المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌سورة الممتحنة سورة الممتحنة مدنية، نزلت بعد الأحزاب، قال القرطبي: في - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٩

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: ‌ ‌سورة الممتحنة سورة الممتحنة مدنية، نزلت بعد الأحزاب، قال القرطبي: في

‌سورة الممتحنة

سورة الممتحنة مدنية، نزلت بعد الأحزاب، قال القرطبي: في قول الجميع، وأخرج (1) ابن الضريس والنحاس وابن مردويه، والبيهقي عن ابن عباس قال: نزلت سورة الممتحنة بالمدينة.

وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله. والممتحنة - بكسر الحاء - اسم فاعل، أضيف الفعل إليها مجازًا، كما سميت: سورة براءة، والفاضحة؛ لكشفها عن عيوب المنافقين. وقيل: الممتحَنة - بفتح الحاء - اسم مفعول، أضافها إلى المرأة التي نزلت فيها، وهي: أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، لقوله: {فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ

} الآية. وهي امرأة عبد الرحمن بن عوف، والدة إبراهيم بن عبد الرحمن. اهـ. "قرطبي". وفي "زاده": الممتحِنة - بكسر الحاء -: المختبرة، أضيفت السورة إلى الجماعة الممتحنة من حيث إنه ذكر فيها أمر جماعة المؤمنين بالامتحان، وإن فتحت الحاء .. يكون المعنى: سورة المرأة المهاجرة التي نزلت فيها آية الامتحان. اهـ.

وآياتها: ثلاث عشرة آية، وكلماتها: ثلاث مئة وثمان وأربعون كلمة، وحروفها: ألف وخمس مئة وعشر.

تسميتها: تسمى سورة الممتحنة كما مرّ لذكر الامتحان فيها. وتسمى (2) سورة براءة، وسورة المبعثرة، وسورة الفاضحة.

مناسبتها لما قبلها من وجهين (3):

1 -

أنه ذكر في السابقة موالاة الذين نافقوا للذين كفروا من أهل الكتاب، وذكر هنا نهي المؤمنين عن انخاذ الكفار أولياء لئلا يشبهوا المنافقين.

(1) الشوكاني.

(2)

المراح.

(3)

المراغي.

ص: 186

2 -

أنه ذكر في السابقة المعاهدين من أهل الكتاب، وذكر هنا المعاهدين من المشركين.

وعبارة أبي حيان هنا (1): ومناسبة هذه السورة لما قبلها: أنه لما ذكر فيما قبلها حالة المنافقين والكفار افتتح هذه بالنهي عن موالاة الكفار والتودد إليهم. انتهت.

الناسخ والمنسوخ فيها: قال ابن حزم (2): سورة الممتحنة فيها من المنسوخ ثلاث آيات:

أولاهن: قوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ

} الآية (8)، نسخت بقوله تعالى: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ

} الآية (9). وهذا مما نسخ فيه العموم بتفسير الخصوص.

الثانية: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ

} الآية (10)، فنسخت بقوله تعالى: {فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ

} الآية (10). وقيل: نسخت بقوله تعالى: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ

} الآية.

الثالثة: قوله تعالى: {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ

} إلى قوله: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ

} الآية (11)، نسخت بآية السيف.

فضلها: ومما ورد في فضلها: ما روي (3) عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من قرأ سورة الممتحنة .. كان له المؤمنون والمؤمنات شفعاءَ يوم القيامة". ذكره "البيضاوي" ولكن هذا حديث لا أصل له.

فائدة: في ذكر تسمية هذه السورة بالممتحنة - بكسر الحاء - على صيغة اسم الفاعل: لعل (4) هذا الاسم مأخوذ من قوله تعالى فيما بعد: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ} . أمر الله المؤمنين هناك بالامتحان، فهم الممتحنون - بكسر الحاء - حقيقة، وأضيف الامتحان إلى السورة مجازًا، فسميت بسورة الممتحنة للمبالغة. ويحتمل أن يكون المراد الجماعة

(1) البحر المحيط.

(2)

ابن حزم.

(3)

البيضاوي.

(4)

روح البيان بتصرف.

ص: 187

الممتحنة؛ أي: المأمور بامتحانها. ويؤيده ما روي: أنه قد تفتح الحاء، فيكون المراد النساء المختبرة، فالإضافة بمعنى اللام التخصيصية؛ أي: السورة التي تذكر فها النساء الممتحنة؛ أي: المختبرة، مثل: سورة البقرة وأمثالها. ويحتمل أن يكون مصدرًا ميميًا بمعنى الامتحان، على ما هو المشهور من أن المصدر الميمي وأسماء المفعول والزمان والمكان فيما زاد على الثلاثي تكون على صيغة واحدة؛ أي: سورة الامتحان، مثل سورة الإسراء وغيرها. انتهى من "الروح".

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

ص: 188

بسم الله الرحمن الرحيم

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1) إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2) لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (3) قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5) لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (6) عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7) لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)} .

المناسبة

قد سبق لك قريبًا بيان المناسبة بين هذه السورة والسابقة. وأما قوله تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ

} الآيات، فمناسبتها لما قبلها: أن الله (1) سبحانه وتعالى لما أنكر عليهم موالاتهم للكافرين، وذكر لهم الموانع التي تمنع من ذلك؛ كإخراجهم من الديار، وتمني الكفر لم، وصدهم عن هداية الدِّين، وكفرهم بالرسول وبما جاء به، وأنهم متى وجدوا سبيلًا لأذاهم بقول أو فكر سلكوه غير آبهين لصلة رحم ولا قربى .. أكد هنا ذلك فأمرهم أن يأتسوا بإبراهيم

(1) المراغي.

ص: 189

وأصحابه؛ إذ تبرؤوا من قومهم وعادوهم، وقالوا لهم:{إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ} . قال الفراء فكأنه يقول: أفلا تأسيت - يا حاطب - بإبراهيم حين تبرأ من أهله، ولتعلم أن الحب في الله والبغض في الله من أوثق عرا الإيمان.

قوله تعالى: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما نهاهم عن موالاة الكفار وإلقاء المودة إليهم، وضرب لهم المثل بإبراهيم وقومه حملهم ذلك على أن يظهروا براءتهم من أقربائهم والتشدد في معاداتهم ومقاطعتهم، وكان ذلك عزيزًا على نفوسهم ويتمنون أن يجدوا المخلص منه .. أردف ذلك سبحانه أنه سيغير من طباع المشركين ويغرس في قلوبهم محبة الإِسلام، فيتم التواد والتصافي بينكم وبينهم، وفي ذلك إزالة الوحشة من قلوب المؤمنين، وتطييب لقلوبهم. وقد أنجز الله وعده، فأتاح للمسلمين فتح مكة، فأسلم قومهم وتمّ لهم ما كانوا يريدون من التحاب والتواد. ثم رخص لهم في صلة الذين لم يقاتلوهم من الكفار ولم يخرجوهم من ديارهم، ولم يظاهروا على إخراجهم.

أسباب النزول

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ

} الآيات، سبب نزولها: ما أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما: أن سارة - التي كانت مغنية ونائحة بمكَّة - أتت المدينة تشكو الحاجة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب أن يعطوها ما يدفع حاجتها، فأعطوها نفقة وكسوة وحملوها، فجاءها حاطب بن أبي بلتعة - مولى عبد الله بن حميد بن عبد العزى - فأعطاها عشرة دنانير، وكتب معها كتابًا - إلى أهل مكة، هذا صورته: من حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدكم، فخذوا حذركم. فأخبره جبرئيل به، فبعث إليها عليًا وعمارًا وطلحة والزبير والمقداد وأبا مرشد - وكانوا فرسانًا - وقال: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ - موضع - فإن بها ظعينة امرأة معها كتاب من حاطب إلى أهل مكة، فخذوه منها وخلوها، فإن أبت .. فاضربوا عنقها. فأدركوها، فجحدت وحلفت فهموا بالرجوع، فقال علي: والله ما كذبنا ولا كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسل سيفه وقال لها: أخرجي الكتاب أو ألقي ما معك من الثياب، فأخرجته من

ص: 190