الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أعداء الله من حسن الخلق، فإن أشفق الخلق إذا كان مأمورًا بالغلظة عليهم، فما
ظنك بغير؟ فهي لا تنافي الرحمة على الأحباب. كما قال تعالى: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} . {وَمَأْوَاهُمْ} ؛ أي: مقرهم ومنزلهم في الآخرة {جَهَنَّمُ} ومصيرهم إليها، سيرون فيها عذابًا غليظًا. {وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}؛ أي: المرجع الذي يرجعون إليه. والمخصوص بالذم جهنم وفيه تصريح بما علم التزامًا مبالغة.
يقول الفقير: إذا كان الأعداء الظاهرون يحتاجون إلى الغلظة والشدة .. فما ظنك بأعدى الأعداء، وهي النفس الأمارة بالسوء، ففي الغلظة عليها نجاة، وفي اللين هلاك، وفي المثل: العصا لمن عصا.
والمعنى (1): أي جاهد الكفار بالسيف، وقاتلهم قتالًا لا هوادة فيه، وجاهد المنافقين بالإنذار والوعيد وبيان سوء المنقلب وعنفهم بفضيحة عاجلة تبين قبح طواياهم وخبث نفوسهم كما حدث منه صلى الله عليه وسلم في المسجد الجامع لبعض المنافقين على ملأ من الناس، فقال: اخرج يا فلان، اخرج يا فلان، وأخرج منهم عددًا كثيرًا، ثم بيّن سوء عاقبتهم، فقال:{وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} ؛ أي: وسيكون مسكنهم جهنم وبئس المثوى والمقيل.
10
- {ضَرَبَ اللَّهُ} سبحانه وتعالى {مَثَلًا} ؛ أي: شبهًا. وهو المفعول الثاني لضرب؛ لأنه بمعنى: جعل، و {اللام} في قوله:{لِلَّذِينَ كَفَرُوا} متعلق بـ {مَثَلًا} ، وقوله:{امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ} ؛ أي: حالهما. مفعوله الأول أخِّر عنه ليتصل به ما هو شرح وتفسير لحالهما، ويتضح بذلك حال هؤلاء الكفرة.
وضرب المثل (2) في أمثال هذه المواضع عبارة عن إيراد حالة غريبة ليعرف بها حالة أخرى مماثلة لها في الغرابة؛ أي: ضرب الله سبحانه وجعل حال امرأة نوح وامرأة لوط مثلًا وشبهًا لحال هؤلاء الكفرة في خيانتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالكفر والعصيان مع تمكنهم التام من الإيمان والطاعة. وامرأة نوح هي: واعلة بالعين المهملة، أو والعة. وامرأة لوط هي: واهلة بالهاء. {كَانَتَا} ؛ أي: كانت المرأتان {تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ} بيان لحالهما الداعية لهما إلى الخير
(1) المراغي.
(2)
روح البيان.
والصلاح. والمراد بكونهما تحتهما: كونهما في حكمهما وتصرفهما بعلاقة النكاح والزواج. و {صَالِحَيْنِ} صفة عبدين؛ أي: كانتا تحت نكاح نبيّين، وفي عصمة رسولين عظيمي الشأن، متمكنين من تحصيل خيري الدنيا والآخرة وحيازة سعادتهما. وإظهار العبدين المراد بهما نوح ولوط لتعظيمهما بالإضافة التشريفية إلى ضمير التعظيم والوصف بالصلاح. وإلا .. فيكفي أن يقال: تحتهما. وفيه بيان شرف العبودية والصلاح.
{فَخَانَتَاهُمَا} بيان لما صدر عنهما من الخيانة العظيمة مع تحقق ما ينفيها من صحبة النبي. والخيانة ضد الأمانة، فهي إنما تقال اعتبارًا بالعهد والأمانة؛ أي: فوقعت منهما الخيانة لهما بالكفر والنفاق، والنسبة إلى الجنون، والدلالة على الأضياف ليتعرضوا لهم بالفجور لا بالبغاء، فإنه ما بغت امرأة نبيّ قط. فالبغاء للزوجة أشد في إيراث الأنفة لأهل العار والناموس من الكفر، وإن كان الكفر أشد منه في أن يكون جرمًا يؤاخذ به العبد يوم القيامة، وهذا تصوير لحالهما المحاكية لحال هؤلاء الكفرة في خيانتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما مرّ.
{فَلَمْ يُغْنِيَا
…
} إلخ بيان لما أدى إليه خيانتهما؛ أي: فلم يغن النبيَّان {عَنْهُمَا} ؛ أي: عن تينك المرأتين بحق الزواج {مِنَ اللَّهِ} ؛ أي: من عذابه تعالى {شَيْئًا} من الإغناء؛ أي: لم يدفعا العذاب عنهما. {وَقِيلَ} لهما عند موتهما أو يوم القيامة. وصيغة الماضي للتحقيق؛ أي: قالت الملائكة الموكلون بالعذاب لهما: {ادْخُلَا} أي: أيها المرأتان {النَّارَ} ؛ أي: نار جهنم {مَعَ الدَّاخِلِينَ} ؛ أي: مع سائر الداخلين لها من الكفرة الذين لا وصلة بينهم وبين أولياء الله. ذكرن (1) بلفظ جمع المذكر السالم؛ لأنهن لا ينفردن بالدخول، فإذا اجتمعا .. فالغلبة للذكور.
وقطعت هذه الآية طمع من يرتكب المعصية أن ينفعه صلاح غيره من غير موافقة له في الطريقة والسيرة، وإن كان بينه وبينه لحمة نسب أو صلة صهر.
وفي هذا المثل (2): تعريض بأمي المؤمنين عائشة وحفصة وما فرط منهما، وتحذير لهما على أغلظ وجه وأشده حين تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما
(1) روح البيان.
(2)
الخازن.