المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الإقراض يتعدى إلى مفعولين، ففي التعبير عن الإنفاق بالإقراض وجعله - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٩

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: الإقراض يتعدى إلى مفعولين، ففي التعبير عن الإنفاق بالإقراض وجعله

الإقراض يتعدى إلى مفعولين، ففي التعبير عن الإنفاق بالإقراض وجعله متعلقًا بالله الغني مطلقًا، والتعبير عن النفقة بالقرض إشارة إلى حسن قَبول الله ورضاه، وإلى عدم الضياع، وبشارة باستحقاق المنفق ببركة إنفاقه لتمام الاستحقاق. {يُضَاعِفْهُ لَكُمْ} من المضاعفة، بمعنى التضعيف؛ أي: التكثير، فليس المفاعلة هنا للاشتراك؛ أي: إن تصرفوا أموالكم في سبيل الله ووجوه الخير بإخلاص نية وطيب نفس .. يجعل لكم أجره مضاعفًا، ويكتب بالواحد عشرة، أو سبعين، أو سبع مئة، أو أكثر بمقتضى مشيئته على حسب النيات والأوقات والمحال. {وَيَغْفِرْ لَكُمْ} ببركة الإنفاق ما فرط منكم من بعض الذنوب؛ أي: يضم لكم إلى تلك المضاعفة غفران ذنوبكم.

ثم بيّن علة المضاعفة ورغب في النفقة، فقال:{وَاللَّهُ} سبحانه {شَكُورٌ} يعطي الكثير بمقابلة اليسير من الطاعة، أو يجازي العبد على الشكر. وهو الاعتراف بالنعمة على سبيل الخضوع، فسمى جزاء الشكر شكرًا، أو الله شكور، بمعنى: أنه كثير الثناء على عبده، بذكر أفعاله الحسنة وطاعته، فالشكر: الثناء على المحسن بذِكر إحسانه. {حَلِيمٌ} لا يعاجل بالعقوبة مع كثرة ذنوبكم بالبخل والإمساك ونحوهما، فيحلم حتى يظن الجاهل أنه ليس يعلم، ويستر حتى يتوهم الغافل أنه ليس يبصر. قال الإمام الغزالي رحمه الله: الحليم: هو الذي يشاهد معصية العصاة ويرى مخالفة الأمر، ثم لا يتسفزه غضب ولا يعتريه غيظة، ولا يحمله على المسارعة إلى الانتقام - مع غاية الاقتدار - عجلةٌ وطيش، كما قال تعالى:{وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ} .

‌18

- ثم ذكر ما يزيد في الترغيب في النفقة أيضًا، فقال:{عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} خبر بعد خبر؛ أي: عالم ما غاب عنا وما شوهد لنا، لا تخفى عليه من خافية. وقد سبق الكلام عليه في أواخر سورة الحشر. ولعل تقديم الغيب على الشهادة، لأن عالمَ الغيب أعمّ والعِلم به أتم. وهو {الْعَزِيز}؛ أي: الغالب القاهر الذي لا يغالب، ولا يمانع من تنفيذ مراده. {الْحَكِيمُ}؛ أي: ذو الحكمة البالغة في تدبير أمور خلقه.

والمعنى: هو العليم بما غاب عنكم وبما تشهدونه، فكل ما تعملون فهو محفوظ لديه في أمّ الكتاب، لا يعزب عنه مثقال ذرة، وسيثيبكم عليه ويجازيكم به أحسن الجزاء، وهو ذو العزّة والقدرة، النافذ الإرادة، الحكيم في تدبير خلقه على

ص: 382

ما يعلم من المصلحة.

الإعراب

{يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)} .

{يسبح} فعل مضارع، {لِلَّهِ}: متعلق به، أو (اللام) زائدة في المفعول، {مَا}: اسم موصول في محل الرفع فاعل، {فِي السَّمَاوَاتِ}: صلة لـ (ما) الموصولة، {وَمَا فِي الْأَرْضِ}: معطوف على {مَا فِي السَّمَاوَاتِ} . والجملة الفعلية مستأنفة. {لَهُ} : خبر مقدم، {الْمُلْكُ}: مبتدأ مؤخر، والجملة في محل النصب حال من لفظ الجلالة في قوله:{يُسَبِّحُ لِلَّهِ} . {وَلَهُ الْحَمْدُ} : معطوف على {لَهُ الْمُلْكُ} . {وَهُوَ} : مبتدأ، {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ}: متعلق بـ {قَدِيرٌ} ، و {قَدِيرٌ} خبر {هو} . والجملة مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.

{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (2)} .

{هُوَ الَّذِي} : مبتدأ وخبر، وجملة {خَلَقَكُمْ} صلة الموصول. والجملة الاسمية مستأنفة. {فَمِنْكُمْ}:{الفاء} : عاطفة، (منكم) خبر مقدم، و {كافر}: مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية معطوفة على جملة الصلة، أعني، {خَلَقَكُمْ} ، أو على الجملة الاسمية، أعني قوله:{هُوَ الَّذِي} . وفي "الفتوحات": قوله: {فَمِنْكُمْ كَافِرٌ

} إلخ ظاهر تقديرهم أنه معطوف على الصلة، ولا يضره عدم العائد؛ لأن المعطوف بالفاء يكفيه وجود العائد في إحدى الجملتين. أو تقول: هي معطوفة على جملة {هُوَ الَّذِى

} إلخ. اهـ "شهاب". قال الخطيب: والتقدير: هو الذي خلقكم ثم وصفكم فقال: {فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} . وقوله: {وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} : معطوف على قوله: {فَمِنْكُمْ كَافِرٌ} . {وَاللَّهُ} : مبتدأ، {بما}: متعلق بـ {بَصِيرٌ} ، وجملة {تَعْمَلُونَ} صلة لـ (ما)، و {بصير}: خبر عن الجلالة. والجملة الاسمية معطوفة على جملة قوله: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ} .

{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3)} .

{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ} : فعل وفاعل مستتر، ومفعول به، {وَالْأَرْضَ}: معطوف على

ص: 383

{السَّمَاوَاتِ} ، والجملة مستأنفة، {بِالْحَقِّ}: حال من فاعل {خَلَقَ} أو من {السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} ، و {الباء}: للملابسة. {وَصَوَّرَكُمْ} : معطوف على {خَلَقَ} ، {فَأَحْسَنَ}:{الفاء} : عاطفة، {أحسن صوركم} فعل وفاعل مستتر، ومفعول به، معطوف على {صوَّركم} عطفًا تفسيريًا، {وإليه}: خبر مقدم، {المَصِيرُ}: مبتدأ مؤخر، والجملة معطوفة على قوله:{فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} .

{يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (4)} .

{يَعْلَمُ} : فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على {الله} ، {مَا}: اسم موصول في محل النصب مفعول به، والجملة مستأنفة، أو في محل النصب حال من فاعل {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} ، {فِي السَّمَاوَاتِ}: صلة لـ {ما} الموصولة، {والأرض}: معطوف على {السَّمَاوَاتِ} ، {وَيَعْلَمُ مَا}: فعل مضارع، وفاعل مستتر، ومفعول به، معطوف على {يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ} ، وجملة {تُسِرُّونَ}: صلة لـ {ما} الموصولة، {وَمَا تُعْلِنُونَ}: معطوف على {مَا تُسِرُّونَ} . {وَاللَّهُ عَلِيمٌ} : مبتدأ وخبر، {بِذَاتِ الصُّدُورِ} متعلق بـ {عَلِيم} والجملة مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.

{أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (5)} .

{أَلَمْ} : (الهمزة): للاستفهام التقريري التوبيخي، {لم}: حرف جزم، {يأتكم}: فعل ومفعول به مجزوم بـ {لم} ، وعلامة جزمه حذف حرف العلة، {نَبَأُ}: فاعل، {الَّذِينَ}: مضاف إليه، والجملة ممستأنفة، {كَفَرُوا}: صلة الموصول، {مِنْ قَبْلُ}: متعلق بـ {كَفَرُوا} ، أو حال من فاعل {كَفَرُوا}. {فَذَاقُوا}:{الفاء} : عاطفة، {ذاقوا} فعل، وفاعل معطوف على {كَفَرُوا} ، {وَبَالَ أَمْرِهِمْ}: مفعول به، ومضاف إليه. {وَلَهُمْ}: خبر مقدم {عَذَابٌ أَلِيمٌ} : مبتدأ مؤخر، والجملة معطوفة على جملة {ذاقوا} عطف تفسير.

{ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (6)} .

{ذَلِكَ} : مبتدأ، {بِأَنَّهُ}: خبر، والجملة مستأنفة؛ أي: ذلك كائن بسبب أنه كانت

إلخ. {أَنَّهُ} : ناصب واسمه، {كَانَتْ}: فعل ناقص واسمها ضمير يعود

ص: 384

على {الرسل} ، {تَأْتِيهِمْ}: فعل مضارع ومفعول به {رُسُلُهُمْ} : فاعل {تَأْتِيهِمْ} ، {بِالْبَيِّنَاتِ}: متعلق بـ {تَأْتِيهِمْ} ، وجملة {تَأْتِيهِمْ} خبر {كان} ، وجملة {كان} في محل الرفع خبر (أنّ)، وجملة (أن) في تأويل مصدر مجرور بالباء، تقديره: ذلك كائن بسبب إتيان رسلهم إياهم، بالبينات {فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا}. {فَقَالُوا}: فعل وفاعل معطوف على {كانت} ، {أَبَشَرٌ}:(الهمزة): للاستفهام الإنكاري، (بشر) مبتدأ، وسوغ الابتداء بالنكرة دخول الاستفهام عليه، وجوزوا أن يكون مرفوعًا على الفاعلية بفعل محذوف يفسره ما بعده، فتكون المسألة من باب الاشتغال، والتقدير: أيهدينا بشر؟ وجملة {يَهْدُونَنَا} في محل الرفع خبر على الوجه الأول، ولا محل لها من الإعراب على الوجه الثاني؛ لأنها مفسرة. وجملة الاستفهام في محل النصب مقول {قالوا}. {فَكَفَرُوا}: فعل وفاعل معطوف على {قالوا} ، {وَتَوَلَّوْا}: فعل وفاعل معطوف على {كفروا} {وَاسْتَغْنَى اللَّهُ} : فعل وفاعل معطوف على {تولوا} . {وَاللهُ} : مبتدأ، {غَنِيٌّ} خبر أول، {حَمِيدٌ}: خبر ثان، والجملة مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.

{زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (7)} .

{زَعَمَ الَّذِينَ} : فعل وفاعل والجملة مستأنفة، وجملة {كَفَرُوا} صلة الموصول {أَن} مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن؛ أي: أنه. {لَنْ} : حرف نصب، {يُبْعَثُوا}: فعل ونائب فاعل منصوب بـ {لن} ، والجملة في محل الرفع خبر {أَن} المخففة، وجملة {أَن} المخففة في تأويل مصدر ساد مسد مفعولي {زَعَمَ}؛ أي: زعم الذين كفروا عدم بعثهم من القبور. {قُل} : فعل أمر، وفاعل مستتر يعود على محمد صلى الله عليه وسلم، والجملة مستأنفة. {بلى}: حرف جواب لإثبات النفي، قائم مقام الجواب، تقديره: قل: بلى تبعثون، وجملة الجواب المحذوف في محل النصب مقول {قُل}. {وَرَبِّي}:(الواو): حرف جر وقسم، (ربي): مجرور بواو القسم، ومضاف إلى الياء، الجار والمجرور متعلق بفعل قسم محذوف وجوبًا، تقديره: أقسم بربي. {لَتُبْعَثُنَّ} : (اللام): موطئة للقسم، (تبعثن)؛ فعل مضارع مغير الصيغة مرفوع، وعلامة رفعه ثبات النون المحذوفة لتوالي الأمثال، والواو المحذوفة لالتقاء الساكنين، نائب فاعل. والجملة جواب القسم لا محل لها من الإعراب، وجملة

ص: 385

القسم في محل النصب مقول {قُلْ} . {ثُمَّ} : حرف عطف وترتيب مع تراخ، (اللام): موطئة للقسم، (تنبؤن): فعل مضارع مغير الصيغة مرفوع بثبات النون المحذوفة لتوالي الأمثال، و {الواو}: نائب فاعل، والجملة معطوفة على (تبعثن)، {بِمَا}: جار ومجرور متعلق بـ (تنبؤن)، وجملة {عَمِلْتُمْ} صلة الموصول، {وَذَلِكَ}: مبتدأ، {عَلَى اللَّهِ}: متعلق بـ {يَسِيرٌ} ، و {يَسِيرٌ}: خبر (ذلك)، والجملة مستأنفة.

{فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (8)} .

{فَآمِنُوا} : {الفاء} : فاء الفصيحة، لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا كان الأمر كذلك وأردتم بيان ما هو اللازم لكم .. فأقول لكم: آمنوا. {آمنوا} : فعل أمر، وفاعل {بِاللَّهِ}: متعلق بـ (آمنوا)، {وَرَسُولِهِ}: معطوف على الجلالة، والجملة في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة. {وَالنُّورِ}: معطوف على الجلالة أيضًا، {الَّذِي}: صفة لـ {النُّورِ} وجملة {أَنْزَلْنَا} : صلة الموصول، والعائد محذوف، تقديره: والنور الذي أنزلناه. و {الله} : مبتدأ، {بِمَا}: متعلق بـ {خَبِيرٌ} ، وجملة {تَعْمَلُونَ}: صلة لـ {ما} ، {خَبِيرٌ}: خبر عن الجلالة، والجملة الاسمية مستأنفة.

{يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)} .

{يَوْمَ} : ظرف متعلق بـ {خَبِيرٌ} ، أو بمحذوف دل عليه سياق الكلام؛ أي: تتفاوتون يوم يجمعكم. أو مفعول به لفعل محذوف تقديره: اذكروا يوم. وجملة {يَجْمَعُكُمْ} في محل الجر مضاف إليه لـ {يَوْمَ} {لِيَوْمِ الْجَمْعِ} : متعلق بـ {يَجْمَعُكُمْ} . {ذَلِكَ} : مبتدأ، {يَوْمُ التَّغَابُنِ}: خبره، والجملة مستأنفة. {وَمَنْ}:{الواو} : استئنافية، {مَنْ} اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط، أو الجواب، أو هما، {يُؤْمِنْ}: فعل مضارع مجزوم بـ {من} على كونه فعل شرط لها، وفاعله ضمير يعود على {مَنْ} ، {بِاللهِ} متعلق بـ {يُؤْمِنْ} ، {وَيَعْمَلْ}: فعل مضارع معطوف على {يُؤْمِنْ} ، {صَالِحًا}: مفعول به، أو نعت لمصدر محذوف؛ أي: عملًا صالحًا. {يُكَفِّرْ} فعل مضارع مجزوم بـ {من} على كونه جواب الشرط، وفاعله ضمير يعود على {الله} ، {عَنْهُ}: متعلق بـ {يُكَفِّرْ} ، {سَيِّئَاتِهِ}: مفعول به،

ص: 386

وجملة {مَنْ} الشرطية مستأنفة. {وَيُدْخِلْهُ} فعل وفاعل مستتر، ومفعول به، معطوف على {يُكَفِّرْ} ، {جَنَّاتٍ}: مفعول به ثان على السعة، {تَجْرِي}: فعل مضارع، {مِنْ تَحْتِهَا}: متعلق بـ {تَجْرِي} {الْأَنْهَارُ} : فاعل والجملة نعت لـ {جَنَّاتٍ} ، {خَالِدِينَ} حال من ضمير {يدخله} . وجمعه نظرًا لمعنى (من). {فِيهَا} متعلق بـ {خَالِدِينَ} ، {أَبَدًا}: ظرف متعلق بـ {خَالِدِينَ} ، {ذَلِكَ}: مبتدأ، {الْفَوْزُ}: خبره، {الْعَظِيمُ}: صفة لـ {الْفَوْزُ} ، والجملة مستأنفة.

{وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (10)} .

{وَالَّذِينَ} : مبتدأ أول وجملة {كَفَرُوا} صلة الموصول، {وَكَذَّبُوا}: معطوف على {كَفَرُوا} ، {بِآيَاتِنَا}: متعلق بـ {كَذَّبُوا} ، {أُولَئِكَ}: مبتدأ ثان، {أَصْحَابُ النَّارِ}: خبره، والجملة من المبتدأ الثاني، وخبره خبر عن الأول، وجملة الأول معطوفة على ما قبلها. {خَالِدِينَ}: حال من أصحاب النار، {فِيهَا}: متعلق بـ {خَالِدِينَ} ، {وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}:{الواو} استئنافية، {وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. والمخصوص بالذم محذوف، تقديره: هي؛ أي: النار.

{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11)} .

{مَا} : نافية، {أَصَابَ}: فعل ماض، {مِنْ}: زائدة، {مُصِيبَةٍ}: فاعل، ومفعول أصاب محذوف، تقديره: ما أصابت مصيبة أحدًا من الناس. {إِلَّا} : أداة استثناء مفرغ، {بِإِذْنِ اللَّهِ}: متعلق بـ {أَصَابَ} ، والجملة مستأنفة مسوقة للرد على الكفار الذين قالوا: لو كان المسلمون على حق لصانهم الله من المصائب في الدنيا. {وَمَن} : {الواو} : عاطفة، {من}: اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ والخبر جملة الشرط، أو الجواب، أو هما، {يُؤْمِنْ}: فعل مضارع مجزوم بـ {من} على كونه فعل شرط لها، وفاعله ضمير يعود على {مَنْ} ، {بِاللَّهِ}: متعلق بـ {يُؤْمِنْ} ، {يَهْدِ}: فعل مضارع مجزوم بـ {مَنْ} على كونه جوابًا لها، وفاعله ضمير يعود على {الله} ، {قَلْبَهُ}: مفعول به، والجملة الشرطية معطوفة على جملة {مَآ أَصابَ}. {اللَّهِ}: مبتدأ، {بِكُلِّ شَيْءٍ}: متعلق بـ {عَلِيمٌ} ، و {عَلِيمٌ}: خبر عن الجلالة،

ص: 387

والجملة مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.

{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (12)} .

{وَأَطِيعُوا} : {الواو} عاطفة، {أَطِيعُوا اللَّهَ}: فعل أمر وفاعل ومفعول به، والجملة معطوفة على جملة الشرط، أو مستأنفة. {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}: فعل وفاعل ومفعول به، معطوف على ما قبله. {فَإِنْ}:{الفاء} : استننافية، {إنْ}: حرف شرط، {تَوَلَّيْتُمْ}: فعل وفاعل في محل الجزم بـ {إن} الشرطية، على كونها فعل شرط لها، وجواب الشرط محذوف تقديره: فلا بأس على رسولنا. وجملة الشرط مع جوابه مستأنفة، {فَإِنَّمَا}:{الفاء} : تعليلية، {إنما}: أداة حصر، {عَلَى رَسُولِنَا}: خبر مقدم، {الْبَلَاغُ}: مبتدأ مؤخر، {الْمُبِينُ}: صفة للبلاغ، والجملة الاسمية جملة تعليلية للجواب المحذوف، لا محل لها من الإعراب.

{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (13) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14)} .

{اللَّهُ} : مبتدأ، وجملة، {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}: خبر عن الجلالة، والجملة الاسمية مستأنفة، وقد تقدم لك إعراب الكلمة المشرفة في غير ما موضع. {وَعَلَى اللَّهِ}:{الواو} : زائدة، {عَلَى اللَّهِ} متعلق بـ {يتوكل} ، {فَلْيَتَوَكَّلِ}:{الفاء} : عاطفة، و {اللام}: لام الأمر، {يتوكل}: فعل مضارع مجزوم بلام الأمر، {الْمُؤْمِنُونَ}: فاعل والجملة معطوفة على جملة {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} . {يَا أَيُّهَا} : منادى نكرة مقصودة، والجملة مستأنفة، {الَّذِينَ}: بدل من {أيُّ} ، وجملة {آمَنُوا} صلة الموصول، {إنَّ} حرف نصب، {مِنْ أَزْوَاجِكُمْ} خبر مقدم لـ {إنَّ} ، {وَأَوْلَادِكُمْ}: معطوف على {أَزْوَاجِكُمْ} ، {عَدُوًّا}: اسم {إنَّ} مؤخر، {لكم}: صفة لـ {عَدُوًّا} أو متعلق به، وجملة {إنَّ} جواب النداء، لا محل لها من الإعراب. {فَاحْذَرُوهُمْ}:{الفاء} : فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفتم ذلك وأردتم بيان اللازم لكم .. فأقول لكم: احذروهم. {احذروا} : فعل أمر مبني على حذف النون، و {الواو}: فاعل، و {الهاء}: مفعول به، والجملة في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة

ص: 388

مستأنفة. {وَإِنْ تَعْفُوا} : {الواو} : استئنافية، {إن}: حرف شرط، {تَعْفُوا}: فعل مضارع مجزوم بـ {إن} الشرطية على كونها فعل شرط لها، وعلامة جزمه حذف النون، و {الواو} فاعل. {وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا}: معطوفان على {تَعْفُوا} ، {فَإِنَّ اللَّهَ}:{الفاء} : رابطة الجواب {إِنَّ اللَّهَ} : ناصب واسمه، {غَفُورٌ رَحِيمٌ}: خبران له، وجملة {إن} في محل الجزم بـ {إن} الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة {إن} الشرطية مستأنفة.

{إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15) فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16)} .

{إِنَّمَا} : أداة حصر، {أَمْوَالُكُمْ}: مبتدأ أول، {وَأَوْلَادُكُمْ} معطوفة. {فِتْنَةٌ}: خبر {وَاللَّهُ عِنْدَهُ} : خبر مقدم، {أَجْرٌ}: مبتدأ مؤخر {عَظِيمٌ} : صفة {أجر} ، والجملة في محل الرفع خبر عن الجلالة، وجملة الجلالة مستأنفة. {فَاتَّقُوا اللَّهَ}:{الفاء} : فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، وتقديره: إذا علمتم أنه تعالى جعل أموالكم وأولادكم فتنة لكم شاغلة عن الآخرة، وأردتم بيان النصيحة لكم .. فأقول لكم: اتقوا الله. {فَاتَّقُوا} : فعل أمر مبني على حذف النون، و {الواو}: فاعل، ولفظ الجلالة مفعول به، والجملة في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة. {مَا اسْتَطَعْتُمْ} {مَا}: مصدرية {اسْتَطَعْتُمْ} : فعل، وفاعل صلة لـ {ما} المصدرية، وجملة {ما} المصدرية مع صلتها في تأويل مصدر منصوب على المفعولية، تقديره: فاتقوا الله استطاعتكم وجهدكم، ولكنه على تقدير مضاف. أي: بقدر استطاعتكم. {وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا} : معطوفات على {فَاتَّقُوا اللهَ} ، {خَيْرًا}: خبر لـ {يكن} المحذوفة، المجزوم بالطلب السابق، تقديره: يكن ذلك الإنفاق خيرًا لأنفسكم، كما قاله أبو عبيد أو مفعول به لفعل محذوف تقديره: وأتوا خيرًا لأنفسكم. كقوله: {انتهوا خيرًا لكم} كما قاله سيبويه. أو نعت لمصدر محذوف؛ أي: إنفاقًا خيرًا، كما قاله الكسائي والفراء. أو منصوب على الحال، كما قاله الكوفيون. أو منصوب بأنفقوا؛ أي: أنفقوا مالًا خيرًا، وقوله:{لِأَنْفُسِكُمْ} : متعلق بـ {خَيْرًا} . {وَمَنْ يُوقَ} :

ص: 389

{الواو} : استئنافية {مَنْ} اسم شرط في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط، أو الجواب، أو هما، {يُوقَ}: فعل مضارع مغير الصيغة مجزوم بـ {مَنْ} الشرطية على كونه فعل شرط لها، وعلامة جزمه حذف حرف العلة، ونائب فاعله ضمير مستتر يعود على {مَنْ} ، {شح}: مفعول به ثان لـ {يوق} {نَفْسِهِ} : مضاف إليه. {فَأُولَئِكَ} : {الفاء} : رابطة لجواب الشرط وجوبًا، {أُولَئِكَ}: مبتدأ، {هُمُ}: ضمير فصل، أو مبتدأ ثان، {الْمُفْلِحُونَ}: خبر المبتدأ، أو خبر لـ {هم} ، والجملة الاسمية في محل الجزم بـ {مَنْ} الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة {مَنْ} الشرطية مستأنفة.

{إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)} .

{إِنْ} : حرف شرط {تُقْرِضُوا} : فعل مضارع مجزوم بـ {إن} الشرطية على كونه فعل شرط لها، و {الواو}: فاعل، {اللَّهَ} مفعول به، {قَرْضًا}: مفعول مطلق، {حَسَنًا}: صفة {قَرْضًا} ، {يُضَاعِفْهُ}: فعل مضارع، ومفعول به مجزوم بـ {إن} الشرطية على كونه جوابًا لها، وفاعله ضمير يعود على {اللَّهَ} ، {لَكُمْ}: متعلق بـ {يضاعف} ، وجملة {إن} الشرطية مستأنفة، {وَيَغْفِرْ}: فعل مضارع، وفاعل مستتر، معطوف على {يضاعف}: مجزوم على أنه جواب الشرط، {لَكُمْ}: متعلق به. {وَاللَّهُ} : {الواو} : استئنافية، {اللَّهَ}: مبتدأ، {شَكُورٌ}: خبر أول، {حَلِيمٌ}: خبر ثان، والجملة مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها. {عَالِمُ الْغَيْبِ}: خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: هو عالم الغيب، و {الْغَيْبِ}: مضاف إليه، {وَالشَّهَادَةِ}: معطوف عليه، والجملة مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها أيضًا، {الْعَزِيزُ}: خبر ثان لذلك المحذوف، {الْحَكِيمُ}: خبر ثالث له. والله أعلم.

التصريف ومفردات اللغة

{لَهُ الْمُلْكُ} والملك - بضم الميم - هو: الاستيلاء والتمكن من التصرف في كل شيء على حسب ما أراده في الأزل. قال الرازي: المُلك: تمام القدرة واستحكامها، يقال: ملِك بين المُلك بالضم، ومالك بين المِلك بالكسر. {هُوَ الَّذِي

ص: 390

خَلَقَكُمْ}؛ أي: قدر خلقكم في الأزل. وكذا قوله: {فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} ؛ أي: مقضي بكفره وإيمانه أزلًا. {بِالْحَقِّ} : الباء للملابسة؛ أي: خلقًا متلبسًا بالحق؛ أي: بالحكمة البالغة. {وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ} أصله: تسررون، بوزن تفعلون، نقلت حركة الراء الأولى إلى السين فسكنت فأدغمت في الثانية. {أَلَمْ يَأْتِكُمْ} هذا الاستفهام للتعجيب من حالهم. والنبأ: الخبر الهام. {فَذَاقُوا} أصله: ذوقوا، بوزن فعلوا، قلبت الواو ألفًا لتحركها بعد فتح. والذوق وإن كان معروفًا في القليل فهو مستعمل في الكثير أيضًا. {وَبَالَ أَمْرِهِمْ}؛ أي: عقوبة كفرهم. والوبال: الثقل والشدة المترتبة على أمر من الأمور. والوبل والوابل: المطر الثقيل القطار، مقابل الطل، وهو: المطر الخفيف، ومنه: الوبيل، للطعام الثقيل على المعدة. و {أمرهم}: كفرهم، فهو واحد الأمور، عبر عنه بذلك للإيذان بأنه أمر هائل وجناية عظيمة. {يَهْدُونَنَا} أصله: يهديوننا، استثقلت الضمة على الياء فحذفت، فلما حذفت التقى ساكنان فحذفت لذلك، وضمت الدال لمناسبة الواو. {وَتَوَلَّوْا} أصله: توليوا، قلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح، ثم حذفت الألف لالتقاء الساكنين. {وَاسْتَغْنَى اللَّهُ}؛ أي: أظهر غناه عنهم إذ أهلكهم وقطع دابرهم. وأصله: استغنى بوزن استفعل، قلبت الواو ألفًا لتحركها بعد فتح.

{زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا} والزعم: ادعاء العلم بالشيء، وأكثر ما يستعمل للادعاء الباطل، فمعنى زعم فلان كذا: ادعي علمه بحصوله، فمعنى زعمت زيدًا قائمًا: أقول إنه كذا. ففي تصدير الجملة بقوله: (زعمت) إشعار بأنه لا سند للحكم سوى ادعائه إياه وقوله به. {أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا} : {أَن} مخففة من الثقيلة، {لَن}: ناصبة؛ لئلا يدخل ناصب على ناصب. {بَلَى} : كلمة للجواب تقع بعد النفي لإثبات ما بعده، كما وقع في الآية. {لَتُبْعَثُنَّ}؛ أي: لتحاسبن، وتجزون بأعمالكم. أصله: لتبعثون، بنون واحدة، ثم اتصلت به نون التوكيد الثقيلة فصار لتبعثونن بثلاث نونات فحذفت نون الرفع لتوالي الأمثال فصار لتبعثونّ فالتقى ساكنان فحذفت الواو لذلك، وكذا القول في قوله:{ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ} لا يختلفان.

{ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} والتغابن تفاعل من الغبن، وليس على بابه، يقال: تغابن القوم في التجارة، إذا غبن بعضهم بعضًا في معاملة بينهم بضرب من التدليس؛ كأن يبيع أحدهم الشيء بأقل من قيمته، فهذا غبن البائع، أو يشتريه بأكثر من قيمته،

ص: 391

وهذا غبن للمشتري. والمراد بالمغبون هنا: من من عن منازله ومنازل أهله في الجنة، فيظهر يومئذ غبن كل كافر بترك الإيمان، وغبن كل مؤمن بتقصيره في الإحسان. وهو هنا مستعار من تغابن القوم في التجارة، كما سيأتي. {وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا} أصله: تعفوون، بوزن تفعلون، حذفت منه نون الرفع لدخول أداة الجزم، ثم سكنت الواو الأولى لام الكلمة لتكون حرف مد لوقوعها إثر ضمة، فلما سكنت التقى ساكنان؛ لأن واو الجماعة التي بعدها ساكنة فحذفت الواو لام الكلمة، فوزنه: تفعو.

{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} : أصل هذه المادة: (وق ي)؛ لأن المصدر منها الوقاية. وأصل اتقوا: اوتقيوا، أبدلت الواو فاء الكلمة تاءً وأدغمت في تاء الافتعال، ثم استثقلت الضمة على الياء فحذفت للتخفيف، فلما سكنت حذفت لالتقائها ساكنة مع واو الجماعة، فحذفت وضمت القاف لمناسبة الواو، وهذا بعد حذف نون الرفع عند بناء الأمر من الأفعال الخمسة. قوله:{اسْتَطَعْتُمْ} فيه إعلال بالنقل والحذف، أصله: استطوع، بوزن استفعل، نقلت حركة الواو إلى الطاء فسكنت الواو لما سلبت حركتها، ثم لما أسند الفعل إلى ضمير الرفع المتحرك سكن آخره فالتقى ساكنان حينئذٍ، وهما: الواو عين الفعل، والعين لامه، فحذفت الواو، فوزنه: استفلتم. قوله: {وَأَطِيعُوا} أصله: وأطوعوا، نقلت حركة الواو إلى الطاء فسكنت إثر كسرة، فقلبت ياء حرف مد. {يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ}: يوق بوزن يفع؛ لحذف لامه للجازم؛ أي: يكف ويحفظ ويعصم؛ أي: يكفه الله شح نفسه، فيفعل في ماله جميع ما أمر به موقنًا به مطمئنًا إليه، حتى ترتفع عن قلبه الأخطار. والشح: خُلق باطني، هو الداء العضال، والبخل: فعل ظاهر ينشأ عن الشح. والنفس تارة تشح بترك المعاصي بأن تفعلها، وتارة تشح بالطاعات فتتركها، وتارة تشح بإعطاء المال. ومن فعل ما فرض عليه .. خرج عن الشح. اهـ. "خطيب".

{قَرْضًا حَسَنًا} والقرض الحسن هو: التصدق من الحلال بإخلاص وطيب نفس. قال في "اللباب": القرض: القطع، ومنه: المقراض لما يقطع، وانقرض القوم إذا هلكوا، وانقطع أثرهم. وقيل للقرض: قرض، لأنه قطع شيء من المال، هذا أصل الاشتقاق. ثم اختلفوا فيه، فقيل: اسم لكل ما يلتمس عليه الجزاء، سمي قرضًا من حيث التزام الله سبحانه المجازاة عليه. وفي تسميته قرضًا أيضًا مزيد

ص: 392

ترغيب في الصدقة؛ حيث جعلها قرضًا لله مع أن العبد إنما يقرض نفسه؛ لأن النفع عائد عليه. اهـ. "شيخنا". قال القشيري: ويتوجه الخطاب بهذا على الأغنياء في بذل أموالهم، وعلى الفقراء في عدم إخلاء أوقاتهم عن مراد الحق ومراقبته على مراد أنفسهم. فالغني يقال له: آثر حكمي على مرادك في مالك وغيوه، والفقير يقال له: آثر حكمي في نفسك وقلبك ووقتك. اهـ. "خطيب". {يُضَاعِفْهُ لَكُمْ} من المضاعفة، بمعنى التضعيف؛ أي: التكثير، فليس المفاعلة هنا للاشتراك. {شَكُورٌ} والشكور مبالغة الشاكر. والشكر على أقسام: شكر بالبدن؛ وهو: أن لا تستعمل جوارحك في غير طاعته، وشكر بالقلب، وهو: أن لا تشغل قلبك بغير ذكره ومعرفته، وشكر باللسان؛ وهو: أن لا تستعمله في غير ثنائه ومدحه، وشكر بالمال؛ وهو: أن لا تنفقه في غير رضاه ومحبته. وأحسن وجوه الشكر لنعم الله أن لا تستعملها في معاصيه بل في طاعته.

البلاغة

وقد تضمنت هذه السورة الكريمة ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:

فمنها: تكرار (ما) في قوله: {وَمَا فِي الْأَرْضِ} ، وفي قوله:{وَمَا تُعْلِنُونَ} . إفادة للتأكيد والتعميم، وإيذانًا للاختلاف؛ لأن تسبيح ما في السماوات مخالف لتسبيح ما في الأرض كثرة وقلة، وإسرارنا مخالف لعلانيتنا. ولم تُكرر {مَا} في قوله:{يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} لعدم اختلاف علمه تعالى؛ إذ علمه بما تحت الأرض كعلمه بما فوقها، وعلمه بما يكون كعلمه بما كان.

ومنها: تقديم الخبر على المبتدأ في قوله: {لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ} للدلالة على اختصاص الأمرين به تعالى من حيث الحقيقة؛ لأنه مبدؤ كل شيء ومبدعه، فكان الملك له حقيقة دون غيوه، ولأن أصول النِّعم وفروعها منه تعالى. فالحمد له تعالى حقيقة، وحمد غيره إنما يقع من حيث ظاهر الحال وجريان النِّعم على يديه. اهـ. "كرخي".

ومنها: الطباق بين {السَّمَاوَاتِ} و {الْأَرْضِ} وبين {كَافِرٌ} و {مُؤْمِنٌ} ، وبين {وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} .

ص: 393

ومنها: تقديم الأعم ثم الأخص في قوله: {يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (4)} ؛ لأن كل واحدة من هذه الثلاث أخص مما قبلها، وجمع بينهما إشارة إلى أن علمه تعالى محيط بالجزئيات والكليات لا يعزب عنه شيء من الأشياء. اهـ. "خطيب".

ومنها: عطف المسبب على السبب في قوله: {كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ} ؛ لأن الذوق مسبب عن الكفر.

ومنها: الترقي من الأظهر إلى الأخفى في هذه الثلاثة المذكورة، لأنه تعالى عالم بما في السماوات وما في الأرض، وبما يصدر من بني آدم سرًا وعلنًا، وبما لم يصدر بعد بل هو مكنون في الصدور.

ومنها: إظهار الجلالة في قوله: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} للإشعار بعلية الحكم وتأكيد استقلال الجملة قبل.

ومنها: الجناس الناقص في قوله: {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} لاختلاف الحركات في الشكل.

ومنها: التعبير بالذوق في قوله: {فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ} إشارة إلى أن ذلك المذوق العاجل شيء حقير بالنسبة إلى ما سيرون من العذاب الآجل.

ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله: {وَبَالَ أَمْرِهِمْ} ؛ لأن الوبال حقيقة في الثقل، فاستعاره للعقوبة؛ لأنها كالشيء الثقيل المحسوس.

ومنها: التعبير عن كفرهم بالأمر في قوله: {فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ} ؛ أي: كفرهم؛ للإيذان بأنه أمر هائل وجناية عظيمة.

ومنها: الجناس المغاير في قوله: {وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} .

ومنها: الاستعارة اللطيفة في قوله: {وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا} . أطلق على القرآن النور بطريق الاستعارة التصريحية بجامع الإزالة في كلّ، فإن القرآن يزيل الشبهات كما يزيل النور الظلمات.

ومنها: الالتفات إلى نون العظمة في قوله: {أَنْزَلْنَا} لإبراز كمال العناية.

ومنها: جناس الاشتقاق في قوله: {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ} .

ص: 394

ومنها: المقابلة بين جزاء المؤمنين وجزاء الكافرين في قوله: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا

} الآية، وفي قوله:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ} .

ومنها: الاستعارة التمثيلية في قوله: {ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} . شبهت حال الفريقين المتمكنين من اختيار ما يؤدي إلى سعادة الآخرة، فاختار كل فريق ما يشتهيه مما كان قادرًا عليه بدل ما اختاره الآخر. وشبهه بحال المتبادلين بالتجارة، وشبه ما يتفرع عليه من نزول كل منهما منزلة الآخر بالتغابن؛ لأن التغابن تفاعل من الغبن، وهو أخذ الشيء من صاحبه بأقل من قيمته، وهو لا يكون إلا في عقد المعاوضة ولا معاوضة في الآخرة فإطلاق التغابن علي ما يكون فيها إنما هو بطريق الاستعارة التمثيلية. وفي الآية أيضًا فن التهكم؛ لأنه يتهكم بالأشقياء، لأن نزولهم منازلهم في النار ليس بغبن.

ومنها: جناس الاشتقاق في قوله: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ} .

ومنها: التكرار في قوله: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} للتأكيد والإيذان بالفرق بين الطاعتين في الكيفية، وتوضيح مورد التولي في قوله:{فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ} ؛ أي: أعرضتم عن إطاعة الرسول، كما مر في مبحث التفسير.

ومنها: إظهار الرسول مضافًا إلى نون العظيمة في مقام إضماره؛ لتشريفه صلى الله عليه وسلم، والإشعار بمدار الحلم الذي هو كون وظيفته صلى الله عليه وسلم محض البلاغ، ولزيادة تشنيع التولي عنه صلى الله عليه وسلم.

ومنها: إظهار الجلالة في قوله: {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} في موضع الإضمار، للإشعار بعلية التوكل، والأمر به. فإن الألوهية مقتضية للتبتل إليه تعالى، وقطع التعلق عما سواه بالمرة.

ومنها: الإتيان بـ {مِنْ} التبعيضية في قوله: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ} إشعارًا بأن منها ما ليس بعدو بل هو عون على الدنيا والآخرة.

ومنها: الحث على العفو والصفح في قوله: {وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا} إشعارًا بأنه ليس المراد من الأمر بالحذر وتركهم بالكلية والإعراض عن معاشرتهم ومصاحبتهم، كيف؟ والنساء من أعظم نعم الجنة، وبها نظام العالم. فإنه لولا الأزواج لما وجد الأنبياء والأولياء والعلماء والصلحاء، وإنما يحذر من التعلق بها،

ص: 395

ومحبتها الشاغلة عن محبة الله تعالى.

ومنها: الحصر في قوله: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ} ؛ لأن جميع الأموال والأولاد فتنة؛ لأنه لا يرجع إلى مال أو ولد إلا وهو مشغول القلب به.

ومنها: الاستعارة التمثيلية في قوله: {إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} شبه الإنفاق في سبيل الله والتصدق على الفقراء بمن يقرض الله قرضًا حسنًا وأحب الوفاء، وذلك بطريق التمثيل، وهو من لطيف الاستعارة وبديع العبارة، وقيل في قوله:{إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ} استعارة تصريحية تبعية، وفي قوله:{قَرْضًا حَسَنًا} استعارة تصريحية أصلية.

ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

ص: 396

خلاصة ما حوته هذه السورة الكريمة

اشتملت هذه السورة على ما يلي:

1 -

صفات الله الحسنى.

2 -

إنذار المشركين بذكر ما حل بمن قبلهم من الأمم.

3 -

إنكار المشركين للبعث.

4 -

بيان أن ما يحدث في الكون فهو بأمر الله وتقديره.

5 -

تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه لا يضيره إصرارهم على الكفر.

6 -

أن من الأزواج والأولاد أعداء للمرء.

7 -

الأموال والأولاد فتنة.

8 -

الحث على التقوى والإنفاق في سبيل الله تعالى.

والله أعلم

* * *

ص: 397