المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

روي: أنه صلى الله عليه وسلم خطب، فقال: "إن الله - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٩

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: روي: أنه صلى الله عليه وسلم خطب، فقال: "إن الله

روي: أنه صلى الله عليه وسلم خطب، فقال:"إن الله افترض عليكم الجمعة في يومي هذا وفي مقامي هذا، فمن تركها في حياتي وبعد مماتي وله إمام عادل أو جاثر من غير عذر .. فلا بارك الله له، ولا جمع شمله، ألا فلا حجّ له، ألا فلا صوم له، ومن تاب .. تاب الله عليه".

ومعنى الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} ؛ أي: إذا (1) أذّن المؤذن بين يدي الإِمام وهو على المنبر في يوم الجمعة للصلاة. فاتركوا البيع واسعوا إلى موضع الجمعة، واذهبوا إليه لتسمعوا موعظة الإِمام في خطبته، وعليكم أن تمشوا الهوينى، بسكينة ووقار حتى تصلوا إلى المسجد.

روى الشيخان عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أقيمت الصلاة .. فلا تأتوها وأنتم تسعون - تسرعون - وأتوها وأنتم تمشون، وعليكم السكينة والوقار، فما أدركتم .. فصلوا وما فاتكم .. فأتموا".

وعن أبي قتادة قال: بينما نحن نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ سمع جلبة رجال، فلما صلى قال:"ما شأنكم"؟ قالوا: استعجلنا إلى الصلاة، قال: فلا تفعلوا، إذا أتيتم فامشوا، وعليكم السكينة، فما أدركتم .. فصلوا وما فاتكم .. فأتموا". رواه البخاري ومسلم.

ذالكم السعي وترك البيع خير لكم من التشاغل بالبيع وابتغاء النفع الدنيوي، فإن منافع الآخرة خير لكم وأبقى، فهي المنافع الباقية. وأما منافع الدنيا: فهي زائلة. وما عند الله خير لكم إن كنتم من ذوي العلم الصحيح بما يضر وما ينفع.

‌10

- ثم ذكر ما يفعلون بعد الصلاة، فقال:{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ} التي نوديتم لها أي: أديت وفرغ منها {فَانْتَشِرُوا} ؛ أي: تفرقوا {فِي الْأَرْضِ} لإقامة مصالحكم والتصرف في حوائجكم بأن يذهب كل منكم إلى موضع فيه حاجة من الحوائج المشروعة التي لا بدّ من تحصيلها للمعيشة، من التجارة والصناعة والزراعة.

فإن قلت (2): ما معنى هذا الأمر، فإنه لو لبث في المسجد إلى الليل يجوز، بل هو مستحبّ؟.

(1) المراغي.

(2)

روح البيان.

ص: 302

فالجواب: أن هذا أمر الرخصة لا أمر العزيمة؛ أي: لا جناح عليكم في الانتشار بعدما أديتم حق الصلاة.

{وَابْتَغُوا} ؛ أي: واطلبوا لأنفسكم وأهليكم {مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} سبحانه وعطائه؛ أي: من الرزق الحلال، بأي وجه يتيسر لكم من التجارة وغيرها من المكاسب المشروعة. دل على هذا المعنى سبب نزول قوله تعالى:{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً} الخ، كما سيأتي قريبًا.

فالأمر بعد الحظر للإطلاق؛ أي: للإباحة لا للإيجاب، كقوله:{وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} . وذكر الإِمام السرخسي: أن الأمر للإيجاب؛ لما روي: أنه صلى الله عليه وسلم قال: "طلب الكسب بعد الصلاة هو الفريضة بعد الفريضة، وتلا قوله تعالى:{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ} . وقيل: إنه للندب، فعن سعيد بن جبير: إذا انصرفت من الجمعة .. فساوم بشيء وإن لم تشتره. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: لم يؤمروا بطلب شيء من الدنيا، إنما هو عيادة المرضى وحضور الجنائز وزيارة أخ في الله. وعن الحسن، وسعيد بن المسيب: هو طلب العلم. وقيل: صلاة التطوع.

والظاهر (1): أن مثل هذا إرشاد للناس إلى ما هو الأولى، ولا شك في أولوية المكاسب الأخروية مع أن طلب الكفاف من الحلال عبادة، وربما يكون فرضًا عند الاضطرار.

{وَاذْكُرُوا اللَّهَ} سبحانه بالجنان واللسان {كَثِيرًا} ؛ أي: ذكرًا كثيرًا أو زمانًا كثيرًا، ولا تخصوا ذكره تعالى بالصلاة؛ أي: واذكروه بالشكر له على ما هداكم إليه من الخير الأخروي والدنيوي، واذكروه أيضًا بما يقربكم إليه من الأذكار؛ كالحمد، والتسبيح، والتكبير، والاستغفار ونحو ذلك. {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}؛ أي: كي تفوزوا بخير الدارين وتظفروا به.

والمعنى (2): أي فإذا أديتم الصلاة .. فتفرقوا لأداء مصالحكم الدنيوية بعد أن أديتم ما ينفعكم في آخرتكم، واطلبوا الثواب من ربكم، واذكروا الله وراقبوه في جميع شؤونكم، فهو العليم بالسر والنجوى، لا تخفى عليه خافية من أموركم،

(1) روح البيان.

(2)

المراغي.

ص: 303