الاسمية مستأنفة. {إِنَّهُمْ}: ناصب واسمه، {لَكَاذِبُونَ}: خبره، و {اللام} لام الابتداء مزحلقة عن محلها، ولأجلها كسرت همزة {إن} ، وجملة {إن} في محل النصب مفعول {يَشْهَدُ} ؛ لأنه في معنى القول.

{لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (12)} .

{لَئِنْ} : {اللام} : موطئة للقسم، {إن}: حرف شرط، {أُخْرِجُوا}: فعل ونائب فاعل في محل الجزم بـ {إنْ} الشرطية على كونه فعل شرط لها، وجواب {إنْ} الشرطية محذوف دل عليه جواب القسم، تقديره: إن أخرجوا .. لا يخرجون معهم. وجملة {إنْ} الشرطية معترضة بين القسم وجوابه. {لَا} : نافية، {يَخرُجُونَ}: فعل وفاعل، {مَعَهُمْ}: متعلق به، والجملة الفعلية جواب القسم، لا

ص: 172

محل لها من الإعراب، وجملة القسم مستأنفة. {وَلَئِنْ}:{الواو} : عاطفة، و {اللام}: موطئة للقسم، {إنْ} حرف شرط {قُوتِلُوا}: فعل ونائب فاعل في محل الجزم بـ {إنْ} على كونه فعل شرط لها، وجواب الشرط محذوف، تقديره: إن قوتلوا .. لا ينصرونهم. وجملة الشرط معترض. {لَا} : نافية، {يَنْصُرُونَهُمْ}: فعل وفاعل، ومفعول، والجملة جواب القَسم، وجملة القَسم معطوفة على القَسم المذكور قبله. {وَلَئِنْ}:{الواو} : عاطفة، و {اللام}: موطئة للقسم، {إن} حرف شرط، {نَصَرُوهُمْ}: فعل وفاعل ومفعول في محل الجزم بـ {إنْ} الشرطية على كونه فعل شرط لها، وجواب الشرط محذوف، تقديره: وإن نصروهم .. يولون الأدبار، وجملة الشرط معترضة، {لَيُوَلُّنَّ}:{اللام} : موطئة للقسم، {يُوَلُّنَّ}: فعل مضارع مرفوع لتجرده عن الناصب والجازم، وعلامة رفعه ثبوت النون المحذوفة لتوالي الأمثال، والواو المحذوفة لالتقاء الساكنين فاعل، {الْأَدْبَارَ}: مفعول به، والجملة الفعلية جواب القسم، وجملة القسم معطوفة على جملة القسم المذكور قبله. {ثُمَّ}: حرف عطف وتراخ، {لَا}: نافية، {يُنْصَرُونَ}: فعل مضارع، ونائب فاعل مرفوع بالنون، معطوف على {يُوَلُّنَّ} .

{لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (13)} .

{لَأَنْتُمْ} : {اللام} : حرف ابتداء، {أنتم} مبتدأ، {أشَدُّ}: خبره، {رَهْبَةً}: تمييز محول عن المبتدأ، منصوب باسم التفضيل، {فِي صُدُورِهِمْ} صفة لرهبة، أو متعلق به، {مِنَ اللَّهِ}: متعلق بـ {أَشَدُّ} ، والجملة الاسمية مستأنفة. {ذَلِكَ}: مبتدأ، {بِأَنَّهُمْ}: خبره، والجملة مستأنفة، {بِأَنَّهُمْ} ناصب واسمه، {قَوْمٌ}: خبره، وجملة {لَا يَفْقَهُونَ}: صفة لـ {قَوْمٌ} ، وجملة {أنَّ} من اسمها وخبرها في تأويل مصدر مجرور بالباء، تقديره: ذلك كائن بسبب عدم فقههم لمصالحهم الدينية والدنيوية.

{لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (14)} .

{لَا} : نافية. {يُقَاتِلُونَكُمْ} : فعل مضارع، وفاعل ومفعول به، وضمير الفاعل يعود على اليهود، والجملة مستأنفة. {جَمِيعًا}: حال من فاعل {يُقَاتِلُونَكُمْ} ؛ أي:

ص: 173

مجتمعين. {إلا} : أداة استثناء مفرغ {فِي قُرًى} : متعلق بـ {يُقَاتِلُونَكُمْ} ، {مُحَصَّنَةٍ}: صفة لقرى، {أو} حرف عطف وتفصيل، {مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ}: جار ومجرور ومضاف إليه معطوف على قوبه: {فِي قُرًى} . {بَأْسُهُمْ} : مبتدأ، {بَيْنَهُمْ}: ظرف متعلق بـ {شَدِيدٌ} ، و {شَدِيدٌ}: خبر المبتدأ، والجملة مستأنفة مسوقة لبيان حالهم. {تَحْسَبُهُمْ}: فعل مضارع من أخوات ظن، وفاعل مستتر يعود على محمد مثلًا، ومفعول أول، {جَمِيعًا}: مفعول ثان، والجملة مستأنفة، {وَقُلُوبُهُمْ}:{الواو} : حالية، {قلوبهم}: مبتدأ، {شَتَّى}: خبره، والجملة في محل النصب حال من الهاء في {تَحْسَبُهُمْ}. {ذَلِكَ}: مبتدأ، {بِأَنَّهُمْ}: خبر، والجملة مستأنفة، {أنهم}: ناصب واسمه، {قَوْمٌ} خبره، وجملة {لَا يَعْقِلُونَ}: صفة قوم، وجملة {أنّ} في تأويل مصدر مجرور بـ {الباء} ، تقديره: ذلك كائن بسبب عدم عقلهم.

{كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (15)} .

{كَمَثَلِ الَّذِينَ} : خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: مثلهم كائن كمثل الذين إلخ. والجملة مستأنفة {الَّذِينَ} : مضاف إليه {مِنْ قَبْلِهِمْ} : صلة {الَّذِينَ} ، {قَرِيبًا}: ظرف متعلق بالاستقرار المحذوف الذي تعلق به {مِنْ قَبْلِهِمْ} . ولك أن تعلقه بـ {ذَاقُوا} المذكور بعده. وعلقه الزمخشري بمضاف مقدر في الخبر؛ أي: كوجوه مثل الذين من قبلهم. أي: مثل اليهود من بني النضير فيما وقع لهم من الإجلاء والذل كمثل أهل مكة فيما وقع لهم يوم بدر قريبًا من الهزيمة والقتل والأسر. {ذَاقُوا} : فعل وفاعل، {وَبَالَ أَمْرِهِمْ}: مفعول به، والجملة الفعلية في محل النصب حال من {الَّذِينَ} ، أو من الضمير المستكن في الصلة. {وَلَهُمْ}:{الواو} : استئنافية، {لهم}: خبر مقدم، {عَذَابٌ}: مبتدأ مؤخر، {أَلِيمٌ}: صفة {عَذَابٌ} ، والجملة مستأنفة.

{كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16)} .

{كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ} : خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: مثل المنافقين في إغراء اليهود على القتال كائن {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ} ، والجملة مستأنفة {إِذْ}: ظرف لما مضى من الزمان، متعلق بالاستقرار الذي تعلق به الخبر. ولك أن تعلقه بمحذوف على أنه

ص: 174

حال من {مثل الشيطان} كأنه بيان له. وجملة {قَالَ} في محل الخفض بإضافة {إِذْ} إليه، {لِلْإِنْسَانِ}: متعلق به، وجملة {اكْفُرْ} مقول لـ {قال} ، {فَلَمَّا كَفَرَ}:{الفاء} : عاطفة على محذوف، تقديره: فكفر، {لما}: حرف شرط غير جازم، {كَفَرَ}: فعل ماضي، وفاعل مستتر يعود على الإنسان، والجملة فعل شرط لـ {لما} ، {قَالَ}: فعل ماضي، وفاعل مستتر يعود على الشيطان، والجملة جواب الشرط لـ {لما} . وجملة {لما} معطوفة على تلك المحذوفة، {إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ

} إلى آخر الآية: مقول محكي لـ {قَالَ} . وإن شئت قلت: {إِنِّي بَرِيءٌ} : ناصب واسمه وخبره، {مِنْكَ}: متعلق بـ {بَرِيءٌ} ، وجملة {إن} في محل النصب مقول {قَالَ}. {إِنِّي}: ناصب واسمه، وجملة {أَخَافُ اللَّهَ}: خبره {رَبَّ الْعَالَمِينَ} : صفة للجلالة أو بدل منه، وجملة {إنَّ} في محل النصب مقول {قَالَ} أيضًا.

{فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (17)} .

{فَكَانَ} : {الفاء} : عاطفة، {كان}: فعل ماض ناقص، {عَاقِبَتَهُمَا}: خبرها المقدم؛ أي: عاقبة المناوي والمغوي. {أَنَّهُمَا} : ناصب واسمه، {فِي النَّارِ}: خبره، {خَالِدَيْنِ}: حال من الضمير المستكن في خبر {أن} . أعني: الجار والمجرور. وجملة {أن} في تأويل مصدر مرفوع على أنه اسم كان مؤخر، تقديره: فكان كونهما في النار خالدين فيها عاقبتهما، وجملة {كان} معطوفة على جملة {لما}. وقرىء {عاقبتُهما} بالرفع على أنه هو الاسم. و {أن} وما في حيزها هو الخبر. {فِيهَا} متعلقان بـ: خالدين {وَذَلِكَ} : {الواو} : استئنافية، {ذلك}: مبتدأ، {جَزَاءُ الظَّالِمِينَ}: خبر، ومضاف إليه. والجملة مستأنفة.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)} .

{يَا أَيُّهَا} : {يا} : حرف نداء، {أي}: منادى نكرة مقصودة، {ها}: حرف تنبيه زائد، {الَّذِينَ}: صفة أي، وجملة النداء مستأنفة. وجملة {آمَنُوا}: صلة الموصول، {اتَّقُوا اللَّهَ}: فعل وفاعل ومفعول، والجملة جواب النداء، لا محل لها من الإعراب، {وَلْتَنْظُرْ}:{الواو} : عاطفة، و {اللام}: لام الأمر، {تنظر}:

ص: 175

فعل مضارع مجزوم بلام الأمر، {نَفْسٌ}: فاعل، والجملة معطوفة على جملة قوله:{اتَّقُوا اللَّهَ} . {مَا} : اسم موصول في محل النصب مفعول به لـ {تنظر} وجملة {قَدَّمَتْ} صلة لـ {مَا} الموصولة، والعائد محذوف، تقديره: ما قدمته. {لِغَدٍ} : متعلق بـ {قَدَّمَتْ} ، وأطلق الغد على يوم القيامة تقريبًا له. {وَاتَّقُوا اللَّهَ}: فعل وفاعل ومفعول به معطوف على اتقوا الأول. {إِنَّ اللَّهَ} : ناصب واسمه، {خَبِيرٌ}: خبره، {بِمَا} ؛ متعلق بخبير، وجملة {تَعْمَلُونَ}: صلة لـ {ما} الموصولة أو المصدرية. وجملة {إن} مستأنفة مسوقة لتعليل الأمر بالتقوى.

{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19) لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20)} .

{وَلَا} : {الواو} : عاطفة. {لا} : ناهية جازمة، {تَكُونُوا}: فعل مضارع ناقص، واسمه مجزوم بـ {لا} الناهية. {كَالَّذِينَ}: خبر تكونوا، وجملة النهي معطوفة على جملة {وَاتَّقُوا اللَّهَ} ، وجملة {نَسُوا اللَّهَ}: صلة الموصول، {فَأَنْسَاهُمْ}:{الفاء} : عاطفة، {أنساهم}: فعل ماض وفاعل مستتر يعود على {اللَّهَ} ومفعول به أول، {أَنْفُسَهُمْ} ؛ مفعول ثان، والجملة معطوفة على جملة {نَسُوا اللَّهَ}. {أُولَئِكَ}: مبتدأ، {هُمُ} ضمير فصل، أو مبتدأ ثان، {الْفَاسِقُونَ}: خبر المبتدأ، أو خبر {هُمُ} ، والجملة خبر {أُولَئِكَ} ، والجملة الاسمية مستأنفة، {لَا}: نافية، {يَسْتَوِي}: فعل مضارع، {أَصْحَابُ النَّارِ} فاعل، ومضاف إليه {وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} معطوفة على {أَصْحَابُ النَّارِ} . والجملة الفعلية مستأنفة، {وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ}: مبتدأ، {هُمُ}: ضمير فصل، أو مبتدأ ثان، {الْفَائِزُونَ}: خبر المبتدأ، أو خبر {هُمُ} . والجملة مستأنفة.

{لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21)} .

{لَوْ} : حرف شرط غير جازم {أَنْزَلْنَا} : فعل وفاعل فعل شرط لـ {لَوْ} . {هَذَا} : مفعول به، {الْقُرْآنَ}: بدل منه، {عَلَى جَبَلٍ}: متعلق بـ {أَنْزَلْنَا} ، {لَرَأَيْتَهُ}:{اللام} : رابطة لجواب {لو} الشرطية، {رأيته} ، فعل وفاعل ومفعول، {خَاشِعًا}: مفعول ثان أو حال؛ لأن الرؤية تحتمل القلبية والبصرية.

ص: 176

{مُتَصَدِّعًا} : نعت لـ {خَاشِعًا} أو حال ثانية {مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} : متعلق بـ {مُتَصَدِّعًا} ، وجملة رأى جواب {لَوْ} الشرطية، وجملة {لَوْ} الشرطية مستأنفة. {وَتِلْكَ}:{الواو} : استئنافية. {تلك} : مبتدأ، {الْأَمْثَالُ}: بدل، وجملة {نَضْرِبُهَا}: خبر، والجملة الاسمية مستأنفة، {لِلنَّاسِ}: متعلق بـ {نَضْرِبُهَا} ، {لَعَلَّهُمْ}: ناصب واسمه، وجملة {يَتَفَكَّرُونَ}: خبره. وجملة {لعل} مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.

{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22)} .

{هُوَ} : مبتدأ. {اللَّهُ} : خبر أول، والجملة مستأنفة، {الَّذِي}: نعت للجلالة، {لَا}: نافية لجنس الخبر تعمل عمل إن، {إِلَهَ}: في محل النصب اسمها، وخبر {لَا} محذوف جوازًا، تقديره: موجود، {إِلَّا}: أداة استثناء مفرغ {هُوَ} : ضمير للمفرد المنزه عن الذكورة والأنوثة والغيبة، في محل الرفع، بدل من الضمير المستكن في خبر {لَا} المحذوف، وجملة إلا من اسمها، وخبرها صلة الذي. {عَالِمُ الْغَيْبِ}: خبر ثان لـ {هو} . {وَالشَّهَادَةِ} : معطوف على {الْغَيْبِ} ، {هُوَ}: مبتدأ، {الرَّحْمَنُ}: خبر أول له، {الرَّحِيمُ}: خبر ثان به. والجملة مستأنفة.

{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)} .

{هُوَ} : مبتدأ، {اللَّهُ}: خبر، {الَّذِي}: صفة للجلالة. والجملة الابتدائية مستأنفة، وجملة {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} صلة {الَّذِي}. {الْمَلِكُ}: خبر ثان لـ {هو} ، {الْقُدُّوسُ}: خبر ثالث، {السَّلَامُ}: خبر رابع، {الْمُؤْمِنُ}: خبر خامس، {الْمُهَيْمِنُ}: خبر سادس، {الْعَزِيزُ}: خبر سابع، {الْجَبَّارُ}: خبر ثامن، {الْمُتَكَبِّرُ}: خبر تاسع، {سُبْحَانَ اللَّهِ}: منصوب على المفعولية المطلقة بفعل محذوف، تقديره: أسبّح الله سبحانًا، والجملة المحذوفة مستأنفة. {عَمَّا}: متعلق بـ {سُبْحَانَ} ، وجملة {يُشْرِكُونَ}: صلة لـ {ما} الموصولة؛ أي: عن الذي يشركونه به، أو لما المصدرية. أي: عن إشراكهم. {هُوَ اللَّهُ} : مبتدأ وخبر،

ص: 177

والجملة مستأنفة. كرره اعتناءً بالتوحيد، {الْخَالِقُ}: خبر ثان لـ {هُوَ} {الْبَارِئُ} : خبر ثالث، {الْمُصَوِّرُ}: خبر رابع، {لَهُ}: خبر مقدم، {الْأَسْمَاءُ}: مبتدأ مؤخر، {الْحُسْنَى}: صفة للأسماء. والحسنى ضد السوءى. والجملة مستأنفة. {يُسَبِّحُ} : فعل مضارع، {لَهُ} متعلق به، {مَا}: اسم موصول في محل الرفع فاعل، والجملة الفعلية مستأنفة، {في السَّمَاوَاتِ}: متعلق بمحذوف صلة لـ {مَا} الموصولة، {وَالْأَرْضِ}: معطوفة على {السَّمَاوَاتِ} ، {وَهُوَ}:{الواو} : استئنافية. {هو} : مبتدأ، {الْعَزِيزُ}: خبر أول له، {الْحَكِيمُ}: خبر ثان، والجملة مستأنفة.

التصريف ومفردات اللغة

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا} ؛ أي: أظهروا غير ما أضمروا، وبالغوا في إخفاء عقائدهم. قال الراغب: النفق: الطريق النافذ، والسرب في الأرض النافذ، ومنه: نافقاء اليربوع، وقد نافق اليربوع، ونفق، ومنه: النفاق، وهو: الدخول في الشرع في باب والخروج عنه من باب نبه على هذا بقوله: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} ؛ أي: الخارجون عن الشرع.

{لِإِخْوَانِهِمُ} : جمع أخ في الذين، أو الصداقة، أو المعاملة. وأما الأخ من النسب فجمعه: إخوة. {لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ} : و {اللام} : فيه موطئة للقسم بصيغة اسم الفاعل المؤنث؛ أي: مؤذنة بأن الجواب بعدها مبني على قسم مقدر قبلها، لا مبني على الشرط المذكور تقديره: والله لئن أخرجتم إلخ. ومن ثم تسمى: اللام المؤذنة، والموطئة، والممهدة؛ لأنها وطأت الجواب للقسم؛ أي: مهدته وهيأته له. {وَإِنْ قُوتِلْتُمْ} : أصله، وإن قاتلوكم، ولما ضم أول الفعل لبنائه للمجهول قلبت الألف واوًا. {لَنَنْصُرَنَّكُمْ}: أي لنعاوننكم. {وَلَئِنْ قُوتِلُوا} : الواو فيه مبدلة من ألف فاعل، أصله: قاتلوا. فلما بني الفعل للمجهول وضم أوله قلبت الألف واوًا لمناسبة الضمة. {لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ} : أصله ليوليونن، بثلاث نونات: الأولى نون الرفع، ثم نون التوكيد الثقيلة التي بمنزلة نونين، فحذفت نون الرفع لتوالي الأمثال، فصار اللفظ: ليوليون، فالتقى ساكنان، فحذفت الواو، فصار: ليولين، فاستثقلت الضمة على الياء، ثم نقلت إلى ما قبلها، فالتقى ساكنان، فحذفت فصار وزنه: يفعن؛ أي: ليفرن هاربين. {لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً} والرهبة: مخافة مع تحزن واضطراب،

ص: 178

وهي هنا مصدر من رهب المبني للمفعول. أي: أشد مرهوبية. وذلك لأن {أَنْتُمْ} خطاب للمسلمين، والخوف ليس واقعًا منهم بل من المنافقين، فالمخاطبون مرهوبون غير خائفين.

{إِلَّا فِي قُرًى} : جمع قرية، وهي مجتمع الناس للتوطن، وأصله: قري، بوزن فعل، قلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح، ثم حذفت الألف وصلًا لالتقائها ساكنة بنون التنوين. {مُحَصَّنَةٍ}؛ أي: محكمة بالدروب، والأبواب الواسعة، والخنادق، وما أشبه ذلك. أو محفوظة بالسوْر. {أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ}: جمع جدار، وهو كما مر كالحائط إلا أن الحائط يقال اعتبارًا بالإحاطة بالمكان، والجدار يقال اعتبارًا بالنتو والارتفاع، ولذا قيل: حيدر الشجر، إذا خرج ورقه كأنه حمص، وجدر الصبي إذا خرج جدريه، تشبيهًا بجدر الشجر.

{وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} : جمع شتيت، كمرضى جمع مريض. يقال: ست يشت شتًا، وشتاتًا وشتيتًا: فرق وافترق كانشت وتشتت، وجاؤوا أشتاتًا؛ أي: متفرقين في النظام، والعامة في {شَتَّى} بلا تنوين؛ لأنها ألف تأنيث. {ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ} {ذَاقُوا} فيه القلب، أصله: ذوقوا، قلبت الواو ألفًا لتحركها بعد فتح. قال الراغب: الوبل والوابل: المطر الثقيل القطار، ولمراعاة الثقل قيل للأمر الذي يخاف ضرره: وبال. وطعام وبيل. {أَمْرِهِمْ} : والأمر واحد الأمور لا الأوامر. أي: ذاقوا سوء عاقبة كفرهم. {إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ} يقال: برىء يبرأ فهو بريء، وأصل البرء والبراءة، والتبري: التقصي مما يكره مجاورته.

{لِغَدٍ} ؛ أي: ليوم القيامة سمي بذلك لقربه، فكل آت قريب، كما قال:

وَإِنَّ غَدًا لِنَاظِرِهِ قَرِيْبُ

وأصله: غدو، حذفوا الواو بلا عوض، واستشهد عليه بقول لبيد:

وَمَا النَّاسُ إلَّا كَالدِّيَارِ وَأَهْلِهَا

بِهَا يَوْمَ حَلَّوُها وَغَدْوًا بَلاقِعُ

إذ جاء به على أصله، والبيت من أبيات العبرة.

{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ} : أصل {تَكُونُوا} : تكونون، بوزن تفعلون، نقلت حركة الواو إلى الكاف فسكنت إثر ضمة فصارت حرف مد. ثم حذفت نون الرفع

ص: 179

للجازم. {كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ} : أصله: نسيوا، بوزن فعلوا، استثقلت الضمة على الياء فحذفت، ثم حذفت لما التقت ساكنة بواو الجماعة، وضمت السين لمناسبة الواو. {فَأَنْسَاهُمْ}: فيه إعلال بالقلب، أصله: أنسيهم، بوزن أفعل، قلبت الياء ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها. {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ}: الألف في {النَّارِ} منقلبة عن واو لتصغيرها على نويرة.

{أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} : جمع فائز، وفيه إعلال بالإبدال، أصله: الفاوزون، أبدلت الواو همزة في الوصف حملًا له على الفعل فاز في الإعلال، حيث أعلّ فاز بقلب الواو ألفًا. {عَلَى جَبَلٍ} من الجبال، وهو محركًا كل وتد للأرض عظم وطال، فإن انفرد .. فأكمة وقنة - بضم القاف - قيل: عدد جبال الدنيا ستة آلاف وست مئة وثلاثة وسبعون جبلًا سوى التلال، كما في "زهرة الرياض" {لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا}؛ أي: خاضعًا منقادًا متذللًا. قال بعضم: الخشوع: انقياد الباطن للحق، والخضوع: انقياد الظاهر له. وقال بعضهم: الخضوع في البدن، والخشوع في الصوت والبصر. قال الراغب: الخشوع: الضراعة، وأكثر ما يستعمل فيما يوجد في الجوارح، والضراعة أكثر ما تستعمل فيما يوجد في القلب. ولذلك قيل فيما روي: إذا ضرع القلب .. خشعت الجوارح. {مُتَصَدِّعًا} ؛ أي: متشققًا {مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} ؛ أي: من خوفه أن تعصيه فيعاقبه. والصدع: شق في الأجسام الصلبة، كالزجاج والحديد ونحوها، ومنه استعير الصداع، وهو: الانشقاق في الرأس من الوجع.

{الْغَيْبِ} : ما غاب عن الحس من العوالم التي لا نراها. {وَالشَّهَادَةِ} : ما حضر من الأجرام المادية التي نشاهدها. {الْقُدُّوسُ} : المنزه عن النقص. قال بعضهم: حقيقة القدس: الاعتلاء عن قبول التغير، ومنه: الأرض المقدسة؛ لأنها لا تتغير بملك الكافر كما يتغير غيرها من الأرضين. وأتبع هذا الاسم اسم الملك لما يعرض للملوك من تغير أحوالهم بالجور والظلم والاعتداء في الأحكام وفيما يترتب عليها. فإن ملكه تعالى لا يعرض له ما يغيره؛ لاستحالة ذلك في وصفه. {السَّلَامُ} ؛ أي: الذي سلم الخلق من ظلمه، إذ جعلهم على نظم كفيلة برقيهم. {الْمُؤْمِنُ} ؛ أي؛ واهب الأمن. فكل مخلوق يعيش في أمن، فالطائر في جوه، والحية في وكرها، والسمك في البحر تعيش كذلك، ولا يعيش قوم على الأرض ما

ص: 180

لم يكن هناك حراس يحرسون قراهم، وإلا .. هلكوا. {الْعَزِيزُ}؛ أي: الغالب على أمره. قال بعضهم: مِنْ عز، إذا غلب، فمرجعه القدرة المتعالية عن المعارضة والممانعة. أو من عن عزازة، إذا قل، فالمراد: عدم المثل، كقوله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} .

{الْجَبَّارُ} ؛ أي: الذي جبر خلقه على ما أراد وقسرهم عليه أي: قهرهم وأكرههم عليه. أو جبر أحوالهم أي: أصلحها. فعلى هذا يكون الجبار من الثلاثي لا من الإفعال. وجبر بمعنى أجبر لغة تميم وكثير من الحجازيين. واستدل بورود الجبار من يقول: إن أمثلة المبالغة تأتي من المزيد على الثلاثي، فإنه من أجبره على كذا أي: قهره. وقال الفراء: لم أسمع فعالًا من أفعل إلا في جبار ودراك، فإنهما من أجبر وأدرك.

{الْمُتَكَبِّرُ} ؛ أي: الذي تكبر وتعظم عن كل ما يوجب حاجة أو نقصانًا، أو البليغ الكبرياء والعظمة. يعني: أن صيغة التفعل للتكلف بما لم يكن، فإذا قيل: تكبر وتسخى .. يدل على أنه يري ويظهر الكبر والسخاء، وليس بكبير ولا سخي. والتكلف بما لم يكن كان مستحيلًا في حق الله تعالى، وحمل على لازمه، وهو: أن يكون ما قام به من الفعل على أتم ما يكون وأكمله من غير أن يكون هناك تكلف واعتمال حقيقة. ومنه: ترحمت على إبراهيم؛ بمعنى: رحمته كمال الرحمة وأتممتها عليه. فإذا قيل: إنه تعالى متكبر .. كان المعنى: إنه البالغ في الكبر والعظمة أقصى المراتب.

{سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} ؛ أي: تنزه ربنا عما يصفه به المشركون. {الْخَالِقُ} ؛ أي: المقدر للأشياء على مقتضى الحكمة. {الْبَارِئُ} ؛ أي: المبرز لها على صفحة الوجود بحسب السنن التي وضعها والغرض الذي خلقت له. {الْمُصَوِّرُ} ؛ أي: الموجد للأشياء على صورها، ومختلف أشكالها، وألوانها كما أراد. فالتصوير آخرًا، والتقدير أولًا، والبرء بينهما. اهـ. "كرخي". وفي "المختار": وبرأ الله الخلق، من باب قطع؛ أي: خلقها. وفي "المصباح": وأصل الخلق: التقدير، يقال: خلقت الأديم للسقاء، إذا قدرته له. اهـ.

{لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} ؛ أي: الأسماء الدالة على محاسن المعاني التي تظهر في مظاهر هذا الوجود. فنظم هذه الحياة وبدائع ما فيها دليل على كمال صفاته،

ص: 181

وكمال الصفة يرشد إلى كمال الموصوف. {الْحُسْنَى} : مؤنث الأحسن، الذي هو أفعل تفضيل، لا مؤنث أحسن المقابل لامرأة حسناء. وفي "القاموس": ولا تقل رجل أحسن في مقابلة امرأة حسناء، وعكسه غلام أمرد، ولا يقال: جارية مرداء وإنما يقال: هو الأحسن على إرادة أفعل التفضيل، وجمعه: أحاسن. و {الْحُسْنَى} : بضم الحاء والقصر: ضد السوءى. اهـ. وفي "البحر" في سورة الأعراف عند قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} ما نصه: قال الزمخشري: ولله الأسماء الحسنى التي هي أحسن الأسماء؛ لأنها تدل على معان حسنة، من تحميد وتقديس وغير ذلك. اهـ. فالحسنى هنا تأنيث الأحسن، ووَصَفَ الجَمْعَ الذي لا يَعقِلُ بما توصف به الواحدة، كقوله:{وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} ، وهو فصيح، ولو جاء على المطابقة للجمع .. لكان التركيب: الحُسَنَ، على وزن الأُخَرَ؛ كقوله:{فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} . لأن جمع ما لا يعقل يخبر عنه، ويوصف بجمع المؤنث وإن كان المفرد مذكرًا. اهـ.

تتمة: ونقل صاحب "اللباب" عن الإِمام الرازي أنه قال: رأيت في بعض كتب الذِّكر أن لله تعالى أربعة آلاف اسم: ألف منها في القرآن والأخبار الصحيحة وألف منها في التوراة، وألف منها في الإنجيل، وألف منها في الزبور. اهـ. فلعل كونها تسعة وتسعين بالنظر إلى الأشهر الأشرف الأجمع. وتعدد الأسماء لا يدل على تعدد المسمى؛ لأن الواحد يسمى أبًا من وجه، وجدًا من وجه، وخالًا من وجه، وعالمًا من وجه، وكريمًا من وجه، وشجاعًا من وجه وذاته متحدة.

البلاغة

وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:

فمنها: الاستفهام التقريري التعجبي في قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا} .

ومنها: الإتيان بصيغة المضارع في قوله: {يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ} للدلالة على استمرار قولهم، أو لاستحضار صورته الماضية.

ومنها: الكناية في قوله: {لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ} ؛ لأنه كناية عن الانهزام الملزوم لتولية الأدبار.

ص: 182

ومنها: الإطناب، بتكرار القسم في قوله:{لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ} إلى آخر القسمات المذكورة هنا لغرض تأكيد الكلام.

ومنها: حذف جواب الشرط في كل القسمات المذكورة اختصارًا لدلالة جواب القسم عليه.

ومنها: الإسناد المجازي في قوله: {لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً} لما فيه من إسناد ما للمفعول إلى الفاعل؛ لأن المخاطبين - وهم المسلمون - مرهوبون لا راهبون.

ومنها: الحصر في قوله: {بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ} ؛ لأن الظرف متعلق بـ {شَدِيدٌ} ، فتقديم المعمول على عامله يفيد الحصر.

ومنها: الطباق بين {جَمِيعًا} و {شَتَّى} في قوله: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} .

ومنها: ما في هذه الآية من اللطائف والنكت، وهو تشجيع قلوب المؤمنين على قتالهم، وتجسير لهم، وأن اللائق بهم الاتفاق والاتحاد صورة ومعنى، كما كان المؤمنون متفقين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

ومنها: المجاز المرسل في قوله: {إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ} ؛ لأن الكفر مجاز عن الإغواء والإغراء، ففيه إطلاق المسبب وإرادة السبب؛ لأن الإغواء سبب للكفر.

ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله: {مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} ، حيث استعار الغد الذي هو اسم لليوم الذي بعد يومك ليوم القيامة بجامع القرب في كل، وإن كان القرب في يوم القيامة مجازيًا؛ لأن كل آتٍ قريب.

ومنها: التشبيه التمثيلي في قوله: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ} وجه الشبه منتزع من أمور متعددة.

ومنها: الإتيان بضمير الفصل في قوله: {أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} إفادة للحصر؛ لأنه يستفاد منه: أن فسقهم كان بحيث إن فسق الغير كأنه ليس بفسق بالنسبة إليه.

ومنها: تقديم أصحاب النار في قوله: {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} على أصحاب الجنة للإيذان من أول الأمر بأن القصور الذي ينبىء عنه عدم الاستواء

ص: 183

من جهتهم لا من جهة مقابليهم، كما مر في مبحث التفسير مبسوطًا.

ومنها: الإيجاز بالحذف في قوله: {نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ} ؛ أي: نسوا حقوق الله تعالى، فأنساهم حظوظ أنفسهم.

ومنها: الطباق بين أصحاب النار وأصحاب الجنة في قوله: {لَا يَسْتَوِي} إلخ، وبين الجنة والنار أيضًا، وبين الغيب والشهادة في قوله:{عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} .

ومنها: الاستعارة في قوله: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ} ؛ لأن لفظ المثل صار حقيقة عرفية في القول السائر، ثم استعير هنا لكل أمر غريب وصفة عجيبة الشأن تشبيهًا له بالقول السائر في الغرابة؛ لأنه لا يخلو عن غرابة.

ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

ص: 184

خلاصة ما حوته هذه السورة الكريمة من المقاصد والأغراض

اشتملت هذه السورة على المقاصد التالية:

1 -

تنزيه الله لنفسه عن كل نقص.

2 -

ذكر غلبة الله ورسوله لأعدائه.

3 -

تقسيم الفيء الذي أخذ من بني النضير مع ذكر المصارف التي يوضع فيها.

4 -

أخلاق المنافقين المضلين، وأخلاق أهل الكتاب الضالين مع ضرب المثل لهم.

5 -

ذكر نصائح للمؤمنين.

6 -

إعظام شأن القرآن، وإجلال قدره.

7 -

وصف الله سبحانه نفسه بأوصاف الجلال والكمال.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا (1).

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

(1) تم تفسير هذه السورة الكريمة بعون الله وتوفيقه قبيل صلاة المغرب من اليوم التاسع والعشرين من شهر شوال، يوم الخميس من شهور سنة ألف وأربع مئة وخمسة عشر من الهجرة النبوية، على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية.

ص: 185