الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المهور. أي: إذا ارتدت امرأة أحدكم ولحقت بدار الكفر .. فاسألوا مهرها ممن تزوجها. ولعل (1) هذا لتطرية قلوب بعض المؤمنين بالمقابلة والمعادلة وإلا .. فظاهر حال الكرام الاستغناء. {وَلْيَسْأَلُوا} ؛ أي: وليسأل الكفار وليطلبوا منكم {مَا أَنْفَقُوا} من مهور أزواجهم المهاجرات إليكم. أي: وليسأل كل معاهد أسلمت امرأته وهاجرت إليكم ممن تزوجها منكم مهرها، والمراد: أن عليكم أن تؤدوا لهم ذلك.
وظاهر قوله تعالى: {وَلْيَسْأَلُوا} يدل على أن الكفار مخاطبون بالأحكام، وهو أمر للمؤمنين بالأداء مجازًا من قبيل إطلاق الملزوم وإرادة اللازم، كما في قوله:{وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} فإنه بمعنى: وأغلظوا عليهم.
{ذَلِكُمْ} الذي ذُكر في هذه الآية من الأحكام، أو ما ذكر من إرجاع المهور من الجهتين {حُكْمُ اللَّهِ} تعالى؛ أي: ما حكم الله سبحانه لأن يراعى. وقوله تعالى: {يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ} كلام مستأنف للتأكيد والحث على الرعاية والعمل به، أو في محل النصب على الحال. قال في "فتح الرحمن": ثم نسخ هذا الحكم بعد ذلك، إلا قوله:{لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} .
{وَاللَّهُ عَلِيمٌ} بمصالحكم {حَكِيمٌ} فيما شرعه لكم، يشرع ما تقتضيه المصلحة والحكمة البالغة. قال ابن العربي: حكم الله هذا كان مخصوصًا بذلك الزمان في تلك النازلة خاصة بإجماع المسلمين. وقال الزهري: ولولا هذه الهدنة والعهد الذي كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش يوم الحديبية .. لأمسك النساء ولم يردَّ الصداق، وكذا كان يصنع بمن جاءه من المسلمات قبل العهد.
11
- وروي (2): أنه لما نزلت هذه الآية .. أدى المؤمنون ما أمروا به من مهور المهاجرات إلى أزواجهن المشركين، وأبى المشركون أن يؤدوا شيئًا من مهور الكوافر إلى أزواجهن المسلمين، وقالوا: نحن لا نعلم لكم عندنا شيئًا، فإن كان لنا عندكم شيء .. فوجهوا به، فنزل قوله تعالى:{وَإِنْ فَاتَكُمْ} الفوت: بُعد الشيء عن الإنسان بحيث يتعذر إدراكه. وتعديته بإلى لتضمنه معنى السبق أو الانفلات، دل عليه قوله تعالى:{فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ} ؛ أي: إلى الكفار.
(1) روح البيان.
(2)
روح البيان.
والمعنى: وإن سبقكم وانفلت منكم؛ أي: خرج وفر منكم فجأة من غير تردد ولا تدبر. {شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ} ؛ أي: أحد من أزواجكم {إِلَى الْكُفَّارِ} ؛ أي: إلى دارهم. وإيقاع شيء موقع أحد للتحقير والإشباع في التعميم؛ لأن النكرة في سياق الشرط تفيد العموم، والشيء لكونه أعم من الأحد أظهر إحاطة لأصناف الزوجات؛ أي: أي نوع وصنف من النساء؛ كالعربية، أو العجمية، أو الحرة، أو الأمة، أو نحوها. أو فاتكم شيء من مهور أزواجكم على حذف المضاف ليتطابق الموصوف وصفته. والزوج هنا هي المرأة. روي: أنها نزلت في أمّ الحكم بنت أبي سفيان، فرت فتزوجها ثقفي، ولم ترتد امرأة من قريش غيرها، وأسلمت مع قريش حين أسلموا. {فَعَاقَبْتُمْ}: من العقبة، وهي النوبة، والمعاقبة: المناوبة، يقال: عاقب الرجل صاحبه في كذا. أي: جاء فعل كل واحد منهما بعقب فعل الآخر.
والمعنى: وجاءت عقبتكم ونوبتكم من أداء المهر، بأن هاجرت امرأة الكافر مسلمة إلى المسلمين، ولزمهم أداء مهرها إلى زوجها الكافر بعدما فأتت امرأة المسلم إلى الكفار، ولزم أن يسأل مهر زوجته المرتدة ممن تزوجها منهم. شبه ما حكم به على المسلمين والكافرين من أداء هؤلاء مهور نساء أولئك تارة وأداء أولئك مهور نساء هؤلاء أخرى بأمر يتعاقبون فيه كما يتعاقب في الركوب ونحوه؛ أي: يتناوب، وإلا .. فأداء كل واحد من المسلمين والكفار لا يلزم أن يعقب أداء الآخر؛ لجواز أن يتوجه الأداء لأحد الفريقين مرارًا متعددة من غير أن يلزم الفريق الآخر شيء وبالعكس فلا يتعاقبون في الأداء ..
{فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ} ؛ أي: فأعطوا من ذهبت زوجته إلى المشركين فكفرت ولم يرد عليه المشركون مهرها كما حكم الله تعالى {مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا} ؛ أي: مثل ذلك المهر الذي أنفقه عليها.
يعني (1): إن فاتت امرأة مسلم إلى الكفار ولم يعط الكفار مهرها، فإذا فاتت امرأة كافر إلى المسلمين؛ أي: هاجرت إليهم .. وجب على المسلمين أن يعطوا المسلم الذي فاتت امرأته إلى الكفار مثل مهر زوجته الفائتة من مهر هذه المرأة المهاجرة؛ ليكون كالعوض لمهر زوجته الفائتة، ولا يجوز لهم أن يعطوا مهر هذه
(1) روح البيان.