المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الرسول: المنازعة معه في حكمة أمره ونهيه، مثل أسرار الصلوات - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٩

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: الرسول: المنازعة معه في حكمة أمره ونهيه، مثل أسرار الصلوات

الرسول: المنازعة معه في حكمة أمره ونهيه، مثل أسرار الصلوات الخمس واختلاف أعدادها، واختلاف قراءتها جهرًا وسرًّا، ومثل: أسرار الزكاة واختلاف أحكامها، ومثل: أحكام الحج ومناسكه. ونحن أمرنا بمحضى الامتثال والانقياد، وما كلفنا بمعرفة أسرارها وحقائقها، والشعبي صلى الله عليه وسلم مع كمال عرفانه وجلال برهانه يقول:{إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} ، وقال:"نحن نحكم بالظواهر والله يعلم السرائر".

وقرأ الجمهور: {وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ} بالإدغام. وقرأ طلبة بن مصرف ومحمد بن السميع {يشاقق} بالإظهار، كالمتفق عليه في الأنفال.

والمعنى: أي إنه تعالى إنما فعل ذلك بهم، وسلط عليهم رسوله وعباده المؤمنين؛ لأنهم خالفوا الله ورسوله، وكذبوا بما أنزله على رسله المتقدمين من البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم، فهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم. ثم ذكر مآل من يعادي الله ورسوله، فقال:{وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} ؛ أي: ومن يعاد الله فإن الله يعاقبه أشد العقاب، وينزل به الخزي والهوان في الدنيا، والنكال السرمدي في الآخرة.

‌5

- ثم ذكر أن كل شيء بقضاء الله وقدره، فقال:{مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ} : {مَا} شرطية، نصب بـ {قَطَعْتُمْ}. واللينة: وزان فعلة، نظير حنطة، وهي: النخلة الكريمة الشجرة، بكونها قريبة من الأرض والطيبة الثمرة، ولا تختص بنوع من النخل دون نوع، كما قاله الراغب. وقيل: اللينة ضروب النخل كلها، ما خلا العجوة والبرنية، وهما أجود النخل.

والمعنى: أي شيء قطعتم من نخلة من نخيلهم بأنواعها {أَوْ تَرَكْتُمُوهَا} الضمير لـ {مَا} وتأنيثه لتفسيره باللينة كما في قوله تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا} . {قَائِمَةً} : في حال من ضمير المفعول {عَلَى أُصُولِهَا} وسوقها كما كانت، من غير أن تتعرضوا لها بشيء من القطع. جمع أصل، وهو ما يتشعب منه الفرع. {فـ} ـذاك {بإذن الله} تعالى؛ أي: قطعُها وتركُها واقع بأمر الله لإرادته، فلا جناح عليكم فيه؛ فإن في كل من القطع والترك حكمة ومصلحة.

وقال محمد بن إسحاق: إنهم قطعوا نخلة وأحرقوا نخلة، فقال بنو النضير -

ص: 105

وهم أهل كتاب -: يا محمد! ألست تزعم أنك نبي تريد الصلاح، أفمن الصلاح قطع النخل وحرق الشجر؟ وهل وجدت فيما أنزل عليك إباحة الفساد في الأرض؟ فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووجد المسلمون في أنفسهم شيئًا. فنزلت هذه الآية.

أي: أي شيء قطعتم من ذلك أو تركتم فبإذن الله تعالى. فجعل أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الله تعالى؛ لأنه ما ينطق عن الهوى.

وقرأ الجمهور (1): {قَائِمَةً} أنث قائمة، والضمير في {تَرَكْتُمُوهَا} على معنى {مَا} وقرأ عبد الله والأعمش وزيد بن علي {قومًا} بفتحتين على وزن فعل، جمع قائم، وقرىء {قائمًا} اسم فاعل، فذكر على لفظ {مَا} وقرأ الجمهور {عَلَى أُصُولِهَا} بالجمع، وقرىء {على} أصلها بغير واو على الإفراد.

و {اللام} : في قوله: {وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} علة لمحذوف، و {الواو}: عاطفة على علة محذوفة، والتقدير: أذن في قطعها ليسر المؤمنين ويعزهم، ويخزي الفاسقين، أي: وليذل اليهود الخارجين عن دائرة الإِسلام؛ لأنهم إذا رأوا المؤمنين يتحكمون في أموالهم كيف أحبوا، ويتصرفون فيها حسبما شاؤوا من القطع والترك .. يزدادون غيظًا ويتضاعفون حسرة.

وتخصيص (2) اللينة بالقطع إن كانت من الألوان .. ليستبقوا لأنفسهم العجوة والبرنية هما كرام النخل، وإن كانت هي الكرام .. ليكون غيظهم أشد.

ويقال: إن العتيق والعجوة كانتا مع نوح في السفينة. والعتيق الفحل، وكانت العجوة أصل الإناث كلها. فلذا شق على اليهود قطعها، وظهر من هذا أن اللون هو ما عدا العجوة، والبرني من أنواع التمر بالمدينة. ومن أنواع التمر بالمدينة: الصيحاني. وفي "شرح مسلم" للنواوي: أنواع التمر مئة وعشرون. وفي "تاريخ المدينة الكبير" للسيد السمنودي: أن أنواع التمر بالمدينة التي أمكن جمعها بلغت مئة، وبضعًا وثلاثين. ويوافقه قول بعضهم: اختبرناها فوجدنا أكثر مما ذكره النواوي، قال: ولعل ما زاد على ما ذكر حدث بعد ذلك، وأما أنواع التمر بغير

(1) البحر المحيط.

(2)

روح البيان.

ص: 106