الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة التغابن
سورة التغابن نزلت بعد التحريم، قال "البيضاوي": سورة التغابن اختلف فيها. وهي (1) مدنية في قول الأكثرين، وقال الضحَّاك: هي مكية، وقال الكلبي: هي مدنية ومكية. وأخرج ابن الضريس، وابن مردويه، والبيهقي في "الدلائل" عن ابن عباس قال: نزلت سورة التغابن بالمدينة. وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله. وأخرج النحاس عن ابن عباس قال: نزلت سورة التغابن بمكة، إلا آيات من آخرها نزلت بالمدينة في عوف بن مالك الأشجعي، شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جفاء أهله وولده، نانزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ
…
} إلى آخر السورة ثلاث آيات. وأخرج ابن إسحاق وابن جرير عن عطاء بن يسار نحوه.
وآيها: ثماني عشرة آية، وكلماتها: مئتان وإحدى وأربعون كلمة، وحروفها: ألف وسبعون حرفًا.
ومناسبتها لما قبلها من ثلاثة أوجه (2):
1 -
أنه في السورة قبلها ذكر حال المنافقين وخاطب بعد ذلك المؤمنين، وهنا قسم الناس قسمين: مؤمنًا وكافرًا.
2 -
نهى هناك عن الاشتغال بالأولاد عن ذِكر الله، وهنا ذكر أن الأموال والأولاد فتنة.
3 -
في السورة السابقة حث على الإنفاق في سبيل الله، وفي ذكر التغابن حث عليه أيضًا.
وقال أبي حيان (3): مناسبة هذه السورة لما قبلها: أن ما قبلها مشتمل على
(1) الشوكاني.
(2)
المراغي.
(3)
البحر المحيط.
حال المنافقين، وفي آخرها خطاب المؤمنين، فأتبعه بما يناسبه من قوله:{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} . وهذا تقسيم في الإيمان والكفر بالنظر إلى الاكتساب عند جماعة من المتأولين لقوله صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة"، وقوله تعالى:{فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} انتهى.
الناسخ والمنسوخ فيها: وقال أبي عبد الله، محمد بن حزم: سورة التغابن ليس فيها منسوخ وفيها ناسخ، وهو قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ
…
} الآية (16) نسخ قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} ، لمَّا اشتكى المسلمين من ذلك.
تسميتها: سميت بلفظ التغابن لذِكره فيها.
ومن فضائلها: ما أخرجه البخاري في "تاريخه" عن عبد بن عمرو قال: ما من مولود يولد إلا مكتوب في تشبيك رأسه خمس آيات من أول سورة التغابن. ومنها: ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من قرأ سورة التغابن .. دفع عنه موت الفجأة".
والله أعلم
* * *
بسم الله الرحمن الرحيم
المناسبة
تقدم لك بيان مناسبة أول هذه السورة لآخر السابقة. وأما قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ
…
} الآيتين، مناسبتهما لما قبلهما: أن الله سبحانه لما (1) بسط الأدلة على عظيم قدرته وواسع علمه، وأنه خلق السماوات والأرض
(1) المراغي.
وأنه صورهم فأحسن صورهم، وأنه يعلى السر والنجوى .. حذر المشركين من كفار مكة على تماديهم في الكفر والجحود بآياته وإنكار رسالة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وبين لهم عاقبة يحل بهم من العذاب في الدنيا والآخرة، وضرب لهم الأمثال بالأمم المكذبة من قبلهم، فقد كذبوا رسلهم وتمادوا في عنادهم وقالوا: أيرسل الله من البشر رسلًا؟ فحلت بهم نقمة ربهم وأخذهم أخذ عزيز مقتدر، فأصبحت ديارهم خرابًا يباسًا، كأن لم يغنوا بالأمس، فهلا يكون ذلك عبرة لهم فيثوبوا إلى رشدهم ويرجعوا إلى ربهم لو كانوا من أرباب النهى؟
قوله تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر فيما سلف انكار المشركين للألوهية ثم إنكارهم للنبوة بقولهم: أبشر يهدوننا، ثم أعقبه بأنهم سيلقون الوبال والنكال جزاء ما فعلوا .. أردف ذلك بذكر إنكارهم للبعث، ثم إثبات تحققه، وأنه كائن لا محالة، وأن كل أمرىء سيجازى بما فعل يوم يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد حين يغبن الكفار في شرائهم؛ لأنهم اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة، ويفوز المؤمنون في تجارتهم بالصفقة الرابحة، لأن الله اشترى منهم أموالهم وأنفسهم بالجنة فضلًا منه ورحمة.
قوله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما (1) ذكر فيما سلف أن الناس قسمان: كافر بالله مكذب لرسله لا يألو جهدًا في إيصال الأذى بهم، ومؤمن بالله مصدق لرسله، وهو يعمل الصالحات .. أردف ذلك ببيان أن ما يصيب الإنسان من خير وشر فهو بقضاء الله وقدره بحسب النظم التي وضعها في الكون، فعلى الإنسان أن يجد ويعمل ثم لا يبالي بعد ذلك بما يأتي به القضاء؛ لعلمه بأن ما فوق ذلك ليس في طاقته ولو يهوله أمره ولن يحزن عليه. ثم أمر بعد ذلك بطاعة الله وطاعة الرسول، وأبان أن تولي الكافرين عن الرسول لن يضيره شيئًا فإنه قد أدى رسالته، وما على الرسول إلا البلاغ، وأن على المؤمن أن يتوكل على الله وحده، وهو يكفيه شر ما أهمه.
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ
…
} إلى آخر
(1) المراغي.
السورة. مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما (1) أمر بطاعة الله وطاعة رسوله، وذكر أن المؤمن ينبغي له أن يتوكل على الله تعالى ولا يعتمد إلا عليه .. ذكر هذا أن من الأولاد والزوجات أعداء لآبائهم وأزواجهم، يثبطونهم عن الطاعة ويصدونهم عن تلبية الدعوة لما فيه رفعة شأن الدين وإعلاء كلمته، فعليكم أن تحذروهم ولا تتعبوا أهواءهم حتى لا تكونوا إخوان الشياطين يزينون لكم المعاصي، ويصدونكم عن الطاعة. ثم أردف هذا ببيان أن الإنسان مفتون بماله وولده، فإنه ربما عصى الله تعالى بسببهما فغصب المال أو غيره لأجلهما، فعليه أن يتقي الله ما استطاع إلى ذلك سبيلًا ولينفق ذو سعة من سعته، فمن جاد بماله ووقى نفسه الشحّ .. فهو الفائز بخيري الدنيا والآخرة، ومن أقرض الله سبحانه قرضًا حسنًا .. فالله يضاعف له الحسنة بعشرة أضعافها إلى سبع مئة ضعف، وهو عالم بما يغيب عن الإنسان وما يشاهد له، وهو العزيز الحكيم في تدبير شؤون عباده.
أسباب النزول
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ
…
} الآية، سبب نزول هذه الآية (2): ما أخرجه الترمذي والحاكم، وصححاه عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: نزلت هذه الآية: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ
…
} الآية. في قوم من أهل مكة أسلموا فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم يأتوا المدينة، فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم .. رأوا الناس قد فقهوا، فهَمُّوا أن يعاقبوهم، فأنزل الله تعالى: {وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا
…
} الآية.
وأخرج ابن جرير عن عطاء بن يسار قال: نزلت سورة التغابن كلها بمكة، إلا هؤلاء الآيات: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ
…
} نزلت في عوف بن مالك الأشجعي، كان ذا أهل وولد، فكان إذا أراد الغزو .. بكوا إليه ووقفوه، فقالوا: إلى من تدعنا؟ فيرق ويقيم. فنزلت هذه الآية وبقية الآيات إلى آخر السورة بالمدينة.
(1) المراغي.
(2)
لباب النقول.