المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

القول إلى جميع الأقوام، وأريد بالبشر الجنس فوصف بالجمع، كما - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٩

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: القول إلى جميع الأقوام، وأريد بالبشر الجنس فوصف بالجمع، كما

القول إلى جميع الأقوام، وأريد بالبشر الجنس فوصف بالجمع، كما أجمل الخطاب والأمر في قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} وارتفاع {بشر} عى أنه فاعل فعل مضمر يفسره ما بعده، فيكون من باب الاشتغال، وهو أولى من جعله مبتدأ وما بعده خبرًا؛ لأن أداة الاستفهام تطلب الفعل ظاهرًا أو مضمرًا.

{فَكَفَرُوا} ؛ أي (1): بالرسل بسبب هذا القول؛ لأنهم قالوه استصغارًا لهم، ولم يعلموا الحكمة في اختيار الرسل بشرًا. {وَتَوَلَّوْا}؛ أي: أعرضوا عن التدبر فيما أتوا به من البينات، وعن الإيمان بهم. {وَاسْتَغْنَى اللَّهُ}؛ أي: أظهر استغناءه عن إيمانهم وطاعتهم حيث أهلكهم وقطع دابرهم، ولولا غناه تعالى عنهما .. لما فعل ذلك. وقال سعدي المفتي: هو حال، بتقدير {قد} وهو بمعنى (غني) الثلاثي، وليس استفعل هنا للطلب. والمراد: كمال الغنى، إذ الطلب يلزمه الكمال. وقال مقاتل:{استغنى الله} بما أظهره لهم من البرهان وأوضحه من المعجزات. وقيل: استغنى بسلطانه عن طاعة عباده.

{وَاللَّهُ غَنِيٌّ} عن العالمين فضلًا عن إيمانهم وطاعتهم، {حَمِيدٌ}: يحمده كل مخلوق بلسان الحال ويدل على اتصافه بالصفات الكمالية أو يحمده أولياؤه وإنا امتنع أعداؤه. والحمد: هو ذكر أوصاف الكمال من حيث هو كمال. ومن عرف أنه الحميد في ذاته وصفاته وأفعاله .. شغله ذكره والثناء عليه.

والمعنى (2): إن ما حل بهم من سوء العذاب كان من جراء تكذيبهم بالرسل بعد أن جاؤوهم بالأدلة الواضحة والمعجزات الباهرة. وقالوا: إن من العجب العجاب أن يكون هدينا على يدي بشر منا لا ميزة لهم عنا بعقل راجح ولا بسلطان يتملكون به قيادنا ويجعل لهم بسطة النفوذ علينا، كما قالت ثمود:{أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ} ؟! وقد جهلوا أن النبوة رسالة يصطفى بها الله من يشاء من عباده، كما قال تعالى:{اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} .

‌7

- وبعد أن طال عنادهم وتمادوا في غيّهم .. أهلكهم الله بسلطانه وجبروته وقطع دابرهم واستغنى عن إيمانهم، وهو الغني عن العالمين جميعًا، والغني عن إيمانهم

(1) روح البيان.

(2)

المراغي.

ص: 366

وطاعتهم، وهو الحقيق بالحمد على ما أنعم به على عباده من النعم المتظاهرة عليهم ظاهرة وباطنة.

{زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا} والزعم (1): ادعاء العلم، فمعنى أزعمُ زيدًا قائمًا: أقول إنه كذا، ففي تصدير الجملة بقوله: أَزعمُ، إشعار بأنه لا سند للحكم سوى ادعائه إياه وقوله به. ويتعدى إلى مفعولين تعدي العلم وقد قام هنا مقامهما {أنْ} المخففة مع ما في حيزها، فـ {إنْ} مخففة لا ناصبة لئلا يدخل ناصب على مثله، والمراد بالموصول كفار مكة؛ أي: زعم كفار مكة وادعوا أن الشأن لن يبعثوا بعد موتهم أبدأ ولن يقاموا ويخرجوا من قبورهم. وعن شريح: لكل شيء كنية، وكنية الكذب زعموا. وقال بعض المخضرمين لابنه: هب لي من كلامك كلمتين: زعم وسوف، انتهى.

ويكره (2) للرجل أن يكثر لفظ الزعم وأمثاله، فإنه تحديث بكل ما سمع، وكفى بذلك كذبًا، وإذا أراد أن يتكلم .. تكلم بما هو محقق، لا بما هو مشتبه. وبذلك يتخلص من أن يحدث بكل ما سمع، فيكون معصومًا من الكذب .. كذا في "المقاصد الحسنة".

ثم أمر سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يرد عليهم ويبطل زعمهم فقال: {قُلْ} يا محمد ردًا لهم وإبطالًا لزعمهم بإثبات ما نفوه: {بَلَى} ؛ أي: تبعثون. فإن {بَلَى} لإيجاب النفي الذي قبله. {وَرَبِّي} ؛ أي: أقسمت لكم بربي ومالك أمري؛ أي: أقسمت لكم بربي: بلى تبعثون من قبوركم. وظاهر كلام "اللباب" أن يكون {وَرَبِّي} قسمًا متعلقًا بما قبله قد تم الكلام عنده، وحسن الوقف عليه. ويجعل {لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ} جواب قسم آخر مقدر مستأنف لتأكيد الأول؛ أي: والله لتبعثن وتخرجن من قبوركم، ثم لتخبرن بما عملتم في الدنيا ثم تجازون عليه في الآخرة لا محالة. و {ثُمَّ} (3) لتراخي المدة لطول يوم القيامة، أو لتراخي الرتبة. ولعل فائدة الإخبار بالقسم مع أن المشركين ينكرون الرسالة كما ينكرون البعث إبطالٌ لزعمهم بالتشديد والتأكيد؛ ليتأثر من قدر الله له الإنصاف، وتتأكد الحجة على من لم يقدر له وكان محرومًا بالكلية. قال بعضهم: ولعل حكمة اختيار لفظ الرب في القَسم

(1) روح البيان.

(2)

روح البيان.

(3)

روح البيان.

ص: 367