المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

لدلالة جواب القسم عليه. {وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ}؛ أي: في شأنكم. - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٩

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: لدلالة جواب القسم عليه. {وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ}؛ أي: في شأنكم.

لدلالة جواب القسم عليه. {وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ} ؛ أي: في شأنكم. وهو (1) معطوف على جملة {لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ} ، وكذا قوله:{وَإِنْ قُوتِلْتُمْ} . فمقولهم ثلاث جمل. {أَحَدًا} يمنعنا من الخروج معكم من محمد وأصحابه {أَبَدًا} وإن طال الزمان. وهو ظرف للنفي لا للمنفي، ونصبه على الظرفية، وهو (2) لاستغراق المستقبل، كما أن الأزل لاستغراق الماضي. ولاستعمالهما في طول الزمانين جدًّا قد يضافان إلى جمعهما، فيقال: أبد الآباد وأزل الآزال، وأما السرمد: فلاستغراق الماضي والمستقبل، يعني: لاستمرار الوجود لا إلى نهاية في جانبهما.

ثم لما وعدوهم بالخروج معهم .. وعدوهم بالنصرة لهم، فقالوا:{وَإِنْ قُوتِلْتُمْ} ؛ أي: قاتلكم محمد وأصحابه، حذفت منه اللام الموطئة. {لَنَنْصُرَنَّكُمْ}؛ أي: لنعاوننكم على عدوكم، ولا نخذلكم. ثم كذبهم سبحانه، فقال:{وَاللَّهُ} سبحانه {يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} في مواعيدهم المؤكدة بالأيمان الفاجرة، من الخروج معهم والنصرة لهم.

‌12

- ثم لما أجمل كذبهم فيما وعدوا به .. فصّل ما كذبوا فيه، فقال:{لَئِنْ أُخْرِجُوا} قهرًا وإذلالًا {لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ} وهذا مع ما بعده تكذيب لهم في كل واحد من أقوالهم على التفصيل بعد تكذيبهم في الكل على الإجمال بقوله: {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} . {وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ} وكان الأمر كذلك، فإن ابن أبيّ وأصحابه أرسلوا إلى بني النضير، وذلك سرًا ثم أخلفوهم، يعني: أن ابن أبيّ أرسل إليهم: لا تخرجوا من دياركم، وأقيموا في حصونكم، فإن معي ألفين من قومي وغيرهم من العرب يدخلون حصنكم، ويموتون عن آخرهم قبل أن يوصل إليكم، وتمدكم قريظة وحلفاؤكم من غطفان. فطمع بنو النضير فيما قاله اللعين، وهو جالس في بيته، حتى قال أحد سادات بني النضير - وهو سلّام بن مشكم - لحي بن أخطب الذي كان هو المتولي لأمر بني النضير: والله يا حيي! إن قول ابن أبيّ لباطل وليس بشيء، وإنما يريد أن يورطك في الهلكة حتى تحارب محمدًا، فيجلس في بيته ويتركك. فقال حيي: نأبى إلا عدواة محمد، وإلا قتاله. فقال سلام: فهو والله جلاؤنا من أرضنا، وذهاب أموالنا وشرفنا، وسبي ذرارينا مع قتل مقاتلينا. فكان ما كان كما سبق في

(1) الفتوحات.

(2)

روح البيان.

ص: 142

أول السورة.

وفيه حجة بيّنة لصحة النبوة وإعجاز القرآن، أما الأول: فلأنه أخبر عما سيقع فوقع كما أخبر؛ وذلك لأن نزول الآية مقدم على الواقعة. وعليه يدل النظم، فإن كلمة {إن} للاستقبال. وأما الثاني: فمن حيث الإخبار عن الغيب.

{وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ} على سبيل الفرض والتقدير؛ أي: لو قدر وجود نصرهم إياهم؛ لأن ما نفاه الله تعالى لا يجوز وجوده. قال الزجاج: معناه: لو قصدوا نصر اليهود {لَيُوَلُّنَّ} المنافقون {الْأَدْبَارَ} ؛ أي: الأقفاء منهزمين فارين. جمع دبر، ودبر الشيء خلاف القُبل؛ أي: الخلف. وتولية الأدبار كناية عن الانهزام الملزوم لتولية الأدبار. {ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ} ؛ أي: المنافقون بعد ذلك؛ أي: يهلكهم الله تعالى، ولا ينفعهم نفاقهم؛ لظهور كفرهم بنصرهم اليهود، أو لينهزمن اليهود ثم لا تنفعهم نصرة المنافقين.

وفي الآية تنبيه على أن من عصى الله ورسوله وخالف الأمر .. فهو مقهور في الدنيا والآخرة وإن كان سلطانًا ذا منعة، وما يقع أحيانًا من الفرصة فاستدراج، وغايته إلى الخذلان.

والحاصل (1): أن المراد من قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا

} إلخ .. تعجيب المخاطب من حال المحدث عنه، وأن أمره غاية في الغرابة، وموضع للدهشة والحيرة.

فهؤلاء قوم من منافقي المدينة لهم أقوال تخالف ما يبطنون، منهم: عبد الله بن أبيّ وشيعته، رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحاصر بني النضير ويقاتلهم، فأرسلوا إليهم يقولون لهم: إنا قادمون لمساعدتكم بخيلنا ورجلنا، ولا نسلمكم لمحمد أبدًا، فجدوا في قتالهم ولا تهنوا في الدفاع عن دياركم وأموالكم، حتى إذا اشتد الحصار وأوغل المسلمون في ديارهم، وجدّوا في تحريق نخيلهم وهدم بيوتهم .. رأى بنو النضير أن تلك الوعود {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا}. وأنهم بين أمرين:

(1) المراغي.

ص: 143